الاثنين، 19 سبتمبر 2011

المصطفون الأخيار ... !!

المصطفـون الأخـيار       
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ {45} إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ {46} وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ [ سورة ص ]
 يذكرنا الله تعالى في هذه الآيات أنه اتخذ من عباده أصفياء اختارهم عنده من بين كل الناس، ومن صفاتهم :  
 أولا القوة: فهم أقوياء في العمل الصالح والعبادة .
ثانيا البصيرة: فهم أهل علم نافع وبصيرة نافذة في الحق .
وكانت النتيجة أن الله سبحانه وتعالى خصهم بخاصية خالصة لهم هي ذكرى الدار . فما هي هذه الصفة ؟
قال مالك بن دينار:  نزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها .
 وقال قتادة : كانوا يُذكَّرون الناس بالدار الآخرة والعمل لها .
وقال مجاهد : أي جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هم غيرها.
قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  :
( إذا كان يوم شديد الحر فقال العبد: لا إله إلا الله ما أشد حر هذا اليوم، اللهم أجرني من حر جهنم. قال الله لجهنم: إن عبدًا من عبادي قد استجار بي منك وقد أجرته. وإذا كان يوم شديد البرد فقال العبد: لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم. اللهم أجرني من زمهرير جهنم. قال الله لجهنم: إن عبدًا من عبادي قد استجار بي منك فأجرتـه ).
فهذا رجل من المصطفين الأخيار ، حرّ الدنيا يذكره بحر جهنّم ، وبردها يذكره بزمهريرها .
قال أبو رزين العقيلي للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  : كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «هل مررت بواد أُهلك محلاً،  ثم مررت به يهتز خضرًا؟ » قال نعم. قال: «كذلك يخرج الله الموتى، وذلك آيته في خلقه» أخرجه الإمام أحمد.
كان بعض الصالحين  يخرج في أيام الرياحين والفواكه إلى السوق فيقف وينظر ويعتبر ويسأل الله الجنة.
وروي أن سعيد بن جُبير مر بشباب من أبناء الملوك جلوس في مجالسهم في زينتهم فسلموا عليه، فلما بعد عنهم بكى واشتد بكاؤه، وقال: ذكرني هؤلاء شباب أهل الجنة.
و تزوج صلة بن أشيم  معاذة  العدوية وكان من كبار الصالحين، فأدخله ابن أخيه الحمام المسخن بالنار، ثم أدخله على زوجته في بيت مطيب منجد، فقاما يصليّان إلى الصباح. فسأله ابن أخيه عن حاله؟ فقال: أدخلتني بالأمس بيتًا أذكرتني به النار ـ يقصد الحمّام ـ وأدخلتني الليلة بيتًا أذكرتني به الجنة، فلم يزل فكري في الجنة والنار إلى الصباح.
مر أبو حازم سلمة بن دينار بسُوق الفاكهة فقال‏:‏ مَوْعدك الجنّة‏.‏
ومرَّ بالجزًارين فقالوا له‏:‏ يا أبا حازم هذا لحم سمين فاشتَر.  قال‏:‏ ليس عندي ثَمَنُه قالوا‏:‏ نُؤخرك قال‏:‏ أنا أُؤخر نفسي‏.
وروي عن سفيان الثوري أنه مرَّ على حدَّاد فرأى شرَر النار يتطاير فجعل يبكي .
وقال الحسن: كان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ربما توقد له النار ثم يدني يديه منها، ثم يقول: يا ابن الخطاب هل لك على هذا صبر؟!
وكان الأحنف بن قيس يجيء إلى المصباح بالليل فيضع أصبعه فيه، ثم يقول: حِسْ، حِسْ. ثم يقول: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا، ما حملك على ما صنعت يوم كذا!!
وأخرج ابن أبي الدنيا من رواية سعد بن الأخرم، قال: كنت أمشي مع ابن مسعود، فمر بالحدادين، وقد أخرجوا حديدًا من النار، فقام ينظر إليه ويبكي.
وكان ابن مسعود إذا رجع من الجمعة في حر الظهيرة يذكر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار؛ فإن الساعة تقوم في يوم الجمعة، ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. وتلا قوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفُرقان: 24] .
فينبغي لمن كان في حر الشمس أن يتذكر حرّها في الموقف؛ فإن الشمس تدنو من رءوس الناس يوم القيامة ويزاد في حرّها، وليس هناك ظل إلا بالأعمال الصالحة.
سبحان الله ، ما رأى العارفون بالله شيئًا من الدنيا إلا تذكروا به ما وعدهم الله  من جنسه في الآخرة، وعلموا أن ذلك دليلاً يعرِّفهم بخالقهم جل جلاله وتقدست أسماؤه .
أبصار صافية طاهرة نقية، تنعكس عليها صور الدنيا فتنطبع في القلوب صور الآخرة، فهم يرون الدنيا بأبصارهم ويرون الآخرة بقلوبهم .
اللهم لا تجعل الدنيا همنا ولا مبلغ علمنا، و اجعلها جسرنا إلى جنتك يا أرحم الراحمين.

ليست هناك تعليقات: