الأحد، 11 سبتمبر 2011

رعي الإبل ورعي الخنازير ..

رعي الإبل ورعي الخنازير ..!!

في ظلال آية من القرآن نتدبر ثلاث وقائع من التاريخ الإسلامي ونعتبر ونتدبر ، قال تعالى :
 ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ منْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين  ] { المائدة : 51 }
كعب بن مالك صحابي جليل شهد  بيعة العقبة وبيعة الرضوان ، لم يتخلف عن رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  في غزوة غزاها إلا غزوة تبوك  ، وهو أحد الثلاثة الذين خلّفوا . 
ولما عاد الرسول ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  إلى المدينة جاء المخلفون يعتذرون وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فقبل منهم رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ علانيتهم ، وبايعهم واستغفر لهم ، ولما جاء كعب  وسلم عليه تبسم له تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ولم يجد مالك لنفسه عذر صدق .
وبدأ الابتلاء ، فنهى رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  عن كلام الثلاثة  ، فقاطعهم الناس حتى تنكرت لهم الأرض خمسين ليلة ،  وكان كعب يأتي المسجد ويصلي ، ويسلم على رسول الله والرسول يعرض عنه لا ابتسام ولا كلام .  وحاول الاتصال بصاحبه أبي قتادة ، فتسوَّر الجدار ، لأنه يعلم لو أنه دق الباب فلن يفتح له ، ولما سلّم على صاحبه لم يرد السلام . كان من الممكن اعتبار رد السلام واجب. ولكنه خشي أن يكون في ذلك أثر على الالتزام بأمر رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  .عاد كعب من حيث أتى؛ لأن أبا قتادة لن يفتح له ليخرج من الباب.
وبينما كعب يمشي في الأسواق إذا نبطي من تجار الشام يبحث عنه وقد حمل له رسالة من ملك غسان يستغل بها الموقف ، جاء فيها :
"  أَمَّا بَعْدُ:   فَإِنَّهُ قَدْ بلغني أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاك،  وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضْيَعَة،  فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِك " .
فكان جوابه :"   وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ " . فاعتبر عرض الحماية من العدو أشد البلاء  . 
ثم أنزل الله توبته على هؤلاء الثلاثة من الصحابة الكرام وانتهى الأمر ، وما زلنا نذكرهم حتى اليوم ونذكر نزول القرآن فيهم ، ونقول عن الثلاثة المخلفين رضي الله عنهم .  
  ترى لو قبل مالك في لحظة ضعف الانضمام إلى أعداء الأمة هل كان سيستحق هذا الشرف!!
وفي حادثة مشابهة .. لماّ كان الخلاف بين عليّ و معاوية ـ رضي الله عنهما ـ انتهز قيصـر الروم هذه الفرصة , فأرسل إلى معاوية يستعديه على عليّ ـ رضي الله عنه ـ و يشد أزره بجيشه ، حيث يقول له في رسالة بعث بها إليه :
 " لقد عَجبنا من جرأةِ صاحبك عليك،  و طمعه فيما بين يديك،  وما هو لذلك بأهلٍ،  فإن شئت أمددناك بجيشٍ لا يمسي عندك حتى يصبح علي ورجاله في قبضة يدك  "
فرد عليه معاوية ـ رضي الله عنه ـ بأبلغ ردٍّ ، و أفسد عليه خطته :
" أما بعد ، فما أنا و عليٍّ إلا أخوان نتنافس فضلاً ،  و نستبق خيراً،   و لئن عدت إلى مثل ما ذكرت لألحَقَنَّ  صاحبي ،  و لآتينّك من قبله على رأس جيشٍ،  يكون أوله عندك،  و آخره عنده ، فلا أبيتنّ ليلتي حتى أرثه من الأرض ما تحت قدميك "...
وفي الأندلس يتكرر الدرس ،  فعندما وقع الصراع بين ملوك الطوائف اشتهر من بين هؤلاء الملوك المتنافسين المعتمد بن عباد، الملك والشاعر والكاتب، وان كان له فضل فإن ذلك الفضل في محاولته صد الخطر الذي رأى دنوه من أبواب المسلمين، ولم يكن أمامه من مخرج سوى الاستعانة بقوة من المغرب العربي ، في عهد المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين لنجدة المسلمين،  كان بقية ملوك الطوائف يبدون خشيتهم من يوسف بن تاشفين، ويؤكدون انه إذا دخل الأندلس فلن يخرج منها، بل سيحكمها بنفسه، ويزيحهم، فقال لهم المعتمد بن عباد قولته المشهورة :
 " .. لئن أكون ذنبا  في الحق أحبُّ إليَّ من أكون رأسا في الباطل، ولئن أرعى الإبل لابن تاشفين خير لي من أن أرعى الخنازير للفونسو حاكم الأسبان ..  "

ليست هناك تعليقات: