الأحد، 25 سبتمبر 2011

على حبه ..

على حُبِّــهِ ...!!  
في أسباب نزول  قوله تعالى في سورة الإنسان  :
[ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا {7} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا { 8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا { 9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا {10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا {11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ]  الإنسان
 روى الواحدي ، قال : قال عطاء عن ابن عباس : وذلك أن الحسن والحسين ولدي علي مرضا، فعادهما جدهما  ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  ، في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة ، وجارية لهما تسمى فضّة إن برآ مما بهما ، أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا ، وما عندهما شيء فأجرّ علي بن أبي طالب نفسه يسقي نخلا بشـيء من شعير ليلة ، حتى أصبح ، وقبض الشعير ، وطحن ثلثه ، فجعلوا منه شيئا ليأكلوا يقال له : ( الخزيرة ) ، فلما تم إنضاجه ، أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي ، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه ، وطووا يومهم ذلك ، فأنزلت فيهم هذه الآية .
عن عبيد بن عمير عن عمرو بن عبسة أن رجلاً قال للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  :
ـ ما الإسلام ؟ قال: إطعام الطعام ولين الكلام " قال : فما الإيمان ؟ قال: " السماحة والصبر " قال : فأي الإسلام أفضل ؟ قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده " قال: يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيماناً ؟ قال " أحسنهم خلقاً " قال : يا رسول الله أي القتل أشرف ؟ قال : " من أريق دمه وعقر جواده" قال : فأي الجهاد أفضل ؟ قال " الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله " قال : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : جهد المقل " قال : فأي الصلاة أفضل ؟ قال : طول القنوت" قال : فأي الهجرة أفضل ؟ قال " من يهجر السوء )
فكانت هذه الآيات في بيت علي وآله رضي الله عنهم، وفي بيوت كل المسلمين الذين يقدمون لوجه الله تعالى، ولا ينتظرون جزاء ولا شكورا، لأن شرط العمل لله أن يكون بلا شرط من المعطي .
وهذا ما كان في قصة إبراهيم عليه السلام مع الضيف المجوسي .
كان من عاده سيدنا إبراهيم ـ  عليه السلام ـ أنه لا يأكل طعاما إلا أن يشاركه ضيف في طعامه، وكان لديه عبدان في كل حال ، يقول لهما من أتاني بضيف في هذه الساعة فهو حرّ لوجه الله ، وذات يوم انتظر عابر طريق فلم يجد ، فأرسل العبدين ، فجاء أحدهما برجل كبير السن ،
فلما وضع الطعام، مدّ الضيف يده إلى قصعة الطعام دون أن يذكر اسم الله، فقال له سيدنا إبراهيم: ما بالك لم تسمِّ بالله قبل الطعام ؟
فقال الرجل : أنا مجوسي ولا أعرف بسم الله . فقال له : اذهب فليس لك طعام عندي .
هنا تدخل رب السماء ، وجاء جبريل معاتبا لخليل الرحمن على لسان العلي القدير : يا إبراهيم ، هذا الرجل سبعون عاما يعصيني ويكفر بي،  وأنا أرزقه، أما أنت من اجل لقمة واحدة ترده .
فرد خليل الله الضيف ، وأحسن وفادته ، وقال له يا هذا لقد عاتبني ربي فيك ، دونك الطعام خذ منه ما شئت .

الخطوة الأولى في السير اخلع نعليك ..

الخطوة الأولى في الطريق :
اخـلع نعليـك  ..!!    
في طريق عودة سيدنا موسى،  عليه السلام، من مدين إلى مصر رأى نارا، فذهب إليها لكي يأتي أهله بقبس، أو يجد على النار هدى، وهناك خاطبه رب العزّة:
[ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ] { طه: 12}
موسى ـ عليه السلام ـ  كان يسير في واد وعر صحراوي كثير الشوك ، ولكن عند لحظة تلقِّي كلام الله تعالى  وأخذ الهدى منه فأول ما يجب فعله هو التواضع ، فالله أمره بخلع نعليه ليعلمه التواضع لربه حين ناداه، فإن نداء الله لعبده أمر عظيم، يستوجب من العبد كمال التواضع والخضوع وإظهار المهابة .
وأرشدنا رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  إلى أول آداب العلم فقال : ( تعلموا العلم وتعلموا السكينة والوقار وتواضعوا لمن تتعلمون منه ولا تكونوا جبابرة العلماء )   
قال لقمان الحكيم :  لكل شيء مطيّة ومطيّة العلم التواضع " .
كان أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ  إذا مرَّ بالصبية يتدارسون الحديث في المسجد جلس معهم وأحسن الاستماع، فإذا انتهوا قام،  وقال: والله لقد سمعته حيّاً نديّاً من فم رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  وهم في أصلاب آبائهم، وما أجلسني إلا تواضعي للعلم وحبي لرسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  .
وكان أبو حنيفة يجلس بين يدي مالك كالصبي، مع أنه أكبر منه سنّاً، وكان الشافعي يقول للإمام أحمد: أنتم أعلم مني بالحديث، فإذا صحَّ عندكم الحديث فقولوا لنا حتى نأخذ به، مع أن الشافعي أكبر وأشهر أهل زمانه.
عَهِدَ الخليفة هارون الرشيد للأصمعي بتربية وتعليم وتأديب ولديه الأمين والمأمون، فكان الاصمعي يربي ويعلم ويؤدب، وفي ذات يوم وبينما كان هارون الرشيد يهم بالخروج من المسجد رأى الأمين والمأمون يتسابقان وكل منهما يمسك بفردة حذاء كي ينتعل معلمهما الاصمعي، فوقف هارون الرشيد يسأل الأصمعي : من أعزُّ الناس في عصري يا أصمعي..فقال له : ومن أعزُّ منك يا أمير المؤمنين ! فقال له هارون الرشيد، أعز الناس من يتسابق وليّا عهدي في تقريب نعله إليه ...
فالتواضع هو أول خطوة في التعليم ، وذلك لأن التواضع يجعل المتعلم يخضع للحق وينقاد له، وسُئِلَ الفضيل بن عياض ـ  رحمه الله  ـ عن التواضع فقال:  
" أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته "
وأن لا يستنكف عن أخذ العلم عن غيره، ولو من صبي أو عامي، أو شريف، أو طريف، فإن الحكمة ضالة المؤمن، يلتقطها أين كانت، فالفاضل يستفيد من المفضول ما ليس عنده، فقد روى كثير من الصحابة عن بعض التابعين، ونقل عن سعيد بن جبير ـ رحمه الله تعالى ـ  أنه قال : " لا يزال الرجل عالما ما تعلم، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون  "
وكان يقال: لا تنظر إلى من يقول، ولكن انظر لما يقول، الحكمـة ضالـة المؤمـن، فخـذ الحكمـة ولـو مـن أهـل النفـــاق, فتواضع لمن تتعلم منه لكي يستقرّ العلم في نفسك ولا تتعالى
فالعلم حربٌ للفتى المتعالي                   كالسيّل حربٌ للمكانِ العالي
لو سألتني:  ما هي أول خطوة في إصلاح التربية والتعليم في البلاد العربية ؟
لأجبت: بأن نقلب ترتيب المواد في الشهادة المدرسية، فنجعل العلامة الأولى لاحترام لنظام والنظافة والترتيب

فرعون أمة محمد ...

فِرعَـونُ أمّـةِ محمَّــد

يقول الله تعالى عن فرعون موسى :  
[ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ {96} إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ {97}يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ {98} ]  {هود }
معركة بدر من حيث عدد المشاركين فيها، وعدد القتلى، ومدة الاشتباك معركة صغيرة نسبيّاً،  إلا أن فيها عبرا جليلة ومواقف مشهودة لمن أراد أن يعتبر أو يتفكر، فكانت معركة الفرقان التي فصلت بين عصرين ومنهجين .
عند نهاية المعركة سأل الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ : من ينظر ما صنع أبو جهل ؟ فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد الله بن مسعود وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه، وأخذ لحيته ليجزّ رأسه، وقال : هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ فقال أبو جهل بكِبْر : بماذا أخزاني الله ؟ أو هل فوق رجل قتلتموه ؟ فلو غير أكّار ( أجير )  قتلني، ثم قال : أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قال : لله ورسوله  . ثم قال لابن مسعود  ـ وكان قد وضع رجله على عنقه ـ لقد ارتقيت مرتقًا صعبا يا رويعي الغنم .
وبعد أن دار بينهما هذا الكلام اجتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ ، فقال : يا رسول الله ، هذا رأس عدو الله أبي جهل . فقال الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ غير مصدق : آلله الذي لا إله إلا هو !!! فرددها ثلاثا ، ثم قال : الله أكبر ، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق فأرني إياه ، ولما رآه قال ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ : هذا فرعون هذه الأمة .
بم صار أبو جهل فرعون هذه الأمة ، وفيها من آذى المسلمين أكثر منه ؟!
 نحاول تتبع مواقف أبي جهل التي ميّزته عن غيره من صناديد الكفر .
في مكّة عُرف عن أبي جهل أنه كان يتحدى الرسول ــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  ويتوعده بالانتقام ، ومما عُرف  من قوله : (إن وضع محمد ــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  جبهته على الأرض لأطأن رقبته ),
وفي قصة الهجرة اجتمع صناديد قريش في دار الندوة، وقدمت هناك اقتراحات كان منها:
اقترح أبو الأسود: نخرجه من بين أظهرنا، وننفيه من بلادنا .
واقترح أبو البختري: احبسوه في الحديد ، وأغلقوا عليه بابا ، ثم تربصوا ما أصاب أمثاله من الشعراء من هذا الموت .
ولكن أبا الجهل كان صاحب اقتراح استئصالي متطرف: أرى أن نأخذ من كل قبيلة شابا جليدا وسيطا فينا، ثم نعطى كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه فيضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل جميعا.
وفي وقعة معركة بدر عندما بلغ جيش مكة أن أبا سفيان نجا بالقافلة، همّ أهل مكة بالرجوع، ورجع منهم الأخنس بن شريق مع بني زهرة، ولكن أبا جهل وقف في كبرياء وغطرسة قائلا :
واللهِ لا نرجع حتى نردَ بدرا ، فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور ، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر ، وتعزف لنا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا .
لقد شارك فرعون أمة محمد فرعون موسى في موقفه من الجماعة المؤمنة، فهذا فرعون يريد أن يقتلع السحرة المؤمنين من الأرض، ويرد أن يجعلهم عبرة لمن بعده ليقلع بذور الإيمان من قلوب الناس، ولكنه خاب وخسر
ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، واحرسنا بعينك التي لا تنام ، وانصرنا على القوم الكافرين بعزّك الذي لا يُضام  .

الخميس، 22 سبتمبر 2011

درس في تعليم النفاق ..

درس في تعليم النفاق ..!!  

نستمع لهذه الآية بقلوب خاشعة، ونستمع للقصة بعدها بعقول متدبرة لعل الله يفتح علينا بأنوار الحكمة كي نصل إلى لعبرة المستفادة ، يقول الله تعالى:
[ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ۞  وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ]{ مريم:55 }
وانتبه أخي رعاك الله لقوله تعالى: صادق الوعد ، ويأمر أهله بالصلاة ...
والرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يعلمنا: (خَصْلَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ مُؤْمِنٍ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ).
 يروى أن رجلا شحيح النفس بخيل اليد كان يأمر ولده بالصلاة، ولكن الولد لا يسمع موعظة والده ، فبينهما صحراء من المشاعر اليابسة قلعت غراسها سلوكيات البخل عند والده، ذات يوم قال الأب لابنه : اسمع يا ولد ، إذا صليت فسوف أعطيك على كل صلاة جنيه .
ُسرّ الولد بعرض أبيه، فسوف يكون لديه ما يشتري به مثل سائر زملائه في المدرسة ، قام الولد صباحا وقال لأبيه لقد صليت الفجر ، فهات الجنيه الذي وعدتني به  قال الأب مبتسما : حسنا يا ولدي ، ولكن أليس من الأفضل لك ولي ، وأسهل للحساب أن أعطيك المكافأة في كل يوم ، وليس على كل صلاة ! فقال الولد : موافق، بعد صلاة العشاء آتيك ونتحاسب .
وبعد صلاة العشاء جاء الولد وقال لأبيه: لقد صليت اليوم الصلوات الخمس، ولي عندك خمسة جنيهات. فقال الأب: رائع يا بني، ولكنك ولد كبير والجنيهات الخمس لا تكفيك لشراء الحذاء الرياضي الذي تحتاجه، ما رأيك لو جمعتها لك حتى نهاية الأسبوع، ويكون المبلغ كافيا لشراء ما تحتاج .
وفي نهاية الأسبوع طلب الولد من أبيه الخمسة وثلاثين جنيها مكافأة الصلوات طوال الأسبوع، فأجله الأب لنهاية الشهر ، ووعده أن يدفع له مئة وخمسين جنيها، وتكون مبلغا كافيا لتحقيق حاجات الولد ، وعندما حل الأجل المضروب في نهاية الشهر ، أجلّه الأب لنهاية العام وأغراه أن مبلغا يتجاوز الألف وثمانمائة جنيه سيكون كافيا لتحقيق جميع أحلامه ، وتلبية جميع حاجاته دفعة واحدة ، وتكون جائزة كبرى لسنة مباركة .
وجاءت نهاية السنة ، فقصد الولد أباه ليفوز بالمكافأة الكبيرة ، فأجله الوالد يوما بعد يوم ، وثار بينهما خصام، فأعرب الأب عن نيته بعدم الدفع وقال : يا ولد ، لماذا تطلب مالا على صلاتك ، أنت لم تكن تصلي لي ، أنت كنت تصلي لله والله تعالى سيكافئك عليها ويعطيك أجرك ؟!  
فقال الولد: لا يا أبي، أنا متأكد تماما أن الله تعالى لن يعطيني أجري، وأريد أجري منك فورا.
فقال الأب: وكيف عرفت أن الله تعالى لن يعطيك أجرك ؟
فقال الولد: لأني يا أبي، صليت كل الصلوات بعد اليوم الأول بدون وضوء.
وهذا الأب البخيل أراد أن يقرب ابنه من الجنّة، فقربه من النار، لأن البخيل بعيد عن الله بعيد عن الجنة.  
وهذا الأب البخيل أراد أن ينجّي ابنه فأهلكه، لأن البخل من المهلكات.
وهذا الأب لم يستطع تعليم ابنه الإيمان فعلمه سوء الخلق،
وأراد هذا الأب أن يكون ابنه من عمله الذي لا ينقطع، فقطعه البخل، والرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يعلمنا:  ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلَا بَخِيلٌ وَلَا مَنَّانٌ ) .  
والأخطر من كل ذلك أن هذا الأب البخيل وعد ابنه فأخلف، فعلم ابنه النفاق.
أحبُّ الشَّـياطين لإبليس    

يؤمن المسلم يقينا أن عدوه الأول هو الشيطان ، وأن عدوه الدائم هو الشيطان ، ولغير المسلم أن يرتّب قائمة أعدائه كما يشاء ، وذلك لأن الله العليم الحكيم أخبرنا بذلك في كتابه العزيز :
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ۞ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ]0فـاطر 0
ولكن من هو أخبث الشياطين وأمهرهم في تحقيق أهداف إبليس اللعين؟!
ومن هو أشطر الشياطين وأضرهم للإنسان ؟!
روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر قال:
 قال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  :
( إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة )
تنطلق الشياطين من عرش إبليس اللعين، في رحلة يومية ، تجوب الأرض توسوس للناس وتزيِّن لهم أعمالهم السيئة ، وتنشر الرذيلة والفجور في المجتمعات، ثم تعود إلى كبيرها إبليس، وتقدم له تقريرا عن أفعالها، فمن هو الشيطان الأكثر خبثا الذي جاء بأعظم جُرم فيكون الفائز بين الشياطين بالمرتبة الأولى بالشيطنة ، ويكون المحبوب عند أبيه اللعين إبليس ، فيأخذه  بالأحضان سرورا بما عمل ؟!
هل هو ذلك الخناس الذي ألهى المصلِّي عن صلاته،  فلم يعرف كم ركعة صلّى ؟
هل هو ذلك الشيطان الذي أغرى مسلما فشرب الخمر أو وقع في الزنا ؟
هل هو ذلك الخبيث الذي أوقع المسلم في الربا أو أكل مال الناس بالباطل ؟
هل هو ذلك المارد الذي سوّل للأخ قتل أخيه ؟
قد تعجبون إذا علمتم أن أحدا من هؤلاء الشيطان ليس هو الفائز بالجائزة الكبرى، والدرجة العليا، والمكانة الفضلى عند كبير الشياطين إبليس اللعين ، فمن هو إذا ؟!  
ذلك ما نعرفه من حديث الصادق الأمين خاتم الأنبياء والمرسلين .
عن جابر قال: قال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  :
( إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئا. قال:  ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته.  قال:  فيدنيه منه، ويقول:  نعم أنت.  قال الأعمش أراه قال فيلتزمه ـ أي يعانقه طويلا بحرارة فرحا به ـ )     .
فأخبث الشياطين وأمكرها وأعداها للإنسان هو ذلك الذي يُحدث الشقاق بين المرء وزوجه، هذا الشقاق الذي هو المعول الرئيس في هدم الأسرة وتدميرها، والأسرة الخَرِبة المفكّكة هي الحاضنة الخبيثة لكل أنواع الانحرافات بعد ذلك ، فيخرج منها السارق والعاق والزاني والسارق والمنحرف، لذلك كان الشيطان الناجح في تدمير الأسرة هو الشيطان الأخبث عند إبليس.
ولذلك كان اهتمام المؤسسات الغربية وتركيز هجومها على الأسرة المسلمة تحت شعار حقوق المرأة وحقوق الطفل، لأن الأسرة المسلمة هي الحصن الأخير الباقي في بلاد المسلمين لتربية الأولاد على الدين والأخلاق.
ونستفيد من هذا الحديث في استنباط مقياس لمدى تغلغل الشياطين في المجتمع الإسلامي من خلال معرفة نسبة الطلاق في هذا المجتمع ، وعندما نسمع تلك الأرقام الخيالية عن نسب الطلاق في مجتمعاتنا العربية تنكشف أمامنا درجة عمل الشياطين فيها، ففي دول الخليج تتجاوز نسبة الطلاق الخمسين في المئة ، وتزيد عن ذلك في المغرب العربي، ونجدها في المجتمع الفلسطيني رغم الاحتلال والنكبات  حوالي  11% ، وهي نسبة وإن كانت أقل من غيرها من البلاد العربية إلا أنها مؤشر خطر ، لأن  قليل الشر كثير .

من أعظم الحسرات ...

أعظمُ الحسرات ...
يقول الله تعالى :
[ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ]  {( الحشر/9}
و الشُّح من أقبح الصفات، فهو مُنافٍ للإيمان، ولهذا قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  : ( لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا ، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا ) . ( إسناده صحيح) .
والشُّح من المهلكات، قال ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: (.. وأما المهلكات: فشحٌ مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه ) (ذكره الألباني في صحيح الجامع ) .
والشح سبب للفجور وقطيعة الرحم،   قال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: ( إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا ) .  (رواه أبو داود وأحمد )
والأمر الذي يثير العجب أن الشحيح يعيش الفقر وإن كان من أغنى الناس ، إذ يبخل حتى على نفسه ، وهو يجمع لغيره ، وهذا واقع مشاهد في حياة الناس ، ومما يروى في هذا  أن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ دخل على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه ، فرآه ينظر إلى صندوق في بيته ، ثم قال :
ـ  يا أبا سعيد ، ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أؤد منها زكاةً ، ولم أصِلْ منها رحمـًا ؟
قال الحسن: ثكلتك أمك، ولم كَنْتَ تجمعها ؟
قال : لروعة الزمان ، وجَفوة السلطان ، ومكاثرة العشيرة .
 ثم مات ، فلما فرغوا من دفنه قال الحسن ـ  رحمه الله ـ   : انظروا إلى هذا المسكين ، أتاه شيطانه فحذّره روعة زمانه ، وجفوة سلطانه ، ومكاثرة عشيرته ، عما رزقه الله إياه وغمره فيه،  انظروا كيف خرج منها مسلوبـًا محرومـًا ، ثم التفت إلى الوارث فقال : أيها الوارث ، لا تُخدعنَّ كما خُدع صويحبك بالأمس ، أتاك هذا المال حلالاً، فلا يكونن عليك وبالاً ،أتاك عفوًا صفوًا ممن كان له جموعـًا منوعـًا ، من باطل جمعه ، ومن حق منعه، إن  يومَ القيامة يومٌ ذو حسرات، وإن من أعظم الحسرات غدًا أن ترى مالك في ميزان غيرك فيا لها عثرة، لا تُقال، وتوبة لا تُنال.
فيا لله كم كان فضله علينا بالقرآن عظيما، فهو طب القلوب، فيه كشف أصل الداء ووصف نافع الدواء ؟
فالمسلم يعطي ليساعد الناس ماديّا، ولكنه بذات الوقت يحرر نفسه من أمراض مهلكة مثل الشح، ويدخر أجره عند الله تعالى خير وأبقى .

قبيل الغرغرة ..

قُبيـلَ الغَـرْغَـرة      
قال الله تعالى :
[ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ۞ وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضـَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ]
روى البخاري عن أنس بن مالك أن غلاماً يهودياً من عامّة أهل المدينة، كان يعمل خادماً في بيوت يثرب وأحيائها، يقضي الحوائج، ويعين في الأعمال، راضياً بما يحصل عليه من زهيد الأجر.
وينتهي المطاف بالفتى في بيت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َـ  ليعيش في كَنَفه ويتفيّأ من ظلاله، فأبصر نموذجاً لم يعهده من الأخلاق  السامية والخصال الفاضلة، إذ لم يسبق له أن رأى سيّداً لا يضرب خادمه ولا يعنّفه، ولكن يُحسن إليه ويلاطفه، بل ويزيد على ذلك بأن يطعمه مما يطعم، ويُلبسه مما يلبس، فلا عجب أن شغف الفتى بالنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  وأحبّه عن قرب.
وتمرّ الأيّام كالشهد المصفّى على قلب الفتى اليافع، وهو في ذلك حريصٌ على نقل مشاهداته إلى والده، فيسرد له من أخباره عليه الصلاة والسلام وعاطرِ سيرته، ويُسرّ الأب بما يلاقيه ولده من كريم المعاملة وطيب المعشَر، وتقع في نفسه أبلغ موقع.
حتى أتى ذلك اليوم الذي افتقد فيه النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خادمه اليهوديّ، ولما سأل عنه جاءه الخبر بأن الفتى طريح الفراش يُصارع سكرات الموت، فيُهرع عليه الصلاة والسلام لزيارته، وهو يخشى أن يكون قدومه قد جاء بعد فوات الأوان.
دخل النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ على الفتى، وجلس عند رأسه، متأمّلاً في ملامحه المرهقة وجسده المتعب الذي أنهكه المرض، فقال له:  أسلم، يريده أن ينطق بكلمة التوحيد، وأن يدخل في حياض الدين، حتى يُكتب من الفائزين.
والفتى منذ أن رأى أخلاق النبوّة قد شرح الله صدره للإسلام، لكنّه كان يخشى في الوقت ذاته من رفض والده أن يُذعن للحق، فجعل يلتفت إليه تارة، وإلى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تارة أخرى.
وظلّ الفتى يرقب شفتي والده، وهو لا يدري ماذا سيكون جوابه، وينطق الأب أخيرا : " أطع أبا القاسم"، فيُسرع الفتى بالنطق بالشهادتين، ومع آخر ألفاظها خرجت روحه الطاهرة إلى بارئها.
ويخرج النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ والبِشر ظاهرٌ على قسمات وجهه، ولسانه لم يفتر عن حمد الله عزّ وجل على هذه النعمة : الحمد لله الذي أنقذه من النار)
وجاء في كتاب (بحر الدموع) الإمام ابن الجوزي.
روي عن الحسن البصري ـ  رضي الله عنه ـ  أنه قال:" دخلت على بعض المجوس وهو يجود بنفسه عند الموت، وكان حسن الجوار، وكان حسن السيرة، حسن الأخلاق، فرجوت أن الله يوفقه عند الموت، ويميته على الإسلام، فقلت له: ما تجد، وكيف حالك؟ فقال: لي قلب عليل ولا صحة لي، وبدن سقيم، ولا قوة لي، وقبر موحش ولا أنيس لي، وسفر بعيد ولا زاد لي، وصراط دقيق ولا جواز لي، ونار حامية ولا بدن لي وجنّة عالية ولا نصيب لي، ورب عادل ولا حجة لي.
قال الحسن: فرجوت الله أن يوفقه، فأقبلت عليه، وقلت له: لم لا تُسلم حتى تَسلم؟ قال: إن المفتاح بيد الفتاح، والقفل هنا، وأشار إلى صدره وغشي عليه.
قال الحسن: فقلت: الهي وسيدي ومولاي، إن كان سبق لهذا المجوسي عندك حسنة فعجل بها إليه قبل فراق روحه من الدنيا، وانقطاع الأمل.
فأفاق من غشيته، وفتح عينيه، ثم أقبل وقال: يا شيخ، ان الفتَّاح أرسل المفتاح. أمدد يمناك، فأنا أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم خرجت روحه وصار إلى رحمة الله.