الاثنين، 28 نوفمبر 2011

الفيلسوف والسنور ..

الفيلسوف والسنَّور

يقول الله تعالى في سورة الجاثية  :
 ] وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ `وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ` قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ[ { الجاثية }
وعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ، قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ قَالَ : " أَمَرَرْتَ بِأَرْضٍ مِنْ أَرْضِكَ مُجْدِبَةٍ ، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهَا مُخْصِبَةً ؟ " قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : " كَذَلِكَ النُّشُورُ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ : " أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ ، وَأَنْ تُحِبَّ غَيْرَ ذِي نَسَبٍ لَا تُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ حُبُّ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِكَ ، كَمَا دَخَلَ حُبُّ الْمَاءِ قَلْبَ الظَّمْآنِ فِي الْيَوْمِ الْقَائِظِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ لِي بِأَنْ أَعْلَمَ أَنِّي مُؤْمِنٌ؟ قَالَ : " مَا مِنْ أُمَّتِي ، أَوْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَبْدٌ يَعْمَلُ حَسَنَةً ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا حَسَنَةٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَازِيهِ بِهَا خَيْرًا ، وَلَا يَعْمَلُ سَيِّئَةً ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا سَيِّئَةٌ ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ إِلَّا هُوَ - إِلَّا وَهُوَ مِؤْمِنٌ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .
 هناك مثل صيني يقول :
العقول الصغيرة تناقش الأشخاص ، والعقول المتوسطة تناقش الأشياء ، والعقول الكبيرة تناقش المبادئ .
اسمع إلى حديث الأطفال الصغار تجدهم يقولون : أبي أقوى من أبيك ، وأمي أحسن من أمك ، وإذا ما كبروا قليلا صاروا يقولون : دراجتي أقوى من دراجتك ، ولعبتي أحسن من لعبتك . وإذا ما نضجت العقول انصرفت إلى المبادئ والأفكار .
أرقى الناس عقلا هم المفكرون والفلاسفة ، لذا تجدهم مشغولين بالبحث في الأسئلة الكبرى عن الوجود ،  وعندما سئل أحد الحكماء عن معنى الفلسفة قال : هي نقاش قضية الموت والحياة .
الموت مشكلة البشرية الأولى ، ومشكلة الإنسان الكبرى ، فمنذ بداية التاريخ والمفكرون يناقشون قضية الموت والحياة ، وكما هي قضية عامة هي أيضا قضية خاصة ، والعبي هو الذي يعيش حياته دون أن يجد حلا يقنع به لهذه المسألة .
من الغريب أن رجلا كان يسميه مريدوه " فيلسوف فلسطين "  ، ومات بالسرطان قبل سنتين ، كان يتبنى مقولة عن الموت مفادها : " نحن لا نخاف الموت ، لأننا حيث نكون لا يكون ، وحيث يكون لا نكون " . وبعد البحث وجدت أن هذه المقولة لفيلسوف يوناني يدعى أبيقور ( 341 ـ 270 ق.م ) ، وخلاصة الفكرة أنه يدعو لعدم التفكير في الموت ، فحل المسألة بأن ألغاها ، وقلت لأحد مريدي الفيلسوف الفلسطيني يوما : أحقا ، كان معلمكم لا يؤمن بأي شكل من الحياة بعد الموت ؟ فقال : لا ، بل كان يؤمن بتناسخ الأرواح . فقلت : سبحان الله ، لماذا في قضية الموت علينا أن نعود لما قبل الميلاد ، ولشعوب وثنية ، بينما دعواتكم كلها عن الحداثة وما بعد الحداثة !!
وتعود فكرة التناسخ إلى زمن فرعون موسى ، ثم تكرَّست عند الهنود ، باعثها محاولة تفسير سبب آلام الأطفال والبهائم ولا ذنب لهم ، فقالوا إنها لذنوب سلفت ، وملخصها أن أرواح أهل الخير تدخل في أبدان خيرة فتستريح ، أما أرواح أرباب الشر إذا خرجت تدخل في أبدان شريرة وتتعذب ، ثم تواصل الانتقال والعذاب وتعود إلى صورة إنسان بعد ألف سنة ، فإن أحسن لحق بالمحسنين ، وإن أساء أعاد ألف سنة  أخرى من العذاب .
جاء في كتاب "  تلبيس إبلبيس " القصة التالية على لسان  أبي بكر بن الفلاس:
دخلت على رجل يقول بالتناسخ من أهل بغداد ، فوجدت بين يديه سنورا أسود ( قطة كبيرة ) وهو يمسحها ، ويحك بين عينيها ، ورأيتها وعينها تدمع كما جرت عادة السنانير بذلك ، وهو يبكي بكاء شديدا ، فقلت له : لمَ تبكِ ؟ قال : ويحك ، أما ترى هذه السنور تبكي كلما مسحتها ، هذه أمي لا شك ، وإنما تبكي من رؤيتها إليّ حسرة .
وأخذ يخاطبها خطاب من عنده أنها تفهم منه ، وجعلت السنور تصيح قليلا قليلا . فقلت له : فهي تفهم عنك ما تخاطبها به ! فقال : نعم . فقلت : أتفهم أنت صياحها ؟ قال : لا . قلت : فأنت المنسوخ وهي الإنسان .

العاشر من رمضان ..

العاشـر من رمضــان
جاء في سورة فاطر :  
[مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ]} فاطر }
وعند الحاكم عن عمر بن الخطاب :
نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله
هناك حروب مُذلّة وحروب مشرفة بغض النظر عن نتيجتها .
من الحروب المُذِّلة في تاريخنا المعاصر حرب حزيران 1967 ، حيث استطاع جيش العدو أن يحسم المعركة بست ساعات ، ويحول جيوش ست دول عربية إلى حمر مستنفرة فرت من قسورة . تلك حرب كان شعارها : برا ـ بحرا ـ جوا ، وكانت الإذاعات العربية تشجع جنودها في ساحة القتال ببث رسائل لرفع معنويات الجنود منها : الفنانة الفلانية معكم ، والمطرب الفلاني يدعو لكم ، والراقصة الفلانية تشد أزركم ، وانتهت الحرب وقد ضاع البر والبحر والجو .
حرب العاشر من رمضان 1400هـ أو السادس من تشرين ( أكتوبر ) 1973 كانت حربا مشرِّفة نوعاً ما ، ردَّت للجيوش العربية بعض كرامتها ، والجنود هم نفس الجنود ، فما الذي جرى ؟؟
 جاء في " منارات وليد الهودلي " القصة التالية :
قًبيل إعلان حرب العاشر من رمضان ، وبعد أن أحكمت الخطط العسكرية ، ووقف الجنود في الجبهات ينتظرون ساعة الصفر ، يومئذ كان الفريق سعد الدين الشاذلي يتفقد قادة الوحدات العسكرية ليطمئن على أدق التفاصيل ، دخل الشاذلي على الضابط " أحمد فوزي " المسؤول عن التوجيه المعنوي ، فوجده مستغرقا في إعداد خطبة نارية تلهب حماس الجند في المعركة ، وبدت على الضابط علامات الاضطراب والإرهاق ، فقد خانته قدراته الخطابية المشهودة ، فكان يكتب ويمزق ، يكتب ويمزق ، فقال له الفريق الشاذلي : أراك منهمكا ، ما أخبار معنويات الجنود ؟
أجاب الضابط :  المعنويات مرتفعة .
سأل الشاذلي :  فعلام أراك مرتبكا إذا ؟
رد الضابط :  منذ ساعات وأنا أحاول إعداد خطبة تلهب حماس الجنود ، وتبث فيه روح القتال والشجاعة ، ولكني كما ترى أكتب وأمزق ، لا أجد الكلمات المناسبة لمثل هذه المعركة .
فقال الفريق الشاذلي بصوت الواثق وبلهجة المحب : هل أدلك على خطبة من كلمة واحدة ، مختصرة وقوية ، محبوبة للجند ، يرددها اللسان بيسر ، وتصل إلى القلب وتفعل أعظم الأفعال ؟
فقال الضابط : أسعفني بها ، وأرحني من هذا العناء .
قال الشاذلي : قلت لك إنها كلمة واحدة ، إنها " الله أكبر " ، فهي نداء الانتصارات المجيدة ، وهتاف النصر المؤزر ، تملأ القلوب بعظمة الله ، فتطرد الخوف من النفوس ، وتجعل الجنود أسودا لا يخافون الموت .
قال الضابط فوزي وقد وجد ضالته : صدقت ، لا أدري كيف غابت عن بالي ، وقد ملئت السلة بالأوراق .
واتخذت الإجراءات اللازمة ، فتمَّ تركيب مُكبرات صوت على طول الجبهة بمعدل واحد في كل كيلومتر ، وأبلغت الإذاعة لكي تبث هذه الخطبة باستمرار ، وانطلقت ساعة الصفر مع صيحات " الله أكبر " في كل مكان ، فتقدم الجنود على وقعها أسودا يحطمون جدار بارليف ويعبرون القناة ، ويعيدون للأمة بعض كرامتها .
يقول الدكتور يوسف القرضاوي في مذكراته :
كان من ثمرات محنة 67 : أنها أيقظت في الناس المعنى الديني ، والرجعة إلى الله ، وبدأت حركة إيمانية قوية في القوات المسلحة ، فكان الحرص على إقامة الصلاة ، وقام وعاظ الأزهر بدورهم في التنبيه والإحياء ، فلا غرو أن كان شعار الحرب " الله أكبر ".

أبرد من فلحس ...

أبو دلامة أبرد من فلحس


يقول الله تعالى في سورة الفجر :
[فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۞ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ۞ كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ۞ وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ۞ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا ۞ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا] { الفجر }
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ،  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ"
كتاب الحيوان للجاحظ من أشهر كتب التراث ، والكتاب مناظرة  بين صاحب الديك وصاحب الكلب ، فلماذا الديك والكلب ؟‍‍!
لأنه شتان بين ديك يوقظ الناس لصلاة الفجر ، وكلب يعوي طوال الليل حتى إذا جاء الفجر خنس ، وشتان بين ديك يجد حبيبات قمح لا تكفيه وحده ، فيصير يقلبها وينادي بنات جنسه من الدجاج يأكلنها ، وبين كلب يقع على جيفة حمار ميت تكفي قطيعا من الكلاب ، فينهش من الجيفة ويقاتل كل كلب يحاول الاقتراب ، افترق الكلب والديك ، فكان الديك رمز الإيثار ، وكان الكلب رمز الأثرة . 
وهناك من الناس من هو أخس خلقا من الكلب ، لأن الكلب يطلب ما يريد بأنيابه ومخالبه ، وهما أخس ما في الكلب ، ولكن مِن الناس مَنْ يطلب مَطلب الكلب بلسانه وقلبه وهما أكرم ما في الإنسان .
جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة  :
   بلغنا عن أبي دلامة أنه دخل على المهدي ، فأنشده قصيدة ، فقال له : سلني حاجتك . فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي كلبا ، فغضب الأمير وقال : أقول لك سلني حاجتك فتقول لي هب لي كلبا ؟! فقال : يا أمير المؤمنين ، الحاجة لي أم لك ؟ قال : لك . فقال : أسألك أن تهب لي كلب صيد . فأمر له بكلب ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هبني خرجت إلى الصيد بكلبي ، أأعدوا على رجلي ؟ فأمر له بدابة ، فقال : فمن يقوم عليها ؟ فأمر له بغلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، فهبني صِدْتُ صيدا ، فأتيت به المنزل ، فمن يطبخه ؟ فأمر له بجارية ، فقال : هؤلاء أين يبيتون ؟ فأمر له بدار ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لقد صيرت في رقبتي جمعا من العيال ، فمن يقوت هؤلاء ؟ فضحك وأمر له بمال .
والعرب تقول في المثل :
 " أبرد من فلحس " .
ولكن فلحس أبرد من أبي دلامة ، لأنه يطلب مثله ولا يُقدم شيئا  .
وفلحس هذا سيد من بني شيبان كان يطلب سهما من غنيمة الجيش ، وهو في بيته لم يباشر الغزو ،  فيُعطى ، ثم يطلب لامرأته ، فإذا أعطي طلب أيضا لبعيره ، فسار به المثل.  
وفي بلادنا فلاحس كثيرون من المستوزرين وكبار الموظفين ، فتصرف له سيارة للعمل ، فيطلب سيارة خاصة فينالها ، وتصرف له سيارة خاصة ، فيطلب سيارة لزوجته ، فتنالها ، فيطلب سيارة لابنته التي تدرس في الجامعة ، فتنالها ، وحمدا لله أن كلبه العزيز عليه كولد من أولاده لا يتقن السياقة .
وشتان بين أمة لها نفسية الكلب ، وتظل تعوي في ظلام الزمان تأخذ ولا تعطي ، ونفسية الديك التي تصيح لتوقظ الفجر من غلس الظلام . ومثل أمة الديك في التاريخ أمة الأنصار في المدينة ، تلك الأمة التي تؤثر على نفسها ولو كان بها خصاصة ، والذين دعا لهم الرسول الكريم r : " رحم الله الأنصار كانوا يكثرون عند الفزع ، ويقلون عند الطمع " .


الحكمة ضالة المؤمن ..

لولا الحسنى لـنفر وكـفر

جاء في كتاب الله الكريم :
 ] ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ [
هنا يلاحظ القارئ أن الله سبحانه وتعالى لم يُقُِّيد الحكمة ، وقَيَّد الموعظة بأنها حسنة ، وقيد المجادلة بالتي هي أحسن ، والحكمة تربط العلم بالعمل أو بالخبرة ، لذا نسمي الطبيب حكيما ، وعرَّف أحدهم  الحكمة بأنها :
وضع الشـيء المناسب ، في المكان المناسب في الزمان المناسب ، عند الشخص المناسب.
وقال الله تعالى في فضل الحكمة : ]يُؤّتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ[
وعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ أَيْنَ وَجَدَهَا أَخَذَهَا " .
وقيل هنا أن الموعظة الحسنة  والمجادلة بالتي هي أحسن  نوعان من الحكمة ، لذا تركت الحكمة بلا تخصيص وجاء ما بعدها مُخصصًا ، فالحكمة أصل والموعظة والمجادلة فرعان  وهناك فروع غيرهما ومنها الدفع بالتي هي أحسن .  
جاء في كتاب (الذخيرة للإمام القرافي ) خبرا لطيفا في كيفية الدفع بالتي هي أحسن : كان زيد بن بشر عالما يدرِّس الناس في جامع بطرف سوق الخرَّازين ( الذين يعملون في خياطة الجلود ) فأقبل يوما يريد الجامع ، وحوله الطلبة ، فإذا بشاب خرَّاز يقول لجار له على مسمعهم : ما رأيت أوحش من هذا الشيخ ولا أوحش لباسا من لباسه ، وكان زيد يلبس المفرَّج ـ نوع من الثياب مفتوح من الأمام ـ فلما سمع زيد كلام الشاب لم يلتفت وأسرع إلى الجامع ، ولما عاد ذات الطريق عاوده الشاب بقبيح اللفظ ، فانصرف زيد ولم يلتفت له .
فاتفق طلبة زيد على أن يضربوا الشاب ، فلما بلغ ذلك زيداُ قال : ما هذا الذي أردتم ؟ وما الذي بلغني أنكم تنفستم به في شأن الشاب ؟ فقالوا : هو ما قيل لك ، أصلحك الله ، لاستخفافه بحقك وامتهانه لقدرك وعلمك . فقال لهم : أعطى الله عهدا إن تقدم إليه أحد منكم  إلا بالتي هي أحسن ما وطئ لي بساطا ، وأنا أصلح شأن ذلك الشاب.
فصرَّ صُرّة فيها عشرة دراهم وجعلها في جبته ، واستعمل لفردة نعل من نعليه قِبالا (السير الذي يكون بين الإصبعين ) واهيا ثم توجه إلى الجامع ، فلما مرّ بالشاب عاود اللفظ القبيح حسب عادته ، فلما حاذاه اتكأ على القبال فقطعه ، ثم مال إلى الشاب فسلّم عليه ، ثم قال : أي بني ، لعلَّ عندك قبالا ؟ فأعطاه قبالا ، فدفع إليه بالصرّة ، فقال له الشاب : ما بال هذه الصرّة ؟ فقال : إنك صنعت لي هذا القبال فهو مكافأة لك عليه . وانصرف مع الطلبة إلى الجامع .
فلما عاد من الجامع وقَرُب من حانوت الشاب ، قام الشاب على رجليه ، وقال : الحمد لله الذي اختص بلدنا بهذا الشيخ الفاضل ، ثم قال : اللهم أبقه لنا واحرزه للمسلمين ، فلقد انتفع به شبابنا وحظي به شيوخنا ، ليس في بلدنا آخر مثله . 

وجاء في (المواعظ والمجالس) القصة التالية :
مرّ إبراهيم بن أدهم وهو من أعلام الزهد في عصره بسكران على قارعة الطريق ، فذهب إليه وقعد عند رأسه ، وجعل ينظر إليه ويبكي ، ويقول : يا ليت شعري بأي ذنب أصابتك هذه الفتنة ؟ ثم وضع رأسه في حجره ومسح وجهه ، ثم دعا بماء فغسل وجهه وفمه ، ثم مضى وتركه ، فلما أفاق أُخبر بذلك ، فخجل السكران وندم وتاب إلى الله عزّ وجلَّ ، واتجه إلى إبراهيم وعاهده أن لا يعود إلى معصية أبدا ، فرأى إبراهيم في منامه كأن قائلا يقول له : أنت طهْرَّت فمه لأجلنا ، ونحن طهرنا قلبك لأجلك .

الأحد، 27 نوفمبر 2011

جزاء التوبة الكاذبة ..

يقول الله تعالى في كتابه الكريم :
 ]إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً [
وفي الحديث القدسي :
" ..  يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيك،  وَلَا أُبَالِي .  يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي.  يَا ابْنَ آدَمَ  ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي  لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة .. "
بعض الناس دينهم مثل دين الحمّالين ، إذا رَفَعَ الحملَ على ظهره قال : يا الله ، يا رب ، وإذا مشى بالحمل قال : يا قوي ،  يا معين ، وإذا وضع الحمل عن ظهره فسق وكفر ولعن القدر .
مثل هذا سماه الله تعالى في كتابه العزيز : ( الختّـار الكَفور )   وتجد فيما تجد من الناس عجبا ، تراه يوما مواظبا على الصلوات ، يسارع لتلبية نداء الله ، فتسأل عن الخبر ، فيقال : ستجرى له بعد أيام عملية جراحية ،  ثم تراه بعد الشفاء  قد ترك الصلاة وخاض في الدنيا مع الخائضين ، و إذا ما مات له قريب صلى وصام ، وإذا طال العهد تكاسل وغفل ، وهكذا ، يؤمن ثم يكفر ، ثم يؤمن ثم يكفر .
قال منصور بن عمار رحمه الله  :
كان لي صديق مسرف على نفسه ، ثمّ تاب ، وكنت أراه كثير العبادة والتهجد ، ففقدته أياما ، فقيل لي : هو مريض ، فأتيت إلى داره  ، فخرجت لي ابنته ، فقالت : من تريد ؟ قلت : فلانا . فاستأذنت لي ثمّ دخلت فوجدته في وسط الدار ، وهو مضطجع على فراشه ، وقد اسودّ  وجهه وازرقت عيناه ، وغلُظت شفتاه ، فقلت له وأنا خائف منه : يا أخي ، أكثر من قول لا إله إلا الله ، ففتح عينيه ونظر إلي شزرا ، وغشي عليه ، فقلت له ثانيا : يا أخي أكثر من قول لا إله إلا الله ، ثمّ ثالثا ، ففتح عينيه وقال : يا أخي منصور ، هذه كلمة حيل بيني وبينها . فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ثمّ قلت له : يا أخي ، وأين تلك الصلاة والتهجد والقيام ؟!فقال : كان ذلك لغير الله ، وكانت توبتي كاذبة ، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني وأذكر به ، وكنت أفعل ذلك رياء الناس ، فإذا خلوت إلى نفسي ، أغلقت الباب ، وأرخيت الستور وشربت الخمور ، وبارزت ربي بالمعاصي ، ودمت على ذلك مدّة فأصابني مرض ، وأشرفت على الهلاك ، فقلت لابنتي الصغيرة هذه : ناوليني المصحف ، وقلت : اللهم بحق هذا القرآن العظيم إلا ما شافيتني ، وأنا لا أعود إلى ذنب أبدا ، ففرّج الله عني .
فلمّا شفيت عدت إلى ما كنت عليه من اللهو والملذات ، وأنساني الشيطان العهد الذي كان بيني وبين ربي، فبقيت على ذلك مدّة من الزمان ، فمرضت مرضا أشرفت به على الموت ، فدعوت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار على عادتي ثم دعوت بالمصحف فقرأت فيه ، ثم رفعته ، وقلت : اللهم بحرمة ما في هذا المصحف الكريم من كلامك إلا فرجت عني ، فاستجاب الله منِّي وفرَّج عني ، ثمّ عُدت إلى ما كنت عليه من اللهو فوقعت في هذا المرض ، فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كما تراني ، ثمّ دعوت بالمصحف لأقرأ فيه فلم يتبين لي حرف واحد ، فعلمت أن الله سبحانه وتعالى غضب عليّ ، فرفعت رأسي إلى السماء ، وقلت : اللهم بحرمة هذا المصحف ، إلا ما فرجت عني ، يا جبار السماوات والأرض .
قال منصور بن عمار : فو  الله ما خرجت من عنده إلا وعيني تسكب العبرات ، فما وصلت إلى الباب ، حتى قيل لي : إنه قد مات .
 ومن الشعر :
تتوب عن الذنوب إذا مرضتا
فكم كربة نجاك منها
أمـا تخشـى بأن ـأتي المنــايا



وترجع للذنوب إذا برئتا
وكم كشف البلاء إذا بُليتا
وأنت عـلى الخطايـا قد وَهيتا

توبة قاتل أمه ....

من عجائب التـائبين

[قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ] { الزمر : 53.54 }
وفي صحيح مسلم عن عائشة _رضي الله عنها_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدأ من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟).
مالك بن دينار البصري ، ممن تاب الله عليهم ، بدأ حياته شرطيا مسرفا على نفسه يظلم الناس ويشرب الخمر ، ولما تاب الله عليه انصرف للعلم والزهد ، يأكل من كسب يده ، ويكتب المصاحف بالأجرة ، توفي بالبصرة سنة 131هـ ، وله مواعظ ومواقف مشهودة ، ومن طريف قصصه ما ذُكر في كتاب " نزهة المجالس للصفوري الشافعي :270 " : 
قال مالك بن دينار ـ رحمه الله ـ :
" خرجت إلى الحج فرأيت الناس على عرفات ، فقلت :
 ليت شعري مَنْ المقبول منهم فأهنيه ، ومن المردود منهم فأعزيه ؟!
فرأيت في المنام قائلا يقول : قد غفر الله للقوم أجمعين إلا محمد بن هارون البلخي ، فقد ردَّ الله عليه حجّه . فلما أصبحت أتيت ركب خراسان ، فقلت : أفيكم البلخيون ؟
قالوا : نعم .
 فأتيتهم فسألتهم عن محمد بن هارون البلخي .
فقالوا : سألت عن رجل زاهد عابد ، اطلبه في خراب مكة .
 فأتيته فوجدته في خربة ويده في عنقه والقيد في رجليه ، وهو يصلي ، فلما رآني قال : ـ منْ أنت ؟
قلت : مالك بن دينار .
 قال : لعلك رأيت في المنام ؟
قلت : نعم .
 قال : في كلِّ عام يرى رجل صالح مثل ما رأيت .
 فقلت : ما السبب ؟
 قال : كنت أشرب الخمر ، فشربته في أول ليلة في رمضان ، فزجرتني أمي فأخذتها ووضعتها في التنور ، فلما أفقت من سُكري أخبرتني زوجتي بذلك ، فقطعت يدي بنفسي وقيدت رِجلي ، وفي كلِّ عامٍ أحجُّ ، وأقول : يا فارج الهمِّ ، ويا كاشف الغمَّ ، فرِّج همِّي ، واكشف غمِّي ، وارضَ عن أمّي .
وأعتقت ، بعد ذلك ، ستة وعشرين عبدا  وستاً وعشرين جارية .
قال مالك : فقلت له : قد كِدْتَ تحرق الأرض ومن عليها بنارك . وتركته .
ورأيت في تلك الليلة في المنام النبي r  ، وقال لي :
ـ  يا مالك ، لا تُقْنِط الناس من رحمة الله تعالى ، قد اطلع الله تعالى على محمد بن هارون ، واستجاب دعوته ، وأقال عثرته ، فأخبره أنه يمكث في النار ثلاثة أيام من أيام الدنيا ، ثم يلقى الله الرحمة في قلب أمه فتستوهبه من الله تعالى فيهبه لها فيدخلان الجنّة جميعا .
قال مالك : فأخبرته بذلك ، ففاضت روحه في الحال ، وصليت على جنازته رحمه الله.
وجاء في اليواقيت الجوزية :
" التوبة الصادقة كيمياء السعادة ، إذا وضعت منها حبة صافية على جبال من أكدار الذنوب ، دكتها كهيبة التجلّي قبل المباشرة ، فصارت كحلاً مصلحاً لأحداق البصائر.
ربَّ ذنبٍ أدخل صاحبه الجنّة ، وإذا صدق التائب قُلبت الأمَّارة مطمئنة "

الأحد، 20 نوفمبر 2011

العمياء والبصير

العميـاء والبصـير ....          

قال الله -تعالى- في سورة طه : [وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى]{طه:131}.
وإلى هذا المعنى العظيم يشير قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فُضِّل عليه".وزاد مسلم: "فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم"
ويقال : جبُل طين الرجال بماء القوة ، وجُبل طين النسا ء بماء الغيرة .
جاء في كتاب ( صور من حياة التابعين ) في فصل أبي مسلم الخولاني ،واسمه عبد الله بن ثوب، أن أبا مسلم كان من أئمة الزهد والتقوى ، جادل مسيلمة الكذاب ، وكان يغشى الخلفاء وينكر عليهم ، وكان إذا انصرف من منزله أو عاد كبّر على باب داره فتكبّر امرأته ، فإذا كان في صحن داره كبّر ، فتجيبه زوجته ، فإذا بلغ إلى باب بيته كبّر فتجيبه زوجته ، زوجان متحابان على طاعة الله يودعان بعضهما بالتكبير !!
ذات ليلة عاد أبو مسلم إلى بيته، وقف عند باب الدار وكبّر كعادته فلم يجبه أحد، فدخل إلى صحن الدار وكبّر فلم يجبه أحد، فلما كان في باب البيت كبّر، فلم يجبه أحد .
وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه، ثم أتته بالطعام، فدخل البيت في تلك الليلة فإذا البيت ليس فيه سراج، وإذا امرأته جالسة تنكت الأرض بعود في يدها، فسألها:
ـ  ما بك ؟
فقالت: أنت لك منزلة من معاوية، وليس لنا خادم ، فلو سألته لأجابك فجعل لنا خادما .
فقال أبو مسلم: اللهم من افسد عليَّ امرأتي فأعمِ بصره .
 وكان قد جاءتها امرأة من جيرانها قبل ذلك فقالت لها: زوجك له منزلة من معاوية، فلو قلت له أن يسأل معاوية أن يخدمه ويعطيه عشتم بهناء.
فبينما تلك المرأة الموسوِسة في بيتها إذ أنكرت بصرها ، فقالت لبعض أهلها : ما لسراجكم طفئ ؟ قالوا : لا .
فخرجت إلى بيت أبي مسلم تبكي، وتسأله أن يدعو الله ـ عز وجل ـ لها، فرد الله لها بصرها .
قال أبي بن كعب رضي الله عنه-: "من لم يتعز بعزة الله تَقَطَّعتْ نفسه، ومن يتبع بصره فيما في أيدي الناس يَطُل حزنه، ومن ظن أن نعمة الله في مطمعه ومشربه وملبسه فقد قل علمه، وحضر عذابه"

فتى الخير ..

فتــى الخيــر  ..

قال سبحانه : [ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] { البقرة : 148}
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَّرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ.أخرجه الترمذي (2306) قال هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ
بينما كان الأحنف بن قيس ،وكنيته أبو بحر،  يطوف بالبيت العتيق  في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، إذ لقي رجلا كان سفير  رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  لقومه  يوم دعاهم للإسلام ، فأخذ بيد ه ، وقال: ألا أبشرك ؟
قال الأحنف بن قيس : بلى .
قال سفير رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  : ألا تذكر يوم بعثني رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  إلى قومك لأدعوكم إلى الإسلام ؟
قال الأحنف : وكيف أنسى يوما ولدت فيه ، واتبعت الخير والنور !
وكان رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  قد بعث رجلا من أصحابه إلى غربي اليمامة قبل وفاته بسنوات قليلة يدعوهم إلى الإسلام  ولكن القوم سكتوا وترددوا ، فبادرهم الأحنف وكان فتى حدث السِّن،  فقال :
ـ يا قوم ، ما لي أراكم مترددين تقدمون رجلا وتؤخرون أخرى ؟ والله إن هذا الوافد خير ، إنه يدعوكم إلى مكارم الأخلاق وينهاكم عن ملائمها (ما يجلب اللوم منها) ، ووالله ما سمعنا منه إلا حُسناً ، فأجيبوا داعي الخير والهدى تفوزوا بخير الدارين .
فأسلم القوم ومعهم الأحنف بن قيس ، ووفد كبار القوم على الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  ، غير أن الأحنف لم يفد معهم لحداثة سنّه .
فقال السفير : لما رجعت إلى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  أخبرته بمقالتك ، فقال : اللهم اغفر للأحنف .
فكان الأحنف يقول : ما من شيء من عملي أرجى ـ أعظم أجرا وأكثرا أجرا ـ لي في يوم القيامة من دعوة النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  عندي من ذلك .
وقال وهيب بن الورد : إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
والمسابقة إلى الخيرات خلق لا يتصف به إلا المؤمن الصادق , والمسارعة إلى أعمال البر طبع لا يتخلق عليه إلا من وهبه الله تعالى رجاحة في العقل وانشراحا في الصدر وسلامة في القلب .

حقيقة الشكر لله

حقيقة الشكر لله تعالى ..
يقول الله تعالى :
[إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ]  { الزمر : 7}
وروى الحسن عن النبي  ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ  أنه قال :  ما أنعم اللَّه على عبد من نعمة صغرت أو كبرت،  فقال الحمد لله إلا كان قد أعطى أفضل مما أخذ.
أبو حازم سلمة بن دينار من كبار علماء التابعين، وعظ الخلفاء والأمراء وعامة الناس ، وهو الذي أجاب سليمان عبد الملك الأموي عندما سأله :
ـ يا أبا حازم، ما بالنا نكره الموت ؟
فأجابه : لأنكم خربتم آخرتكم ، وعمرتم دنياكم ، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمار إلى الخراب .
ذات يوم قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين؟
قال: إن رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بهما شراً سترته.
قال:  ما شكر الأذنين ؟ قال: إن سمعت بهما خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراً أخفيته.
قال:  فما شكر اليدين؟  قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقاً لله هو فيهما.
 قال:  فما شكر البطن؟  قال: أن يكون أسفله طعاماً، وأعلاه علماً.
 قال :  فما شكر الفَرج ؟، قال: قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [ المؤمنون ]
 قال:  فما شكر الرجلين؟ قال: إن رأيت ميتاً غبطته استعملت بهما عمله،  وإن رأيت ميتا مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله تعالى. .
وانظر أخي المسلم رعاك الله إلى هذا الفهم المتوازن لمفهوم الشكر عند التابعين، فهو منع ومنح ، سلب وإيجاب ، احذر ما يدخلك النار، واتبع ما يدخلك الجنّة ، وانظر الفهم الشامل لخلق الشكر فهو شكر يشمل جميع الأعضاء وجميع السلوكيات النفسية والمادية ، وانظر أخي إلى التخصيص ، فالجزاء من جنس العمل والشكر من جنس العمل، كما النصاب من جنس المال في الزكاة .
وقال بعض الحكماء: اشتغلت بشكر أربعة أشياء:
أوّلها أن اللَّه تعالى خلق ألف صنف من الخلق ورأيت بني آدم أكرم الخلق فجعلني من الرجال، والثالث رأيت الإسلام أفضل الأديان وأحبها إلى اللَّه تعالى فجعلني مسلما، والرابع رأيت أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم أفضل الأمم فجعلني من أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلم.
اللهم ارض عن الصحابة والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وارزقنا حسن النظر فيما يرضيك عنّا ويقودنا إلى رضوانك وجنتك

السبت، 22 أكتوبر 2011

لو ردوا لعادوا ..

لـو ردّوا لعـادوا  ..!!

يقول الحقّ ـ جلّ وعلا ـ مخبرا عن ندم الكافرين وحسرتهم لحظة النزع :
[حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۞  لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] ﴿المؤمنون : 99
ويقول سبحانه واصفا حال الكافرين لحظة الوقوف على النار :
[وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۞ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ] ﴿الأنعـام: 28 ﴾
ويقول رب العزة  في سورة الزمر واصفا أمنية الكافر حين يرى العذاب :
[أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۞ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ۞ بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ] ﴿الزمــر: 58
سؤال بسيط :
إذا كان معدل عمر الإنسان في أغلب الدول الإسلامية 70 عاما، وإذا كان سن البلوغ يبدأ بعد 15 سنة ، فكم مرّة يسمع المسلم الأذان في حياته ؟
55 × 365 ×  5 = 100375 مرّة .
قتل الإنسان ما أكفره، أعطاه الرب الرحيم الحليم الرؤوف الودود مئة ألف فرصة أو يزيد، ثم هو يطمع أن يعطيه الله تعالى فرصة أخرى ، فرصة أخرى لكي يتوب ويستقيم وقد عاين الجنّة ، ألم يعلم ابن آدم أن إبليس عاينهما قبله ، ولكنه لم يستقم !!!