الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

موعظة إبراهيم بن الأدهم الخماسية

روي أن رجلا جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له: "يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي فاعرض علي ما يكون لها زاجرا
ومستنقذا لقلبي".
قال: "إن قبلت خمس خصال  وقدرت عليها ن لم تضرك معصية  ولم توبقك لذة".
قال: "هات يا أبا إسحاق".
قال: "أما الأولى فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل من رزقه".
قال: "فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟!".
قال له: "يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟!".
قال: "لا، هات الثانية".
قال: "وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده".
قال الرجل: "هذه أعظم من الأولى يا هذا، إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين أسكن؟!".
قال: "يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟!".
قال: "لا، هات الثالثة".
قال: "إذا أردت أن تعصيه ن وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له فاعصه فيه".
قال: "يا إبراهيم، كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟!".
قال: "يا هذا ، أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟!".
قال: "لا، هات الرابعة".
قال: "إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له أخرني حتى أتوب توبة نصوحا، وأعمل لله عملا صالحا".
قال: "لا يقبل مني".
قال: "يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير فكيف ترجو وجه الخلاص؟!".
قال: "هات الخامسة".
قال: "إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذونك إلى النار فلا تذهب معهم".
قال: "لا يدعونني ولا يقبلون مني".
قال: "فكيف ترجو النجاة إذًا؟!".
قال له: "يا إبراهيم ، حسبي حسبي، أنا أستغفر الله وأتوب إليه".
ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

عن صدقة الرسول ..!!

 
جاء في كتاب كنز العمال للمتقي الهندي في باب شمائل الأخلاق : زهده صلى الله عليه وسلّم : حديث رقم 18615:
  حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ـ يعني بن سلام ـ  عن زيد أنه سمع أبا سلام قال حدثني عبد الله الهوزني قال :
( لقيت بلالا مؤذن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ بحلب ، فقلت : يا بلال، حدثني كيف كانت نفقة رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ.
 قال : ما كان له شيء ، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي ، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني به ، فأنطلق ، فاستقرض ، فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه ، حتى اعترضني رجل من المشركين ،  فقال : يا بلال، إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني.  ففعلت ، فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة ، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار،  فلما أن رآني ،  قال : يا حبشي .  قلت : لبيك .  فتجهمني ، وقال لي قولا غليظا ، وقال لي : أتدري كم بينك وبين الشهر؟!  قلت : قريب . قال : إنما بينك وبينه أربع، فآخذك بالذي لي عليك ، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك، ولا كرامة صاحبك علي، ولكن أعطيتك لأتخذك لي عبدا، فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك .  فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس ، حتى إذا صليت العتمة ، رجع رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ إلى أهله ، فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فقلت : يا رسول الله، بأبي أنت وأمي ، إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا ، وليس عندك ما تقضي عني ولا عندي ، وهو فاضحي ، فأْذَن لي أن آبق ( أهرب)إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا ، حتى يرزق الله رسوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ ما يقضي عني ، فخرجت ،حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني عند رأسي ، واستقبلت بوجهي الأفق، فكلما نمت ساعة انتبهت، فإذا رأيت عليَّ ليلا نمت ، حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق ، فإذا إنسان يسعى يدعو : يا بلال ، أجب رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ  . فانطلقت حتى أتيته،  فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن ، فاستأذنت ، فقال لي رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ:  أبشر فقد جاءك الله بقضائك .  ثم قال : ألم تر الركائب المناخات الأربع فقلت: بلى . فقال: إن لك رقابهن ،  وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاما أهداهن إلي عظيم فَدَكٍ ،  فأقبضهن ، واقض دينك .  فحططت عنهن أحمالهن ثم علفتهن، ثم قمت إلى تأذيني صلاة الصبح ،  فإذا رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ  قاعد في المسجد ،  فسلّمت عليه ، ، حتى إذا صلى رسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ  خرجت إلى البقيع فجعلت أصبعي في أذني فناديت، فقلت: من كان يطلب رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ بدين فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي حتى لم يبق على رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ دين في الأرض، حتى فضل في يدي أوقيتان أو أوقية ونصف، ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار، وإذا رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ  قاعد في المسجد وحده فسلمت عليه فقال لي: ما فعل ما قبلك؟ قلت قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ فلم يبق شيء، فقال: أفضل شيء؟ فقلت: نعم، قال: انظر أن تريحني منها، فإني لست داخلا على أحد من أهلي حتى تريحني منه، فلم يأتنا أحد حتى أمسينا، فلما صلى رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ العتمة دعاني فقال لي: ما فعل الذي قبلك؟ قلت: هو معي لم يأتنا أحد فبات في المسجد حتى أصبح فظل اليوم الثاني ،حتى كان في آخر النهار جاء راكبان، فانطلقت بهما فأطعمتهما وكسوتهما حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال لي: ما فعل الذي قبلك؟ فقلت قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ثم اتبعته حتى جاء أزواجه، فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته فهو الذي سألتني عنه.
هذا رسول الله إمامنا ، وهذا بلال مؤذنه، فانظروا من نجيب إذا نادى ، وبمن 
نقتدي في أفعالنا...!!

ما ذنب البخاري !!

يقول الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في حديث يرويه حذيفة:
( والذي نفسي بيده لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنَّه فلا يستجيب لكم).
ويوضح في حديث آخر يرويه نعيم بن حماد في الفتن عن الحسن مرسلا:
( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم العجم فليضربن رقابكم، وليكونن أشداء لا يفرون).
وإليكم هذه القصة من القرن الماضي ..
لما وقعت الحرب بين مصر والحبشة في زمن الخديوي إسماعيل، وتوالت الهزائم على مصر في تلك الحرب، ضاق صدر الخديوي لذلك، فركب الخديوي يوما مع شريف باشا، وهو محرج الصدر، فأراد أن يفرج عن نفسه، فقال لشريف باشا: ماذا تصنع حينما تلمّ بك ملمّة تريد أن تدفعها ؟
فقال شريف باشا: يا أفندينا، إن الله عوّدني إذا حاق بي شيء من هذا أن الجأ إلى صحيح البخاري يقرؤه لي علماء أطهار الأنفاس فيفرِّج الله عني.
فكلم الخديوي شيخ الجامع الأزهر ـ وكان الشيخ ألعروسي ـ في ذلك، فجمع له جمعا من صلحاء العلماء، و أخذوا يقرؤون في البخاري أمام القبلة القديمة في الأزهر، فيما ظلت أخبار الهزائم تتوالى، فذهب الخديوي ومعه شريف باشا إلى العلماء،  وقال لهم غاضبا يتطاير الشرر من عينيه:
ـ إما أن هذا الذي تقرؤونه ليس صحيح البخاري، أو أنكم لستم العلماء الذين نعهدهم من رجال السلف الصالح، فان الله لم يدفع بكم ولا بتلاوتكم شيئا.
فوجم العلماء لذلك التهجم الغاضب، إلا أن شيخا من آخر الصف ابتدره قائلا:
 ـ هذا منك يا إسماعيل، فإنا روينا عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  انه قال: ( لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم )  فزاد وجوم المشايخ، وانصرف الخديوي وشريف باشا ، ولم ينبسا بكلمة.
وأخذ المشايخ يلومون الشيخ الذي قال ذلك للخديوي، ويؤنّبونه، فبينما هم كذلك إذا شريف باشا قد عاد، وسألهم قائلا:
ـ أين الشيخ الذي قال للخديوي ما قال ؟
فقال الشيخ: أنا..
 فأخذه وقام ذاهبا إلى القصر والعلماء يودعون الشيخ وداع من لا يرجو لقاء.
و دخل الشيخ مع شريف باشا إلى الخديوي، وهو جالس في البهو وأمامه كرسي، فطلب من الشيخ أن يجلس أمامه، ثم قال له:
ـ أعد يا أستاذ ما قلته في الأزهر.
 فأعاد الشيخ كلمته كما هي، وشرح الحديث النبوي الشريف للخديوي أتم شرح.
فقال له الخديوي : وماذا صنعنا حتى ينزل بنا هذا البلاء ؟
فقال له الشيخ : يا أفندينا أليس الزنا مباحا ؟! ألستم تحكمون بغير ما انزل الله ؟! أليس أليس !! وعدّد له كثيرا من المنكرات ، ثم قال له:
 فكيف تنتظرون النصر من السماء ؟
فقال الخديوي:  وماذا نفعل، وقد اضطررنا إلى ذلك ؟
فقال الشيخ للخديوي: إذا فما ذنب البخاري، وما حيلة العلماء ؟
ففكّر الخديوي مليّا، واطرق طويلا، ثم رفع رأسه ساهما وقال للشيخ :
ـ صدقت .. صدقت .

عندما زلَّ أبو بكر ..!!

يقول الله تعالى في حق الأنصار والمهاجرين :
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]
الأمة الإسلامية الأولى التي تكونت من الأنصار والمهاجرين هي خير أمة عرفتها البشرية، تلك الأمة التي حولت يثرب إلى المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة عبر التاريخ ، ومن مظاهر خيريتها وكمالها تلك الأخلاق السامية التي كان يحملها أفرادها ، ومن تلك الأخلاق التي نحن بأشد الحاجة إليها اليوم هي معرفة الفضل لأهل الفضل ، وقد روى  أنس ـ رضي اللّه ـ  عنه عن الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  قوله : "إِنَّمَا يَعْرِفُ الْفَضْلَ لأَهْلِ الْفَضْلِ أَهْلُ الْفَضْلِ"  ، وتلك مسألة بالغة الأهمية .
فلا يعرف قدر العالم إلا عالم مثله.
ولا يعرف قدر الطبيب البارع غير طبيب مثله.
ولا يحترم الكريم إلا كريم مثله .
ولا يعرف قدر أبي بكر غير صحابي مثل ربيعة .
وهذه قصة عن معرفة الفضل لأهله حفظتها لنا كتب السنة، أما أطراف القصة فصحابيين فاضلين أولهما : الصديق أبو بكر رضي الله عنه ، أفضل رجل بعد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، الخليفة الراشد الأول رضي الله عنه ، والثاني خادم رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ   الذي سأله مرافقته في الجنة فقال له النبي : (فأعني على نفسك بكثرة السجود ) ، فقال إذن أفعل ، إنه الصحابي  ريبعة بن كعب الأسلمية ـ رضي الله عنه ـ  .
 روى الإمام الحاكم في مستدركه، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه: عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه، قوله:
" أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضاً، وأعطى أبا بكر أرضاً، فاختلفنا في عذق نخلة، ـ قال وجاءت الدنيا ـ فقال أبو بكر : هذه في حدي . فقلت:  لا بل هي في حدي: قال فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها،  وندم عليها . قال فقال لي :  يا ربيعة،  قل لي مثل ما قلت لك حتى تكون قصاصا . قال  فقلت :  لا والله ، ما أنا بقائل لك إلا خيرا . قال: والله لتقولن لي كما قلت لك حتى تكون قصاصا ، وإلا استعديت عليك برسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  .  قال، فقلت: لا، والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا.  قال: فرفض أبو بكر الأرض، وأتى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وجعلت أتلوه، فقال أناس من أسلم: يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال،  ويستعدي عليك . قال فقلت: أتدرون من هذا ؟! هذا أبو بكر، هذا ثاني اثنين،  هذا ذو شيبة المسلمين ، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب،  فيأتي رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  فيغضب لغضبه ، فيغضب الله لغضبهما ، فيهلك ربيعة .
قال : فرجعوا عني، وانطلقت أتلوه ، حتى أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقص عليه الذي كان ، قال فقال  رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :  يا ربيعة ما لك والصديق ؟ قال فقلت مثل ما قال كان كذا وكذا،  فقال لي :  قل مثل ما قال لك .  فأبيت أن أقول له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجل ،  فلا تقل له مثل ما قال لك ،  ولكن قل يغفر الله لك يا أبا بكر ،  قال فولَّى أبو بكر الصديق  ـ رضي الله عنه  ـ وهو يبكي "  .

من بين فرث ودم

هل تعلم أن (الكلور) غاز سام كاوي وأن (الصوديوم) عنصر سام حارق قاتل ، ومنها يخرج كلوريد الصوديوم ( ملح الطعام ) المادة الغذائية الأساسية للكائنات الحية !!
هل تعلم أن العرب كانت تتشاءم من الأرض السبخة التي يظهر فيها القطران ( البترول ) ويحسبونها أرض ملعونة بدلت القطران بمائها ، فصار القطران مادة يستخرج منها الناس قوام حياتهم !!
هل تعلم أن الفرث هو ما تجمع في الأمعاء نتن الرائحة سبب في النجاسة، وأن الدم مما حرّم الله تعالى أكله، ومن بينهما يخرج لبنا خالصا مصفّى ومستساغ الطعم، مصداقا لقوله تعالى : ﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين [سورة النحل  آية 66 ]!!
هل تعلم أن أشد الناس إيذاء للمسلمين في بداية الدعوة رجلان، عمرو أبو جهل ، وعمر بن الخطاب ، فلم يكن دعاء الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  اللهم اهلك الرجلين ، بل : اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ، وخرج من بينهما عمر الفاروق الذي أقام دولة الإسلام وفتح الفتوحات !!
هل تعلم أن الناصر أبو يوسف صلاح الدين الأيوبي كان في شبابه المبكر شابا فيه ميل للمجون  قبل التحاقه بجيش عمه شيركوه ، ثم تحول إلى قاهر الصليبين في معركة حطين ومحرر القدس !!
ونقرأ قول الله تعالى: ﴿ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ [ آل عمران: 27]
أي يخرج المؤمن من الكافر ويخرج المنافق من المؤمن .
فإذا كانت وظيفة المربي هي الارتقاء بالناس من درجة إلى درجة على طريق تزكية النفوس ، فإن وظيفة الداعية هي استخلاص القائد الفاعل من عتاة العصاة والمعاندين لدين الله تعالى .



لا صدقة ولا جهاد

طبع الإنسان على حب الأجر العاجل والنتيجة الفورية ، وذلك مصداقا لقول الله تعالى ﴿ خُلِقَ الإنسانُ مِنْ عَجَلٍ، كما طبع الإنسان على حب المال ﴿ وَتحبُونَ المالَ حًبَّاً جَمَّاً وجاء الدين ليهذب هذه الطبائع ويوجهها إلى غاية سامية ، ألا ترى أن الطفل الصغير يحب المكافأة الفورية المباشرة ، وكلما تقدم به العمر والنضوج العقلي صار يبحث عن الأجر العظيم وإن تأخر ؟! ويبلغ الإنسان قمة نضوجه عندما يوقن أن الأجر الحقيقي يأتي متأخرا في اليوم الآخر ، عن يحيى بن معاذ ـ رحمه اللَّه تعالى ـ  أنه قال: الدنيا مزرعة رب العالمين، والناس فيها زرعه، والموت منجله ، وملك الموت حاصده، والقبر مداسه ، والقيامة بيدره ، والجنة والنار بيت أهوائه: فريق في الجنة وفريق في السعير" .
ولكن مزرعة الدنيا فيها أنواع شتى من الغراس ، ولا ريب أن ثمار الأشجار مختلفة القيمة ، فأي الأشجار أكثر إثمارا للحسنات المؤدية  إلى الجنة ؟
قال تعالى في سورة التوبة :
﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ   [التوبة :111]
تتحدث هذه الآية عن ثلاث أشجار باسقات في السماء ضاربات جذورها في أعماق النفس البشرية ، ثمارها في الجنّة من أشرف الثمار :
الشجرة الأولى : البيعة لجماعة المسلمين .
الشجرة الثانية : النفقة في سبيل الله .
الشجرة الثالثة : الجهاد  في سبيل الله .  
وهذا ما يتضح أكثر من حديث ابن الخصاصية ، فقد روى الحاكم في المستدرك  من حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه ، قال :
 ( أتيت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  لأبايعه على الإسلام فأشترط عليَّ :
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وتصلي الخمس ، وتصوم رمضان ، وتؤدي الزكاة ، وتحج البيت، وتجاهد في سبيل الله.
قال : قلت: يا رسول الله, أما اثنتان فلا أطيقهما، أما الزكاة فما لي إلا عشر ذود - أي إبل -  هن رسلُ أهلي وحمولتهم، وأما الجهاد فيزعمون أنه من ولّى - أي هرب من المعركة- فقد باء بغضب من الله ، فأخاف إذا حضرني كرهت الموت وخشعت نفسي ، قال : فقبض رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  يده ثم حركها . ثم قال: لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة ؟ قال بشير ، ثم قلت : يا رسول الله ، أبايعك .  فبايعني عليهن كلهن (. [قال الحاكم حديث صحيح ووافقه الذهبي] .
هذا الحديث العظيم يؤكد المعنى الحقيقي للانضمام إلى جماعة المسلمين المعبر عنها بالمبايعة والتي تقتضي التجرد التام من أوساخ الدنيا وحطامها . وبذل النفس والنفيس في مرضاة الخالق العظيم.
إن بشيراً- رضي الله عنه- كان بحاجة إلى وقفة تربوية ومراجعة نبوية تبّين له حقيقة المبايعة على الإسلام, وأن الإسلام لا يقبل من المسلم إلا أغلى ما يملك لينال شرف الانضمام إلى أهله, ويفوز بلقب الانتماء إلى شريعته .
فحين اشترط بشير ، أن يُبقي على نفسه وماله, باذلاً ما سواها بكل رحابة صدر؛ قبض رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  يده الشريفة ، واعتذر عن المبايعة ؛لأنً سلعة الله غالية الثمن, باهظة التكاليف !