الاثنين، 19 سبتمبر 2011

المصطفون الأخيار ... !!

المصطفـون الأخـيار       
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ {45} إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ {46} وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ [ سورة ص ]
 يذكرنا الله تعالى في هذه الآيات أنه اتخذ من عباده أصفياء اختارهم عنده من بين كل الناس، ومن صفاتهم :  
 أولا القوة: فهم أقوياء في العمل الصالح والعبادة .
ثانيا البصيرة: فهم أهل علم نافع وبصيرة نافذة في الحق .
وكانت النتيجة أن الله سبحانه وتعالى خصهم بخاصية خالصة لهم هي ذكرى الدار . فما هي هذه الصفة ؟
قال مالك بن دينار:  نزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها .
 وقال قتادة : كانوا يُذكَّرون الناس بالدار الآخرة والعمل لها .
وقال مجاهد : أي جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هم غيرها.
قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  :
( إذا كان يوم شديد الحر فقال العبد: لا إله إلا الله ما أشد حر هذا اليوم، اللهم أجرني من حر جهنم. قال الله لجهنم: إن عبدًا من عبادي قد استجار بي منك وقد أجرته. وإذا كان يوم شديد البرد فقال العبد: لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم. اللهم أجرني من زمهرير جهنم. قال الله لجهنم: إن عبدًا من عبادي قد استجار بي منك فأجرتـه ).
فهذا رجل من المصطفين الأخيار ، حرّ الدنيا يذكره بحر جهنّم ، وبردها يذكره بزمهريرها .
قال أبو رزين العقيلي للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  : كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «هل مررت بواد أُهلك محلاً،  ثم مررت به يهتز خضرًا؟ » قال نعم. قال: «كذلك يخرج الله الموتى، وذلك آيته في خلقه» أخرجه الإمام أحمد.
كان بعض الصالحين  يخرج في أيام الرياحين والفواكه إلى السوق فيقف وينظر ويعتبر ويسأل الله الجنة.
وروي أن سعيد بن جُبير مر بشباب من أبناء الملوك جلوس في مجالسهم في زينتهم فسلموا عليه، فلما بعد عنهم بكى واشتد بكاؤه، وقال: ذكرني هؤلاء شباب أهل الجنة.
و تزوج صلة بن أشيم  معاذة  العدوية وكان من كبار الصالحين، فأدخله ابن أخيه الحمام المسخن بالنار، ثم أدخله على زوجته في بيت مطيب منجد، فقاما يصليّان إلى الصباح. فسأله ابن أخيه عن حاله؟ فقال: أدخلتني بالأمس بيتًا أذكرتني به النار ـ يقصد الحمّام ـ وأدخلتني الليلة بيتًا أذكرتني به الجنة، فلم يزل فكري في الجنة والنار إلى الصباح.
مر أبو حازم سلمة بن دينار بسُوق الفاكهة فقال‏:‏ مَوْعدك الجنّة‏.‏
ومرَّ بالجزًارين فقالوا له‏:‏ يا أبا حازم هذا لحم سمين فاشتَر.  قال‏:‏ ليس عندي ثَمَنُه قالوا‏:‏ نُؤخرك قال‏:‏ أنا أُؤخر نفسي‏.
وروي عن سفيان الثوري أنه مرَّ على حدَّاد فرأى شرَر النار يتطاير فجعل يبكي .
وقال الحسن: كان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ربما توقد له النار ثم يدني يديه منها، ثم يقول: يا ابن الخطاب هل لك على هذا صبر؟!
وكان الأحنف بن قيس يجيء إلى المصباح بالليل فيضع أصبعه فيه، ثم يقول: حِسْ، حِسْ. ثم يقول: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا، ما حملك على ما صنعت يوم كذا!!
وأخرج ابن أبي الدنيا من رواية سعد بن الأخرم، قال: كنت أمشي مع ابن مسعود، فمر بالحدادين، وقد أخرجوا حديدًا من النار، فقام ينظر إليه ويبكي.
وكان ابن مسعود إذا رجع من الجمعة في حر الظهيرة يذكر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار؛ فإن الساعة تقوم في يوم الجمعة، ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. وتلا قوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفُرقان: 24] .
فينبغي لمن كان في حر الشمس أن يتذكر حرّها في الموقف؛ فإن الشمس تدنو من رءوس الناس يوم القيامة ويزاد في حرّها، وليس هناك ظل إلا بالأعمال الصالحة.
سبحان الله ، ما رأى العارفون بالله شيئًا من الدنيا إلا تذكروا به ما وعدهم الله  من جنسه في الآخرة، وعلموا أن ذلك دليلاً يعرِّفهم بخالقهم جل جلاله وتقدست أسماؤه .
أبصار صافية طاهرة نقية، تنعكس عليها صور الدنيا فتنطبع في القلوب صور الآخرة، فهم يرون الدنيا بأبصارهم ويرون الآخرة بقلوبهم .
اللهم لا تجعل الدنيا همنا ولا مبلغ علمنا، و اجعلها جسرنا إلى جنتك يا أرحم الراحمين.

الأرواح جنود مجندة .. !!

الأرواح جنـودٌ مجنّـَدة
يقول الله تعالى في سورة مريم :
[إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [
ورد في صحيح البخاري عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ ـ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ  قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  يَقُولُ :
" الأَرْوَاحُ جُنُـودٌ مُجَنَّـدَةٌ فَمَا تَعَـارَفَ مِنْهَا ائْتَـلَفَ وَمَا تَنَـاكَرَ مِنْـهَا اخْتَلـَفَ "
في هذا الحديث تشبيه لتجمع الناس مع أشباههم مثل فرق الجنود، فالمشاة مع المشاة ،والبحرية مع البحرية ، والمظليون مع المظليين ، وفي الواقع الأخيار مع الأخيار ، والأشرار مع الأشرار ، الصائمون مع الصائمين ، والمفطرون مع المفطرين ، هكذا اجتمع بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي، وهكذا تآخى الأنصار والمهاجرون ، ونجد أن المنافقين كان بعضهم يميل إلى بعض، ويتناجون فيما بينهم بالإثم في مجلس النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  وفي الجهاد أيضا ينكصون معا .
 فأرواح الصالحين تقودهم لتجْمعهم بلا ميعاد ولا ترتيب، وكأنها مبرمجة تقود الأجساد نحو أشباهها من الناس، فينجذب كلٌ لشبيهه، ولهم في ذلك حكايات كثيرة منها ... 
خرج إمام أهل السنة أحمد بن حنبل من السجن وقد ضعف جسمه وسرت الأمراض في أوصاله من شدة التعذيب وطول المدَّة، ولكن همته بقيت ثابتة ثبوت عقيدته في قلبه، وجاء أصحابه يزورونه ويهنئونه بالثبات على الحق، وكان للإمام أحمد صديق حبيب إلى قلبه ـ رغم أنه كان يخالفه كثيرا في مسائل الفقه ـ  هو إسحاق بن راهويه ،و يذكر الإمام  أحمد عن أبن راهويه ـ رغم الخلاف ـ   فيقول :"  لم يعبُر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق بن راهويه وإن كان يخالفنا في أشياء فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً " . وله مع صديقه قصة طريفة . .  
والقصة رواها ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد عن ابن الجوزي،على لسان عبد الله بن الإمام أحمد قال  : 
"   لما أُطلق أبي من المحنة خَشي أن يجئ إليه إسحاق بن راهويه،  فرحل أبي إليه،  فلما بلغ الرَّي دخل إلى مسجد فجاء مطر كأفواه القرب،  فلما كانت العتمة قالوا له:  أُخرُج من المسجد فإنا نريد أن نغلقه.
 فقال لهم:  هذا مسجد الله وأنا عبد الله !!
فقيل له: بعد كَري الصناع ما أعطيناهم ـ أي كلفنا أموال كثيرة دفعناها للصناع حتى صار مسجدا ـ أيما أحبُّ إليك تخرج أو نجرُّ برجلك.!!
 قال أحمد، فقلت: سلاماً.
 فخرجت من المسجد والمطرَ والرعد والبرق، فلا أدري أين أضع رجلي، ولا أين أتوجه، فإذا رجل قد خرج من داره فقال لي: يا هذا أين تمرُّ في هذا الوقت؟
 فقلت: لا أدري أين أمر .
فقال لي:  أدخل .
فأدخلني داراً ونزع ثيابي وأعطوني ثياباً جافة، وتطهرت للصلاة ، فدخلت إلى بيت فيه كانون فحم ولبود ومائدة منصوبة.
فقيل لي:كُل، فأكلت معهم .
فقال لي: من أين أتيت؟ فقلت:  من بغداد. 
فقال لي:  تعرف رجلاً يُقال له أحمد بن حنبل؟
 فقلت:  أنا أحمد بن حنبل.
 فقال لي: وأنا إسحاق بن راهويه .
فسبحان الذي جمع بين أهل المحبة في الليل بغير وسيلة ولا ميعاد، فالأرواح جنود مجندة تتعارف وإن بعد السفر وطال الزمان .
اللهم اكتب لنا ولوالدينا رفقة محمد الأمين والصحابة والصالحين في جنات النعيم .

السبت، 17 سبتمبر 2011

تصدق فأثم ...!!

صدقة مردودة على صاحبها ..

قال تعالى مخاطبا عباده المؤمنين :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
عن أبي هريرة قال :  قال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يارب ومطعمه حرام ومشـربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم.
قال الأصمعي :
كنت أساير رجلا من الأعيان ،فمر بنا رجل يحمل سلة مملوءة بالرمان ،فتناول صاحبي منها رمانة وأخفاها في كمه ، فعجبت من ذلك ، وكذّبت بصـري ، حتى مررنا بسائل فإذا صاحبي يُخرج الرمانة من كمِّه ويعطيها إياه .فقلت له : رأيتك فعلت عجبا ... !! فقال: ما هو ؟ قلت رأيتك اختلست رمانة من الحّمال ، وقدمتها للسائل .فقال : وماذا في ذلك ؟؟ لقد اختلستها فكانت سيئة واحدة ، ثم تصدقت بها فكانت عشـر حسنات . فقلت له : لقد أخذتها فكانت سيئة ، وتصدقت بها فلم تقبل منك ، لأنها من حرام .

الباذنجانة العجيبة .. !!

الباذنجانة العجيبة ..  !!

جاء في سورة الطلاق :
[.. وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ۞ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ]
وفي حديث ‏أبي قتادة‏ ‏وأبي الدهماء ‏عندما ‏أتَيَا على ‏ ‏رجل ‏‏من أهل ‏ ‏البادية ‏ ‏
قالا: فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  ، فجعل يعلمني مما علَّمه الله، وقال: " ‏إنك لن تدعَ شيئاً اتِّقاءَ الله إلا أعطاك الله خيراً منه"  .أخرجه الإمام أحمد ، وإسناده صحيح
أورد الشيخ علي الطنطاوي في كتابه : فصول في الثقافة والأدب   (ص 12) القصة التالية :
في  دمشق مسجد كبير اسمه (جامع التوبة)، وهو جامع مبارك فيه أنس وجمال، سمِّي بجامع التوبة؛ لأنه كان خاناً ترتكب فيه أنواع المعاصي، فاشتراه أحد الملوك في القرن السابع الهجري وهدمه وبناه مسجداً. وكان فيه - من نحو سبعين سنة- شيخ مربٍّ عالم عامل اسمه الشيخ سليم المَسْوَتي، وكان أهل الحي يثقون به، ويرجعون إليه في أمور دينهم وأمور دنياهم. وكان عند هذا الشيخ تلميذ صالح، وكان مضرب المثل في فقره وفي إبائه وعزة نفسه، وكان يسكن في غرفة في المسجد. مرَّ عليه يومان لم يأكل فيهما شيئاً، وليس عنده ما يَطعمه، ولا ما يشتري به طعاماً، فلما جاء اليوم الثالث أحس كأنه مشرف على الموت، وفكَّر ماذا يصنع، فرأى أنه بلغ حد الاضطرار الذي يجوز له أكل الميتة أو السـرقة بمقدار الحاجة، فآثر أن يسرق ما يقيم صلبه.
وهذه القصة واقعة، أعرف أشخاصها، وأعرف تفصيلها، وأروي ما فعل الرجل، لا أحكم على فعله بأنه خير أو شر أو أنه جائز أو ممنوع. وكان المسجد في حيٍّ من الأحياء القديمة، والبيوت فيها متلاصقة والسطوح متصلة، يستطيع المرء أن ينتقل من أول الحي إلى آخره مشياً على السطوح. فصعد إلى سطح المسجد، وانتقل منه إلى الدار التي تليه، فلمح فيه نساء فغضَّ من بصره وابتعد، ونظر فرأى إلى جنبها داراً خالية، وشمَّ رائحة الطبخ تصعد منها، فأحس مِن جوعه لما شمَّها كأنها مغناطيس يجذبه إليها. وكانت الدور من طبقة واحدة، فقفز قفزتين من السطح إلى الشـرفة فصار في الدار، وأسرع إلى المطبخ فكشف غطاء القدر، فرأى فيها باذنجاناً محشواً، فأخذ واحدة ولم يبال من شدة جوعه بسخونتها، وعض منها عضة، فما كاد يبتلعها وتكويه بحرارتها حتى ارتد إليه عقله ودينه، وقال لنفسه: أعوذ بالله،  أنا طالب علم مقيم في المسجد، ثم أقتحم المنازل وأسرق ما فيها؟
وكبر عليه ما فعل، فندم واستغفر وردَّ الباذنجانة، وعاد من حيث جاء، فنزل إلى المسجد وقعد في حلقة الشيخ، وهو لا يكاد من شدة الجوع - يفهم ما يسمع. فلما انقضـى الدرس وانصـرف الناس (وأؤكد لكم أن القصة واقعة) جاءت امرأة مستترة (ولم يكن في تلك الأيام امرأة غير مستترة) فكلَّمت الشيخ بكلام لم يسمعه التلميذ ، فتلفَّت الشيخ حوله فلم يرَ غيره، فدعاه وقال له: هل أنت متزوج؟ قال: لا. قال: هل تريد الزواج؟ فسكت، فقال له الشيخ: قل، هل تريد الزواج؟ قال: يا سيدي، ما عندي ثمن رغيف آكله فلماذا أتزوج؟
قال الشيخ: إن هذه المرأة خبَّرتني أن زوجها توفي، وأنها غريبة عن هذا البلد، ليس لها فيه ولا في الدنيا إلا عمٌّ عجوز فقير، وقد جاءت به معها (وأشار إليه قاعداً في ركن الحلقة) وقد ورثت دار زوجها ومعاشه، وهي تحبُّ أن تجد رجلاً يتزوجها على سنة الله ورسوله؛ لئلا تبقى منفردة فيطمع فيها الأشرار وأولاد الحرام، فهل تريد أن تتزوج بها ؟ قال: نعم. وسألها الشيخ: هل تقبلين به زوجاً؟ قالت: نعم.
فدعا بعمِّها، ودعا بشاهدين، وعقد العقد، ودفع المهر عن التلميذ، وقال له: خذ بيد زوجتك.
فأخذ بيدها، أو أخذت هي بيده، فقادته إلى بيتها، فلما دخلته كشفت عن وجهها فرأى شباباً وجمالاً، ورأى البيت هو البيت الذي نزله. وسألته: هل تأكل؟ قال: نعم.
فكشفت غطاء القدر فرأت الباذنجانة، فقالت: عجباً! من دخل الدار فعضَّها؟
فبكى الرجل وقصَّ عليها الخبر، فقالت له: هذه ثمرة الأمانة، عففت عن الباذنجانة الحرام فأعطاك الله الدار كلها وصاحبتها بالحلال.

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

المؤذِّن بأنفاســـه..!!
يقول الحق جلَّ شأنه :
[ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ۞ رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ۞ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ] { النور : 37 }

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَفَعَهُ ، " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَيْنَ جِيرَانِي ؟ فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ : رَبَّنَا ، وَمَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُجَاوِرَكَ ؟ فَيَقُولُ : أَيْنَ عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ ؟ " .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول, ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا...)
جاء في كتاب ( في بطن الحوت ) لمؤلفه الشيخ محمد العُريفي القصة التالية :
أخبرني أحد الأطباء أنه دخل في غرفة الإنعاش على مريض ،  فإذا شيخ كبير على سرير أبيض وجهه يتلألأ نورا ،  قال صاحبي : أخذت أقلب ملفَّه ، فإذا هو قد أجريت له عملية في القلب ،  أصابه نزيف خلالها ،  مما أدى إلى توقف الدم عن بعض  مناطق الدماغ ، فأصيب بغيبوبة تامة، ووصلت به أجهزة الإنعاش ، و وضع على فمه جهاز للتنفس  الصناعي،  يدفع إلى رئتيه تسعة أنفاس في الدقيقة .
كان بجانبه أحد أولاده ، سألته عنه ، فأخبرني أن أباه مؤذن في أحد المساجد منذ سنين.  أخذت أنظرإليه،  حرَّكت يده ، حركت عينيه ،  كلمته ، لا يدري عن شيء أبدا، ولا يستجيب لأي فعل .
كانت حالته خطيرة،  اقترب ولده من أذنه وصار يكلمه ،  وهو لا يعقل شيئا ، فبدأ الولد يقول :  يا أبي... أمي بخير .. وأخواني بخير .... وخالي رجع من السفر .. واستمر الولد يتكلم . والأمر على ما هو عليه ، الشيخ لا يتحرك ،  والجهاز يدفع تسعة أنفاس  في الدقيقة !!
 وفجأة قال الولد : والمسجد مشتاق إليك،  ولا أحد يؤذن فيه  إلا فلان ، ويخطئ في الأذان،  ومكانك في المسجد فارغ . فلما ذكر المسجد والأذان ، اضطرب صدر الشيخ ،  وبدأ يتنفس فنظرت إلى  الجهاز فإذا هو يشير إلى ثمانية عشر نفسا في الدقيقة ،  والولد لا يدري ،  ثم قال الولد : وابن عمي تزوج .. وأخي تخرج .... فهدأ الشيخ مرة أخرى ، وعادت الأنفاس تسعة يدفعها الجهاز الآلي ، فلما رأيت ذلك أقبلت إليه حتى وقفت عند رأسه ، حركت يده ، عينيه ، هززته ، لاشيء كل شيء ساكن ،  لا يتجاوب معي أبدا .  قربت فمي من أذنه ثم قلت : الله أكبر.... حي على الصلاة ... حي على الفلاح ،  وأنا أسترق النظر إلى جهاز التنفس ،  فإذا به يشير إلى ثمانية عشر نفس في الدقيقة .

تصدق الآباء وبخل الابناء ..

تصدق الآباء وبخل الأبناء
قال الله تعالى في محكم تنزيله :
[الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ] { البقرة : 262}
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه " .
هذه قصة من كتاب (موسوعة غرائب القصص )  لمؤلفه : أحمد سالم بادويلان وهي بعنوان ( الصدقة لا تموت ) ، جاءت على لسان رجل يكنى ابن جدعان ، ويقول  هذه القصة حدثت منذ أكثر من مائة سنة تقريبا ، فهي واقعية ... يقول ابن جدعان  :
خرجت في فصل الربيع ، وإذا بي أرى إبلي سمانا يكاد أن يفجر الربيع الحليب من أثدائها ، كلما اقترب ابن لناقة من أمه درت وانفجر الحليب منها من كثرة البركة والخير ، فنظرت إلى ناقة من نوقي وابنها من خلفها ، وتذكرت جارا لي له بنيات سبع ، فقير الحال ، فقلت والله لأتصدقنَّ بهذه الناقة وولدها لجاري ، و الله يقول [ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ ] { آل عمران : 92 } . وأحب مالي إليَ هذه الناقة .
 يقول أخذت هذه الناقة وابنها ، وطرقت الباب على جاري ، وقلت خذها هدية مني لك،  فرأيت الفرح  في وجهه لا يدري ماذا يقول .  فكان يشرب من لبنها ، ويحتطب على ظهرها ، وينتظر وليدها يكبر ليبيعه،  وجاءه منها خير عظيم .
فلما انتهى الربيع وجاء الصيف بجفافه وقحطه، تشققت الأرض ، وبدأ البدو يرتحلون يبحثون عن الماء والكلأ ، يقول شددنا الرحال نبحث عن الماء في الدحول ، والدحول : هي حفر في الأرض توصل إلى محابس مائية لها فتحات فوق الأرض يعرفها البدو، يقول : فدخلت إلى هذا الدحل لأحضر الماء حتى أ شرب وأولاده الثلاثة خارج الدحل ينتظرون فتهت تحت الدحل ولم أعرف الخروج .
وانتظر أبناؤه يوما ويومين وثلاثة حتى يئسوا، وقالوا : لعل ثعبانا لدغه ومات ، لعله تاه تحت الأرض وهلك ، وكانوا والعياذ بالله ينتظرون هلاكه طمعا في تقسيم المال والحلال ، فذهبوا إلى البيت، وقسموا الميراث فقام أوسطهم وقال: أتذكرون ناقة أبي التي أعطاها لجاره، إن جارنا هذا لا يستحقها، فلنأخذ  عيرا  أجرب فنعطه الجار ، ونسحب منه الناقة وابنها، فذهبوا إلى المسكين وقرعوا عليه الدار،  وقالوا : أخرج الناقة وابنها.. قال : إن أباكم أهداها لي .. أتعشى وأتغذى من لبنها .
 فقالوا : أعد إلينا الناقة خير لك ، وخذ هذا الجمل مكانها وإلا سنسحبها الآن عنوة ، ولن نعطيك بدلا منها شيئا. قال : أشكوكم إلى أبيكم .. قالوا: اشكُ إليه فإنه قد مات .
قال: مات .. كيف مات ؟ ولم لا أدري؟
قالوا: دخل دحل في الصحراء ولم يخرج، قال : اذهبوا بي إلى هذا الدحل ثم خذوا الناقة ، وافعلوا ما  شئتم ولا أريد جملكم ، فلما ذهبوا به ورأى المكان الذي دخل فيه صاحبه الوفي ، ذهب وأحضـر حبلا ثم ربطه خارج الدحل و أشعل شعلة ، ونزل يزحف على قفاه مرة يحبو ومرة يتدحرج ، حتى صار يشم رائحة الرطوبة  تقترب ، وإذا به يسمع أنينا ، وأخذ يزحف ناحية الأنين في الظلام يتلمس الأرض ، ووقعت يده على طين ثم على الرجل ، فوضع يده عليه فإذا هو حي يتنفس بعد أسبوع من الضياع ، فقام وجره وربط عينيه ، ثم أخرجه معه خارج الدحل، وأعطاه التمر وسقاه وحمله على ظهره جاء به إلى داره ، ودبت الحياة في الرجل من جديد ، وأولاده لا يعلمون ، قال : أخبرني بالله عليك كيف بقيت أسبوعا تحت الأرض وأنت لم تمت!؟
قال : سأحدثك حديثا عجيبا ، لما دخلت الدحل ، وتشعبت بي الطرق فقلت آوي إلى الماء الذي وصلت إليه ، وأخذت أشرب منه ، ولكن الجوع لا يرحم ، فالماء  لا يكفي .
يقول : وبعد ثلاثة أيام وقد أخذ الجوع مني كل مأخذ ، وبينما أنا مستلق على قفاي سلمت أمري إلى لله،  إذا بي أحس وكأن لبنا يتدفق على لساني ، فأخذ يأتيني في الظلام كل يوم ثلاث مرات ، ولكن منذ يومين انقطع.. ولا أدري ما سبب انقطاعه ؟ يقول : فقلت له لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت، ظنَّ أولادك أنك مت فجاءوا إليَ فسحبوا الناقة التي أهديتني إياها  .. فجمع أولاده وقال : اخسؤوا ، لقد قسمت مالي نصفين ، نصفه لي ، ونصفه الآخر لجاري .
أصدق الناس لـهجة  ..!!
يقول ربنا عز وجل :
[ومن يُطع الله والرَّسولَ فأولَئِكَ معَ الَّذين أنعَمَ الله عليهِم من النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالِحينَ وحَسُنَ أُولئِكَ رفيقاً۞ ذلك الفضلُ من الله وكفى بالله عليماً ] { النساء: 70 }
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ‏‏( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى ‏ ‏جِبْرِيلَ ‏ ‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏فَيُنَادِي ‏ ‏جِبْرِيلُ ‏ ‏فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ) {صحيح البخاري}
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
هل تعلمون أيها الأخوة ، من أول من حيّا  الرسول ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ  بتحية الإسلام ،
وقال له السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؟
هو نفسه الصحابي القائل :  " حجوا حجّة لعظائم الأمور ، وصوموا يوما شديد الحرّ ليوم النشور ، وصلوا ركعتين في سوداء الليل لوحشة القبور " .
 إنه الصحابي الجليل  أبو ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ  ذلك الصحابي الذي كان ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ  يبتدئه  إذا حضر، ويتفقده   إذا غاب .
وهو الذي قال عنه رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ  : (  مَا أَظَلَّتِ الْخَضْـرَاءُ وَلاَ أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ لهجة مِنْ أَبِي ذَرٍّ ) .
فما هي الميزة التي اختص بها أبو ذر من بين الصحابة ليكون أصدق أهل الأرض لهجة ؟؟
أبو ذر كان نموذجا فريدا للموعظة الحية والاعتبار العملي ، فكان أبو  ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ خير مثال لمن يتعلم  من أخطائه فليزم نفسه بالتقوى ، ومنها تواضعه مع العبيد بعد قصته مع بلال .
كان أبو ذر من أشد الناس تواضعًا، فكان يلبس ثوبًا كثوب خادمه، ويأكل مما يطعمه، فقيل له: يا أبا ذر، لو أخذت ثوبك والثوب الذي على عبدك وجعلتهما ثوبًا واحدًا لك، وكسوت عبدك ثوبًا آخر أقل منه ( جودة وقيمة ) ، ما لامك أحد على ذلك، فأنت سيده، وهو عبد عندك!!
 فقال أبو ذر: إني كنت ساببت (شتمت) بلالاً، وعيّرته بأمه؛ فقلت له: يا ابن السوداء، فشكاني إلى رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ  فقال لي النبي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ  : (يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، فوضعت رأسي على الأرض، وقلت لبلال: ضع قدمك على رقبتي حتى يغفر الله لي، فقال لي بلال: إني سامحتك غفر الله لك، وقال ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ  : إخوانكم خولكم (عبيدكم )، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم )   .. فاخذ أبو ذر العبرة ولزم التواضع للعبيد طوال حياته ..
فعندما ذهب أبو ذر إلى الرَّبذة وجد أميرها غلامًا أسود عيَّنه عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ولما أقيمت الصلاة، قال الغلام لأبي ذر: تقدم يا أبا ذر، وتراجع الغلام إلى الخلف. فقال أبو ذر: بل تقدم أنت، فإن رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ  أمرني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدًا أسود. فتقدم الغلام وصلى أبو ذر خلفه.
وكان يدافع عن الفقراء، ويطلب من الأغنياء أن يعطوهم حقهم من الزكاة؛ لذلك سُمي بمحامي الفقراء عند المعاصرين .
وظل أبو ذر مقيمًا في الرَّبَذَة هو وزوجته وغلامه حتى مرضَ مرض الموت فأخذت زوجته تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: ومالي لا أبكي،  وأنت تموت بصحراء من الأرض، وليس عندي ثوب أكفنك فيه، ولا أستطيع القيام بجهازك.
 فقال أبو ذر يخاطب زوجه وغلامه : إذا مت، فاغسلاني وكفناني، وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكما فقولا: هذا أبو ذر. فلما مات فعلا ما أمر به، فمرَّ بهم عبد الله بن مسعود مع جماعة من أهل الكوفة، فقال: ما هذا ؟ قيل: جنازة أبي ذر، فبكى ابن مسعود، وقال: "صدق رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ  : ( يرحم الله أبا ذر ، يمشى وحده ،  ويموت وحده، ويبعث وحده)  فصلى عليه، ودفنه بنفسه وكان ذلك سنة (31هـ) .