الثلاثاء، 14 مايو 2013

شتوة المساطيح والماء الطهور ..!!

يقول الحقُّ ـ جلَّ شأنه ـ  في كتابه العزيز :
{ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا (*) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيـرًا (*) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا }  [ الفرقان : 48ـ 50]
الفلاحون في بلادنا يسمُّون أول المطر (شتوة المساطيح )؛ لأنهم كانوا إذا ما جادت السماء بباكورة نعمتها، هبُّوا إلى الزبيب والقطين المنشور (المسطوح ) على أسطح البيوت، وجمعوه بسرعة كبيرة خوف أن يتلفه الماء المنهمر،  وكانوا  بهذه الشتوة الأولى يتوسمون خيراً بموسم طيب وقريب.
فكيف كان الرسول ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ يستقبل أول المطر،  وهل في ذلك سرٌّ كشفه العلم الحديث ؟
في حديث يرويه أنس حديث أنس ـ رَضِيِ اللهُ تِعَالى عَنْهُ ـ   قال: "أصاَبَناَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ مَطَرٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ فَحَسَرَ ثَوْبَهُ عَنْهُ حَتّى أَصَابَهُ، فَقُلْناَ: ياَ رَسُولَ الله لِمَ صَنَعْتَ هذَا؟ قالَ: لأنّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبّهِ".
يقول الإمام النووي معلقا على هذا الحديث :
" أن المطر رحمة وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها. وفي هذا دليل أنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته ليناله المطر واستدلوا بهذا أنه من الممكن استخدامه في ملامسة الجسد للاستشفاء".
فأين الشفاء في أول المطر الذي يكون عادة محملا بالغبار ويسقط كالوحل ؟
عند سقوط بواكير المطر على الأرض؛ نشم في الجو رائحة تشبه رائحة التبن الطازج في بيادر الحصاد، هذه الرائحة ناتجة عن غاز مشهور اليوم يسمى غاز الأوزون.
هذا الغاز يتكون في طبقات الجو العليا بتأثير الأشعة الفوق البنفسجية في النهار، حيث يشكل واقيا من أشعة الشمس الضَّارة، ويختفي خلال الليل، فسبحان الذي قدَّر وهدى!! غاز الأوزون هذا أثقل من الهواء حيث يتكون من ثلاث ذرات أكسجين، لذا يهبط نحو سطح الأرض، وعندما يختلط ببخار الماء في طبقات الجو يكوِّن مركبًا يسمى ( هيدروجين بروكسيد)، وهو الذي يعطي الجو تلك الرائحة المنعشة عند نزول المطر .
حديثا اكتشف العلماء أن الأوزون هو علاج الفقراء، لأنه دواء شديد الفعالية ضد عدد كبير من الأمراض الخطيرة، وهو بذات الوقت مطهر ومعقم مثالي لغرف العمليات، وبرك السباحة ومياه الشرب .
والأهم من ذلك أن أحدى وسائل استخدامه كعلاج طريقة تسمى : ( الماء المُؤَّوزن) حيث يتم خلط الماء بالأوزون، ويستخدم هذا الماء المشبع بالأوزون كحمام خارجي لعلاج الجروح والحروق والتهابات الجلد .
فسبحان الله تعـالى الذي أوحى لرسوله الكريم كتابا لا تفنى معجزاته .

آرمسترونج .. وآية القمر

يقول سبحانه في علاه : 
{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (*) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة :124ـ 125]
فكلما قرأ المؤمن سورة زادته يقينا في بحقيقة الوجود وصدق الرسول الكريم، وبذات الوقت يسمعها المنافق فتزيده كفرا وعنادا وتبعده عن جادة الخلاص .
والقرآن ينير طريق المؤمنين في طريقهم إلى الجنة ، ويشفي نفوسهم من أمراض النفس والشك، ولكنه بذات الوقت هو عمى للذين لا يؤمنون . قال تعالى:
{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ (44) } [فصلت]

ويعلِّق الإمام الغزالي في الإحياء على هذه الآيات  :
"  العلم كالغيث، ينزل من السماء حلوا صافيا، فتشربه الأشجار بعروقها، فتحوله على قدر طعومها، فيزداد المرُّ مرارة والحلو حلاوة، ويزداد المتكبر كبرا، والمتواضع تواضعا .. " .
وآيات الله في الوجود تشبه آيات الله تعالى في كتابه ، فقد سُئل (نيل آرمسترونج) ، أول رائد فضاء حطت رجله على سطح القمر، في إحدى المقابلات الصحفية :
ـ هل يزيد إيمان رجال الفضاء بالله وهم يطوفون في الأعالي أم ينقص؟
فأجاب: المؤمنون منهم يزيد إيمانهم، والملحدون منهم يزيد إلحادهم .

كم بين الإيمان واليقين ؟؟

قالوا : اليقين في اللغة هو العلم، وزوال الشك . اليقين  تحقيق التصديق بالغيب؛ بإزالة كل شك وريب .
وفي الاصطلاح هو بلوغ الإيمان في القلب (لأي من المغيبات) لمرتبة العلم والمعرفة التامة، وتنافي الشك والريب عنها.
قال الله تعالى:
{والَّذينَ يُؤمنونَ بما أنزلَ إليكَ وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون } [ البقرة : 4].
وعندما سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -عن قوله تعالى‏:‏ ‏{ حَقُّ الْيَقِينِ‏ }‏  ‏[‏ الواقعة‏:‏ 95‏]‏ ، و‏{عَيْنَ الْيَقِينِ‏ }  ‏‏[‏التكاثر‏:‏ 7 ]  ، و‏{ عِلْمَ الْيَقِينِ ‏}‏ ‏[‏التكاثر‏:‏5‏]‏ فما معنى كل مقام منها‏؟‏ وأي مقام أعلى‏؟‏‏.
أجاب:  إن للناس في هذه الأسماء مقالات معروفة‏، منها‏:‏
أن يقال‏:‏ ‏{عِلْمَ الْيَقِينِِ‏}‏ما علمه بالسماع والخبر والقياس والنظر،  
و‏{عَيْنَ الْيَقِينِ‏}‏ ما شاهده وعاينه بالبصر،
و‏{حَقُّ الْيَقِينِ‏}‏ ما باشره ووجده وذاقه وعرفه بالاختبار‏.‏
فالأول‏:‏ مثل من أخبر أن هناك عسلًا، وصدَّق المُخبر‏،‏ أو رأى آثار العسل فاستدل على وجوده .
والثاني‏:‏ مثل من رأى العسل وشاهده وعاينه، وهذا أعلى كما قال النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ ‏:‏ ‏( ليـس المُخـبر كالمعـاين ) .
والثالث‏:‏ مثل من ذاق العسل، ووجد طعمه وحلاوته، ومعلوم أن هذا أعلى مما قبله .
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ  ( مدارج السالكين 472/1):
" علم يقين يحصل عن الخبر،  ثم تتجلى حقيقة المخبر عنه للقلب أو البصر حتى يصير العلم به عين يقين،  ثم يباشره و يلابسه فيصير حقَّ يقين،  فعلمنا بالجنة والنار الآن علم يقين،  فإذا أزلفت الجنة للمتقين في الموقف وبرزت الجحيم للغاوين وشاهدوهما عيانا كان ذلك عين يقين،  كما قال تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [ التكاثر ]  فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فذلك حق اليقين .
ويوافق ذلك ما قاله العلماء في الردِّ على من زعموا أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ  شكّ في الإيمان لقوله تعالى:
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 260] .
فإن إبراهيم عليه السلام ما شك في ربه أبداً ، و إنما أراد الانتقال من مستوى الاستدلال إلى مستوى العيان، والارتقاء إلى درجة أعلى من درجات الإيمان ، و هذا حال المؤمنين دائماً في سعيهم إلى الكمال ، فالفرق بين سؤال إبراهيم و سؤال غيره، كالفرق بين سؤال موسى رؤية ربه و سؤال قومه نفس الطلب، لأن سؤال موسى كان سؤال محبة و شوق إلى الله، أما سؤال قومه فكان سؤال ريبة و مكابرة .
قال علي بن أبي طالب لابنه الحسن: يا بني كم بين الإيمان واليقين ؟ قال : أربعُ أصابع، قال : وكيف؟ قال : الإيمان ما سمعناه بآذاننا وصدقناه بقلوبنا، واليقين ما رأيناه بأعيننا فتيقنّا ، وبين السمع والبصر أربع أصابع .
ولكن ما هي مظاهر اليقين في حياة المسلم ؟
نقرأ في حديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق  قال: «مِنْ صَحةِ يَقِينُ المَرءِ المُسلمُ أن لا يُرضي النّاسَ بِسخَطِ اللهِ، وَلا يَلُومُهُم عَلَى مـا لَم يُؤتِهِ اللهُ، إنّ اللهَ بعَدلِهِ وَقِسطِهِ جَعَلَ الرُّوحَ وَالرَّاحةَ فِي اليَقِينِ وَالرِّضا، وجَعَلَ الهَمَّ وَالحُزنَِ فِي الشّكِ وَالسَّخَطِ. " 

وزير للتقوى ... !!

كلمة التقوى وما تصرَّف منها وردت في القرآن الكريم حوالي مئتين وخمسين مرة ؛ وذلك لأن تحقيق التقوى مقصد رفيع من مقاصد الشريعة، كما أن الأمر بالتقوى جاء متنوعا وشاملا في القرآن الكريم، فقد خوطب به الناس جميعا ، قال تعالى :  { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ }
كما خوطب به المؤمنون ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }
وخوطب به الرسول الكريم : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ }  [الأحزاب:1]

روي أنه عندما ولي عمر بن الخطاب الخلافة جلس على المنبر،  وبايعه الناس بيعة عامة، فقام رجل، وقال لعمر: " اتق الله يا عمر ! " فنبهه بعض الحاضرين بأنه لا يجوز أن يقول ذلك للخليفة، يومها قال عمر كلمته المشهورة: " لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها " .
وعلى ذات الطريق سار الخليفة العباسي هارون الرشيد .
فقد ذُكر أن يهوديا من أهل الذمّة كانت له مظلمة عند هارون الرشيد، فاختلف إلى بابه مدة، ولكن الحجَّاب منعوه  من الوصول إلى الخليفة، ذات يوم انتظر اليهودي خروج موكب الخليفة من القصر، فلما خرج هارون الرشيد وكان راكبا في موكبه، سعى اليهودي حتى وقف بين يديه، وقال : أتـق الله يا أمير المؤمنين!
 فنزل هارون الرشيد عن دابته وخرّ ساجداً، فلما رفع رأسه أمر بحاجة الذميّ فقضيت، فلما رجع قيل له: يا أمير المؤمنين، نزلت عن دابتك لقول يهودي !
قال : لا، ولكن تذكرت قول الله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد }  [ البقرة :206]  .

وقد روى عن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ قوله : ( .. أن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل : أتق الله ، فيقول : عليك بنفسك ) . { خرجه الألباني في السلسلة الصحيحة ]  

عمر بن عبد العزيز جعل للأمر وزيرا ، فقيل أنه انه استدعى وزيرا يدعى مهاجرا، وقال له: كن بجانبي، فإذا رأيتَني ظلمت مسلمًا أو انتهكت عرضاً، أو شتمت مؤمناً، فخذ بتلابيب ثوبي وقل: اتق الله يا عمر. فكان وزيره مهاجر يهزه دائمًا، ويقول: اتق الله يا عمر.

وروي أن الإمام الزاهد أبا الحسن بن سنان ـ رضي الله عنه ـ دخل على حاكم مصر أحمد بن طولون ذات يوم ، وقال له : يا بن طولون اتق الله ! فعجب الجالسون في مجلس الحاكم واستشاط الحاكم غضبا، فأمر الأمير أن يسجن ابن سنان ، وأمر الحراس أن يجوِّعوا له أسدا ثلاثة أيام، حتى اشتدّ به الجوع وكاد أن يأكل ما أمامه من بشر أو حيوان، وأدخل الحارسُ الأسد على العالم الزاهد، وانتظر وراء الباب ساعة، ثم نظر فوجد العالم ساجدا لله، والأسد فوق رأسه يحرسه، فرفع الخبر إلى الحاكم ، فأمر بإحضاره، وقال له : بم دعوت الله ، قال  بقوله { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } [الطور: 48]
فقال الأمير : ألم تخف من الأسد؟ فأجاب : بلى خفت أن يمسني لعاب الأسد ، فتلحق بثوبي نجاسة تمنعني من الصلاة .

فانظر، رعاك الله، إلى تلك الكلمة التي أكثر الله تعالى من ذكرها، والتي جعل لها الخليفة الراشدي الخامس وزيرا يذكره بها، واعلم أنك إن لم تقلها لغيرك فإنه لا خير فيك ، وإن لم تسمع أحد يقلها لك، فإنك محروم من الأخ الناصح والصديق الوفي . فقوِ قلبك، وعوِّد لسانك على قولها للآخرين، وتقبلها من غيرك بكل صدر رحب، فلا يقولها لك إلا من يتوسم فيك خيرا، ويراك من أهل التقوى .  

جـيران الله ... !!


جيران الله تعالى هم أيضا  أهل الرباط الأكبر ، فمن هم ؟؟
قال تعالى :
{ فِي بُيُوتٍ أّذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ والآصََالِ (*) رِجَالٌ لاَ تُلهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصّلاةِ وَإيتَاءِ الزّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (*) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ]النور:36-38. [
وعن أبي هريرة أن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسِلَّم ـ قال:
"  مُنْتَظِرُ الصَّلاةِ منْ بعد الصلاة، كفارس اشتدَّ به فرسه في سبيل الله على كَشْحِهِ تُصلِّي عليه ملائكة الله، ما لم يُحدث أو يقوم، وهو في الرّباط الأكبر" . [ مسند أحمد : إسناده صحيح ]

وقال الإمام  ابن رجب:
( وإنما كان ملازمة المسجد مكفراً للذنوب لأنه فيه مجاهدة النفس، وكفاً لها عن أهوائها فإنها تميل إلى الانتشار في الأرض لابتغاء الكسب، أو لمجالسة الناس ومحادثتهم، أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن النزهة ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد. )

كان زياد مولى ابن عباس-أحد العباد الصالحين- يلازم مسجد المدينة فسمعوه يوماً يعاتب نفسه ويقول لها: أين تريدين أن تذهبي! إلى أحسن من هذا المسجد!! أتريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان !!
وعَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ـ رَضِيِ اللهُ تِعَالى عَنْهُ ـ   عَنِ النَّبِيِّ ‏ ـ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  ‏ ‏قَالَ: ‏
" إِنَّ لِلْمَسَاجِدِ أَوْتَادًا الْمَلَائِكَةُ جُلَسَاؤُهُمْ،إِنْ غَابُوا يَفْتَقِدُونَهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوا عَادُوهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي حَاجَةٍ أَعَانُوهُمْ " .  [ الألباني: إسناده حسن ]

وأهم صفات الوتد القوة و الثبات، وأهم وظائفه التثبيت والرفع، فكيف هم ثابتون، وماذا يثبَّتون ؟
هم ثابتون على محبة الله تعالى فقلوبهم معلقة ببيت الحبيب، كما جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله تعالى بظله يوم لا ظل إلا ظله : عن أبي هريرة عن النبي قال:  (سبعة يُظلُّهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلّه ) فذكر منهم ( رَجُـلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَــاجِد ) .
فلمَّا آثر طاعة الله تعالى، وغلب عليه حبه، صار قلبه معلقاً بالمساجد، ملتفتاً إليها يحبها ويألفها، لأنه يجد فيها حلاوة القُرب، ولذة العبادة، وأُنس الطاعة، ينشرح فيها صدره، وتطيب نفسه،وتقر عينه. فهو لا يحب الخروج منها، وإذا خرج تعلق بها حتى يعود إليها.
وفي الحديث: ( إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين حيراني؟ فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمار المساجد؟) . [ الألباني: حسن صحيح ]

الخميس، 9 مايو 2013

من يحكم القدس يحكم العالم ..

في شهر شوال من عام 15 للهجرة ، بدأ حصار المسلمين للقدس ، وكان قائد جيوش المسلمين أمين الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح ، والجيش الذي حاصرها بقيادة عمرو بن العاص ، واستمر الحصار ستة أشهر، في تلك الأيام كان المتصرف بأمر القدس البطريرك صفرونيوس ، وكان رجلا عالما ومحنكا ، يعتبره النصارى من أعظم البطاركة الذين عاشوا في القدس ، وله مؤلفات كثيرة ، لذلك لقبوه بالحكيم ، وعندما رأى صفرونيوس أن الدائرة تدور للمسلمين وأن لا مجال لمقاومة الحصار وقتا أطول ، قرر تسليم المدينة مقابل شروط منها التعهد بعدم مس كنائسها وأديرتها ، أما الشرط الثاني الذي أصر عليه طلب رئيس البطارقة والأساقفة منهم أن لا يسلم القدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب. فأرسل عمرو بن العاص يخبر الخليفة عمر في المدينة بما طلبه صفرونيوس رئيس الأساقفة المسيحيين في القدس فاستشار الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحابه فكان أول من تكلم عثمان بن عفان فقال: أقم ولا تسر إليهم فإذا رأوا أنك بأمرهم مستخفن ولقتالهم مستحقر فلا يلبثون إلا اليسير حتى ينزلوا على الصغار ويعطوا الجزية. وقال علي بن أبي طالب: إني أرى أنك إن سرت إليهم فتح الله هذه المدينة على يديك وكان في مسيرك الأجر العظيم. ففرح عمر بن الخطاب بمشورة علي فقال: لقد أحسن عثمان النظر في المكيدة للعدو وأحسن علي المشورة للمسلمين فجزاهما الله خيراً ولست آخذاً إلا بمشورة علي فما عرفناه إلا محمود المشورة ميمون الغرة.
في ربيع الأول من السنة 16 هـ وصل عمر إلى فلسطين ، لم يدخل عمر إلى القدس مباشرة، وإنما ذهب إلى منطقة الجابية وكان المسلمون هناك مستعدين لاستقباله، مع أبي عبيدة بن الجراح، وخالد، ويزيد، فرحبوا به ترحيبًا عظيمًا، وقام في الجابية يخطب : " أيها الناسُ أصلحوا سرائركم تَصلُحْ علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تُكْفَوْا أَمْرَ دنياكم" .
ودخل عمر القدس فاتحا ترفرف فوقه الأعلام الإسلامية ظافرة إلى بيت المقدس، بعد أن خيمت عليها أعلام النسر الروماني نحو ثلاثة قرون من الزمن ، وكان ما كان من العهدة العمرية ، ورفض عمر لطلب البطريرك الصلاة في الكنيسة ، وعندما ودع عمر البطريرك ، استوقفه عمر وسأله عن سر إصراره على تسليم المدينة للحليفة شخصيا ، فأجاب البطريرك :
ـ لقد أحببت أن أرى بعيني الرجل الذي يحكم العالم ، فمن يحكم بيت المقدس يحكم العالم .

الأربعاء، 1 مايو 2013

المؤمن ينصح .. والمنافق يغش

قال الإمام المحدث أبو داود صاحب كتاب " سنن إبي داود " :
 مدار الفقه على أربعة أحاديث : حديث " إنما الأعمال بالنيات" ، وحديث " الحلال بين والحرام بيّن "؛ و حديث " الدين النصيحة " و حديث " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .
النصيحة في اللغة مأخوذة من نصح الثوب ، أي أصلحه وخاطه ، فيشبه فعل الناصح مع المنصوح له بفعل من يصلح ثوبه ويسد خلله، فالناصح يسد خللا في المنصوح،  وقيل مأخوذة من نصح العسل إذا صفاه من العوالق كالشمع، وهنا وجه الشبه أن الناصح يحاول تصفية حال المنصوح ، ومنها التوبة النصوح الخالصة من شوائب العزم على العودة للذنب . فلا خرق فيها ولا شائبة .
ذكر ابن حجر في الفتح ، أن جريراً كان ناصحاً لعباد الله، أرسل غلاما له ليشتري فرسا من السوق ، فاشترى فرساً بأربعمائة درهم، ثن جاء بالفرس وصاحبه إلى سيده جرير بن عبد الله ليدفع له ثمنه ، فقال جرير لصاحب الفرس: بكم بعته؟ قال: بأربعمائة درهم، فرأى جرير أن الغلام بخس ثمن الفرس ،  فقال جري لصاحب الفرس : أتريد أن تكون خمساً، قال: نعم، قال: وستاً، قال: نعم. قال: وسبعاً، قال: نعم. قال: وثمانياً، قال: نعم. قال: خذ ثمان مائة فإني بايعت رسول الله عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم .
فانظروا عباد الله ، ونحن في عالم يتفنن الناس في أساليب الاحتيال لتحصيل المال ، وينشئون معاهد لتعليم فن الكسب بأي طريقة .   
ولا تقتصر النصيحة على الاقتصاد بل تشمل كل نواحي الحياة ، واسمعوا لهذا الموقف من علي بن أبي طالب ، وحكته وبلاغته في التفريق بين المؤمنين والمنافقين ..
جاء أبو سفيان فطرق الباب على علي ، يوم تولى أبو بكر الخلافة؛ لأن أبا سفيان ينظر إلى بني هاشم، ويريد أن يتولوا هم الخلافة؛ لأنه حديث عهد بجاهلية وما هضم فكرة أن يتولى أبو بكر الخلافة؛ لأن أبا بكر من تيم وهي أسرة ضعيفة.
طرق الباب على علي ، من هو علي ؟ تربى في القرآن، عرف النصيحة، عرف الأدب، عرف كيف يتعامل مع الكتاب والسنة، رضع الرسالة الخالدة، ففتح الباب في ظلام الليل، قال أبو سفيان : يا علي ! كيف يتولى أبو بكر الخلافة، وهو تيمي وأنت من بني هاشم؟ إن شئت ملأت لك المدينة خيلاً جرداً وشباباً مرداً. فهو يريد القتال، قال علي وأخذ بتلابيب أبي سفيان : يا أبا سفيان ! المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة.
فالنصيحة علامة فارقة بين المؤمنين والمنافقين ، وجاء تأكيد هذه القضية في كتاب الله ـ عز وجل ـ ، فقال في وصف المؤمنين :
: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]
قال الله في المنافقين: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ [التوبة:67]
فالنصيجة من الإيمان ، والغش من النفاق ، فانظر أخي المسلم هل تنصح إخوانك ، وهل تقبل نصيحة الناصحين ، نسأل الله تعالى أن يطهرنا من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق ، وأن يجعلنا من عباده الناصحين المنتصحين .