الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

ليس للعبد أن يختبر ربه ...

ليس للعبد أن يختبر ربه ..
يقول الحقّ جلّ جلاله في سورة الأنعام :
[وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ] {الأنعام:112}
وروى  الترمذي وابن ماجه وأحمد وغيرهم، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال  ـ : إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ.
في السبعينيات من القرن الماضي انتشر في فلسطين وخاصة في منطقة رام الله الفكر اليساري ، ونشط طلاب الجامعات في التنظير لأفكاره ، ونشط اليساريون في ميدان العمل التطوعي ، وانتشرت هذه الظاهرة .
أذكر حادثة لا تغيب عن بالي كان لها أشد الأثر مع بساطتها في ضلالي فترة طويلة من الزمن ، فكنَّا نجمع القمامة من ساحة النادي ، ونحرق ما يمكن حرقه ، وحدث أن داعبني أحد الرفاق وقبض على يدي وراء ظهري مازحا ، فتقدم آخر وكفاه سوداوان من شحبار الحريق ، وقال مازحا :
ـ  من يمنعني من (شحبرة ) وجهك ؟
 خطرت على بالي فورا قصة الرسول r مع الرجل الكافر الذي سرق السيف المعلق على الشجرة والرسول نائم ، فقلت ببراءة الأطفال :
ـ  الله .
فما كان منه إلا أن شحبر وجهي بإحدى يديه . فكتمتها في نفسي ولم أسأل عنها ، وحاولت استنتاج ما أريد منها .
حادثة صغيرة كان لها أثر كبير على الشاب الصغير الذي يدرج نحو الثالثة عشرة من عمره ، فحفرت في قلبه حفرة شك باض فيها الشيطان وفرَّخ سنوات عدة . ومرت سنوات ، وكلما خطرت هذه القصة على بالي يغني شيطان الشك في قلبي.
 ذات مرّة وبعد التخرج من الجامعة والعمل في التعليم صحبنا الطلاب برحلة مدرسية إلى دير قرنطل في أريحا ، وصعدنا الجبل إلى دير الرهبان في أعلاه ، هناك سأل طالب بعمر القصة الراهب : لماذا سمي هذا الجبل بجبل قرنطل ؟
 فقال الراهب : قرنطل كلمة يونانية تعني الأربعين ، وعلى هذا الجبل جرّب الشيطان المسيح ( عليه السلام ) أربعين يوما  فكان يقول له انظر إلى مملكة أريحا الثرية الناس فيها يأكلون أطيب الطعام ، ويشربون ألذ الشراب ، ويعيشون برخاء ، وأنت هنا صائم غذاؤك الحشائش ، لو كنت كريما عند الله ما أجاعك وأشبع الناس . ولكن المسيح عليه السلام رفض الإغراء وحافظ على صيامه .
وحدثت عن سبب التسمية لأحد الأخوة من أهل العلم ، فقال الأمر ليس كذلك ، هناك جرّب الشيطان المسيح عليه السلام بقصة أخرى رويت في غير مكان ، ومنها كتاب " أدب الدنيا والدين " :
 فقد ورد أن إبليس اللعين قال لعيسى عليه السلام :
ـ  ألست تقول أنه لا يصيبك إلا ما كتب الله لك ؟
قال : بلى  .
 قال : فارمِ نفسك من ذروة هذا الجبل ، فإنه إن يقدر لك السلامة تسلم .
 فقال عليه السلام : يا ملعون ، إن لله أن يختبر عباده ، وليس للعبد أن يختبر ربه . فكان كلامه ماء طمأنينة بارد يصب على شحبار شك وفد إلى قلبي من نار سبق وأشعلت .

ليست هناك تعليقات: