الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

رب كلمة قلبت رجلا ...

لا تبخل بكلمة الحق

قوله تعالى:
[أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ  ] { إبراهيم }

وصدق النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول :
(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))
اليوم نقول : وماذا ينفع الكلام . آه لو يجدي الكلام !!
وقديما قالوا : ربّ كلمة قلبت همّة ، وربّ همّة أحيت أمّة .
وكان معاوية يقول : ما زلت أطمع في الخلافة مذ قال لي رسول الله r : " إن ولّيت فأحسن " . 
الكلمة الحق كالبذرة ، حيثما رميتها نفعت ولو بعد حين ، فإن تناولها طير عابر فهي لك صدقة ، وإن جرَّها نملٌ غابر فهي له غذاء ، وإن دفنت في أرض القلوب الطيبة أخرجت شجرة طيبة .
فقل كلمة الحق في كل حال ، وتلطّف في وضعها بين أيدي  الناس ، ولا تقذفها في وجوههم .
بشر الحافي من كبار الزهاد وأئمة الصلاح ، كان في أول حياته صاحب لهو وشرب ، يجمع رفقاء السوء في بيته فيسهرون ويشربون ، وذات يوم مرّ رجل صالحٌ بداره ، فسمع أصوات المعازف واللهو في الدار ، فدقَّ الباب ، فخرجت إليه جارية ، فقال : صاحب هذه الدار حرّ أم عبد ؟ فقالت : بل حرّ  ، فقال : صدقت لو كان عبدا لاستعمل أدب العبودية وترك اللهو والطرب . ومضى في سبيله . فلما عادت الجارية سألها بشر عن الطارق فأخبرته ما كان منه ، فلحق بشر بالرجل حافيا حتى أدركه ، فقال له : أنت الذي وقفت بالباب ، وخاطبت الجارية ، فقال : نعم ، فقال بشر أعد عليّ الكلام ، فأعاده عليه ، فمرَّغ بشر خديه بالتراب ، وقال : بل عبد . ثم هام على وجهه حافيا حاسرا حتى عُرف بالحافي ، وقيل له ذات يوم : لم لا تلبس نعلا ؟ قال : لأني ما صالحني مولاي إلا وأنا حافٍ . فلا زال على هذه الحالة حتى مات .
وجاء في كتاب ( التبصرة لابن الجوزي  ) :
تعلّق رجل بامرأة ومعه سكين ، لا يدنو منه أحد إلا عقره ، وكان شديد البدَن ، فبينما الناس كذلك و المرأة تصيح ، مرّ بشر بن الحارث ، فدنا منه وحكّ كتفه بكتف الرجل ، فوقع الرجل إلى الأرض ، ومرّت المرأة  ومرّ بشر ، فدنوا من الرجل ، وهو يرشح عرقاً ، فسألوه : ما حالك ؟ قال : لا أدري ، ولكن حاكني شيخ وقال : إن الله ـ عزّ وجلّ ـ ناظرٌ إليك وإلى ما تعمل ، فضعفت لقوله وهبته هيبة شديدة لا أدري من ذلك الرجل . فقالوا له : ذلك بشر بن الحارث ، فقال : واسوأتاه كيف ينظر إليّ بعد اليوم ؟ وحمّ من يومه .. 
ورُوي أن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ مرّ  ذات يوم في موضع من نواحي الكوفة ، فإذا فتيان فسّاق قد اجتمعوا يشربون ، وفيهم مغنٍ يقال له زاذان ، يضرب ويغني ، وكان له صوت حسن . فلما سمع ذلك قال ابن مسعود : ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله ، ومضى ، فسمع زاذان قوله فقال : من كان هذا ؟ قالوا : إنه عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله r ، فقام وضرب بالعود على الأرض فكسره . 
الفضيل بن عياض ، شيخ الحرم المكي ، ومن أكابر الصالحين والعباد ، ولد في سمرقند عام  105 هـ وتوفي في مكة عام 187هـ ، كان قاطع طريق قبل أن يتوب ، وكان يعشق جارية ، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع تاليا يتلو : ] أَلَمْ يَأْنِِ لِلَذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهم لِذكْرِ اللهِ [ فلما سمعها قال : بلى يا رب ، قد آن ، فرجع فأوى إلى خربة ، فسمع بعض الناس يخوفون بعضهم بالفضيل ، فقال : والله إني تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام .

ليست هناك تعليقات: