الاثنين، 4 مارس 2013

( سَـوْفَ )..من جنود الشيطان

  
قيل لأحد الصالحين : أوصنا ! فقال : احذروا "سوف " .
وكان الحسن البصري ـ رحمه الله ـ يقول : إياك والتسويف ، فإنك بيومك ولست بغدك ، فإن يكن غدٌ لك فاجتهد فيه ، كما اجتهدتَ في اليوم ، وإن لم يكن الغدُ لك لم تندم على ما فرّط في اليوم .
والمسلم في لحظته بين أمرين :
 إما طاعة يسارع فيها ، قبل أن تفوته ، وإما معصية يبادرها بالتوبة قبل أن يطبع على قلبه ، والشيطان يجنّد جنوده ليحجب المسلم عنهما ، كيف ؟
 بالتسويف والتأجيل والمماطلة ،  لأنه يعلم أن الله تعالى حث على الإسراع في الحالتين :
الأولى : ﴿سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض .
والثانية : ﴿إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب. والشيطان يزيِّن للنفس التسويف لأن في الأمرين مشقة على النفس فتركن إليه ، فيقف الشيطان بواب سوء أمام الخير ، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ : كلما جاء طارق الخير صرفه بواب لعلّ وعسى .
هذا التسويف أحد جنود الشيطان في عدم قبول التوبة : ﴿ وليست التوبة للذين يعملون السيئات (النساء:18) فهو تنبيه منه سبحانه على نفي قبول نوع من التوبة، وهي التي تكون عند حضور الموت واليأس من الحياة ﴿ حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن (النساء:18) . فيموت المرء وهو يمني النفس بالتوبة،فيدخل النار، وقد ورد في الأثر : " إن أكثر صياح أهل النار من التسويف " .          
   وهذا التسويف باب من يدخله قد يصل وهو لا يدري إلى مستنقع النفاق  ، ولعل في قصة الثلاثة الذين خُلّفوا  درسا بليغا في عواقب التسويف ، على المسلم أن يفيد منه ، ونستمع لما يرويه أحدهم وهو كعب بن مالك حيث يصف حاله عند غزوة تبوك :
: " فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ، ولم أقض شيئا ، فأقول في نفسي : أنا قادر عليه . فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجدُّ ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا ، فقلت : أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت ، ثم رجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل بي حتى أسرعوا ، وتفارط الغزو ، وهممت أن أرتحل فأدركهم ، وليتني فعلت ، فلم يقدر لي ذلك ، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أنِّي لا أرى إلا رجلا مغموسا عليه النفاق ، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء.
سمعت معلما يسأل تلاميذه :
ـ إذا كان الإنسان يركب السيارة ليصل إلى غايته برّا ، ويركب السفينة ليصل غايته بحرا ، ويركب الطائرة ليصل غايته جوا ، أتدرون ما يركب المنافق ليصل إلى جهنم جرّا  والعياذ بالله ؟
حار التلاميذ في الجواب ، فأسعفهم المعلم بالقول : إنه يركب " سوف " .
وأخذ يشرح لهم مخاطر التسويف .

من القبعة إلى الحجاب ..!!

 في مساء الجمعة 5/8/2005م ، وقف أحد الشعراء في سرادق عزائها في القاهرة يرثيها بكلمات حرّكت قلوب المعزين  :  
بكيْتُ، وقلبي في الأسى يتقلبُ
وقال: أتبكي والقضاءُ محتمٌفقلتُ : تعـالى اللهُ ، فالحزنُ سـاعرٌ

فجاء رفيقي مُفزعًا، وهو يَعتبُ
وليس لنا من قبضةِ الموتِ مَهربً؟
قـويٌّ  ، عَتيٌّ ، والفقيــدةُ زينبُ
إنها الداعية الكبيرة والمجاهدة الصابرة زينب الغزالي ـ رحمها الله ـ ، التي لقيت ربها مساء الأربعاء 3/8/2005م ،  لقيت ربها قابضة على جمر دينها رغم المحن والفتن رحمها الله .
 كان والدها أحد علماء الأزهر ويناديها نُسيْبة ، تيمنا بنسيبة المازنية التي تزينت باثني عشر وساما ما بين طعنة وضربة سيف تلقتها يوم أحد حين ثبتت مع النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ في ساعة تراجع من حوله الناس،  وكأن الوالد يؤهلها لما تخبئه لها الأيام فيصنع لها سيفا من خشب، ويخط لها دائرة على الأرض بالطباشير، ويقول لها قفي واضربي أعداء رسول الله.. فكانت تقف وسط الدائرة.. تضرب يمينا وشمالا.. من الأمام والخلف.. ثم يسألها كم قتلت من أعداء رسول الله وأعداء الإسلام؟.. فتجيب المجاهدة الصغيرة: واحدا.. فيقول لها اضربي ثانية.. فتسدد الصغيرة طعناتها في الهواء وهي تقول: اثنين.. ثلاثة.. أربعة..!!!
وخرجت ذات يوم من منزلها بحي شبرا وعمرها اثنا عشر عاما وراحت تتجوَّل في الشوارع، فوقعت عيناها على مدرسة خاصة بالبنات فطرقت بابها، وعندما سألها البوَّاب عن غرضها، قالت له: جئت لمقابلة مدير المدرسة فسألها: لماذا؟ فقالت وهي واثقة من نفسها: أنا السيدة زينب الغزالي الشهيرة بنسيبة بنت كعب المازنية.. ولدي موعد معه.. فأدخلها البواب وهو يتعجب من طريقة هذه الفتاة الصغيرة!!!.وقبلها في مدرسته وأظهرت تفوقا ونبوغا . 
بعد حصولها على الثانوية طالعَتْ في إحدى الصحف أن " الاتحاد النسائي" الذي ترأسه هدى شعراوي ( وهي أول امرأة خلعت الحجاب في مصر وأسست الاتحاد النسائي ) يُنَظِّم بعثة إلى فرنسا تتكون من ثلاث طالبات، فتوجهت من فورها إلى مقر الاتحاد والتقت هدى شعراوي التي تعاطفت معها وعلى الفور سجلتها في جمعيتها، وأظهرت ترحيبها بها وسعادتها بصيدها الثمين ، فزينب خطيبة مفوهة تلقت الخطابة والإلقاء عن والدها ـ رحمه الله ـ  وراحت تقدِّمها لروَّاد الجمعية وتطلب منها أن تخطب فيهن ، وكانت ترى فيها خليفتها للاتحاد النسائي ، وسرعان ما وجدت زينب اسمها على رأس البعثة التي تمنتها ، لكن الله أراد لها غير ذلك.
بعد شهر من إعلان البعثة تحدد موعد سفر أعضائها، كانت الأحلام السعيدة تداعب قلب زينب وعقلها المتدفق حيوية وأملا،  ومن بين تلك الأحلام كان الحلم الأكثر تميزا وتأثيرا ، يوم رأت والدها في منامها يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها: إن الله سيعوضك في مصر خيرا مما ستجنينه من البعثة،  فقالت له: كيف؟ قال: سترين ، ولكن لا تسافري لأنني لست راضيا عن سفرك ، وكأن روح الوالد الحنون تتسلل من عالمها الغيبي لتحنو على القلب الصغير الغرير، تنير له الدرب، وتجنبه عثرات الطريق ، بعض الآباء يواصلون رعايتهم لأبنائهم حتى بعد وفاتهم ، ويرسلون نصائحهم وتوصياتهم من قبورهم البعيدة .
وسرعان ما عملت الرؤيا مفعولها ، فاعتذرت زينب عن  الذهاب للرحلة،  وحل الذهول بهدى شعراوي التي كانت زينب أملا من آمالها ، وتعدها لتكون إحدى العضوات البارزات في جمعيتها .
وتعرضت زينب بعد ذلك لحادث شكل نقطة التحول في حياتها ، فقد انفجر موقد الغاز بها وهي تعد الطعام بمنزلها، وطالت النار كل جسدها ، فلزمت فراشها  وتردد عليها الطبيب لعلاجها في منزلها دون أن يبشِّر ببادرة أمل في الشفاء ، وكانت صحتها تسوء يوما بعد يوم ، حتى إنها سمعت صوت أخيها يهمس للأهل في القرية بأن الطبيب أعلمهم أنها ستموت، وكان يحرص ألا تسمعه زينب التي أقبلت على العبادة والتضرع إلى الله والتأهب للقائه ، فكانت تتيمم وتصلي لله: يا رب إذا كان ما وقع لي عقابا لانضمامي لجماعة هدى شعراوي فإنني قررت الاستقامة لوجهك الكريم، وإن كان غضبك علي لأنني ارتديت القبعة فسأنزعها وسأرتدي حجابي.. وإني أعاهدك وأبايعك يا ربي إذا عاد جسمي كما كان عليه فسأقدم استقالتي من الاتحاد النسائي، وأؤسس جماعة لنشر الدعوة الإسلامية، وأدعو المسلمات إلى ما كانت عليه الصحابيات، وأعمل من أجل الدعوة وأجاهد في سبيلها ما استطعت..
وكان ما شاء الله فبرئت بإذن الله تعالى ، وأوفت بعهدها مع الله ، فأسست عام 1937 جمعية السيدات المسلمات ، ومارست من خلالها نشاطاتها ، وفي عام 1965 دخلت السجن لأنها رفضت مصافحة جمال عبد الناصر يوم قالت لرسوله : أنا لا أصافح يدا تلطخت بدم الشهيد عبد القادر عودة ، وخلال سجنها أجبروا زوجها على طلاقها ، وأُرسلت لها الورقة في السجن ، الذي لاقت فيه صنوف التعذيب والإذلال وظلت صابرة محتسبة ، وخرجت بعد ثماني سنوات ، وواصلت طريقها ، فساعدت بالمعونات الجهاد في أفغانستان والتقت الشيخ عبد الله عزام ، وأصدرت عدّة مؤلفات منها كتاب " نظرات في القرآن " وكتاب تشرح فيه أيام سجنها سمته " أيام من حياتي " . رحم الله الداعية المجاهدة زينب الغزالي وجعلها قدوة لبنات المسلمين .

حتى يضع قدمه في الجنة ...!!


إذا عدنا إلى مناهل الفضائل عند الأنبياء والرسل والصالحين لوجدنا أن أهم ما يميزهم في الدعوة إلى الله هو الدعوة في كل المناسبات وفي كل الأوقات ، في اليسر والعسر في الصحة والمرض ، انظر هذه الوقائع وقارن وتحقق :
يقول الله تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام : ﴿  قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) .
 وهذا نبي الله تعالى يوسف عليه السلام حينما زُج به في السجن ظلماً ، واجتمع بالسجناء في السجن، فلم يجلس ليندُّب حظه يأسا ، ولم تشغله هذه الحياة المظلمة عن دعوة التوحيد وتبليغها للناس ومحاربة الشرك وعبادة غير الله والخضوع لأي مخلوق قال تعالى:﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39).
والرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  يخرج مهاجرا خفية إلى المدينة ، وتطارده قريش ولكن ذلك لم يمنعه من دعوة حتى اللصوص إلى الإسلام ، فقد لقي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  في طريقه رجلاً يقال له بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه ، فدعاهم إلى الإسلام فآمنوا وأسلموا ، كان في طريقه ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  بالقرب من المدينة لصان من أسلم يقال لهما المهانان ، فقصدهم ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ، وعرض عليهما الإسلام فأسلما ، ثم سألهما عن أسمائهما فقالا: نحن المهانان ، فقال : بل المكرمان ، وأمرهما أن يقدما عليه المدينة .وفي العصر الحديث هدد المندوب الفرنسي في الجزائر ـ أيام جهادها ـ الشيخ عبد الحميد الجزائري بإغلاق المسجد إذا لم ينقطع عن التدريس ، فأجابه : لا تستطيع ! قال : وكيف ؟  فقال : إذا كنت في عرس علّمت المحتفلين ، وإذا كنت في مأتم وعظت المعزِّين ، وإن جلست في قطار علّمت المسافرين ، وإن دخلت السجن أثرت المسجونين ، وإن قتلتموني ألهبت مشاعر المواطنين ، وخير لكم أن لا تتعرضوا للأمة في دينها ولغتها .
في  8 آب 2005 توفي الداعية الإسلامي الكبير أحمد ديدات ـ رحمه الله ـ ، بعد إصابته بالشلل التام منذ عام 1996 سوى عينيه ودماغه ، خلال سنوات مرضه واصل دعوته ، وكان يتلقى في كل يوم حوالي 500 رسالة تقريبا ، يرد عليها وعلى محاوريه من الزوار ، من خلال تحريك عينييه إلى لوحة كُتبت عليه الأحرف ورتبت بطريقة معينة ، يستطيع ابنه يوسف ترجمتها للناس ، وحين زاره مراسل الشبكة الإسلامية ، علَّق قائلا :  دخلنا عليه غرفته وبعد استقبال ابنه يوسف لنا -وهو ملازمه ومترجم تعليقاته وردوده لزواره عبر قراءة عينيه- أشار لنا يوسف أنه ربما يكون جسد الشيخ لا يتحرك، ولا يستطيع التفوه بكلمة، لكن عقله وذهنه حاضران. وعن طريق لغته الخاصة طلب منا الشيخ أن نجلس وأن نفتح الإنجيل على صفحة حددها ونقل لنا يوسف رسالته: إن هذه السطور إنما هي وصف لحالة زنى المحارم، وأن في الإنجيل وصفا لعشر حالات تتعلق بهذا الأمر، يوسف أكد لنا أن كثيرًا من المبشرين و المتنصرين يزورون الشيخ، وكان من بينهم، سيدة جاءت لتقول له إن ما أصابه كان بسبب تطاوله على الإنجيل، وإنها تدعوه لأن يؤمن به ليبرأ،ولكنه طلب إليها الجلوس وقام (وهو في حالته) بمناظرتها حول ما يحمله الإنجيل من مغالطات وما جعلها تقرُّ بأنه ليس كلمة الله.
لله درّ تلك الهمة العالية التي تردد مع القائل :
كسروا الأقلام هل تكسيرها
قطعوا
الأيدي هل تقطيعها
أطفئوا الأعين ، هل
إطفاؤها
 
أخمدوا الأنفاس هذا جهدكم
 

يمنع الأيدي أن تنقش صخرا ؟
يمنع الأعين أن تنظر شزرا ؟

يمنع الأنفاس أن تصعد زفرا ؟
 وبه منجاتنا منكم ..فشكرا !

الرشــــوة والهـــــدية...!!

بعث الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ عبد الله بن رواحة إلى خيبر يخرص النخل ( يقدر التمر على النخل ) بينه وبين يهود خيبر ، فجمعوا له حليّـًا من حليِّ نسائهم ، فقالوا له : هذا لك ، وخفف عنّا وتجاوز في القسمة. فقال عبد الله : يا معشر يهود ، والله إنكم أبغض خلق الله إليّ ، وما ذلك بحاملي على أن أحيف عليكم ، فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها السحت وإنا لن نأكلها ، فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض !!
بين الحلال والحرام شعرة دقيقة ، لذلك جاء الدين ليبين هذه الشعرة ، فالقرآن مبين ، والرسول مبين ، ونحن بأمس الحاجة لهذا التبيين ، ولولاه لهمنا مع الهائمين في الكفر والضلال ، فالذي يفرق بين الزواج الحلال والزنا الحرام هو العقد ، أو الورقة أما العملية بحد ذاتها فهي متشابهة ، وما يفرق بين الربا والبيع هو وجود السلعة أما زيادة رأس المال فواحدة ، لذا حذرنا الله بقوله ﴿ وقالوا إنما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ، هنا يجب الانتباه لنعرف الفرق بين الرشوة والهدية ، وإن كان كلاهما في المظهر واحد .
في قصة سيدنا سليمان مع ملكة سبأ عبرة يجدر التوقف عندها ، فبعد معرفة سليمان أن أهل سبأ يعبدون الشمس من دون الله ، أرسل إليها بكتاب جاء فيه ﴿ ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين رسالة واضحة أن اتركوا عبادة الشمس وأسلموا لله رب العالمين ، فكان رأي الملكة أن تستميل رأيه بهدية : ﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون * فلما جاء سليمان قال أتمدوننِ بمال فما آتاني الله خيرا مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ونسب الهدية لهم لأنها لم تكن هدية بل كانت رشوة ليعود عن مهاجمة بلادها . الهدية مستحبة والمسلم مدعو لأدائها وقبولها ، والرشوة من الكبائر مطلوب من المسلم اجتنابها وتركها ،   فما الفرق بين الهدية والرشوة ؟؟
نجمع الفروق بينهما من حيث الطريقة والغاية :
·       فالهدية مقصدها استمالة القلوب وتعميق المحبة ، والرشوة غايتها تغير المواقف والآراء .
·        الهدية نتيجة علاقة أو لترسيخ علاقة ، الرشوة وراءها مصلحة ، وغالبا ما تكون مخالفة للحق .
·        الهدية تقدم بعد الطلب ، والرشوة تقدم قبل الطلب تلميحا أو تصريحا .
·        الهدية لها مناسبة تخص المُهدى إليه ، والرشوة لها مناسبة تخص المَهدي .
·       الرشوة يسبقها أو يليها شرط ، أما الهدية فلا شرط فيها .
وعلامة قبول الرشوة هي قبول الكذب ، لقوله تعالى : ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ . وسمي المال الحرام سحتا لأنه يسحت ( يستأصل ) الطاعات ، وقيل لأنه يسحت المروءة ، ومن لا دين له لا مروءة له ، وعن النبي  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ أَنَّهُ قَالَ : ( كُلّ لَحْم نَبَتَ بِالسُّحْتِ فَالنَّار أَوْلَى بِهِ ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه ; وَمَا السُّحْت ؟ قَالَ : ( الرِّشْوَة فِي الْحُكْم ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا اِرْتَشَى الْحَاكِم اِنْعَزَلَ فِي الْوَقْت وَإِنْ لَمْ يُعْزَل , بَطَلَ كُلّ حُكْم حَكَمَ بِهِ بَعْد ذَلِكَ .
قال الركن محمود شيت خطاب : " إن الذي أعلمه علم اليقين ولا أشك فيه أبدا أن الملوّث جنسيا أو جيبيا لا يمكن أن يقاتل في الحرب كما يقاتل الرجال ، وأريد بالملوّث جنسيا الذي تردى في مهاوي الرذيلة ، وأقصد بالملوّث جيبيّـًا الذي دخل جيبه المال الحرام رشوة وغشا .. "
لذا شدد الإسلام في مسألة الرشوة لأنها تفسد النفوس وتضيع الحقوق وتهدم المجتمعات ، وحثّ على الهدية لأنها تربط القلوب وتبني المجتمعات . 
وقديما قالوا : إذا دخلت الرشوة من الشباك ، خرجت الأمانة من الباب .

مراتب الإنسان في القرآن

الناس مولعون بالتصنيف ، الطفل يصِّنف ألعابه ، والناس تصنف أغراضها، والقرآن الكريم يصنف الناس ، ومراتب الإنسان كما بين القرآن من الأعلى إلى الأدنى :
1 ـ الإنسان خليفة الله في الأرض:  والدليل قول الله تعالى ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾وهذا مقام لا يعدله مقام على الأرض ، إذ جعل الله تعالى الإنسان خليفته .  
2 ـ  الإنسان أكرم مخلوقات الأرض :كرّم الله تعالى الإنسان بقوله: ﴿  ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا
 الإنسان أذكى مخلوقات الأرض وأقواها:قال تعالى: ﴿علَم الإنسان مالم يعلم﴾ فقد استطاع آدم عليه السلام أن يسمِّي ما عجزت حتى الملائكة عن تسميته، والحضارات البشرية المتنوعة بأرجاء الأرض قديمها وحديثها تشهد على عظمة العقل البشري.
 4 ـ بعض الناس حيوانات عاقلة : ودليل صدقها قوله تعالى: ﴿والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ﴾ والأنعام معروفة وهي الغنم والبقر والإبل. وهذه البهائم لا تعرف كبح شهوات بطونها وفروجها من ذاتها ما لم تجبر على ذلك بمانع خارجي لا يمت لإرادتها بصلة.وكثير من الناس يفعلون فعل الحيوانات فإذا اشتهى احدهم شيئاً فانه يظل يلهث كالكلب وراء بطنه وفرجه حتى يشبع أو يمنعه مانع خارجي، دون أن يكبح نفسه بنفسه.والاختلاف بينه وبين غيره من الحيوانات يكمن في حجم دماغه فقط.فقد خلق الله له دماغاً جباراً لا يجاريه دماغ أي حيوان آخر. إذن فمثل هذا الإنسان هو حيوان ولكن…عاقل.  
5 ـ بعض الناس حيوانات ناطقة أو خرساءعبارة اشد قسوة من سابقتها.وقد تكون صحيحة والله اعلم.فبعضهم ليس فقط حيوان عاقل، بل حيوان.فالإنسان الذي أصبح حيواناً عاقلاً، سيستمتع بعقله ويحرص على نيل شهواته الحيوانية بأقصى قدر من السلامة، أما الحيوان العديم العقل فسيغرق في شهواته التي ستعجّل بهلاكه.وفي الحقيقة أن بعض الناس حيوانات خرساء،قال تعالى: ﴿ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون
6 ـ بعض الناس أضلُّ من الحيوانوينحدر بعض الناس لرتبة هي أقل من الحيوانات ،  قال تعالى: ﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾.وقال تعالى: ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون (الأعراف ).فهذه الآيات توصف بعض البشر بأنهم أضل من الأنعام.وقال تعالى: ﴿ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون(171) ﴾.(البقرة ).
7 ـ  بعض الناس شياطينعبارة صحيحة كذلك.وتثبتها الآيات من سورة الناس ﴿ من شر الوسواس الخناس* الذي يوسوس في صدور الناس *من الجنة والناس ﴾ فالوسواس الخناس لا يكون جنياً فقط،بل ويكون إنسانا أيضا.وهذه ولا شك صفة من صفات الشيطان.ولكن الآية الحاسمة هنا هي:" ﴿وكذلك جعلنا لكل نبيٍ عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غروراً"( 112) (الأنعام وقال تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ وقد تدل (شياطينهم) على شياطين الإنس.
( عن شبكة سلسبيل الإسلامية بتصرف )