الخميس، 22 سبتمبر 2011

من أعظم الحسرات ...

أعظمُ الحسرات ...
يقول الله تعالى :
[ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ]  {( الحشر/9}
و الشُّح من أقبح الصفات، فهو مُنافٍ للإيمان، ولهذا قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  : ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا ، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا ) . ( إسناده صحيح) .
والشُّح من المهلكات، قال ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: (.. وأما المهلكات: فشحٌ مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه ) (ذكره الألباني في صحيح الجامع ) .
والشح سبب للفجور وقطيعة الرحم،   قال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: ( إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا ) .  (رواه أبو داود وأحمد )
والأمر الذي يثير العجب أن الشحيح يعيش الفقر وإن كان من أغنى الناس ، إذ يبخل حتى على نفسه ، وهو يجمع لغيره ، وهذا واقع مشاهد في حياة الناس ، ومما يروى في هذا  أن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ دخل على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه ، فرآه ينظر إلى صندوق في بيته ، ثم قال :
ـ  يا أبا سعيد ، ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أؤد منها زكاةً ، ولم أصِلْ منها رحمـًا ؟
قال الحسن: ثكلتك أمك، ولم كَنْتَ تجمعها ؟
قال : لروعة الزمان ، وجَفوة السلطان ، ومكاثرة العشيرة .
 ثم مات ، فلما فرغوا من دفنه قال الحسن ـ  رحمه الله ـ   : انظروا إلى هذا المسكين ، أتاه شيطانه فحذّره روعة زمانه ، وجفوة سلطانه ، ومكاثرة عشيرته ، عما رزقه الله إياه وغمره فيه،  انظروا كيف خرج منها مسلوبـًا محرومـًا ، ثم التفت إلى الوارث فقال : أيها الوارث ، لا تُخدعنَّ كما خُدع صويحبك بالأمس ، أتاك هذا المال حلالاً، فلا يكونن عليك وبالاً ،أتاك عفوًا صفوًا ممن كان له جموعـًا منوعـًا ، من باطل جمعه ، ومن حق منعه، إن  يومَ القيامة يومٌ ذو حسرات، وإن من أعظم الحسرات غدًا أن ترى مالك في ميزان غيرك فيا لها عثرة، لا تُقال، وتوبة لا تُنال.
فيا لله كم كان فضله علينا بالقرآن عظيما، فهو طب القلوب، فيه كشف أصل الداء ووصف نافع الدواء ؟
فالمسلم يعطي ليساعد الناس ماديّا، ولكنه بذات الوقت يحرر نفسه من أمراض مهلكة مثل الشح، ويدخر أجره عند الله تعالى خير وأبقى .

قبيل الغرغرة ..

قُبيـلَ الغَـرْغَـرة      
قال الله تعالى :
[ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ۞ وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضـَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ]
روى البخاري عن أنس بن مالك أن غلاماً يهودياً من عامّة أهل المدينة، كان يعمل خادماً في بيوت يثرب وأحيائها، يقضي الحوائج، ويعين في الأعمال، راضياً بما يحصل عليه من زهيد الأجر.
وينتهي المطاف بالفتى في بيت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َـ  ليعيش في كَنَفه ويتفيّأ من ظلاله، فأبصر نموذجاً لم يعهده من الأخلاق  السامية والخصال الفاضلة، إذ لم يسبق له أن رأى سيّداً لا يضرب خادمه ولا يعنّفه، ولكن يُحسن إليه ويلاطفه، بل ويزيد على ذلك بأن يطعمه مما يطعم، ويُلبسه مما يلبس، فلا عجب أن شغف الفتى بالنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  وأحبّه عن قرب.
وتمرّ الأيّام كالشهد المصفّى على قلب الفتى اليافع، وهو في ذلك حريصٌ على نقل مشاهداته إلى والده، فيسرد له من أخباره عليه الصلاة والسلام وعاطرِ سيرته، ويُسرّ الأب بما يلاقيه ولده من كريم المعاملة وطيب المعشَر، وتقع في نفسه أبلغ موقع.
حتى أتى ذلك اليوم الذي افتقد فيه النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خادمه اليهوديّ، ولما سأل عنه جاءه الخبر بأن الفتى طريح الفراش يُصارع سكرات الموت، فيُهرع عليه الصلاة والسلام لزيارته، وهو يخشى أن يكون قدومه قد جاء بعد فوات الأوان.
دخل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ على الفتى، وجلس عند رأسه، متأمّلاً في ملامحه المرهقة وجسده المتعب الذي أنهكه المرض، فقال له:  أسلم، يريده أن ينطق بكلمة التوحيد، وأن يدخل في حياض الدين، حتى يُكتب من الفائزين.
والفتى منذ أن رأى أخلاق النبوّة قد شرح الله صدره للإسلام، لكنّه كان يخشى في الوقت ذاته من رفض والده أن يُذعن للحق، فجعل يلتفت إليه تارة، وإلى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تارة أخرى.
وظلّ الفتى يرقب شفتي والده، وهو لا يدري ماذا سيكون جوابه، وينطق الأب أخيرا : " أطع أبا القاسم"، فيُسرع الفتى بالنطق بالشهادتين، ومع آخر ألفاظها خرجت روحه الطاهرة إلى بارئها.
ويخرج النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ والبِشر ظاهرٌ على قسمات وجهه، ولسانه لم يفتر عن حمد الله عزّ وجل على هذه النعمة : الحمد لله الذي أنقذه من النار)
وجاء في كتاب (بحر الدموع) الإمام ابن الجوزي.
روي عن الحسن البصري ـ  رضي الله عنه ـ  أنه قال:" دخلت على بعض المجوس وهو يجود بنفسه عند الموت، وكان حسن الجوار، وكان حسن السيرة، حسن الأخلاق، فرجوت أن الله يوفقه عند الموت، ويميته على الإسلام، فقلت له: ما تجد، وكيف حالك؟ فقال: لي قلب عليل ولا صحة لي، وبدن سقيم، ولا قوة لي، وقبر موحش ولا أنيس لي، وسفر بعيد ولا زاد لي، وصراط دقيق ولا جواز لي، ونار حامية ولا بدن لي وجنّة عالية ولا نصيب لي، ورب عادل ولا حجة لي.
قال الحسن: فرجوت الله أن يوفقه، فأقبلت عليه، وقلت له: لم لا تُسلم حتى تَسلم؟ قال: إن المفتاح بيد الفتاح، والقفل هنا، وأشار إلى صدره وغشي عليه.
قال الحسن: فقلت: الهي وسيدي ومولاي، إن كان سبق لهذا المجوسي عندك حسنة فعجل بها إليه قبل فراق روحه من الدنيا، وانقطاع الأمل.
فأفاق من غشيته، وفتح عينيه، ثم أقبل وقال: يا شيخ، ان الفتَّاح أرسل المفتاح. أمدد يمناك، فأنا أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم خرجت روحه وصار إلى رحمة الله.

الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

متى يتعفن الطالم حيّا ... !!

يتـعـفَّـن حيَّـا  

نستمع بخشوع القانتين، وننصت إنصات المتقين، ونتدبر في قول الله تعالى لعلنا نكون من المفلحين :
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:114]
في  موسم الحج لسنة 317 هـ حدثت طامة كبرى، إذ هاجم القرمطي أبو طاهر الجنابي وجنوده جموعَ الحجاج يوم التروية، والحجيج  يهللون ويلبُّون، فقتلوا الحجاج قتلا ذريعا في فجاج مكة، وداخل البيت الحرام ،ولم يسلم منهم حتى الذين تعلقوا بأستار الكعبة، ويقال أنه قتل منهم نحو عشرة آلاف، وطرح كثيرا من جثثهم في بئر  زمزم !!  وأنه كان يجلس علي باب الكعبة والحجيج يصرعون حوله في المسجد الحرام وهو ينشد ـ والعياذ بالله ـ:
أنا لله وبالله أنا
يخلق الخلق وأفنيهم أنا ...!!
 وعرَّى البيت الحرام من كسوته، وقلع بابه، واقتلع الحجر الأسود، وأخذه معه إلى مدينة هجر، ونهب جميع التحف التي زين بها الخلفاء الكعبة علي مز الأزمنة.. وما  كانوا وضعوها من الجواهر النفسية،ولم يحج الناس حتى سنة 326 هـ  خوفا من شره وشر أتباعه من القرامطة .
وظل الحجر الأسود مخطوفا هناك حتى ردّ إلى مكانه في عهد الخليفة المطيع سنة 339هـ.
العبرة  في الموضوع أن الجنابي مرض بنوع غريب من الجدري، فكانت أطرافه تتعفن وتموت وتسقط ، ومات في شهر رمضان لسنة 332 هـ ، بعد أن تقطعت بسببه أوصاله وأطرافه وهو ينظر إليها..
و كان زنديقا لا يصلي ولا يصوم ولا يؤدي فرائض الإسلام، مع تظاهره  بأنه مسلم وزعمه أنه داعية عبيد الله بن المهدي بأفريقيا.
وما أشبه اليوم بالبارحة !!
في 28 / 9 / 2000م اقتحم السفاح (أريئيل شارون) ساحات المسجد الأقصى ، في عملية رافقه فيها ثلاثة آلاف جندي ، دخل خائفا رغم أن القدس تخضع لسيطرة أمنية دقيقة ، ووقف شارون يتبجح وقفة ذكرت الناس بتلك الوقفة المتكبرة على جثث الجنود الأسرى من الجيش المصري الذين سحقوا تحت جنازير الدبابات أحياء في حربه مع مصر ، وقفة تذكر الناس بتلك الوقفة على مشارف مخيمي صبرا وشاتلا، حيث أشرف السفاح على ذبح ثلاثة آلاف فلسطيني من سكان المخيم العزّل بعد رحيل المقاتلين، واندلعت بسبب زيارته  انتفاضة الأقصى و قتل جنود السفاح خلالها آلاف الأبرياء واغتالوا رموز وقادة الشعب الفلسطيني .  
ولم يطل حلم الحليم ، ففي 10 /2/ 2006أصيب السفاح الساعي لخراب الأقصى  بجلطة ودخل في غيبوبة أبدية ، وقال الطبيب المسئول عن علاجه : إن شارون يعيش في حالة ( الوعي الأدنى) حيث يحس بالألم بشكل ما ، ومع استمرار الغيبوبة يضطر الأطباء بين فترة وأخرى لقص جزء من أمعائه لأنها تتعفن .
 وصدق العلي العظيم : لهم في الدنيا خزي ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم ..

الاثنين، 19 سبتمبر 2011

المصطفون الأخيار ... !!

المصطفـون الأخـيار       
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ {45} إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ {46} وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ [ سورة ص ]
 يذكرنا الله تعالى في هذه الآيات أنه اتخذ من عباده أصفياء اختارهم عنده من بين كل الناس، ومن صفاتهم :  
 أولا القوة: فهم أقوياء في العمل الصالح والعبادة .
ثانيا البصيرة: فهم أهل علم نافع وبصيرة نافذة في الحق .
وكانت النتيجة أن الله سبحانه وتعالى خصهم بخاصية خالصة لهم هي ذكرى الدار . فما هي هذه الصفة ؟
قال مالك بن دينار:  نزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها .
 وقال قتادة : كانوا يُذكَّرون الناس بالدار الآخرة والعمل لها .
وقال مجاهد : أي جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هم غيرها.
قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  :
( إذا كان يوم شديد الحر فقال العبد: لا إله إلا الله ما أشد حر هذا اليوم، اللهم أجرني من حر جهنم. قال الله لجهنم: إن عبدًا من عبادي قد استجار بي منك وقد أجرته. وإذا كان يوم شديد البرد فقال العبد: لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم. اللهم أجرني من زمهرير جهنم. قال الله لجهنم: إن عبدًا من عبادي قد استجار بي منك فأجرتـه ).
فهذا رجل من المصطفين الأخيار ، حرّ الدنيا يذكره بحر جهنّم ، وبردها يذكره بزمهريرها .
قال أبو رزين العقيلي للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  : كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «هل مررت بواد أُهلك محلاً،  ثم مررت به يهتز خضرًا؟ » قال نعم. قال: «كذلك يخرج الله الموتى، وذلك آيته في خلقه» أخرجه الإمام أحمد.
كان بعض الصالحين  يخرج في أيام الرياحين والفواكه إلى السوق فيقف وينظر ويعتبر ويسأل الله الجنة.
وروي أن سعيد بن جُبير مر بشباب من أبناء الملوك جلوس في مجالسهم في زينتهم فسلموا عليه، فلما بعد عنهم بكى واشتد بكاؤه، وقال: ذكرني هؤلاء شباب أهل الجنة.
و تزوج صلة بن أشيم  معاذة  العدوية وكان من كبار الصالحين، فأدخله ابن أخيه الحمام المسخن بالنار، ثم أدخله على زوجته في بيت مطيب منجد، فقاما يصليّان إلى الصباح. فسأله ابن أخيه عن حاله؟ فقال: أدخلتني بالأمس بيتًا أذكرتني به النار ـ يقصد الحمّام ـ وأدخلتني الليلة بيتًا أذكرتني به الجنة، فلم يزل فكري في الجنة والنار إلى الصباح.
مر أبو حازم سلمة بن دينار بسُوق الفاكهة فقال‏:‏ مَوْعدك الجنّة‏.‏
ومرَّ بالجزًارين فقالوا له‏:‏ يا أبا حازم هذا لحم سمين فاشتَر.  قال‏:‏ ليس عندي ثَمَنُه قالوا‏:‏ نُؤخرك قال‏:‏ أنا أُؤخر نفسي‏.
وروي عن سفيان الثوري أنه مرَّ على حدَّاد فرأى شرَر النار يتطاير فجعل يبكي .
وقال الحسن: كان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ربما توقد له النار ثم يدني يديه منها، ثم يقول: يا ابن الخطاب هل لك على هذا صبر؟!
وكان الأحنف بن قيس يجيء إلى المصباح بالليل فيضع أصبعه فيه، ثم يقول: حِسْ، حِسْ. ثم يقول: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا، ما حملك على ما صنعت يوم كذا!!
وأخرج ابن أبي الدنيا من رواية سعد بن الأخرم، قال: كنت أمشي مع ابن مسعود، فمر بالحدادين، وقد أخرجوا حديدًا من النار، فقام ينظر إليه ويبكي.
وكان ابن مسعود إذا رجع من الجمعة في حر الظهيرة يذكر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار؛ فإن الساعة تقوم في يوم الجمعة، ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. وتلا قوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفُرقان: 24] .
فينبغي لمن كان في حر الشمس أن يتذكر حرّها في الموقف؛ فإن الشمس تدنو من رءوس الناس يوم القيامة ويزاد في حرّها، وليس هناك ظل إلا بالأعمال الصالحة.
سبحان الله ، ما رأى العارفون بالله شيئًا من الدنيا إلا تذكروا به ما وعدهم الله  من جنسه في الآخرة، وعلموا أن ذلك دليلاً يعرِّفهم بخالقهم جل جلاله وتقدست أسماؤه .
أبصار صافية طاهرة نقية، تنعكس عليها صور الدنيا فتنطبع في القلوب صور الآخرة، فهم يرون الدنيا بأبصارهم ويرون الآخرة بقلوبهم .
اللهم لا تجعل الدنيا همنا ولا مبلغ علمنا، و اجعلها جسرنا إلى جنتك يا أرحم الراحمين.

الأرواح جنود مجندة .. !!

الأرواح جنـودٌ مجنّـَدة
يقول الله تعالى في سورة مريم :
[إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [
ورد في صحيح البخاري عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ ـ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ  قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  يَقُولُ :
" الأَرْوَاحُ جُنُـودٌ مُجَنَّـدَةٌ فَمَا تَعَـارَفَ مِنْهَا ائْتَـلَفَ وَمَا تَنَـاكَرَ مِنْـهَا اخْتَلـَفَ "
في هذا الحديث تشبيه لتجمع الناس مع أشباههم مثل فرق الجنود، فالمشاة مع المشاة ،والبحرية مع البحرية ، والمظليون مع المظليين ، وفي الواقع الأخيار مع الأخيار ، والأشرار مع الأشرار ، الصائمون مع الصائمين ، والمفطرون مع المفطرين ، هكذا اجتمع بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي، وهكذا تآخى الأنصار والمهاجرون ، ونجد أن المنافقين كان بعضهم يميل إلى بعض، ويتناجون فيما بينهم بالإثم في مجلس النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  وفي الجهاد أيضا ينكصون معا .
 فأرواح الصالحين تقودهم لتجْمعهم بلا ميعاد ولا ترتيب، وكأنها مبرمجة تقود الأجساد نحو أشباهها من الناس، فينجذب كلٌ لشبيهه، ولهم في ذلك حكايات كثيرة منها ... 
خرج إمام أهل السنة أحمد بن حنبل من السجن وقد ضعف جسمه وسرت الأمراض في أوصاله من شدة التعذيب وطول المدَّة، ولكن همته بقيت ثابتة ثبوت عقيدته في قلبه، وجاء أصحابه يزورونه ويهنئونه بالثبات على الحق، وكان للإمام أحمد صديق حبيب إلى قلبه ـ رغم أنه كان يخالفه كثيرا في مسائل الفقه ـ  هو إسحاق بن راهويه ،و يذكر الإمام  أحمد عن أبن راهويه ـ رغم الخلاف ـ   فيقول :"  لم يعبُر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق بن راهويه وإن كان يخالفنا في أشياء فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً " . وله مع صديقه قصة طريفة . .  
والقصة رواها ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد عن ابن الجوزي،على لسان عبد الله بن الإمام أحمد قال  : 
"   لما أُطلق أبي من المحنة خَشي أن يجئ إليه إسحاق بن راهويه،  فرحل أبي إليه،  فلما بلغ الرَّي دخل إلى مسجد فجاء مطر كأفواه القرب،  فلما كانت العتمة قالوا له:  أُخرُج من المسجد فإنا نريد أن نغلقه.
 فقال لهم:  هذا مسجد الله وأنا عبد الله !!
فقيل له: بعد كَري الصناع ما أعطيناهم ـ أي كلفنا أموال كثيرة دفعناها للصناع حتى صار مسجدا ـ أيما أحبُّ إليك تخرج أو نجرُّ برجلك.!!
 قال أحمد، فقلت: سلاماً.
 فخرجت من المسجد والمطرَ والرعد والبرق، فلا أدري أين أضع رجلي، ولا أين أتوجه، فإذا رجل قد خرج من داره فقال لي: يا هذا أين تمرُّ في هذا الوقت؟
 فقلت: لا أدري أين أمر .
فقال لي:  أدخل .
فأدخلني داراً ونزع ثيابي وأعطوني ثياباً جافة، وتطهرت للصلاة ، فدخلت إلى بيت فيه كانون فحم ولبود ومائدة منصوبة.
فقيل لي:كُل، فأكلت معهم .
فقال لي: من أين أتيت؟ فقلت:  من بغداد. 
فقال لي:  تعرف رجلاً يُقال له أحمد بن حنبل؟
 فقلت:  أنا أحمد بن حنبل.
 فقال لي: وأنا إسحاق بن راهويه .
فسبحان الذي جمع بين أهل المحبة في الليل بغير وسيلة ولا ميعاد، فالأرواح جنود مجندة تتعارف وإن بعد السفر وطال الزمان .
اللهم اكتب لنا ولوالدينا رفقة محمد الأمين والصحابة والصالحين في جنات النعيم .

السبت، 17 سبتمبر 2011

تصدق فأثم ...!!

صدقة مردودة على صاحبها ..

قال تعالى مخاطبا عباده المؤمنين :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
عن أبي هريرة قال :  قال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشـربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم.
قال الأصمعي :
كنت أساير رجلا من الأعيان ،فمر بنا رجل يحمل سلة مملوءة بالرمان ،فتناول صاحبي منها رمانة وأخفاها في كمه ، فعجبت من ذلك ، وكذّبت بصـري ، حتى مررنا بسائل فإذا صاحبي يُخرج الرمانة من كمِّه ويعطيها إياه .فقلت له : رأيتك فعلت عجبا ... !! فقال: ما هو ؟ قلت رأيتك اختلست رمانة من الحّمال ، وقدمتها للسائل .فقال : وماذا في ذلك ؟؟ لقد اختلستها فكانت سيئة واحدة ، ثم تصدقت بها فكانت عشـر حسنات . فقلت له : لقد أخذتها فكانت سيئة ، وتصدقت بها فلم تقبل منك ، لأنها من حرام .

الباذنجانة العجيبة .. !!

الباذنجانة العجيبة ..  !!

جاء في سورة الطلاق :
[.. وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ۞ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ]
وفي حديث ‏أبي قتادة‏ ‏وأبي الدهماء ‏عندما ‏أتَيَا على ‏ ‏رجل ‏‏من أهل ‏ ‏البادية ‏ ‏
قالا: فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  ، فجعل يعلمني مما علَّمه الله، وقال: " ‏إنك لن تدعَ شيئاً اتِّقاءَ الله إلا أعطاك الله خيراً منه"  .أخرجه الإمام أحمد ، وإسناده صحيح
أورد الشيخ علي الطنطاوي في كتابه : فصول في الثقافة والأدب   (ص 12) القصة التالية :
في  دمشق مسجد كبير اسمه (جامع التوبة)، وهو جامع مبارك فيه أنس وجمال، سمِّي بجامع التوبة؛ لأنه كان خاناً ترتكب فيه أنواع المعاصي، فاشتراه أحد الملوك في القرن السابع الهجري وهدمه وبناه مسجداً. وكان فيه - من نحو سبعين سنة- شيخ مربٍّ عالم عامل اسمه الشيخ سليم المَسْوَتي، وكان أهل الحي يثقون به، ويرجعون إليه في أمور دينهم وأمور دنياهم. وكان عند هذا الشيخ تلميذ صالح، وكان مضرب المثل في فقره وفي إبائه وعزة نفسه، وكان يسكن في غرفة في المسجد. مرَّ عليه يومان لم يأكل فيهما شيئاً، وليس عنده ما يَطعمه، ولا ما يشتري به طعاماً، فلما جاء اليوم الثالث أحس كأنه مشرف على الموت، وفكَّر ماذا يصنع، فرأى أنه بلغ حد الاضطرار الذي يجوز له أكل الميتة أو السـرقة بمقدار الحاجة، فآثر أن يسرق ما يقيم صلبه.
وهذه القصة واقعة، أعرف أشخاصها، وأعرف تفصيلها، وأروي ما فعل الرجل، لا أحكم على فعله بأنه خير أو شر أو أنه جائز أو ممنوع. وكان المسجد في حيٍّ من الأحياء القديمة، والبيوت فيها متلاصقة والسطوح متصلة، يستطيع المرء أن ينتقل من أول الحي إلى آخره مشياً على السطوح. فصعد إلى سطح المسجد، وانتقل منه إلى الدار التي تليه، فلمح فيه نساء فغضَّ من بصره وابتعد، ونظر فرأى إلى جنبها داراً خالية، وشمَّ رائحة الطبخ تصعد منها، فأحس مِن جوعه لما شمَّها كأنها مغناطيس يجذبه إليها. وكانت الدور من طبقة واحدة، فقفز قفزتين من السطح إلى الشـرفة فصار في الدار، وأسرع إلى المطبخ فكشف غطاء القدر، فرأى فيها باذنجاناً محشواً، فأخذ واحدة ولم يبال من شدة جوعه بسخونتها، وعض منها عضة، فما كاد يبتلعها وتكويه بحرارتها حتى ارتد إليه عقله ودينه، وقال لنفسه: أعوذ بالله،  أنا طالب علم مقيم في المسجد، ثم أقتحم المنازل وأسرق ما فيها؟
وكبر عليه ما فعل، فندم واستغفر وردَّ الباذنجانة، وعاد من حيث جاء، فنزل إلى المسجد وقعد في حلقة الشيخ، وهو لا يكاد من شدة الجوع - يفهم ما يسمع. فلما انقضـى الدرس وانصـرف الناس (وأؤكد لكم أن القصة واقعة) جاءت امرأة مستترة (ولم يكن في تلك الأيام امرأة غير مستترة) فكلَّمت الشيخ بكلام لم يسمعه التلميذ ، فتلفَّت الشيخ حوله فلم يرَ غيره، فدعاه وقال له: هل أنت متزوج؟ قال: لا. قال: هل تريد الزواج؟ فسكت، فقال له الشيخ: قل، هل تريد الزواج؟ قال: يا سيدي، ما عندي ثمن رغيف آكله فلماذا أتزوج؟
قال الشيخ: إن هذه المرأة خبَّرتني أن زوجها توفي، وأنها غريبة عن هذا البلد، ليس لها فيه ولا في الدنيا إلا عمٌّ عجوز فقير، وقد جاءت به معها (وأشار إليه قاعداً في ركن الحلقة) وقد ورثت دار زوجها ومعاشه، وهي تحبُّ أن تجد رجلاً يتزوجها على سنة الله ورسوله؛ لئلا تبقى منفردة فيطمع فيها الأشرار وأولاد الحرام، فهل تريد أن تتزوج بها ؟ قال: نعم. وسألها الشيخ: هل تقبلين به زوجاً؟ قالت: نعم.
فدعا بعمِّها، ودعا بشاهدين، وعقد العقد، ودفع المهر عن التلميذ، وقال له: خذ بيد زوجتك.
فأخذ بيدها، أو أخذت هي بيده، فقادته إلى بيتها، فلما دخلته كشفت عن وجهها فرأى شباباً وجمالاً، ورأى البيت هو البيت الذي نزله. وسألته: هل تأكل؟ قال: نعم.
فكشفت غطاء القدر فرأت الباذنجانة، فقالت: عجباً! من دخل الدار فعضَّها؟
فبكى الرجل وقصَّ عليها الخبر، فقالت له: هذه ثمرة الأمانة، عففت عن الباذنجانة الحرام فأعطاك الله الدار كلها وصاحبتها بالحلال.

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

المؤذِّن بأنفاســـه..!!
يقول الحق جلَّ شأنه :
[ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ۞ رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ۞ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ] { النور : 37 }

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَهُ ، " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَيْنَ جِيرَانِي ؟ فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ : رَبَّنَا ، وَمَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِرَكَ ؟ فَيَقُولُ : أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ ؟ " .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول, ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا...)
جاء في كتاب ( في بطن الحوت ) لمؤلفه الشيخ محمد العُريفي القصة التالية :
أخبرني أحد الأطباء أنه دخل في غرفة الإنعاش على مريض ،  فإذا شيخ كبير على سرير أبيض وجهه يتلألأ نورا ،  قال صاحبي : أخذت أقلب ملفَّه ، فإذا هو قد أجريت له عملية في القلب ،  أصابه نزيف خلالها ،  مما أدى إلى توقف الدم عن بعض  مناطق الدماغ ، فأصيب بغيبوبة تامة، ووصلت به أجهزة الإنعاش ، و وضع على فمه جهاز للتنفس  الصناعي،  يدفع إلى رئتيه تسعة أنفاس في الدقيقة .
كان بجانبه أحد أولاده ، سألته عنه ، فأخبرني أن أباه مؤذن في أحد المساجد منذ سنين.  أخذت أنظرإليه،  حرَّكت يده ، حركت عينيه ،  كلمته ، لا يدري عن شيء أبدا، ولا يستجيب لأي فعل .
كانت حالته خطيرة،  اقترب ولده من أذنه وصار يكلمه ،  وهو لا يعقل شيئا ، فبدأ الولد يقول :  يا أبي... أمي بخير .. وأخواني بخير .... وخالي رجع من السفر .. واستمر الولد يتكلم . والأمر على ما هو عليه ، الشيخ لا يتحرك ،  والجهاز يدفع تسعة أنفاس  في الدقيقة !!
 وفجأة قال الولد : والمسجد مشتاق إليك،  ولا أحد يؤذن فيه  إلا فلان ، ويخطئ في الأذان،  ومكانك في المسجد فارغ . فلما ذكر المسجد والأذان ، اضطرب صدر الشيخ ،  وبدأ يتنفس فنظرت إلى  الجهاز فإذا هو يشير إلى ثمانية عشر نفسا في الدقيقة ،  والولد لا يدري ،  ثم قال الولد : وابن عمي تزوج .. وأخي تخرج .... فهدأ الشيخ مرة أخرى ، وعادت الأنفاس تسعة يدفعها الجهاز الآلي ، فلما رأيت ذلك أقبلت إليه حتى وقفت عند رأسه ، حركت يده ، عينيه ، هززته ، لاشيء كل شيء ساكن ،  لا يتجاوب معي أبدا .  قربت فمي من أذنه ثم قلت : الله أكبر.... حي على الصلاة ... حي على الفلاح ،  وأنا أسترق النظر إلى جهاز التنفس ،  فإذا به يشير إلى ثمانية عشر نفس في الدقيقة .