الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

سر البركة ...

سِــــــــرّ البـــــركة


يقول الله رب العالمين:
[مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] { البقرة:261} .
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ثَلاثَةٌ أَقْسِمُ عَلَيْهِنَّ : مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا ، وَلا عُفِيَ رَجُلٌ عَنْ مُظْلَمَةٍ ظُلِمَهَا إِلا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا فَاعْفُوا يَعِزِّكُمُ اللَّهُ ، وَلا فَتْحَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتْحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ " .
نقول كثيرا  هذا مال فيه بركة ، أو هذا مال لا بركة فيه ، ونقول هذا طعام فيه بركة أو هذا طعام لا بركة فيه  ، وهذا وقت فيه بركة أو هذا وقت لا بركة فيه ، فما المقصود بالبركة ؟ وأين تكون ؟ ولماذا تختفي  ؟
  الرسول r رضيعا تأخذه حليمة السعدية ولها طفل ترضعه وما في صدرها لا يكفيه ، وما أن تضعه في حجرها حتى يبارك الله في لبنها فترضع محمد حتى يروى ، وترضع ولدها حتى يروى ، فيقول زوجها : تعلمي والله يا حليمة ، لقد أخذتِ نسمة مباركة.
و في طريقه إلى المدينة مهاجرا بصحبة أبي بكر ، مرّ على خباء أعرابية تدعى أم معبد الخزاعية تُطعِم وتَسقي مَنْ مرّ بها ، وليس في الجوار غير شاة عجفاء ، خلَّفها الجهد عن الغنم ، فمسح الرسول ضرعها ، فدرَّت اللبن الكثير ، ولما عاد زوجها أبو معبد وعجب من أمر الشاة ، قالت الزوجة : لقد مرّ بنا رجل مبارك .
وكذا البركة في شاة جابر بن عبد الله في غزوة الخندق ، فقد أكل الرسول r وصحبه من لحم شاة وصاعا من الشعير وشبعوا  .
فالبركة تجعل القليل كثيرا ، وغيابها يجعل الكثير قليلا .
في المثل الشعبي نقول : "اللي بينقص بيخلص " . وهذه قاعدة لا يختلف عليه اثنان ، والرسول r يقول : " ما نقص مالٌ من صدقة " . فكيف لا ينقص المال من الصدقة التي تؤخذ منه ؟
البركة في اللغة : النماء والزيادة والسعادة ، وقال ابن عباس البركة : الكثرة من كل خير ، وابن القيم يقول : النافع هو المبارك ، وأنفع الأشياء أبركها ، والبركة شيء من الخير يجعله الله في بعض مخلوقاته .
يقول الدكتور جاسم المطوع أنه كان في ندوة في باريس مع علماء أجانب وتحدث فيها عن البركة ، فقام علماء لغة بالبحث في معاجمهم عنها فلم يجدوها ، فكأن هذه كلمة إسلامية بمعناها ومرادها .
وأحسب البركة الزيادة في الشيء عند الأخذ منه و دون أن يعتريه نقص ، لقوله r  : " ما نقص مال من صدقة " .
وذكر الدكتور جاسم المطوع في تلك المحاضرة القصة التالية :
رجل من المسلمين رزقه الله رزقا واسعا ، فصار صاحب شركات وأموال كثيرة ، لم ينس هذا الرجل حق الله في ماله ، فكان كثير الصدقات والهبات ، يقدم للجمعيات الخيرية والمحتاجين ولا يبخل بما أفاض الله عليه من خير ، ونمت أمواله ، وكَبُر أولاده ، وأرسل أكبر أولاده ليدرس الاقتصاد في أرقى الجامعات البريطانية ، وتخرَّج الولد ، وفرح الأب أن ابنه صار كفؤا ليحل محله ، فلم يعد الأب قادرا على إدارة كل هذه الشركات ، ذات يوم جلس الأب مع ابنه ، وأوصاه أن يسير على نهجه في الصدقات ، فقال الابن :
ـ ولكن جميع حساباتك لا يظهر فيها ما يُصرف في هذا الباب ، والأصل أن تُسَجًّل لتحسم من النفقات ، لنحدد بدقة الأرباح والخسائر  .
فقال الأب : لا أفهم .
قال الولد : درسنا في الجامعة أن المال الذي يستهلك دون أن يوظف ويستثمر ينقص رأسمال الشركات ، وما تنفقه يقع في هذا الباب .
قال الأب : ألم تدرسوا عن البركة في المال ؟
قال الابن : علم الاقتصاد لا يعترف بمثل هذه المصطلحات .
قال الأب : حسنا ، هل تعرف كم تنجب الشاة في كل ولادة ؟
قال الابن : تنجب واحدا أو اثنين .
قال الأب : أما الكلبة فتنجب سبعة أو ثمانية جراء في البطن الواحد ، والناس بشكل عام يذبحون أبناء الماعز ، ولا يذبحون الكلاب ، فحسب علمكم يجب أن تكون الكلاب التي تتكاثر بوفرة ولا تُذبح  أكثر في الدنيا من الماعز الأقل تكاثرا والأكثر ذبحا  وواقع الحال يقول غير ذلك ، إنها  البركة ، يا ولدي ، التي لا تدرسونها في الغرب .

ليست هناك تعليقات: