الاثنين، 28 نوفمبر 2011

الحكمة ضالة المؤمن ..

لولا الحسنى لـنفر وكـفر

جاء في كتاب الله الكريم :
 ] ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ [
هنا يلاحظ القارئ أن الله سبحانه وتعالى لم يُقُِّيد الحكمة ، وقَيَّد الموعظة بأنها حسنة ، وقيد المجادلة بالتي هي أحسن ، والحكمة تربط العلم بالعمل أو بالخبرة ، لذا نسمي الطبيب حكيما ، وعرَّف أحدهم  الحكمة بأنها :
وضع الشـيء المناسب ، في المكان المناسب في الزمان المناسب ، عند الشخص المناسب.
وقال الله تعالى في فضل الحكمة : ]يُؤّتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ[
وعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ أَيْنَ وَجَدَهَا أَخَذَهَا " .
وقيل هنا أن الموعظة الحسنة  والمجادلة بالتي هي أحسن  نوعان من الحكمة ، لذا تركت الحكمة بلا تخصيص وجاء ما بعدها مُخصصًا ، فالحكمة أصل والموعظة والمجادلة فرعان  وهناك فروع غيرهما ومنها الدفع بالتي هي أحسن .  
جاء في كتاب (الذخيرة للإمام القرافي ) خبرا لطيفا في كيفية الدفع بالتي هي أحسن : كان زيد بن بشر عالما يدرِّس الناس في جامع بطرف سوق الخرَّازين ( الذين يعملون في خياطة الجلود ) فأقبل يوما يريد الجامع ، وحوله الطلبة ، فإذا بشاب خرَّاز يقول لجار له على مسمعهم : ما رأيت أوحش من هذا الشيخ ولا أوحش لباسا من لباسه ، وكان زيد يلبس المفرَّج ـ نوع من الثياب مفتوح من الأمام ـ فلما سمع زيد كلام الشاب لم يلتفت وأسرع إلى الجامع ، ولما عاد ذات الطريق عاوده الشاب بقبيح اللفظ ، فانصرف زيد ولم يلتفت له .
فاتفق طلبة زيد على أن يضربوا الشاب ، فلما بلغ ذلك زيداُ قال : ما هذا الذي أردتم ؟ وما الذي بلغني أنكم تنفستم به في شأن الشاب ؟ فقالوا : هو ما قيل لك ، أصلحك الله ، لاستخفافه بحقك وامتهانه لقدرك وعلمك . فقال لهم : أعطى الله عهدا إن تقدم إليه أحد منكم  إلا بالتي هي أحسن ما وطئ لي بساطا ، وأنا أصلح شأن ذلك الشاب.
فصرَّ صُرّة فيها عشرة دراهم وجعلها في جبته ، واستعمل لفردة نعل من نعليه قِبالا (السير الذي يكون بين الإصبعين ) واهيا ثم توجه إلى الجامع ، فلما مرّ بالشاب عاود اللفظ القبيح حسب عادته ، فلما حاذاه اتكأ على القبال فقطعه ، ثم مال إلى الشاب فسلّم عليه ، ثم قال : أي بني ، لعلَّ عندك قبالا ؟ فأعطاه قبالا ، فدفع إليه بالصرّة ، فقال له الشاب : ما بال هذه الصرّة ؟ فقال : إنك صنعت لي هذا القبال فهو مكافأة لك عليه . وانصرف مع الطلبة إلى الجامع .
فلما عاد من الجامع وقَرُب من حانوت الشاب ، قام الشاب على رجليه ، وقال : الحمد لله الذي اختص بلدنا بهذا الشيخ الفاضل ، ثم قال : اللهم أبقه لنا واحرزه للمسلمين ، فلقد انتفع به شبابنا وحظي به شيوخنا ، ليس في بلدنا آخر مثله . 

وجاء في (المواعظ والمجالس) القصة التالية :
مرّ إبراهيم بن أدهم وهو من أعلام الزهد في عصره بسكران على قارعة الطريق ، فذهب إليه وقعد عند رأسه ، وجعل ينظر إليه ويبكي ، ويقول : يا ليت شعري بأي ذنب أصابتك هذه الفتنة ؟ ثم وضع رأسه في حجره ومسح وجهه ، ثم دعا بماء فغسل وجهه وفمه ، ثم مضى وتركه ، فلما أفاق أُخبر بذلك ، فخجل السكران وندم وتاب إلى الله عزّ وجلَّ ، واتجه إلى إبراهيم وعاهده أن لا يعود إلى معصية أبدا ، فرأى إبراهيم في منامه كأن قائلا يقول له : أنت طهْرَّت فمه لأجلنا ، ونحن طهرنا قلبك لأجلك .

ليست هناك تعليقات: