الاثنين، 28 نوفمبر 2011

أبرد من فلحس ...

أبو دلامة أبرد من فلحس


يقول الله تعالى في سورة الفجر :
[فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ۞ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ۞ كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ۞ وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ۞ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَمًّا ۞ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا] { الفجر }
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ،  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ"
كتاب الحيوان للجاحظ من أشهر كتب التراث ، والكتاب مناظرة  بين صاحب الديك وصاحب الكلب ، فلماذا الديك والكلب ؟‍‍!
لأنه شتان بين ديك يوقظ الناس لصلاة الفجر ، وكلب يعوي طوال الليل حتى إذا جاء الفجر خنس ، وشتان بين ديك يجد حبيبات قمح لا تكفيه وحده ، فيصير يقلبها وينادي بنات جنسه من الدجاج يأكلنها ، وبين كلب يقع على جيفة حمار ميت تكفي قطيعا من الكلاب ، فينهش من الجيفة ويقاتل كل كلب يحاول الاقتراب ، افترق الكلب والديك ، فكان الديك رمز الإيثار ، وكان الكلب رمز الأثرة . 
وهناك من الناس من هو أخس خلقا من الكلب ، لأن الكلب يطلب ما يريد بأنيابه ومخالبه ، وهما أخس ما في الكلب ، ولكن مِن الناس مَنْ يطلب مَطلب الكلب بلسانه وقلبه وهما أكرم ما في الإنسان .
جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة  :
   بلغنا عن أبي دلامة أنه دخل على المهدي ، فأنشده قصيدة ، فقال له : سلني حاجتك . فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي كلبا ، فغضب الأمير وقال : أقول لك سلني حاجتك فتقول لي هب لي كلبا ؟! فقال : يا أمير المؤمنين ، الحاجة لي أم لك ؟ قال : لك . فقال : أسألك أن تهب لي كلب صيد . فأمر له بكلب ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هبني خرجت إلى الصيد بكلبي ، أأعدوا على رجلي ؟ فأمر له بدابة ، فقال : فمن يقوم عليها ؟ فأمر له بغلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، فهبني صِدْتُ صيدا ، فأتيت به المنزل ، فمن يطبخه ؟ فأمر له بجارية ، فقال : هؤلاء أين يبيتون ؟ فأمر له بدار ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لقد صيرت في رقبتي جمعا من العيال ، فمن يقوت هؤلاء ؟ فضحك وأمر له بمال .
والعرب تقول في المثل :
 " أبرد من فلحس " .
ولكن فلحس أبرد من أبي دلامة ، لأنه يطلب مثله ولا يُقدم شيئا  .
وفلحس هذا سيد من بني شيبان كان يطلب سهما من غنيمة الجيش ، وهو في بيته لم يباشر الغزو ،  فيُعطى ، ثم يطلب لامرأته ، فإذا أعطي طلب أيضا لبعيره ، فسار به المثل.  
وفي بلادنا فلاحس كثيرون من المستوزرين وكبار الموظفين ، فتصرف له سيارة للعمل ، فيطلب سيارة خاصة فينالها ، وتصرف له سيارة خاصة ، فيطلب سيارة لزوجته ، فتنالها ، فيطلب سيارة لابنته التي تدرس في الجامعة ، فتنالها ، وحمدا لله أن كلبه العزيز عليه كولد من أولاده لا يتقن السياقة .
وشتان بين أمة لها نفسية الكلب ، وتظل تعوي في ظلام الزمان تأخذ ولا تعطي ، ونفسية الديك التي تصيح لتوقظ الفجر من غلس الظلام . ومثل أمة الديك في التاريخ أمة الأنصار في المدينة ، تلك الأمة التي تؤثر على نفسها ولو كان بها خصاصة ، والذين دعا لهم الرسول الكريم r : " رحم الله الأنصار كانوا يكثرون عند الفزع ، ويقلون عند الطمع " .


ليست هناك تعليقات: