الاثنين، 28 نوفمبر 2011

الفيلسوف والسنور ..

الفيلسوف والسنَّور

يقول الله تعالى في سورة الجاثية  :
 ] وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ `وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ` قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ[ { الجاثية }
وعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ ، قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ قَالَ : " أَمَرَرْتَ بِأَرْضٍ مِنْ أَرْضِكَ مُجْدِبَةٍ ، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهَا مُخْصِبَةً ؟ " قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : " كَذَلِكَ النُّشُورُ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ : " أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ ، وَأَنْ تُحِبَّ غَيْرَ ذِي نَسَبٍ لَا تُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ حُبُّ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِكَ ، كَمَا دَخَلَ حُبُّ الْمَاءِ قَلْبَ الظَّمْآنِ فِي الْيَوْمِ الْقَائِظِ " . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ لِي بِأَنْ أَعْلَمَ أَنِّي مُؤْمِنٌ؟ قَالَ : " مَا مِنْ أُمَّتِي ، أَوْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَبْدٌ يَعْمَلُ حَسَنَةً ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا حَسَنَةٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَازِيهِ بِهَا خَيْرًا ، وَلَا يَعْمَلُ سَيِّئَةً ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا سَيِّئَةٌ ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ إِلَّا هُوَ - إِلَّا وَهُوَ مِؤْمِنٌ " . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ .
 هناك مثل صيني يقول :
العقول الصغيرة تناقش الأشخاص ، والعقول المتوسطة تناقش الأشياء ، والعقول الكبيرة تناقش المبادئ .
اسمع إلى حديث الأطفال الصغار تجدهم يقولون : أبي أقوى من أبيك ، وأمي أحسن من أمك ، وإذا ما كبروا قليلا صاروا يقولون : دراجتي أقوى من دراجتك ، ولعبتي أحسن من لعبتك . وإذا ما نضجت العقول انصرفت إلى المبادئ والأفكار .
أرقى الناس عقلا هم المفكرون والفلاسفة ، لذا تجدهم مشغولين بالبحث في الأسئلة الكبرى عن الوجود ،  وعندما سئل أحد الحكماء عن معنى الفلسفة قال : هي نقاش قضية الموت والحياة .
الموت مشكلة البشرية الأولى ، ومشكلة الإنسان الكبرى ، فمنذ بداية التاريخ والمفكرون يناقشون قضية الموت والحياة ، وكما هي قضية عامة هي أيضا قضية خاصة ، والعبي هو الذي يعيش حياته دون أن يجد حلا يقنع به لهذه المسألة .
من الغريب أن رجلا كان يسميه مريدوه " فيلسوف فلسطين "  ، ومات بالسرطان قبل سنتين ، كان يتبنى مقولة عن الموت مفادها : " نحن لا نخاف الموت ، لأننا حيث نكون لا يكون ، وحيث يكون لا نكون " . وبعد البحث وجدت أن هذه المقولة لفيلسوف يوناني يدعى أبيقور ( 341 ـ 270 ق.م ) ، وخلاصة الفكرة أنه يدعو لعدم التفكير في الموت ، فحل المسألة بأن ألغاها ، وقلت لأحد مريدي الفيلسوف الفلسطيني يوما : أحقا ، كان معلمكم لا يؤمن بأي شكل من الحياة بعد الموت ؟ فقال : لا ، بل كان يؤمن بتناسخ الأرواح . فقلت : سبحان الله ، لماذا في قضية الموت علينا أن نعود لما قبل الميلاد ، ولشعوب وثنية ، بينما دعواتكم كلها عن الحداثة وما بعد الحداثة !!
وتعود فكرة التناسخ إلى زمن فرعون موسى ، ثم تكرَّست عند الهنود ، باعثها محاولة تفسير سبب آلام الأطفال والبهائم ولا ذنب لهم ، فقالوا إنها لذنوب سلفت ، وملخصها أن أرواح أهل الخير تدخل في أبدان خيرة فتستريح ، أما أرواح أرباب الشر إذا خرجت تدخل في أبدان شريرة وتتعذب ، ثم تواصل الانتقال والعذاب وتعود إلى صورة إنسان بعد ألف سنة ، فإن أحسن لحق بالمحسنين ، وإن أساء أعاد ألف سنة  أخرى من العذاب .
جاء في كتاب "  تلبيس إبلبيس " القصة التالية على لسان  أبي بكر بن الفلاس:
دخلت على رجل يقول بالتناسخ من أهل بغداد ، فوجدت بين يديه سنورا أسود ( قطة كبيرة ) وهو يمسحها ، ويحك بين عينيها ، ورأيتها وعينها تدمع كما جرت عادة السنانير بذلك ، وهو يبكي بكاء شديدا ، فقلت له : لمَ تبكِ ؟ قال : ويحك ، أما ترى هذه السنور تبكي كلما مسحتها ، هذه أمي لا شك ، وإنما تبكي من رؤيتها إليّ حسرة .
وأخذ يخاطبها خطاب من عنده أنها تفهم منه ، وجعلت السنور تصيح قليلا قليلا . فقلت له : فهي تفهم عنك ما تخاطبها به ! فقال : نعم . فقلت : أتفهم أنت صياحها ؟ قال : لا . قلت : فأنت المنسوخ وهي الإنسان .

ليست هناك تعليقات: