الجمعة، 16 سبتمبر 2011

تصدق الآباء وبخل الابناء ..

تصدق الآباء وبخل الأبناء
قال الله تعالى في محكم تنزيله :
[الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ] { البقرة : 262}
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " .
هذه قصة من كتاب (موسوعة غرائب القصص )  لمؤلفه : أحمد سالم بادويلان وهي بعنوان ( الصدقة لا تموت ) ، جاءت على لسان رجل يكنى ابن جدعان ، ويقول  هذه القصة حدثت منذ أكثر من مائة سنة تقريبا ، فهي واقعية ... يقول ابن جدعان  :
خرجت في فصل الربيع ، وإذا بي أرى إبلي سمانا يكاد أن يفجر الربيع الحليب من أثدائها ، كلما اقترب ابن لناقة من أمه درت وانفجر الحليب منها من كثرة البركة والخير ، فنظرت إلى ناقة من نوقي وابنها من خلفها ، وتذكرت جارا لي له بنيات سبع ، فقير الحال ، فقلت والله لأتصدقنَّ بهذه الناقة وولدها لجاري ، و الله يقول [ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ ] { آل عمران : 92 } . وأحب مالي إليَ هذه الناقة .
 يقول أخذت هذه الناقة وابنها ، وطرقت الباب على جاري ، وقلت خذها هدية مني لك،  فرأيت الفرح  في وجهه لا يدري ماذا يقول .  فكان يشرب من لبنها ، ويحتطب على ظهرها ، وينتظر وليدها يكبر ليبيعه،  وجاءه منها خير عظيم .
فلما انتهى الربيع وجاء الصيف بجفافه وقحطه، تشققت الأرض ، وبدأ البدو يرتحلون يبحثون عن الماء والكلأ ، يقول شددنا الرحال نبحث عن الماء في الدحول ، والدحول : هي حفر في الأرض توصل إلى محابس مائية لها فتحات فوق الأرض يعرفها البدو، يقول : فدخلت إلى هذا الدحل لأحضر الماء حتى أ شرب وأولاده الثلاثة خارج الدحل ينتظرون فتهت تحت الدحل ولم أعرف الخروج .
وانتظر أبناؤه يوما ويومين وثلاثة حتى يئسوا، وقالوا : لعل ثعبانا لدغه ومات ، لعله تاه تحت الأرض وهلك ، وكانوا والعياذ بالله ينتظرون هلاكه طمعا في تقسيم المال والحلال ، فذهبوا إلى البيت، وقسموا الميراث فقام أوسطهم وقال: أتذكرون ناقة أبي التي أعطاها لجاره، إن جارنا هذا لا يستحقها، فلنأخذ  عيرا  أجرب فنعطه الجار ، ونسحب منه الناقة وابنها، فذهبوا إلى المسكين وقرعوا عليه الدار،  وقالوا : أخرج الناقة وابنها.. قال : إن أباكم أهداها لي .. أتعشى وأتغذى من لبنها .
 فقالوا : أعد إلينا الناقة خير لك ، وخذ هذا الجمل مكانها وإلا سنسحبها الآن عنوة ، ولن نعطيك بدلا منها شيئا. قال : أشكوكم إلى أبيكم .. قالوا: اشكُ إليه فإنه قد مات .
قال: مات .. كيف مات ؟ ولم لا أدري؟
قالوا: دخل دحل في الصحراء ولم يخرج، قال : اذهبوا بي إلى هذا الدحل ثم خذوا الناقة ، وافعلوا ما  شئتم ولا أريد جملكم ، فلما ذهبوا به ورأى المكان الذي دخل فيه صاحبه الوفي ، ذهب وأحضـر حبلا ثم ربطه خارج الدحل و أشعل شعلة ، ونزل يزحف على قفاه مرة يحبو ومرة يتدحرج ، حتى صار يشم رائحة الرطوبة  تقترب ، وإذا به يسمع أنينا ، وأخذ يزحف ناحية الأنين في الظلام يتلمس الأرض ، ووقعت يده على طين ثم على الرجل ، فوضع يده عليه فإذا هو حي يتنفس بعد أسبوع من الضياع ، فقام وجره وربط عينيه ، ثم أخرجه معه خارج الدحل، وأعطاه التمر وسقاه وحمله على ظهره جاء به إلى داره ، ودبت الحياة في الرجل من جديد ، وأولاده لا يعلمون ، قال : أخبرني بالله عليك كيف بقيت أسبوعا تحت الأرض وأنت لم تمت!؟
قال : سأحدثك حديثا عجيبا ، لما دخلت الدحل ، وتشعبت بي الطرق فقلت آوي إلى الماء الذي وصلت إليه ، وأخذت أشرب منه ، ولكن الجوع لا يرحم ، فالماء  لا يكفي .
يقول : وبعد ثلاثة أيام وقد أخذ الجوع مني كل مأخذ ، وبينما أنا مستلق على قفاي سلمت أمري إلى لله،  إذا بي أحس وكأن لبنا يتدفق على لساني ، فأخذ يأتيني في الظلام كل يوم ثلاث مرات ، ولكن منذ يومين انقطع.. ولا أدري ما سبب انقطاعه ؟ يقول : فقلت له لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت، ظنَّ أولادك أنك مت فجاءوا إليَ فسحبوا الناقة التي أهديتني إياها  .. فجمع أولاده وقال : اخسؤوا ، لقد قسمت مالي نصفين ، نصفه لي ، ونصفه الآخر لجاري .

ليست هناك تعليقات: