الثلاثاء، 5 مارس 2013

معادلة العفاف


قيل : يمتحن الذهب بالنار ،
والمرأة بالذهب ،
والرجل بالمرأة ..
ما بين رجلين وامرأتين يبرز العفاف بوجهه المشرق..أكرم به من خلق.. سجيّة طيبة.. قدح معلّى.. ثمرة حلوة.. رائحة زكية.. تلكم معاشر الشباب هي: ( معادلة العفاف )
قصتان رائعتان رسالة من السلف وفعل من الخلف.. تلكم هي نتاج تربية القرآن ‏{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }‏

القصة الأولى لشاب عابد في الكوفة أوردها الزبيدي رحمه الله تعالى في كتابه " إتحاف السادة المتقين " وهاهو نصها:
قال سعيد أبو أحمد العابد عليه رحمة الله تعالى:
 كان عندنا في الكوفة شاب متعبد لازم لمسجد جامع لا يفارقه، وكان حسن السمت، فنظرت إليه امرأة ذات جمال وعقل فشغفت به، طال عليها ذلك فلما كان ذات يوم وقفت له على الطريق وهو يريد المسجد فقالت له: يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها ثم اعمل ما شئت.. فمضى ولم يكلمها.. ثم وقفت له بعد ذلك على طريقه وهو يريد منزله فقالت له: يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها، فأطرق مليا وقال: هذا موقف تهمة وأنا أكره للتهمة موضعا.. فقالت له: والله ما وقفت موقفي هذا جهالة بأمرك ولكن معاذ الله أن يتشوّف العباد إلى مثل هذا مني والذي حملني على أن لقيتك في مثل هذا الأمر بنفسي لمعرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير وأنتم معاشر العباد على مثال القوارير أدنى شيء يعيبها، وجملة ما أقول لك - كما تقول هذه المرأة لهذا العابد- إن جوارحي كلها مشغولة بك فالله في أمري وأمرك
قال: فمضى الشاب إلى منزله وأراد أن يصلي فلن يعقل كيف يصلي وهكذا أهل الحب والغرام، أخذ قرطاساً وكتب كتاباً ثم خرج من منزله وإذا بالمرأة واقفة في موضعها فألقى الكتاب إليها ورجع من منزله وكان فيه.. أتظنون معاشر الشباب أن فيه كلمات الحب والغرام كما يفعل بعض الشباب! كلا، لكنه كتب كتاباً فيه: ( بسم الله الرحمن الرحيم اعلمي أيتها المرأة أن الله عز وجل إذا عصاه العبد حلم فإذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ستر فإذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى لنفسه غضبة تضيق منها السماوات والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا يطيق غضبه! فإن كان ما ذكرتِ باطلا فإني أذكرك يوما تكون فيه السماء فيه كالمهل وتصير الجبال كالعهن وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بإصلاح غيري، وإن كان ما ذكرت حقا فإني أدلّك على طبيب يداوي الجراح ذلك الله رب العالمين فقصديه بصدق المسألة فإني مشغول عنك بقول الله تعالى ‏{ ‏وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }‏ فأين المهرب من هذه الآية؟! )
ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على الطريق فلما رآها من بعيد أراد الرجوع لمنزله كي لا يراها فقالت: يا فتى لا ترجع فلا كان الملتقى بعد هذا اليوم أبداً إلا غداً بين يدي الله عز وجل ثم بكت بكاء شديداً وقالت: أمنن علي بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية أعمل عليها
فقال لها: أوصيك بحفظ نفسكِ من نفسكِ وأذكرك قوله تعالى { ‏وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ }‏
فما كان منها إلا أن بكت بكاء شديدا ثم لزمت في بيتها وأخذت في العبادة فلم تزل كذلك حتى ماتت عليها رحمة الله تعالى..

فبصرك اليوم الحديد ...

فبصرك اليوم الحديد ...

نعرف اليوم أن قدرة العين على الرؤية محدودة، وذلك لسببين:
الأول لأن العين لا ترى الأجسام حقيقة بل ترى الضوء المنعكس أو الصادر عن هذه الأجسام.
الثاني لأن الله سبحانه وتعالى بحكمته جعل العين قادرة على استقبال الضوء المرئي المحصور بين اللونين الأحمر والبنفسجي فقط .
ونعرف إذن أننا نرى جزء بسيطا من الوجود، وما لا نراه يسمى عالم الغيب، والإنسان محجوب عن الغيب ما دام في الحياة الدنيا ، حتى إذا مات كشف الغطاء، واطلع على الغيب، وقد ورد في سورة ق :
{ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ }
لقد كنت في حياتك الدنيا أيها الإنسان غافل عن عالم الغيب، والغفلة شيء من الغطاء كاللبس وأكثر منه، لأن الشاك يلتبس الأمر عليه، والغافل يكون الأمر بالكلية محجوباً قلبه عنه وهو الغلف.
و قوله تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} إشارة إلى أن الموت نوما يستيقظ الإنسان منه ، ويزاح عنه غطاءه الثقيل ، لكي يرى بعين الحقيقة ما كان يسمع عنه من غيب، يرى البعث والنشور، ويرى الملائكة ، ويرى الصراط ، وما أخبر الله تعالى عنه في عالم الغيب ، {فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ} أي قوي؛ يقطع ستائر الغيب ويخترق الحواجز التي كانت تفصلك عن الآخرة، وقد كان في الدنيا ضعيفا محدودا قاصرا.
وقتها يعرف الإنسان أنت الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة ، فيقول :
{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51)
 قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) يس
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)
 يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر
ومن هنا نستطيع أن نفهم قول علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا .
ولله در الشاعر أبي الحسن التهامي حين قال :

حُكمُ المنيِة في البريِّة جارِبينـا تـرى الإنسانَ فيها مُخبراً
طُبعت على كدر وأنت ترومها
ومكلِّفُ الأيام ضـدَّ طِبـاعها
والعيش نومٌ والمنيـة يقظةٌ

مــا هـذه الدنيا بدارِ قـرارِحتى يـُرى خيراً من الأخيـار
صفواً من الأقـذار والأكدار
متطلِّبٌ في الماء جذوةَ نارِوالمـرءُ بينهمـا خيالٍ ساري

في المحبة ...



      
 وفي ليلة العاشر من ذي الحجة سنة ستٍ ومئة أفاض الشيخ المعمَّر طاووس مع الحجيج من عرفات إلى المزدلفة للمرة أربعين ، فلما حط رحاله في رحابها الطاهرة ، وأدى المغرب مع العشاء ، وأسلم جنبيه إلى الأرض يلتمس شيئاً من الراحة أتاه اليقين ..
فيحبه جبريل ، فينادي في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء؛ ثم يوضع له القبول في الأرض) والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
فالتحابب والتآلف إنما يُنال بالإيمان والعمل الصالح، وقال القاسم رحمة الله: يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة ومحبة﴿95﴾ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴿96﴾ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ﴿97﴾

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ﴿98﴾
قوله تعالى: إن الذين آمنوا أي صدقوا. وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا أي حباً في قلوب عباده. حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد سيجعل لهم الرحمن ودا قال : يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا علي بن هاشم ، عن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : يحبهم ويحببهم.
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو ، عن قتادة ، في قوله سيجعل لهم الرحمن ودا قال : ما أقبل عبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه ، وزاده من عنده.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا : إي والله في قلوب أهل الإيمان. ذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، أن عثمان بن عفان كان يقول: ما من الناس عبد يعمل خيراً ولا شراً، إلا كساه الله رداء عمله.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله سيجعل لهم الرحمن ودا قال : محبة. وذكر أن هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف.
حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي ، قال : أخبرنا يعقوب بن محمد ، قال : ثنا عبد العزيز بن عمران ، عن عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن أمه أم إبراهيم ابنة أبي عبيدة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيها، عن عبد الرحمن بن عوف ، أنه لما هاجر إلى المدينة وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة، منهم شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمتة بن خلف ، فأنزل الله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا .

في حــق الأخـــــوة ....



قال يحيى بن معاذ : حظ المؤمن منك ثلاث خصال؛ لتكون من المحسنين : إحداهما : إن لم تنفعه فلا تضره.
الثانية : إن لم تسرَّه فلا تغمه .
والثالثة : إن لم تمدحه فلا تذمَّه .

قال الإمام الشافعي:
من علامات الصادق من اخوة أخيه :
أن يقبل علله، ويسد خلله، ويغفر زلـله . 
قال الحسن : لأن اقضي حاجة لأخ أحبّ إليَّ من أن أعتكف سنة . وقال : خصلتان ليس فوقهما شيء : الإيمان بالله ونفع الإخوان ..

الإخلاص والحكمة عندما يجتمعا

الإخلاص والحكمة عندما يجتمعا

يذكر أنه في زمن أبي جعفر المنصور ، دخل عليه رجل مجوسي يدعي الإيمان . فقال : إن رائحة الطائفين حول الكعبة تزعج البعض فلو وضعت على ظهر الكعبة بخوراً وناراً لإن هبت الريح شم الناس ريحاً طيباً . فأمر الخليفة بفعل ذلك . وهذه قضية المجوس: الطواف وعبادة النار . فبلغ ذلك العالم يزيد بن النقاش ، فقال : انشروا بين الناس أني ذاهب للحج.
فقال أبو جعفر : نذهب معه لنتعلم منه، فتواعد كلاهما أن يلتقيا في التنعيم ليلقي أبو اليزيد درساً في مناسك الحج. فاجتمع الناس وفيهم أبو جعفر. فقال أبو اليزيد : "إذا قلت أما بعد ، استوقفني. وأحمد الخليفة ، أنه فعل كذا وكذا، حتى إنه وضع البخور على ظهر الكعبة. فبدأ أبو اليزيد حديثه ، فحمد الله ثم قال : أما بعد. فاستوقفه المريد وقال ما أمره به أبو اليزيد .
فقال أبو اليزيد : إخسأ يا هذا أأنت أفقه من أمير المؤمنين ؟ أمير المؤمنين أفقه مني ومنك وأعلم بكتاب الله مني ومنك. كيف تتدعي على أمير المؤمنين كذباً أنه يفعل كما تفعل المجوس نطوف حول النار. وانفعل أبو اليزيد حتى قال أمير المؤمنين لأحدهم : اذهب بسرعة وانزل البخور وأطفؤوا النيران. فانتهى الأمر بأدب، دون تجريح لأحد .

السلق بألسن الإخوان ....

السلق بألسن الإخوان ....

بعض المشايخ مولعين بنقد وقدح واتهام إخوانهم من المشايخ، فلا حديث لهم إلا مخالفيهم، تجريحا واتهاما وحط من شأنهم وعملهم، ومكانتهم، ويتركون غلاة الكفار من أهل الشرك والكفر والإلحاد آمنين من ألسنتهم، وإذا قيل لهم هذا لا يجوز قالوا أنتم إخواننا وأهل الإسلام واجبنا أن نقيمكم أما أهل الكفر فلا نصيحة لهم عندنا، وإذا قيل لنصيحة المسلم آداب منها أن لا تكون على رؤوس الأشهاد وأن لا يعتريها تخوين وتكفير وشتم ، قالوا كذلك الأب يقسوا على أبنائه ولا يقسوا على أولاد الناس، فيا له من منطق سخيف ، وما أشبه ذلك بقصة الشيخ واصل بن عطاء مع الخوارج. 
يروى أن واصل بن عطاء أقبل في رفقة فأحسوا الخوارج، فقال واصل لأهل الرفقة :
إن هذا ليس من شأنكم، فاعتزلوا ودعوني وإياهم، وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقالوا : شأنك. فخرج إليهم، فقالوا ما أنت وأصحابك ؟ قال : مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله، ويعرفوا حدوده. فقالوا قد أجرناكم قال : فعلمونا. فجعلوا يعلمونه أحكامهم ، وجعل يقول : قد قبلت أنا ومن معي. قالوا : فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا. قال : ليس ذلك لكم، قال الله تبارك وتعالى : وإن أحد )
فأبلغونا مأمننا، فنظر بعضه إلى بعض ثم قالوا : ذاك لكم، فساروا بأجمعهم حتى بلغوا المأمن.

لقاحــــات ربانية ....

لقاحــــات ربانية .... 

يقول الله تعالى في سورة السجدة:
{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ٍ24} .       
ابن القيم رحمه الله في كتابه ( الفوائد ) فكك عناصر هذه المعادلة، فإذا اجتمع الصبر مع اليقين أورثا الإمامة في الدين، وعبر عن التفاعل بين الصبر واليقين بالتلاقح، فقال :الصبر لقاح اليقين، فإذا اجتمعا أورثا الإمامة في الدين.

ومن اشهر المعادلات الذي ذكرها ابن القيم:
v   الطلب لقاح الإيمان، فإذا اجتمع الإيمان والطلب أثمرا العمل الصالح.
v   الخشية لقاح المحبة، فإذا اجتمعا أثمرا امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.
v   العمل لقاح العلم، فإذا اجتمعا كان الفلاح والسعادة.
v   العزيمة لقاح البصيرة، فإذا اجتمعا نال صاحبهما السيادة في الدنيا     والآخرة.
v   التقوى لقاح التوكل، فإذا اجتمعا استقام القلب.
v   النصيحة لقاء العقل، فإذا اجتمعا أنتجا الحكمة والسداد.
v   لقاح الهمة العالية النية الصحيحة، فإذا اجتمعا بلغ العبد غاية المراد.
v   الصبر لقاح البصيرة ، فإذا اجتمعا فالخير في اجتماعهما .

اللقمـــــة الحــلال ....

اللقمـــــة الحــلال ....  
قال عمر بن سليمان : سألت أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد ـ : بم تلين القلوب ؟؟
فنظر إليّ ثم أطرق لحظات وقال: بأي شيء ! بأكل الحلال . قال عمر فذهبت إلى أبي النصر ، فقلت له يا أبا النصر : بم تلين القلوب؟ فقال : ألا بذكر الله تلين القلوب. فقلت له : فإني سألت أبا عبد الله، فتهلل وجهه وقال : وبم أجاب ؟ قلت : قال لي بأكل الحلال ، فقال : جاءك بالأصل .
قال أبو بكر عبد الله الباجي الزاهد : خمس خصال بها تمام العمل : الإيمان بمعرفة الله عز وجل، ومعرفة الحقّ ، وإخلاص العمل لله ، والعمل على السنّة ، وأكل الحلال ، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل ، فإذا عرفت الله ولم تعرف الحق لم تنتفع، إن عرفت الله وعرفت الحق ولم تخلص لم تنتفع ، وإن عرفت الله وعرفت الحق وأخلصت العمل ولم يكن على السنة لم تنتفع ، وإن تمت الأربعة ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع .
وقال وهب بن الورد : لو قمت مقام هذه السارية ( تقيم الليل أبدا ) لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك من حلال أو حرام .
روي عن أبي سعيد الخدري أنهم خرجوا مع الرسول ـ في سفر فنزلوا رفقاً ، رفقة مع فلان ، ورفقة مع فلان ، قال : فنزلت في رفقة أبي بكر، فكان معنا أعرابي من أهل البادية، فنزلنا بأهل بيت من الأعراب وفيهم امرأة حامل ، فقال لها الأعرابي : أيسرك أن تلدي غلاما ؟ إذا أعطيتني شاة ولدت غلاما، فأعطته شاة وسجع لها أساجيع ، قال : فذبح الشاة، فلما جلس القوم يأكلون قال : أتدرون من أين هذه الشاة؟ فأخبرهم فرأيت أبا بكر يضع يده في فيه ويتقيأ .                                                                                                      

مفاتيح الخير ومفاتيح الشر ...

مفاتيح الخير ومفاتيح الشر ...

كان يقال لكل باب مفتاح ، وكان لفظ المفتاح يقترن عند السامع بقطعة حديد ثقيلة تشبه المطرقة ذات أسنان ..                                                                                                                                                                          
واليوم نعرف أن ابن القيم رحمه الله كان أدق في التعبير عندما قال : لكل مطلوب مفتاح ..
فرقم الهاتف هو مفتاح خط الهاتف المطلوب للأخذ والرد ..
ورقم الحساب في البنك هو مفتاح البنك للسحب والإيداع ..
في الحديث الشريف : مفتاح الجنة لا إله إلا الله .
وفي القول السائر : الصبر مفتاح الفرج ....
و الإمام ابن القيم ذكر في كتابه القيم " حادي الأفراح إلى بلاد الأفراح " أن الله جعل لكلِّ خير وشر مفتاحا وبابا يدخل منه إليه، ويقول إن هذا الباب باب عظيم من أنفع أبواب العلم، وهو معرفة مفاتيح الخير والشر، لا يصدق به إلا كلّ من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف ما في نفسه والوجود مكن الخير الشر .
ومن الأمثلة على هذه المفاتيح قول الإمام : مفتاح الصلاة الطَّهور( الوضوء ) . فلكي تحسن الصلاة عليك أن تحسن الوضوء أولا، حتى أن العلماء قالوا : إذا أخطأ الإمام ولُبس عليه في الصلاة، فإن هذا دليل  على أن من خلفه لم يحسن الوضوء . 
فلو توضأ الواحد منا ونظر في آيات الله في الماء أصل كل حي ، وأن الإيمان حياة والكفر موت، وأن الصلاة هي شعار المؤمنين ، وأن الذنوب تتساقط مع ماء الوضوء من تحت الأظافر ومن بين الأسنان كما ذكر الحديث الشريف ، فكيف ستكون صلاتنا ؟؟!!
من مفاتيح الخير الذي ذكرها ابن القيم :
وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا ، يفتح به ، فجعل  مفتاح الصلاة الطهارة، ومفتاح الحج الإحرام ، ومفتاح البر الصدق ، ومفتاح الجنة التوحيد ، ومفتاح العلم حسن السؤال حسن الإصغاء ، ومفتاح النصر والظفر الصبر ، ومفتاح المزيد الشكر ، ومفتاح الولاية المحبة والذكر ، ومفتاح الفلاح التقوى ، ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة ، ومفتاح الإجابة الدعاء ،  ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا ، ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه ،  ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك ، ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب،  ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده،  ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى ،  ومفتاح العز طاعة الله ورسوله ، ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل ، ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة .
ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل ، و جعل الشرك والكبر والأعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار ،  و جعل الخمر مفتاح كل أثم ، وجعل الغنى مفتاح الزنا ، وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق ، وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي مفتاح الكفر ، وجعل الكذب مفتاح النفاق ، وجعل الشح والحرص مفتاح البخل  وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله ،  وجعل الأعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة .
وهذه الأمور لا يصدق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له والله ومن وراء توفيقه وعدله له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

مُحَيّصَــة وَحُوَيّصَـــــــة


من القلوب الغافلة ، ما يستفيق بضربة لطيفة ..  
ومن القلوب الغافلة ، ما لا يستفيق إلا بصعقة عنيفة ..
وفي قصة حويصة ومحيصة مثلا لتلك القلوب التي تستفيق بالصعقة، صعقة حق في موقف مفاصلة، توقظ القلب الغافل، وتذيب عنه طبقة الران التي تحجب نور الإيمان عن شغافه  ..
محيصة بن مسعود من الأوس من الصحابة الكرام، شهد أحد والخندق ، وكان من رسل النبي إلى القبائل، كان شريكا في التجارة مع أخيه الأكبر حويصة الذي كان مشركا، وكانت تربط الشقيقين علاقة تجارية قوية مع تاجر يهودي من بني قريظة اسمه كعب بن يهوذا. 
ولما أظفر الله رسوله على يهود بني قريظة ، قال النبي _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _:
ـ من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه .
فوثب عند ذلك محيصة بن مسعود الأوسي على ابن يهوذا ،  وهو رجل من تجار يهود كان يعاملهم ويبايعهم، فقتله، وكان أخوه  حويصة بن مسعود أسن منه ، ولم يُسلم بعد، فلما قتله جعل حويصة يضربه ، ويقول لِأَخِيهِ مُحَيّصَة:
أَقَتَلْت كَعْبَ بْنَ يَهُوذَا ؟
 قَالَ :  نَعَمْ .
فَقَالَ حُوَيّصَة : أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ قَدْ نَبَتَ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ إنّك لَلَئِيمٌ يَا مُحَيّصَة .
 فَقَالَ لَهُ مُحَيّصَة : لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِك لَقَتَلْتُك .
 فَعَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمّ ذَهَبَ عَنْهُ مُتَعَجّبًا . فَذَكَرُوا أَنّهُ جَعَلَ يَتَيَقّظُ مِنْ اللّيْلِ فَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ أَخِيهِ مُحَيّصَة . حَتّى أَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ :  وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَدِينٌ . ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ .
فانظر إلى شدة محيصة في الجهر بالحق إذ لم يجادل ولم يهادن ولم يعايش – حسب ما يقتضيه تعبير هذا الوقت – ولم يتردد أمام أخيه الأكبر منه سنا وكيف كانت لطمة الحق هذه سببا يسره الله تعالى لزلزلة جليد الغفلة والضلال عن قلب حويصة،  وانظر كيف كان يكون الأمر لو أن محيصة تخاذل وجامل .

الواعظ الحنفيُّ .. منفيُّ عــكا

الواعظ الحنفيُّ .. منفيُّ عــكا 

 ( صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي ، وإذا فسدا فسدت أمتي.
 قيل : يا رسول الله ومن هما؟
قال: الفقهاء والأمراء )

ومما جاء في الأثر :
إذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك ، فبئس العلماء وبئس الملوك
وإذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فنعم الملوك ونعن العلماء ..

جاء في كتاب " حلية البشر في القرن الثالث عشر " للشيخ عبد الرازق البيطار :
كان الشيخ صادق الحنفي إماما كاملا، وعالما عاملا ، لا يخشى سطوة أمير مكابر ، ولا إمام جائر ، وفي سنة 1285 هـ حضر إلى دار السلطنة العلية وعاصمة الأمة الإسلامية ، في أيام خلافة السلطان عبد العزيز خان ، وكان دخول الشيخ صادق أوائل رمضان ، فكان يقرأ درس الوعظ في ( أيا صوفيا) إلى اليوم السابع والعشرين، وقد جرت العادة أن السلطان في ذلك اليوم يدور على الدروس في المساجد، فمتى أتى لدرس يختم المدرس الكلام، ويدعو للسلطان ، ومعه وكلاء الدولة العظام وشيخ الإسلام.
 فلما وصل لدرس الشيخ صادق، لم يختم الدرس ولم يدع ، بل التفت إلى الوكلاء ، وخاطبهم بكونهم أدخلوا على السلطان الغرور ، وأبطلوا الشريعة وارتكبوا سفاسف الأمور، ونكّسوا إعلام الدين، وقدموا المخالفين على المؤمنين، وأطال الكلام وتجاوز الحد في هذا المقام ، والسلطان صاغ إليه، فحقد الوكلاء عليه.
 وبعد أن ختم ذهب، وقد أضمروا له كلَّ عطب ، ثم بعد ذلك اجتمع والوكلاء ودخلوا على السلطان، فتكلموا في حق الشيخ صادق ما غير قلب أمير المؤمنين عليه، وقالوا له :
 قد فعل ما أوجب توجيه المضرّة إليه، فلا بدّ من إعدامه، ليتأدب غيره من عن التكلّم بمثل كلامه.
فقال أمير المؤمنين: نعم، ولكن لا بدّ من مرافعتكم معه في مجلس شيخ الإسلام، لئلا يقول الناس قُتل ظلما، فنقع بين العموم في الملام .
 فلمّا أحس شيخ الإسلام ذلك اختلى بالسلطان وقال له : إن قتلناه، قيل بالعبارات الصحيحة : إن السلطان قد قتله لبذله النصيحة، ولكنّ نفيهُ أولى ، ورأي أمير المؤمنين أعظم وأولى ، فأمر السلطان بنفيه في الحال، فأرسل إلى عكا من غير إهمال .

وخير ما نعلّق به على هذه القصة ، كلمات من لباب الحكمة ، للإمام ابن النحاس الدمشقي كما وردت في كتابه " تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين "  :
" فمن أخلص لله النيّة أثّر كلامه في القلوب القاسية فليّنها ، وفي الألسن الذّرِبة فقيدها، وفي الأيدي السَلَطة فقيدها .
فإذا نظرنا إلى فساد الرعية و جدنا سببه فساد الملوك، وإذا نظرنا إلى فساد الملوك وجدنا سببه فساد العلماء، وإذا نظرنا إلى فساد العلماء وجدنا سببه ما استولى على ما هم من حبّ المال والجاه وانتشار الصيت ونفاذ الكلمة، ومداهنة المخلوقين وفساد النيَّـات في الأفعال والأقوال، وإذا أراد واحد منهم أن ينكر على الرعية لم يستطع ذلك، فكيف يستطيع الإنكار على الملوك والتعرض للمهالك، ومفارقة ما استولى على قلبه من حب المال والجاه .

اللهم استر فضايحنا وتولَّ مصالحنا
اللهم خذ بأزمة قلوبنا إليك ،
اللهم استعملنا فيما يرضيك يا أرحم الراحمين.. "