الثلاثاء، 5 مارس 2013

الواعظ الحنفيُّ .. منفيُّ عــكا

الواعظ الحنفيُّ .. منفيُّ عــكا 

 ( صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي ، وإذا فسدا فسدت أمتي.
 قيل : يا رسول الله ومن هما؟
قال: الفقهاء والأمراء )

ومما جاء في الأثر :
إذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك ، فبئس العلماء وبئس الملوك
وإذا رأيتم الملوك على أبواب العلماء فنعم الملوك ونعن العلماء ..

جاء في كتاب " حلية البشر في القرن الثالث عشر " للشيخ عبد الرازق البيطار :
كان الشيخ صادق الحنفي إماما كاملا، وعالما عاملا ، لا يخشى سطوة أمير مكابر ، ولا إمام جائر ، وفي سنة 1285 هـ حضر إلى دار السلطنة العلية وعاصمة الأمة الإسلامية ، في أيام خلافة السلطان عبد العزيز خان ، وكان دخول الشيخ صادق أوائل رمضان ، فكان يقرأ درس الوعظ في ( أيا صوفيا) إلى اليوم السابع والعشرين، وقد جرت العادة أن السلطان في ذلك اليوم يدور على الدروس في المساجد، فمتى أتى لدرس يختم المدرس الكلام، ويدعو للسلطان ، ومعه وكلاء الدولة العظام وشيخ الإسلام.
 فلما وصل لدرس الشيخ صادق، لم يختم الدرس ولم يدع ، بل التفت إلى الوكلاء ، وخاطبهم بكونهم أدخلوا على السلطان الغرور ، وأبطلوا الشريعة وارتكبوا سفاسف الأمور، ونكّسوا إعلام الدين، وقدموا المخالفين على المؤمنين، وأطال الكلام وتجاوز الحد في هذا المقام ، والسلطان صاغ إليه، فحقد الوكلاء عليه.
 وبعد أن ختم ذهب، وقد أضمروا له كلَّ عطب ، ثم بعد ذلك اجتمع والوكلاء ودخلوا على السلطان، فتكلموا في حق الشيخ صادق ما غير قلب أمير المؤمنين عليه، وقالوا له :
 قد فعل ما أوجب توجيه المضرّة إليه، فلا بدّ من إعدامه، ليتأدب غيره من عن التكلّم بمثل كلامه.
فقال أمير المؤمنين: نعم، ولكن لا بدّ من مرافعتكم معه في مجلس شيخ الإسلام، لئلا يقول الناس قُتل ظلما، فنقع بين العموم في الملام .
 فلمّا أحس شيخ الإسلام ذلك اختلى بالسلطان وقال له : إن قتلناه، قيل بالعبارات الصحيحة : إن السلطان قد قتله لبذله النصيحة، ولكنّ نفيهُ أولى ، ورأي أمير المؤمنين أعظم وأولى ، فأمر السلطان بنفيه في الحال، فأرسل إلى عكا من غير إهمال .

وخير ما نعلّق به على هذه القصة ، كلمات من لباب الحكمة ، للإمام ابن النحاس الدمشقي كما وردت في كتابه " تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين "  :
" فمن أخلص لله النيّة أثّر كلامه في القلوب القاسية فليّنها ، وفي الألسن الذّرِبة فقيدها، وفي الأيدي السَلَطة فقيدها .
فإذا نظرنا إلى فساد الرعية و جدنا سببه فساد الملوك، وإذا نظرنا إلى فساد الملوك وجدنا سببه فساد العلماء، وإذا نظرنا إلى فساد العلماء وجدنا سببه ما استولى على ما هم من حبّ المال والجاه وانتشار الصيت ونفاذ الكلمة، ومداهنة المخلوقين وفساد النيَّـات في الأفعال والأقوال، وإذا أراد واحد منهم أن ينكر على الرعية لم يستطع ذلك، فكيف يستطيع الإنكار على الملوك والتعرض للمهالك، ومفارقة ما استولى على قلبه من حب المال والجاه .

اللهم استر فضايحنا وتولَّ مصالحنا
اللهم خذ بأزمة قلوبنا إليك ،
اللهم استعملنا فيما يرضيك يا أرحم الراحمين.. "

احذر التســــبيح ....



قال الفضيل بن العياض ـ رحمه الله ـ :
" ربما قال الرجل: لا إله إلا الله، أو سبحان الله، فأخشى عليه النار. قيل: وكيف ذاك؟ قال: يغتاب بين يديه، ويعجبه ذلك: فيقول: لا إله إلا الله، وليس هذا موضعه، وإنما موضع هذا أن ينصح له في نفسه، ويقول له أتق الله" .

ومثلها: أن يقال للرجل الشجاع الذي يقتحم الصعاب لإنقاذ إنسان أو لهزيمة عدو:( ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة )  وقد وردت هذه الآية في سياق النفقة، والتهلكة هنا هي ترك الإنفاق في سبيل الله ، قال تعالى :
{ وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  (195) }

ومثلها أن يُقال للرجل يريد أن يؤدب أولاد غيره من الأقارب والأهل فيقال له : ( أولى لك فأولى)  يقصدون ابدأ بأولادك ، والآية وردت في مقام التهديد والوعيد لمن كذب وتولى .

ومثلها أن يقال للرجل في السوق ( ادفع بالتي هي أحسن ) في باب التهديد والوعيد ، والأصل أن هذه الآية لمقابلة السيئة بالحسنة . 
ومثله قول بعضهم لشخص ما حلف بالله على أمر:  { وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ } [البقرة :224] ويقصد أن لا يحلف هذا الشخص على كل شاردة وواردة ، ولكن معنى الآية مغاير تماما لما أراد، ولو أتمّ الآية لبان له المقصود منها :{ وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}  ومعنى الآية  ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم:  لا تجعلن عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ولكن كفِّر عن يمينك واصنع الخير.

الشـــحنة الإيمانية ....

الشـــحنة الإيمانية ....

هذا أخ يمرًّ بجوار المسجد والمؤذن ينادي للصلاة، فيواصل الأخ سيره ويصلي في بيته، أو مكتبه، أو متجره ، أو معمله ، وإذا ما لقيته شكا لك قسوة القلب ، وغياب طمأنينة الإيمان عنده !!!
وهذا أخ ، يفضّل أن يقضي وقت فراغه أمام التلفاز، أو في السهر مع الخلان ، ثم يشكو جفوة القلب وذهاب حلاوة الإيمان منه !!!
شتان شتان بين مثل هؤلاء ، وبين رجل قلبه معلّق في المساجد ، مصباح هدى ويقين ينير بنور المسجد، ويشحن القلب بشحنات إيمان ربانية تهديه خارج المسجد، رجل ممن شهد الله تعالى له بالإيمان، لأنه ممن يعمرون مساجد الله تعالى الذي ملأ بنوره السموات والأرض . 
إن العلاقة بين عمارة المساجد والإيمان علاقة ثابتة إلا أنها تغيب عن كثير من المسلمين، فقد أسقط البعض  من حساباته ومن مهماته الاعتكاف في المسجد أو قضاء بعض الوقت فيه، أو المشاركة في نشاطاته، وتلك من مصائد الشيطان، والعياذ بالله.

 ضرب الله لنا مثلا لنوره آية المشكاة من سورة النور، وفي الآية التي تليها أوضح لنا أين يكون نوره :
 { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ 37} [ سورة النور ]

 فأصل الاقتباس من نور الله تعالى يكون في بيوت الله تعالى وهي المساجد ، فالمسجد هو مكان شحن القلوب بطاقة الإيمان وبنور هداية القرآن، فإذا طال مكوثنا في المساجد واعتكافنا فيها قوية شحنة الإيمان في القلب .
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مرّ بسوق المدينة فوقف عليها ،  فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم؟
قالوا : وما ذاك يا أبا هريرة؟
قال: ذاك ميراث محمد _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ يقسم وأنتم ها هنا، ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: أين هو؟ قال : في المسجد.
فخرجوا سراعا، ووقف أبو هريرة ـ رضي الله عنه  ـ لهم حتى رجعوا. فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة، لقد أتينا المسجد، فلم نر شيئا يقسَّم. فقال لهم : وما رأيتم في المسجد؟
قالوا: رأينا قوما يصلون ،وقوما يقرأ ون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة ـ رضي الله عنه  ـ : ويحكم فذاك ميراث محمد ـ صَلَّى الله ُعَلَيِّهِ وَسَلَّمَ ـ. (رواه الطبراني في الكبير)  

عن عمير بن المأمون، قال: سمعت الحسن بن علي يقول:
" من أدام الاختلاف إلى المساجد أصاب ثماني خصال: آية محكمة، وأخا مستفادا، وعلما مستطرفا، ورحمة منتظرة، وكلمة تدله على هدى، وترك الذنوب رجاء أو خشية "  . 

وعن محمد بن المنكدر قال :
  " خلفت زياد بن أبي زياد مولى أبن عياش يخاصم نفسه في المسجد فيقول :
أجلسي أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى من أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟
قال : وكان يقول لنفسه: ومالك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت، ومالك من الثياب إلا هذان الثوبان، ومالك من النساء إلا هذه العجوز، أتحبين أن تموتي؟ فقالت: أنا اصبر على هذا العيش. ( محاسبة النفس لابن أبي الدنيا93 ـ 94 ) .

شــتان .. ما بين أهل العدل وأهل البهتان !!


هاتان قصتان ..
الأولى لكلمة طيبة في أرض هي كلمة الصحابي الجليل عبد الله بن سلاّم في اليهود خبيثة، والثانية كلمة طيبة في أرض طيبة، هي كلمة الصحابي الجليل سعد بن معاذ في الأنصار ..
كان عبد الله بن سلام من أشراف اليهود في المدينة، وكان رجلا ذا فضل في قومه، وكان سعد بن معاذ من أشراف الأوس في المدينة، وكلاهما عرف الحق فأسلم، ولكن شتان بين موقف قوم كل رجل ..

روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال :
سَمِعَ عبدُ الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف ، فأتى النبيَ صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي :
فما أول أشراط الساعة ؟؟ وما أول طعام أهل الجنة ؟؟ وما ينـزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟
قال : أخبرني بهن جبريل آنفا .
قال : جبريل ؟!
قال : نعم .
قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة !
فقرأ رسول الله ـ صَلَّى الله ُعَلَيِّهِ وَسَلَّمَ ـ هذه الآية :
{ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ }
ثم قال : أما أولُ أشراط الساعة فنار تحشرُ الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أولُ طعامِ أهل الجنة فزيادة كبدِ حوت ، وإذا سبق ماءُ الرجل ماء المرأة نـزع الولد ، وإذا سبق ماءُ المرأة نزعت .
قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قومٌ
ُهْت ، وإنـهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني .
فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ رجلٍ عبدُ الله فيكم ؟
قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا .
قال : أرأيتم إن أسلم عبدُ الله بن سلام ؟
فقالوا : أعاذه الله من ذلك !
فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
فقالوا : شرُّنا وابن شرِّنا وانتقصوه !
قال : فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله .
وأسلم سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير، فلما أسلم وقف على قومه، فقال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟
قالوا : سيدنا فضلا، وأيمننا نقيبة.
قال: فإن كلامكم عليَّ حرام، رجالكم ونساؤكم حتى تؤمنوا بالله ورسوله.
فما بقي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا  ... 

الخبيئــــة ....

الخبيئــــة ....

قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم _:
(من استطاع منكم أن يكون له خِبْءٌ من عملٍ صالحٍ فليفعل) .
وروى الإمام الذهبي: أن الشيوخ والمعلمين كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح لا تعلم به زوجته ولا غيرها.
فما هي الخبيئة ؟
الخبيئة من العمل الصالح هو العمل الصالح المختبئ يعني المختفي ، إنها العبادة في السر والطاعة في الخفاء, حيث لا يعرفك أحد ولا يعلم بك أحد, غير الله سبحانه, وهي من زاد الصالحين يدعون الله بها إذا ضاقت الأمور ولا فارج لها إلا الله ، كما ورد في الحديث الشريف عن النفر الثلاثة الذين دخلوا الغار، فانحدرت عليهم صخرة وسدت باب الغار، فقالوا : لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم .
فالدعاء كلم طيب، والعمل الصالح يرفعه ..
كانت خبيئة الأول سهر ليلة في برّ الوالدين
وكانت خبيئة الثاني تركه لكبيرة الزنا وهو قادر عليها
أما خبيئة الثالث فكانت حفظ الأمانة مع طول العهد ..
وكان شرط دعائهم : الله إن فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنّا ما نحن فيه . فقد توسل هؤلاء إلى الله تعالى بخبايا أعمالهم .
ولاحظ العلماء أن خبيئات هؤلاء كانت في باب الأخلاق والمعاملات، وذلك لأن المعاملات والأخلاق هي ثمار العقائد والعبادات ، والمرء في العادة يخبئ النفيس الثمين من ثمار عمله وكده.
الخبيئة من العمل الصالح لها كل هذه القيمة عند الله تعالى ...
لأنها دليل صدق الإيمان وإخلاص النية ، فهي محجوبة وممنوعة عن المنافقين والمرائين.
لأنها تعظيم لرب الناس لا تعظيم للناس .
لأنها تنشر في الناس الثقة بالله تعالى، وتزيد في بركة أعمال الخير بين الناس ،
لأنها تحفظ للإنسان مروءته وكرامته، تلك المقاصد النبيلة للشريعة الغراء .

الخبيئة هي زورق النجاة إذا ما هبت العواصف ..
الخبيئة هي العمل الصالح الذي يرفع الكلم الطيب فيرفع الله البلاء ..
الخبيئة هي قرشك الحلال الأبيض المدخر عند الله تعالى ليومك الأسود ..
الخبيئة هي السر الذي بينك وبين الله ..
فهلا اتخذت عند الله خبيئة ترفع لك دعاءك وتفتح لك أبواب الإجابة !!!!

الحماية الشــــاملة .. من الحرب الشـــاملة ..

الحماية الشــــاملة .. من الحرب الشـــاملة ..   

منذ البداية أعلن الشيطان على عباد الرحمن حربا شاملة ،
 في معركة متواصلة ، يستبيح فيها كل الأسلحة..
 وصرّح دون مواربة أو تورية ما أبلغه الله تعالى لعباده في كتابه العزيز :
{ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)  ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)  } [ الأعراف ]

هذه الحرب الشاملة استوجبت عند أهل الإيمان حماية شاملة دائمة ، فنقرأ في مأثور الدعاء عن الرسول_ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _ أدعية التأمين الشامل والحماية الشاملة والوقاية العامة، أو الهداية الشاملة في مواجهة جحافل شياطين الإنس والجن ، مثل قوله :
 ( اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، واجعل لي نورا ).
ومن دعائه عليه الصلاة والسلام :
(اللهم احفظني من بين يدي و من خلفي, و عن يميني و عن شمالي و من فوقى , وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ) .
وورد عنه صلوات الله عليه :
( اللهم احفظني بالإسلام قائما, واحفظني بالإسلام قاعدا, واحفظني بالإسلام راقدا , ولا تشمت بي عدوا حاسدا ) .

تلك وغيرها أدعية نستطيع أن نطلق عليها أدعية الحماية الشاملة والوقاية الدائمة .
ولكن كيف مارسها الصالحون من قبلنا ، وكيف فهموها عمليا ؟؟  
الأحنف بن قيس هو أحد التابعين الصالحين، أعمل قانون الحماية الشاملة في النزاع أو الصراع مع الإخوان ، فوضع قاعدة :  
" ما نازعني أحد إلا أخذت أمري بأمور:
 إن كان فوقي عرفتُ له قدره،
وإن كان دوني رفعت قدري عنه،
وإن كان مثلي تفضلت عليه " .

ومن النماذج الفريدة في تطبيق هذه الحماية الشاملة ، ما جاء في التواضع :
قال رجل لبكر بن عبد الله: علمني التواضع.
قال : إذا رأيت من هو اكبر منك فقل: هذا سبقني إلى الإسلام والعمل الصالح فهو خير مني، وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل: سبقته إلى الذنوب والمعاصي فهو خير مني،
وإذا رأيت إخوانك يكرمونك ويعظمونك فقل: هذا فضل أخذوا به،
وإذا رأيت منهم تقصيرا فقل هذا ذنب أحدثته " .

وآخرون طبقوها على العلم : 
قال ابن مهدي ـ رحمه الله ـ: كان الرجل من أهل العلم إذا لقي من هو فوقه في فهو في يوم غنيمته؛ سأله وتعلم منه،
وإذا لقي من هو دونه في العلم، علّمه وتواضع له،
وإذا لقي من هو مثله في العلم ذاكره ودارسه “.

الفهم العميق ، هو حسن التطبيق ..
فما فائدة النور إذا لم يهد حامله إلى الطريق ..
ربنا أتمم لنا نورنا وأدخلنا برحتك في الصالحين .

الحصـــون الخمســــة ....

 

عندما يريد لصا أن يسرق شجرة ، يسرق ثمارها ، فإن لم يكن لها ثمار سرق أغصانها ، فإن لم يكن لها أغصان ، سرق فروعها ، فإن لم يكن لها فروع سرق جذوعها ، فإن لم يجد قلع جذورها ..
ومثله الشيطان عندما يهاجم قلاع الإيمان في النفوس والمجتمعات ..

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(   تنقض عرى الإسلام عروة عروة، فكلما نقضت عروة تشبث النَّاس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم بما أنزل الله وآخرهن الصلاة  )  
 وفي الحديث الآخر:
 ( أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخره الصلاة ) .
وأول ما يرفع من الصلاة الخشوع ..

نفهم من هذا أن الثمار أول ما يرفع ، فإذا ما سقط حصن هجم الشيطان على الحصن التالي ، ومن جميل ما قال الإمام  الحجاوي ـ رحمه الله ـ :
"  مثل الإيمان كمثل بلدة لها خمس حصون : الأول من ذهب ، والثاني من فضة ، والثالث من حديد ، والرابع من آجر، والخامس من لَبِن  . 
فما زال أهل الحصن متعاهدين حصن اللَّبِن لا يطمع العدو في الثاني ، فإذا أهملوا ذلك طمعوا في الحصن الثاني ثمَّ الثالث، حتى تخرب الحصون كلها .
فكذلك الإيمان في خمس حصون: اليقين، ثم الإخلاص ، ثمّ أداء الفرائض ، ثم السنن، ثم حفظ الآداب ، فما دام المؤمن يحفظ الآداب ويتعاهدها فالشيطان لا يطمع فيه، وإذا ترك الآداب طمع الشيطان في السنن ، ثمّ في الفرائض ، ثم في الإخلاص ثم في اليقين .     

الســـــــائحون و الســــــــائحات


لا تخلو الدعاية السياحية لبلد ما من صور النساء الفاتنات والأطعمة الشهيات ..
فما بالكم بسياحة تدعو للامتناع عن الطعام والنساء ..
تلك سياحة مختلفة ...
قال الله تعالى يعدد  صفات عباده الصالحين :
{ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِالْمُؤْمِنِينَ } (التوبة )
وقال مخاطبا نساء النبي   :
{َعسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًاِ }  [ التحريم : 5 ]
 قال بن جرير في تفسيره: أما قوله السائحون فإنهم الصائمون ..
وقالت عائشة ـ سياحة هذه الأمة الصيام .
وفي الحديث عن الرسول _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أنه قال:
( سياحة أمتي الصوم, ورهبانيتهم الجهاد ) .
وقال الفراء: سُمِّي الصائم سائحاً لأن السائح لا زاد معه.
وقال سفيان بن عيينة:
" إنما قيل للصائم سائح لأنه يترك اللذات كلها من المطعم والمشرب والمنكح " .  
وقال النقاش:
" هم سائحون لأنهم يجولون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته، وما خلق من العبر والعلامات الدالة على توحيده وتعظيمه " .
هم السائحون بنفوسهم الزكية وأرواحهم الطاهرة في ملكوت الله في الدنيا، فسفر الروح يجمع القلب على الإيمان، وسفر الجسد يشتت القلب في زينة الحياة الدنيا ومباهجها.
تصوم أجسادهم في الدنيا لتفطر نفوسهم في الجنّة ..
قال رسول الله _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _:
( إن في الجنة لغرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام) إسناده حسن رواه ابن خزيمة في صحيحه .

قال مجاهد { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَة } نزلت في الصائمين .

وفي الحديث عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _ يقول :
 ( إن الجنة لتبخر وتزين  من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريحٌ من تحت العرش، يقال لها : المثيرة ، فتصفق أوراق أشجار الجنان، وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه، فتبرز الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة، فينادين : هل من خاطب إلى الله فيزوجه؟  ثم يقلن الحور العين:  يا رضوان الجنة ما هذه الليلة؟ فيجبهن : هذه أول ليلة من شهر رمضان ، فتحت أبواب الجنة على الصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم )  رواه البهيقي ورواه الإمام أحمد.

يقول ابن رجب عن بعض السلف قال : " بلغنا أنه يوضع للصوام مائدة يأكلون عليها والناس في الحساب، فيقولون: يا رب نحن نحاسب وهم يأكلون، فيقال:  إنهم طالما صاموا وأفطرتم وقاموا ونمتم .

لكم سياحتكم ولنا سياحتنا.......
سياحتكم دنيوية دليلها الشهوة والمتعة، سياحتنا ربانية دليلها السمو والرفعة
سياحتكم النساء والشراب والطعام، وسياحتنا الصيام ، والقيام والاعتكاف . 
فلكم دينكم ولنا دين ..