الأربعاء، 1 أغسطس 2012

لماذا أحرق طالب العلم أصابعه ...؟!

 
في سورة آل عمران يذكر الله شهوات الدنيا بترتيبها :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14}
فقد بدأت الآيات بذكر شهوة النساء ، تلك الشهوة الجامحة القوية ، لذلك حرص الصالحون كل الحرص عن الوقوع فيها ، وهم يدرسون قصة (ابريصيص ) العابد  من بني إسرائيل ، الذي أزله الشيطان وهو شيخ كبير فقاده إلى الكفر بواسطة امرأة وضعها إخوتها في حمايته لزهده ، تلك الخدعة التي ما زالت تستخدم في إسقاط الشرفاء ، فيقول مؤلف كتاب ( عن طريق الخداع ) إن الوسيلة الأكثر فعالية  في إسقاط العملاء هي النساء ، ويسرد قصص عن إسقاط العالم النووي العراقي الذي سهل قصف قلب المفاعل النووي العراقي .
النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ يوضح خطورة الخلو بالمرأة الأجنبية بقوله :
(ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) ويحذر أمته من  فتنة النساء على الرجال ، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت على أمتي فتنة أشد على الرجال من النساء) .
وروي أن ثابت البناني ، وهو من أعبد خلق الله، الذي صلى أربعين سنة الفجر بوضوء العشاء، لا يعرف أبداً النوم في الليل، وليس له فراش، أنه كان  يقول: والله لو أمنتوني على ملء الأرض ذهباً لوجدتموني أميناً، ووالله ما آمن نفسي على أَمَةٍ سوداء رأسها كأنه زبيبة. وقال الشاعر من وحي هذا القول  :
 لا تخلو بامرأة لديك بريبةٍ         لو كنت في النساك مثل بنانِ
 إن الرجال الناظرين إلى النسا       مثل الكلاب تطوف باللحمان
وقد أدرك تلك المعاني رجال آمنوا بربهم، فصانوا أنفسهم من الفتن فأكرمهم الله من فضله ما يتمناه، ومنهم قصة هذا الشاب :  

ُنقل أنّ بنت الأمير  في إحدى مدن إيران ـ كانت عائدة إلى بيتها في وقت متأخّر من ليلة شاتية، إذ صادفت في طريقها مدرسة دينية، ففكّرت أن تلجأ إليها حتى الصباح، طلباً للأمان، ولم يكن في المدرسة في تلك الليلة إلا طالب علم أعزب ينام في إحدى الغرف وحيداً فريداً. فلما طرقت الباب ، فوجئ الطالب بشابّة تطلب اللجوء و المبيت عنده حتى الصباح؛ فأدخلها الطالب حينئذ حجرته على وجل! ونامت آمنة مطمئنة حتى الصباح، ثمّ غادرت إلى بيت أبيها الأمير.
عندما سألها أبوها الأمير عن مكان مبيتها ليلة أمس حكت له القصّة. فشكّ الأمير وأرسل خلف طالب العلم ليستوضح الأمر، فتبيّن له بعد ذلك أنّ هذا الطالب منعه تقواه من أن يتكلّم معها فضلاً عن أن يدنو منها أو غير ذلك!
وعندما أراد الأمير أن يشكر الطالب اكتشف أنّ إحدى أصابعه قد أُحرقت حديثاً، فسأله عن السبب فقال: تعلم أنّي شابّ وأعزب، واتّفق أن نامت في غرفتي ابنتك وهي امرأة شابّة ولم يكن معنا أحد غيرنا، فأخذ الشيطان يوسوس لي، فخفت أن أفشل في مقاومته، فكانت في غرفتي شعلة نفطية، فبدأتُ أقرّب إصبعي من النار كلّما وسوس لي الشيطان ـ وقديماً قيل: والجرح يُسكنه الذي هو آلم ـ فصرتُ أسكّن ألم الشهوة بألم الاحتراق، وبقيت هكذا إلى الصباح حتى نجّاني الله من الوقوع في فخّ الشيطان وما توسوس به النفس الأمّارة بالسوء.
وعندما سمعت الفتاة ذلك قالت: هو كذلك، لأنّي كنت أشمّ رائحة شواء، ولم أكن أعلم أنّ هذا المسكين إنّما كان يشوي إصبعه!
وهذا الشابّ هو أحد علماء إيران الأعلام الذي  عُرف فيما بعد بـ «ميردامار» أي صهر الأمير.

مراغمة شيطان الفجر .....!!

 
 
أفرد الإمام الغزالي في كتاب الإحياء بابا سماه ( في معاقبة النفس على تقصيرها) جاء فيه :
" إن أهمل المسلم نفسه سهل عليه مقارفة المعاصي، وأنست بها نفسه، وعسر عليه فطامها ، وكان ذلك سبب هلاكها ، بل ينبغي أن يعاقبها ، فإذا أكل لقمة شبهة بشهوة نفسٍ ينبغي أن يعاقب البطن بالجوع ..."
ومن أكثر المعاصي بل الكبائر وأخطرها التي تشيع بين المسلمين، وخاصة بعد انقضاء شهر رمضان هي الغفلة عن صلاة الفجر، وكأن الأكل هو الذي يوقظنا لا صلاة الفجر ؟ وإن لم يكن كذلك فلماذا نتركها بعد رمضان رغم ما في إقامتها من ترغيب وفي تركها من ترهيب، وهي كذلك علامة على صدق الدين وقوة اليقين؟!
صلاة الفجر في عصرنا فيها مجاهدة للنفس، وقد تعود الناس طول السهر ،  ، ومن طرائف ما سمعت أن عجوزا يهوديا عراقيا قال لأحد العمال العرب العاملين عنده : أتعرف متى تزول إسرائيل ؟ قال العامل: متى ؟ فقال اليهودي: عندما يصير عدد المصلين في الفجر مثل عدد المصلين يوم الجمعة في بلدكم .
الشيطان كما أخبر الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ يبول في أذن النائم عن صلاة الفجر، فكيف تجعل هذا الشيطان يوقظك على صلاة الفجر، إليكم هذه النصيحة من أحد الأخوة جزاه الله خيرا .
أولا: الاستعانة بالله: فالله سبحانه هو الهادي لكل خير ، وهو المعين على إتمامه .
ثانيا:تخاطب الشيطان، وتقول له جازما حازما: إذا ضاعت مني صلاة الفجر في يوم غد فسأعاقب نفسي، وأعاقبك بأشياء حلال من صدقة وصيام وقراءة قران واستغفار وتوبة وذكر وصلة رحم.. حتى تندم يا إبليس أني لم أصلِّ فجر هذا اليوم، وسأفعل ذلك في كل يوم تضيع عني فيه صلاة الفجر...
ثالثا: إن الشيطان يا أخوتي همه فوات الثواب الأكبر علينا فلو وجد أن بضياعك لصلاة الفجر ستفعل كل هذه الحسنات فسيكون أول من يوقظك للصلاة.
رابعا: يجب أن تعلم أن الشيطان سيختبر مدى جديتك ، أستفعل هذا مرة واحدة أم أنك على العهد؟! فإن وجد منك العزم والقوة والجدية فسيكون أول من يقوم بإيقاظك للصلاة...
خامسا:من الممكن أن تجعل هذه الطريقة مع أي ذنب يستصعب عليك تركه.

وذكر أن رجلا جاء إلى الإمام أبي حنيفة وقال له: لقد دفنت مالي كله في حفرة، ونسيت مكانها ، فهل تستطيع مساعدتي للعثور عليها ؟؟ قال الإمام :اذهب وصلِّ الليل كله , وستذكر مكان مالك ـ إن شاء الله ـ فذهب الرجل و فعل ما طلب  الإمام منه ،  وبينما كان يصلي تذكر مكان الحفرة ، فتعجب من ذلك وراح للإمام ليسأله عن سبب ذلك .
تبسم الإمام وقال : علمت أن الشيطان لن يدعك تصلي الليل كله, وسيقطع صلاتك بأن يذكرك بما نسيت من أمر مالك .
وذكر الشيخ أحمد الكبيسي دعاء يفيد في القيام لصلاة الفجر على أن ينام الشخص على وضوء، ويقول قبل أن يغلبه النوم :
"  اللهم لا تؤمّني مكرك، ولا تكشف عني سترك، ولا تُنسني ذكرك، ولا تولّني غيرك، ولا تجعلني من الظالمين " .
 يُقرأ ثلاث مرّات وفي المرّة الرابعة يضاف إليه:
" أيها الملك الموكّل أيقظني في الساعة كذا" .

القدوة الحسنة

يقول الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: " الفرق بين الشك والحقيقة أربع أصابع هي المسافة بين السمع والمشاهدة " ويقصد بذلك المسافة بين الأذن والعين في رأس الإنسان . فالإنسان السوي يصدق ما يرى لا ما يسمع ، والإنسان السوي  من طبعه أن يتأثر بما يشاهد لا بما يقال له  .
وأخطر المسلمين على الإسلام أولئك الذين يدعون الناس إلى الله تعالى بأقوالهم، ويدعون إلى الشيطان الرجيم بأفعالهم ، لأن السلوك هو دليل الفكرة ، والإيمان يستدعي العمل الصالح ، وليس للذي يخالف ما يدعو إليه عند الله إلا المقت وهو أشد ألوان البغض . وأغلب المسلمين دخلوا في الإسلام من باب القدوة الحسنة، ألا ترى أن أكبر دولة إسلامية في العالم هي اندونيسيا تلك البلد التي يزيد سكانها عن مائتي مليون نسمة ، دخل أهلها في الإسلام على يد التجار المسلمين من هنود وعرب وغيرهم في القرن العاشر الهجري .
لذا على الداعية أن يحذر من مخالفة أفعاله لأقواله، فإن النفس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه، ولا يوافق فعله قوله، ولهذا قال الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام :

 ﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ   .[هود:88]

فالقدوة ذات أهمية وأثر كبير في الاعتقاد والسلوك والأخلاق، وقد يكون أثرها هذا إيجابياً أو سلبياً، لذلك فالقدوة الحسنة أساس رفيع في تزكية النفوس وتهذيبها، وذلك لأن تحلي الداعية بما يدعو إليه الناس من الاعتقاد والسلوك والأخلاق يجعل هذه الدعوة صورة حية ماثلة للعيان، مما يمكّن في نفوس أتباعه القناعة التامة بما يقول، وأن ما يدعوا إليه أمر ممكن تحقيقه وتطبيقه، وهم يرون بأعينهم ذلك التطبيق، ويلمسون آثاره الطيبة على الداعي نفسه، فيتأثرون به أعظم التأثر، ويؤمنون به أصدق الإيمان، هذا بالإضافة إلى أنه عندما يجعل نفسه في مواقف الفداء والتضحية أول المضحين، وفي مواقف البذل أول الباذلين، فإن ذلك يجعل أتباعه يتبعون هذه المواقف في رضا واطمئنان تامين، فضلاً عن تعلقهم به يزداد، ويقينهم بصدقه، وحرصهم عليه.

منذ سنوات طويلة ، انتقل إمام أحد  المساجد إلى مدينة لندن في بريطانيا، و كان يركب الباص دائماً من منزله إلى المسجد .
بعد انتقاله بأسابيع، وخلال تنقله بالباص، كان أحياناً كثيرة يستقل نفس الباص بنفس السائق.
وذات مرة دفع أجرة الباص و جلس، فاكتشف أن السائق أعاد له 20 بنساً زيادة عن المفترض من الأجرة.
فكر الإمام وقال لنفسه أن عليه إرجاع المبلغ الزائد لأنه ليس من حقه. ثم فكر مرة أخرى وقال في نفسه: "إنسَ الأمر، فالمبلغ زهيد وضئيل، و لن يهتم به أحد، كما أن شركة الباصات تحصل على الكثير من المال من أجرة الباصات ، ولن ينقص عليهم شيئاً بسبب هذا المبلغ التافه ، إذن سأحتفظ بالمال وأعتبره هدية من الله وأسكت.
توقف الباص عند المحطة التي يريدها الإمام ، ولكنه قبل أن يخرج من الباب ، توقف لحظة ومد يده ، وأعطى السائق العشرين بنساً ، وقال له: تفضل، أعطيتني أكثر مما أستحق من المال!!!
فأخذها السائق وابتسم، وسأله: ألست الإمام الجديد في هذه المنطقة؟ إني أفكر منذ مدة في الذهاب إلى مسجدكم للتعرف على الإسلام، ولقد أ عطيتك المبلغ الزائد عمداً لأرى كيف سيكون تصرفك"!
وعندما نزل الإمام من الباص، شعر بضعف في ساقيه وكاد أن يقع أرضاً من رهبة الموقف!!! فتمسك بأقرب عامود ليستند عليه،و نظر إلى السماء و دعا باكيا:
يا الله ، كنت سأبيع الإسلام بعشرين بنساً!!!

صدقة.. أبي ضَمْضَم

 
كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.
هذا الحديث يرشدنا إلى تأثير القرآن الكريم في تزكية النفس من الشح والبخل، فالله سبحانه يبن لنا أن النفوس مجبولة على البخل في قوله :
﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ   [النساء : 128 ]
ويبين لنا الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أن الإيمان والشح لا يجتمعان:
( خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق )
 فكان فلاح الإنسان بالوقاية من هذه الصفة:
﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [ الحشر : 9] 
قيل: فماذا تفعل إذا هب الناس يتصدقون، ودبت بك نخوة الكرم، ولا مال عندك لتتصدق به ؟
قال: أتصدق بوقتي فأعمل ؟
قيل: فإن لم يكن عندك طاقة للعمل ولا قدرة عليه  .
قال: أتصدق بصدقة ابي ضمضم .
قيل: ومن هو أبو ضمضم ؟
قال:  كان ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  يحب الجود والجوادين، ويبغض البخل والبخيلين، وكان ناصحاً لأمته، ولهذا قال لأصحابه رضوان الله عليهم يوما : "ألا تحبون أن تكونوا كأبي ضَمْضَم؟" قالوا: يا رسول الله، ومن أبو ضمضم؟ قال: "إن أبا ضمضم كان إذا أصبح قال: اللهم إني قد تصدقت بعرضي على من ظلمني" ، وفي رواية: "اللهم تصدقت بعرضي على عبادك".
وفي رواية عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ كما قال ابن عبد البر: ("إن رجلاً من المسلمين قال: اللهم إني ليس لي مال أتصدق به، وإني قد جعلت عرضي صدقة لله عز وجل لمن أصاب منه شيئاً من المسلمين؛ قال: فأوجب النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أنه قد غفر له"، أظنه أبا ضمضم المذكور، والله أعلم) .
ورحم الله أخا لنا سمعنا عنه في أيام الحج ، خمس سنوات وهو يؤجل الحج رغم أنه يستطيع إليه سبيلا ، فقيل له : ما الذي تغير حتى قررت الحج هذا العام ؟  قال : يا أخي ، أنا رجل سريع الغضب ، لا أحتمل الذبابة تقع على أنفي ، حتى تثور ثائرتي وتقوم قيامتي ، فكيف سأحتمل الزحام في عرفات وعند الجمرات ؟! وما أسمعه عن أخلاق السائقين في بلاد الحرمين ؟! أخاف أن أرتكب جريمة في الأشهر الحرم . ولكني حللت المشكلة هذا العام وجئت للحج . قيل له : وكيف حللتها ؟ قال : قبل خروجي من بيتي ، جعلت جسدي وقفا لله تعالى حتى أعود ، وكان أخونا هذا خلال الحج يشكر كل من يكثر من القول لكل من زاحمه أو دفعه ، بارك الله فيك ، جزاك الله عني كلَّ خير  .

و قال أبو الدرداء  : أدركت الناس ورقا لا شوك فيه فأصبحوا شوكا لا ورق فيه ، إن عرفتهم نقدوك وإن تركتهم لم يتركوك ، قالوا : كيف نصنع ؟ قال : تقرضهم من عرضك ليوم فقرك . 
شتم رجل أبي ذر فقال له : يا هذا ، لا تغرق في شتمنا ، ودع للصلح موضعا ، فإنّا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه . وينادي يوم القيامة منادٍ : ليقم من أجره على الله ، فلا يقوم إلا من عفا .
عن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ قال: ( على كل مسلم صدقة قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة (متفق عَلَيْهِ ) .

عصا أُنَيْس..





عبد الله بن أنيس ، أبو يحيى الجهني، صحابي مشهور كبير القدر، كان فيمن شهد العقبة، وشهد أحدا والخندق وما بعد ذلك، ومات بالشام سنة ثمانين هجرية.
في السنة الرابعة للهجرة بلغ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أن سفيان بن خالد الهذلي كان نزل عرنة وما حولها في ناس من قومه وغيرهم ، فجمع الجموع لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  وضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس .
فدعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ عبد الله بن أنيس، فبعثه سرية وحده إليه ليقتله وقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  انتسب إلى خزاعة . فقال عبد الله بن أنيس : يا رسول الله، ما أعرفه فصفه لي . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  : إنك إذا رأيته هبته ، وفرقت منه وذكرت الشيطان . وكنت لا أهاب الرجال فقلت : يا رسول الله ما فرقت من شيء قط . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  : بلى ، آيةٌ بينك وبينه أن تجد له قشعريرة إذا رأيته .
واستأذنت النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  أن أقول ، فقال : قل ما بدا لك . قال فأخذت سيفي لم أزد عليه وخرجت إلى خزاعة ، فأخذت على الطريق حتى انتهيت إلى عرنة ، وجعلت أخبر من لقيت " أني أريد سفيان بن خالد لأكون معه " حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ، ووراءه الأحابيش ومن استجلب وضوى إليه .
فلما رأيته هبته ، وعرفته بالنعت الذي نعت لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ ورأيتني أقطر .  فقلت : صدق الله ورسوله ، وقد دخلتُ في وقت العصر حين رأيته ، فصليت وأنا أمشي أومئ إيماء برأسي ، فلما دنوت منه قال : من الرجل ؟ فقلت : رجل من خزاعة ، سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك . قال : أجل إني لفي الجمع له .
فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي ، وأنشدته شعرا ، وقلت : عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث، فارق الآباء ،وسفه أحلامهم.  قال:  لم يلق محمدٌ أحدا يشبهني . وهو يتوكأ على عصا يهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه ، وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم مطيفون به فقال :  هلمَّ يا أخا خزاعة . فدنوت منه ،  فقال لجاريته : احلبي . فحلبتْ ثم ناولتني ، فمصصت ثم دفعته إليه فعبَّ كما يعبُّ الجمل حتى غاب أنفه في الرغوة ثم قال اجلس . فجلست معه حتى إذا هدأ الناس وناموا وهدأ اغتررته فقتلته، ثم أقبلت وتركت نساءه يبكين عليه وكان النجاء مني حتى صعدت في جبل فدخلت غارا .
وأقبل الطلب من الخيل والرجال توزع في كل وجه ، وأنا مُختفٍ في غار الجبل ، وأقبل رجل ومعه إداوة ضخمة ونعلاه في يده وكنت حافيا ، وكان أهم أمري عندي العطش كنت أذكر تهامة وحرها ، فوضع إداوته ونعله وجلس يبول على باب الغار ثم قال : لأصحابه ليس في الغار أحد .
فانصرفوا راجعين وخرجت إلى الإداوة فشربت منها، وأخذت النعلين فلبستهما . فكنت أسير الليل وأتوارى النهار حتى جئت المدينة فوجدت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  في المسجد فلما رآني ، قال : أفلح الوجه . قلت : أفلح وجهك يا رسول الله. قال: قلت: قتلته يا رسول الله قال: "صدقت". قال: ثم قام معي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  فدخل في بيته فأعطاني عصا ، فقال: "أمسك هذه عندك يا عبد الله بن أنيس" . قال: فخرجت بها على الناس، فقالوا: ما هذه العصا؟ قال: قلت: أعطانيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  وأمرني أن أمسكها. قالوا: أولا ترجع إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  فتسأله عن ذلك؟ قال: فرجعت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فقلت: يا رسول الله، لم أعطيتني هذه العصا؟ قال: "آية بيني وبينك يوم القيامة، تخصَّر بهذه في الجنة. فإن المتخصرين في الجنة قليل. فقرنها عبد الله بسيفه، فلم تزل معه لا تفارقه، حتى إذا حضره الموت أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه، عنده حتى أمر بها فجعلت في كفنه بين جلده و ثيابه. فضمت في كفنه، ثم دفنا جميعا.

سجن الروح




سجن الروح


كم يساوي جسد الإنسان بلا روح ؟؟
إذا جئنا بإنسان زنته 70 كغم ، وجدنا أن جسمه يتكون من  :
كمية  من الدهن تكفي لصنع سبعة قطع من الصابون ، وكمية من الكربون تكفي لصناعة  سبعة أقلام رصاص ، و كمية  من الفوسفور تكفي لصنع رؤوس 120 عود كبريت ، وكمية من الحديد تكفي لعمل مسمار متوسط الحجم ، وكمية من الشيد تكفي لطراشة غرفة صغيرة ، كمية  من الماء تملأ برميلا سعته 45 لتر ، فيكون سعر الإنسان مواد  مصنعة أقل من خمسة دنانير .
فما الذي يجعل الإنسان لا يبيع أصغر أصابعه بآلاف الدنانير ؟
إنها الروح ، تلك النفخة الربانية المباركة  في هذا الجسد المادي ، فالإنسان جسد وروح ،  قال تعالى :   
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍJثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ

فقد نفخ الله تعالى من روحه النورانية الباقية في هذا الجسد الطيني الزائل ، فصار الجسد سجنا للروح  ، فكان الصراع بين روح تسمو إلى سماء الفضائل وجسد يهفو إلى أرض الرذائل ، روح تشد الإنسان إلى المعالي ، وجسد يشد الروح إلى شهواته .
الجسد هو الصدفة ، والروح هي اللؤلؤة الثمينة  .
الجسد هو القفص ،  والروح هي الطائر الغرِّيد .

وكان رمضان ، وكان الصيام فريضة من الله لتزكو به النفوس وتطهر وترتقي ، قمع لشهوات الجسد لإضعاف أسوار سجن الروح لعلها تشرق بنور ربها ، وتتحر من قيود الجسد وشهواته .
هذه قصة طريفة وغريبة عن فقير بنى مسجدا لله في منطقة " فاتح " في اسطنبول ، واسم ذلك الجامع بالتركية " صانكي يدم " أي " كأنني أكلت " !! .
ولهذا الاسم الغريب قصة اغرب وأعجب ، كان يعيش في منطقة " فاتح " شخص فقير وورع اسمه " خير الدين كججي أفندي " ، كان هذا الرجل عندما يمشي في السوق وتتوق نفسه لشراء فاكهة أو لحم أو حلوى ، يقول في نفسه : " صانكي يدم " أي " كأنني أكلت " ، ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له،  ومضت الأشهر والسنوات ، وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل ، ويكتفي بما يقيم أوده فقط ، وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا ، حتى استطاع بهذا المبلغ الموفور أن يبني مسجدا صغيرا في محلته ، ولما كان أهل المحلة يعرفون قصة هذا الشخص الورع الفقير ، وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد ، فقد أطلقوا على الجامع اسم "جامع صانكي يدم" .
وجاء في ترجمة الإمام الغزالي :
لما أحس أبا حامد الغزالي دنو أجله ، قال لبعض أصحابه : ائتني بثوب جديد ، فقال له : ما تريد به ؟ قال أبوحا مد سألقى به الملك . فجاءوه بثوب، فطلع به إلى بيته ، وأبطأ على أصحابه فلم يعُد . فذهب إليه أصحابه يستطلعون نبأه، فإذا هو ميت، وعند رأسه ورقة كتبت فيها هذه الأبيات:
قل لأخوانٍ رأوني ميتا
أتظنوني بأني ميتكم
أنا في الصّور وهذا جسدي
أنا عصفور وهذا قفصي
لا تزعجكم هجمة الموت فما


فرثوني وبكوا لي حزنا
ليس هذا الميت والله أنا
كان بيتي وقميصي زمنا
طرتُ عنه وبقي مرتهنا
فما هي إلا نقلةٌ من هاهنا