الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

مصير الخائين ..

ابن العلقمي وسقوط بغداد


يقول الله تعالى شأنه :
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ۞ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ] { الأنفال : ـ 28 }
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { : خَيْرُكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ . } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
لمـَّا وصلت جيوش أبرهة الأشرم القادمة لهدم الكعبة عبر رمال الصحراء العربية ، مرّت بثقيف ،  فطلب أبرهة الأشرم منهم دليلا يدُّله على الطريق ، فأرسلت ثقيف معه جاسوسا يدعى أبا رُغال ، ولما مات أبو رغال صارت العرب ترجم قبره ، وذات مرّة قال جرير في خصمه الفرزدق : " إذا مات الفرزدق فارجموه كرجمكم لقبر أبي رغال"،
وكل غاز كأبرهة يبحث عن فأر كأبي رغال .
سقطت بغداد  حاضرة الخلافة العباسية سنة 656هـ على يد هولاكو سقوط الذُّل والهوان ، سقوطا مدوِّياً لم يشهد مثله الزمان ، ولعب دور أبي رغال وزير الخليفة مؤيد الدين أبو طالب بن العلقمي .
 خرج ابن العلقمي بأهله وخدمه وحشمه لمقابلة التتار ، واجتمع مع هولاكو ، ولما عاد أشار على الخليفة أن يخرج لمصالحة التتار على نصف خراج العراق كما اتفق معهم ، وادعى أن هولاكو يريد مصاهرة الخليفة لتوثيق العقد .
خرج الخليفة في سبعمائة من الأمراء والقادة والفقهاء والعلماء في موكب عرس مهيب ، ولما وصلوا أدخل هولاكو عليه منهم سبع عشرة نفساً ، وأُنزل الباقون عن مراكبهم ونُهبت وقتلوا عن آخرهم .
عاد الخليفة وممن بقي معه إلى بغداد برفقة ابن العلقمي ، فأشار ابن العلقمي على الخليفة أن يجمع ما في القصر من الجواهر والنفائس ، ويقدمها لهولاكو عساه يقبل الصلح . فأخذها ولم يقبل ، ودخل هولاكو بغداد ، ومكث فيها أربعين يوما يدمر ويقتل ويحرق ، ولم ينجُ إلا من اختبأ في الآبار وأماكن الحشوش وقني الوسخ . أو في دور أهل الذمة من اليهود والنصارى ، أو في بيت الوزير ابن العلقمي . 
 أما الخليفة فقد قتلوه رفساً ، وهو في جوالق ( أكياس ) ، لئلا يقع على الأرض شيئا من دمه . وقُتل معه ولداه أحمد وعبد الرحيم ، وأُسرت أخواته ، مع ألف بكر من دار الخلافة .
واستباح التتار بغداد أربعين يوما ، فقتلوا الصغير والكبير ، حتى قيل أن من قتلوا فيها بلغ ألف ألف ، وقيل ألفي ألف . ولما انقضى الأمر المقدَّر ، وانقضت الأربعون يوما ، بقيت بغداد خاوية على عروشها ، والقتلى في الطرقات كأنها التلول ، وسقط عليهم المطر فتغيرت صورهم ، وأنتنت من جيفهم البلد ، فحصل الوباء ، وسرى مع الريح إلى بلاد الشام ، فمات خلق كثير ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون ، إنا لله وإنا إليه راجعون ،  ولعنة الله على الخائنين .
ابن العلقمي كان من كبار وزراء في بلاط الخليفة ، وكان له عند الخليفة من التعظيم والوجاهة ما لم يكن لغيره من الوزراء ، ولكنه كان خبيث الطوِّية على الإسلام وأهله .
ورحل هولاكو إلى مقر ملكه ، وفوض الأمر في بغداد إلى الأمير علي بهادر وإلى الوزير ابن العلقمي ، ثم ذاق ابن العلقمي الذَّل والهوان على يد التتار الذين والاهم ، شأنه شأن الخائنين ،  ورأته امرأة في بغداد يركب برذونا ( كديشا ) وهو مُرَسَّـم عليه ، وسائق يسوق به ويضرب فرسه ، فقالت له : يا بن العلقمي أهكذا كان بنو  العباس يعاملونك ؟ فوقعت كلماتها في أذنيه ، وكان موكبه يضاهي موكب السلطان زمن العباسيين ، وانقطع إلى داره إلى أن مات كمدا وضيقا ، وقلة وذلة . (نهاية الظالمين : 17).
وتلك نهاية الرغاليين والعلاقمة الذين جاؤوا على متن الطائرات والدبابات الأمريكية إلى العراق ، وبدؤوا يخرجون على ظهور براذين المذلّة ، وليعلموا ]أن َّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ [

ليست هناك تعليقات: