‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأبرار والأخيار. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأبرار والأخيار. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 25 فبراير 2013

تشــبّه بالكــرام

تشــبّه بالكــرام
      
الرسول r يقول : " من تشبه بقوم فهو منهم " ، لأن الإنسان يتشبه بمن يحب ، فيطلب رضاء المحبوب بالتشبه به ، ويحشر المرء مع من أحب ، ولو صام وقام بين الحِجر والمقام .
ابن خلدون كان يقول : المغلوب مولع بتقليد الغالب ، فالأمة المهزومة تميل إلى التشبه بالأمة الغالبة في أحوالها ، فشباب العرب بعد حرب الخليج وحرب العراق ظنّوا أن سبب غلبة الأمريكان قَصةُ شعر جنود المارينز فأخذوا يقلدونها .
والشاعر يقول :
تشبّه بالكرام إنْ لم تكن منهم        فإن التشبهَ بالكرام جميلُلأن التشبه بالكرام يجعلك منهم ، ألم تسمع بقول الرسول من تشبه بقوم فهو منهم ؟!

   المهتدي بالله أحد الخلفاء بني عباس المتأخرين ، ولي الخلافة عام 255هـ وخلع عنها بعد سنة ، كان من أحسن الخلفاء العباسيين مذهبا وأجملهم طريقة ، وأظهرهم ورعا وأكثرهم عبادة ، وكان ممن طرح الملاهي من بيت الخلافة ، وحرّم مجالس الغناء والشراب ، يحكي عنه أبو العباس بن القاسم هذه الواقعة ، فيقول( تاريخ بغداد 3/ 350)  :
" .. كنت بحضرة المهتدي عشية من العشايا ، فلما كادت الشمس تغرب ، وَثَبْتُ لأنصرف ، وكان ذلك في شهر رمضان ، فقال لي : اجلس .
فجلست ، ثمّ إن الشمس غابت ، وأذن المؤذن لصلاة المغرب ، فتقدم المهتدي فصلّى بنا ، ثم دعا بطعام فأُحضر طبق وعليه رُغف من الخبز النقيّ وفيه آنية ، في بعضها ملح ، وفي بعضها خل ، وفي بعضها زيت ، فدعاني إلى الطعام ، فابتدأت آكل معذرا ، ظانّاً أنه سيُؤتى بطعام له نيقة وفيه سعة ، فنظر   إليّ ، وقال:
ـ ألم تكُ صائما ؟
قلت : بلى .
قال : ألست عازماً على الصوم غداً ؟
قلت : كيف لا ،  وهو شهر رمضان .
فقال : كُلْ واستوفِ غداءك ، فليس هاهنا طعام غير ما ترى .
فتعجبت من قوله ، ثم قلت  والله لأخاطبنَّهُ في هذا المعنى ، فقلت :
ـ ولمَ يا أمير المؤمنين ، وقد أسبغ الله نعمه وبسط رزقه ، وكثر الخير من فضله ؟
فقال : إن الأمر على ما وصفت فالحمد لله ، ولكني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز ، وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك ، فغرت على بني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله ، فأخذت نفسي بما رأيت .

في هذا الشهر الفضيل هل من يتشبّه بالحسين بن علي t ؟
جاء في (الجواهر المجموعة : 771 ) أن امرأة الحسين بن علي بعثت إليه : إنّا صنعنا لك من الطعام طيِّباً ، وصنعنا لك طِيْباً ، فانظرْ أكفاءك فأتنا بهم .
فدخل الحسين المسجد فجمع المساكين ، وانطلق بهم إليها ، ولما دخل عليها قال : أعزم عليك بما كان لي عليكَ من الحقْ أن لا تدخري طعاماً ولا طِيْباً . ففعلت ، فأطعمهم ، وكساهم ، وطيَّبهم .

الأحد، 24 فبراير 2013

أويــس القـــرني

أويــس القـــرني

مات الأب ، فجاء الحكيم معزِّيـاً  :
ـ يا بني ، لقد مات مَنْ كان يُكرمك الناس مِن أجله ، فأصلح أمرك مع الناس  ليكرمك الناس  .
وماتت الأم ، فجاء الحكيم ناصحـاً :
ـ  يا بني ، لقد ماتت مَنْ كانت تُكرمكَ الملائكة من أجلها ، فأصلح أمرك مع الله لتكرمك الملائكة .
ومات لأحد الصالحين ولد له ، فشوهد قليل الحزن عليه ، وبعد حين ماتت أمه فشوهد شديد الحزن كثير الجزع عليها ، فقيل له في ذلك فقال :
ـ حزني على ابني من أجله ، وحزني على أمي من  أجلي ، فقد انقطع بموتها أيسر سُبُلي إلى الجنة .
وهذا أويس القرني ، أدرك حياة النبي r و أسلم دون أن يراه .
 يبرُّ أمه ، فيرفع الله تعالى درجته فيصير مُستجاب الدعوة ، ويعرف بخبره عمر بن الخطاب المُبَشر بالجنة ، الذي عزّ الإسلام به ، والذي كان ينظر بنور الله ، مقيم العدل في الأرض ، قاهر الفرس والروم ، فينتظره عاما بعد عام ، ليطلب منه أن يستغفر له ،  لأنه رفيع الدرجة عند الله ، كما رفع درجة أكرم خلقه النبي r  أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، وهذا عمر يطلب من أويس أن يستغفر له .
الأبرار يعرفون الأبرار فيطلبونهم ، ويعرفون لهم قدرهم ، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا صاحب فضل .
تحدث الرسول r عن أويس القرني دون أن يراه ، فقال : إنه من أهل اليمن ، وإنه من بلدة قرن ، ومن قبيلة مراد ، مات أبوه وهو يعيش مع أمه وهو بارٌّ بها ، مرض بالبرص فدعا الله تعالى فشفاه ، وبقي من آثاره مثل الدرهم في ذراعيه ، وإنه لسيد التابعين ، ثم قال لعمر بن الخطاب : " إن استطعت أن يستغفر لك فافعل " . فكان عمر حين أصبح أميرا للمؤمنين يسأل حجاج بيت الله الحرام في مواسم الحج : أمنكم أويس القرني؟ فيقولون : لا . فيقول : كيف تركتموه ؟ فيقولون ـ دون أن يعرفوه ـ : تركناه قليل المتاع ، رثَّ الثياب . فيقول لهم : ويحكم لقد حدّث عنه رسول الله : إن استطعتم أن يستغفر لكم فافعلوا . وكان عمر في كل عام ينتظر أويسا .
وتصادف مرّة أن جاء مع حجاج اليمن ، فلقيه عمر ، فأراد أن يستوثق منه . فسأله : ما اسمك؟ قال : أويس . قال : من أي بلاد اليمن ؟ قال : من قرن . قال : من أي قبيلة منها ؟ قال : من مراد . قال : كيف أبوك ؟ قال : أما أبي فقد مات ولي أم تعيش معي ، قال : وكيف حال أمك ؟ قال أويس : أرجو أن أكون بها بارّا . قال عمر : هل مرضتَ قبل ذلك ؟ قال : نعم ، مرضت بالبرص فدعوت الله فشفاني . قال : هل بقي من أثره من شيء ؟ قال : نعم ، في ذراعي مثل الدرهم . وكشف له عن ذراعه ، فلما رأى عمر ذلك اعتنقه ، وقال : أنت الذي حدّث عنك رسول الله r فاستغفر لي . فقال : أنا أستغفر لك يا أمير المؤمنين ؟! قال : نعم . وما زال عمر يلح عليه حتى استغفر له . ثم سأل عمر اويسا عن وجهته بعد موسم الحج ، فقال : إني ذاهب إلى أهل من مراد في العراق . قال عمر : أكتب إلى والي العراق عنك . قال : أقسمت عليك يا أمير المؤمنين ، ألا تفعل ، دعني أسير في غبراء الناس لا يؤبه لي . ( حكايات الصالحين : 219)
وروى أبو نعيم في الحلية ، عن الرسول r : " يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومُضر " .

الاثنين، 27 أغسطس 2012

الإمام يتعلم درسا من لص

  
إنه لأمر عجيب أن ترى بعض أهل الضلال يثبتون على ضلالتهم ويدافعون عن ضلالتهم بكل حزم وإصرار ، ويتحملون في سبيل ضلالتهم المشقات والصعاب ، وينشغلون في تنميتها وتمكينها ، ولا أمل في الجنة ، وفي ذات الوقت ترى أهل الحقّ يتخلون عنه عند أول صدمة ، ويتنصلون منه عند أول ابتلاء ، وهم يطلبون الجنّة ، لاحظ ذلك الخليفة الفاروق عمر ، فكان يستعيذ منه :
اللهم إني أعوذ بك من جَلد الفاجر ، وعجز الثقة .
ولله درّ تلك النفس الأبية التي وجدت في تلك الظاهرة زلزالا يزلزلها :
يكادُ يزلزلُ في همتي    سدورُ الأمينِ وعزم المريب
والله إنها لإحدى الكبر أن ترى طالب الدنيا الفانية يجد ويجتهد ، ويواظب ويواصل ، ويستدرك ويصبر ، وترى طالب الآخرة الباقية متكاسلا متماوتا ، لا يتم عملا ، ولا يصبر على عنائه ، ينام على فراش الأمل الكاذب ، يتوسد التسويف ويتدثر بالآمال الكاذبة ، فيحتفل بأضغاث الأحلام ، حتى إذا استيقظ على كارثة أو هزيمة راح يتمغط كسلا ، وجلس يتثاءب بملء شدقيه ، ويدعو بالنصر والتمكين ، ويسأل الله تعالى جنة عرضها السموات والأرض .
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : كنت كثيرا أسمع والدي يقول : رحم الله أبا الهيثم . غفر الله لأبي الهيثم . عفا الله عن أبي الهيثم .
فقلت : يا أبتِ من أبو الهيثم ؟ فقال : لما أخرجت للسياط ومدت يداي ، إذا أنا بشاب يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي : تعرفني ؟ قلت : لا . قال : أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار ! مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق ، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا ، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدِّين .

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

عندما زلَّ أبو بكر ..!!

يقول الله تعالى في حق الأنصار والمهاجرين :
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]
الأمة الإسلامية الأولى التي تكونت من الأنصار والمهاجرين هي خير أمة عرفتها البشرية، تلك الأمة التي حولت يثرب إلى المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة عبر التاريخ ، ومن مظاهر خيريتها وكمالها تلك الأخلاق السامية التي كان يحملها أفرادها ، ومن تلك الأخلاق التي نحن بأشد الحاجة إليها اليوم هي معرفة الفضل لأهل الفضل ، وقد روى  أنس ـ رضي اللّه ـ  عنه عن الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  قوله : "إِنَّمَا يَعْرِفُ الْفَضْلَ لأَهْلِ الْفَضْلِ أَهْلُ الْفَضْلِ"  ، وتلك مسألة بالغة الأهمية .
فلا يعرف قدر العالم إلا عالم مثله.
ولا يعرف قدر الطبيب البارع غير طبيب مثله.
ولا يحترم الكريم إلا كريم مثله .
ولا يعرف قدر أبي بكر غير صحابي مثل ربيعة .
وهذه قصة عن معرفة الفضل لأهله حفظتها لنا كتب السنة، أما أطراف القصة فصحابيين فاضلين أولهما : الصديق أبو بكر رضي الله عنه ، أفضل رجل بعد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، الخليفة الراشد الأول رضي الله عنه ، والثاني خادم رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ   الذي سأله مرافقته في الجنة فقال له النبي : (فأعني على نفسك بكثرة السجود ) ، فقال إذن أفعل ، إنه الصحابي  ريبعة بن كعب الأسلمية ـ رضي الله عنه ـ  .
 روى الإمام الحاكم في مستدركه، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه: عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه، قوله:
" أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضاً، وأعطى أبا بكر أرضاً، فاختلفنا في عذق نخلة، ـ قال وجاءت الدنيا ـ فقال أبو بكر : هذه في حدي . فقلت:  لا بل هي في حدي: قال فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها،  وندم عليها . قال فقال لي :  يا ربيعة،  قل لي مثل ما قلت لك حتى تكون قصاصا . قال  فقلت :  لا والله ، ما أنا بقائل لك إلا خيرا . قال: والله لتقولن لي كما قلت لك حتى تكون قصاصا ، وإلا استعديت عليك برسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  .  قال، فقلت: لا، والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا.  قال: فرفض أبو بكر الأرض، وأتى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وجعلت أتلوه، فقال أناس من أسلم: يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال،  ويستعدي عليك . قال فقلت: أتدرون من هذا ؟! هذا أبو بكر، هذا ثاني اثنين،  هذا ذو شيبة المسلمين ، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب،  فيأتي رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  فيغضب لغضبه ، فيغضب الله لغضبهما ، فيهلك ربيعة .
قال : فرجعوا عني، وانطلقت أتلوه ، حتى أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقص عليه الذي كان ، قال فقال  رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :  يا ربيعة ما لك والصديق ؟ قال فقلت مثل ما قال كان كذا وكذا،  فقال لي :  قل مثل ما قال لك .  فأبيت أن أقول له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجل ،  فلا تقل له مثل ما قال لك ،  ولكن قل يغفر الله لك يا أبا بكر ،  قال فولَّى أبو بكر الصديق  ـ رضي الله عنه  ـ وهو يبكي "  .

درس في تدبر القرآن !!

 
في سلسلة الحرب النفسية التي اخترعها الجيش اليهودي في تدمير غزة ، وتدمير معنويات أهلها في العدوان الأخير ، صار يتصل هاتفيا بصاحب البيت وينذره أن البيت سيقصف قريبا، لو فرضنا أن لحظة الاتصال كانت على البث المباشر ، وحضرها أهل البيت، وضيف، وصحفي ، ومصور ، ومشاهد من الضفة ، فكيف يتصرف كل واحد تلقى هذا البلاغ ؟
سينفعل الأب ويحتج ويصرخ ، ثم سيخرج أهله وما خف حمله من البيت على وجه السرعة .
سيعتذر الضيف، ويعود إلى بيته خفيفا مسرعا، وقد يعرض على صديقه المأوى .
سينشغل الصحفي بتدوين ردات الفعل، ويحاول تسجيل حوار مع الأب والأولاد .
سيلتقط المصور صورة الهلع التي دبت في البيت ، ويخرج إلى مرتفع ليلتقط لحظة التدمير .
سيواصل المشاهد الجلوس أمام التلفاز ليتابع الحدث. 
 أترك لخيالك أخي القارئ بقية التفاصيل ، لأعود بك إلى كيفية التعامل مع القرآن الكريم ، وهو بلاغ للناس لينذروا به من خلال مثالين ، الأول مع الشاعر محمد إقبال والثاني مع أبي حنيفة النعمان .   
محمد إقبال (1877 ـ 1938) ـ رحمه الله ـ شاعروفيلسوف وسياسي مسلم هندي ، يوم كانت الباكستان جزءا من الهند ، ولد في البنجاب و هو صاحب الأبيات الرائعة :   
إذا الإيــمان ضاع فلا أمان
ومن رضي الحياة بغير دين
تـساندت الكواكب فاستقرت
وفـــي التـوحيد للـهمِّ اتحاد

و لا دنيا لــمن لم يحي دينا
فقد جعــــل الفناء لها قرينـا
ولولا الجـــــاذبيــة ما بقينا
ولن تــــبنـوا العلا متفرقينا
طاف العالم يدعو إلى الإسلام ، وحضر المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس عام 1930 وممن أقواله في كلمة الافتتاح :
 " على كل مسلم عندما يولد ، ويسمع كلمة لا إله إلا الله ، أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ الأقصى".
كان أبوه رجلا صالحا علمه القرآن صغيرا ، ذات يوم رأى الأب ابنه يقرأ القرآن كما يقرأ الرجل الجريدة ، وحرص أبوه أن تكون قراءة ابنه للقرآن قراءة وعي وتدبر وفهم تؤدي إلى العمل به والاهتداء بهدية،  فقال له : "يا بني اقرأ القرآن كأنه نزل عليك"، ويقول إقبال تعقيبًا علي هذه الوصية العظيمة بقوله" : ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن، وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست ومن بحره ما نظمت " .
وعرف عن إقبال أنه كان طوال أيام عمره له جلسة مع القرآن قلما يتركها ، فكان  يقرأ القرآن بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس ،  ولا يختم المصحف ـ كما قالوا عنه ـ حتى يبله بالدموع .
يروى أن الإمام أحمد بن حنبل.. بلغه أن أحد تلامذته يقوم الليل كل ليلة ويختم القرآن الكريم كاملا حتى الفجر... ثم بعدها يصلى الفجر فأراد الإمام أن يعلمه كيفية تدبر القرآن فأتى إليه وقال: بلغني عنك أنك تفعل كذا وكذا ..
فقال: نعم يا إمام .  
قال له : إذن اذهب اليوم وقم الليل كما كنت تفعل ولكن اقرأ القرآن وكأنك تقرأه عليًّ .. أي كأنني أراقب قراءتك... ثم أبلغني غدا فأتى إليه التلميذ في اليوم التالي وسأله الإمام فأجاب: لم أقرأ سوى عشرة أجزاء فقال له الإمام: إذن اذهب اليوم واقرأ القرآن وكأنك تقرأه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ثم جاء إلى الإمام في اليوم التالي وقال: يا إمام.. لم أكمل حتى جزء عم كاملا فقال له الإمام: إذن اذهب اليوم.. وكأنك تقرأ القرآن الكريم على الله عز وجل فدهش التلميذ... ثم ذهب في اليوم التالي... جاء التلميذ دامعا عليه آثار السهد الشديد فسأله الإمام: كيف فعلت يا ولدى ؟
فأجاب التلميذ باكيا: يا إمام... والله لم أكمل الفاتحة طوال الليل .

الجمعة، 27 يوليو 2012

عيد العلماء عند فساد الزمان .. !!


يقول الشيخ الطحان: ذكر لي بعض إخواننا عن شيخنا الصالح عبد الرحمن زين العابدين قصة عن شيخ الإسلام الشيخ مصطفى صبري، عليه رحمة الله (توفي سنة 1373هـ)، وكان شيخ الإسلام والمسلمين في آخر خلافة إسلامية انقضت، وهاجر من تركيا بعد سيطرة الكماليين عليها.هاجر إلى بلاد الشام ثم إلى مصـر وعاش غريبًا فريدًا حتى لقي ربه.
وعندما كان في بيروت جاءه بعض أصحابه ليسأله، وهو في الحقيقة يريد أن يعطيه، فجاءه في ليلة عيد الفطر ،وقال: تعلم أنني صاحب مكانة ووجاهة ، وجئت إلى هنا مهاجرًا، وسيدخل علي العيد ، وليس عندي شيء، فأريد أن تعطيني خمس ليرات ذهبية لأتوسع بها في يوم العيد ، وأصون وجهي أمام الناس.
يقول هذا الشخص: نظرت إلى الشيخ وقد احمرَّ وجهه،  وبدأت الدموع تسيل من عينيه كالمطر وهو يلتوي كالحية.
فقلت: أخبرني ماذا عندك، لم تفعل هكذا؟
فقال: يفرج الله. قلت: علمت حالك.
فقال الشيخ: سترنا الله في الدنيا، ونسأله أن يسترنا في الآخرة؛ والله ما عندي شيء أتعشاه في هذه الليلة فضلًا عن شيء أفطر به يوم العيد.
فقال: ما جئت لأسألك؛ أنا عندي عشر ليرات ذهبية ،وعلمت أنه سيدخل عليك العيد وهذا حالك بقرائن الأحوال، أتابعك من أيام.. وهذه خمس ليرات، نقسم العشـرة بيني وبينك.
فقال الشيخ: لا آخذها.
قلت: ولله إن لم تأخذها قتلت نفسـي ، وأخرج مسدسًا ووضعه على جبينه، أنت شيخ الإسلام ويدخل عليك العيد، وما عندك طعام تأكله؟!
يقول: حتى أخذها. وقلت له ليسهل عليه الأخذ: هي قرض ليست هدية؛ فإذا أيسـرت تُردّ، وإلا فالله يسامحك".

الاثنين، 23 يوليو 2012

لا تنسَ فضل الله ..









تأمل قول الله تعالى : }إمَّا شاكراً وإمَّا كفوراً  {ولم يقل: ( إما شاكراً وإما كافراً )، أو لم يقل: ( إما شكوراً وإما كفوراً  ) ؟! الأصل أن الله عز وجل أرادنا أن نكون: إما شكوراً، أي كثيري الشكر، لكن الواقع أيضاً أسفر عن أن هذا الإنسان حينما يشكر يشكر قليلاً، ولكن حينما يكفر يكفر كثيراً، ولذلك قال الله في آية أخرى: }  وقليلٌ مِنْ عِبَادِيَ الَّشكور { .
  إن الإنسان الشاكر قليل، بينما الإنسان الكفور كثير، والإنسان الشاكر هو قليل من حيث العدد ، ومن حيث النوعية أيضاً. فنحن بحسب الظاهر نشكر الله، ولكن هذا الشكر حتى من حيث النوعية قليل وضعيف، ومن حيث العدد أيضاً قليل وضعيف. فأنت في الغالب لا تستحضر نعمة ربك عليك، بل بالعكس أنت تستحضر ما منعه الله عنك.
النبي دانيال من أنبياء بني إسرائيل  ، كان ممن تم أسرهم ونقلهم إلى العراق إبان السبي البابلي لبيت المقدس وتدميرها على زمن نبوخذ نصـر.كان البابليون يبقون عليه حيّا لأنهم كان يتمطرون به، إذ أنه كلما أخرجوا جسده للعراء تمطر السماء ، فكانوا يعتبرونها علامه مقدسة شريفة بينهم.عندما تم أسر دانيال ونقله إلى بلاد مابين النهرين في بابل هو ورجال بني إسرائيل كان الغرض من ذلك التسلية بهم اذ كان البابليين يحفرون حفرا كبيره،  و يضعون فيها رجلا من بني إسرائيل ، و يطلقون عليه اسدين - نمرين - ليأكلانه . وكانت هذه عادة البابليين بالتسلية . وهذا ما لم يحدث مع دانيال إذ أنهم عندما وضعوه في الحفرة و أطلقوا عليه الأسود قام الأسدان باللعب معه و التمسح به، و كأنما يطلبان العفو منه . وعندما حاول البابليون اعادة الكرة حدث نفس الأمر فعلموا أن هذا الرجل مبارك ، وأنه نبي و أكرموه و قدسوه
قال علماء تلك القرية فنقش دانيال صورته وصورة الأسدين يلحسانه في فص خاتمة، كي يذكرها ليل نهار ، ولكي  لا ينسى نعمة الله عليه في ذلك .

الأحد، 15 يوليو 2012

أصل العدل منع الحاكم



   

خرج سيدنا عمر بن الخطاب حين كان أميراً للمؤمنين إلى السوق يوما كعادته لتفقد أحوال رعيته فرأى إبلاً سماناً تمتاز عن بقية الإبل بنموها وامتلائها. فسأل : إبل من هذه ؟قالوا: إبل عبد الله بن عمر يا أمير المؤمنين.

فانتفض سيدنا عمر كأنه لدغُ من حية ، وقال: أرسلوا في طلب عبد الله بن عمر.

فلما جاءه عبد الله سأله : لمن هذه الإبل يا عبد الله ؟

فأجاب عبد الله : إنها إبلي اشتريتها بمالى ، وأرسلتها إلى المرعى لترعى لأتجر فيها كما يتجر المسلمون. رد سيدنا عمر فى تهكم شديد: ويقول الناس حين يرونها ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين ، تسمن إبلك ويزيد ربحك يا ابن أمير المؤمنين!!

ثم قال له : يا عبد الله ، خذ رأس مالك الذى دفعته فى هذه الإبل ، واجعل الربح فى بيت مال المسلمين .

وذكر صاحب العقد الفريد أن عمر بلغه أن أموال عامله على مصـر (عمرو بن العاص) قد كثرت، وكان عمر يُرسل الجواسيس على الولاة للتأكد من أدائهم ضمن جهاز مؤسسـي مُحكَم فكتب إليه: (بلغني أنه قد فشت لك فاشيه من إبل وبقر وغنم وخيل وعبيد، وظهر لك من المال ما لم يكن في رزقك، ولا كان لك  مال قبل أن استعملك فمن أين لك هذا !! وقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك فاكتب لي وعَجِّل)
فكتب إليه عمرو:
(فهمت كتاب أمير المؤمنين.. وأما ما ظهر لي من مال، فإنّا قدمنا بلاداً رخيصة الأسعار كثيرة الغزو، فجعلنا ما أصابنا من الفضول فيها، والله لو كانت خيانتك حلالاً ما خنتك وقد ائتمنتني، فإن لنا أحساباً إذا رجعنا إليها أغنتنا، والله يا أمير المؤمنين ما دققت لك باباً، ولا فتحت لك قفلاً ).
فكتب إليه عمر:
(إني لست من تسطيرك الكتاب وتشقيقك الكلام في شيء، ولكنكم معشـر الأمراء قعدتم على عيون الأموال، ولن تقدموا عذراً، وإنما تأكلون النار وتتعجّلون العار، وقد وجَّهت إليك محمد بن مسلمه فسلِّم إليه شطر مالك).
فعل هذا عمر -رضي الله عنه- مع العديد من ولاته  الذين اشتغلوا في التجارة ؛ لأن ذلك مظنَّة محاباة الناس لهم ، أما من يعلم منه اختلاساً فله شأن آخر !