‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأبرار والأخيار. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الأبرار والأخيار. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 4 مارس 2013

قصة أبي قلابـة الجـرمي

 
جاء في كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي ( ج 4/ص 474 ) : قال عبد الله بن محمد : " خرجت إلى ساحل البحر مرابطا ، فلمّا انتهيت إلى الساحل إذا أنا بخيمة فيها رجل قد ذهب يداه ورجلاه ، وثقُل سمعه وبصره ، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه ، وهو يقول : اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ ، وفضلّتني على كثير ممن خلقت تفضيلا ، فقلت والله لأتين هذا الرجل ولأسألنه أنّى له هذا الكلام ، فأتيت الرجل فسلمت عيه فقلت : سمعتك وأنت تقول اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ ، وفضلّتني على كثير ممن خلقت تفضيلا ، فأيُّ نِعَمٍ من نِعَمِ الله عليك تحمده عليها ؟ وأي فضيلة تفضَّل بها عليك تشكره عليها ؟! قال : أوما ترى ما صنع ربي !! والله لو أرسل السماء عليّ نارا فأحرقتني ، وأمر الجبال فدمَّرتني ، وأمر البحار فغرّقتني ، وأمر الأرض فبلعتني ، ما ازددت لربي إلا شكرا ، لما أنعم عليّ من لساني هذا ، ولكن يا عبد الله إذ أتيتني فإني لي إليك حاجة ، قد تراني على أي حالة أنا ، أنا لست أقدر لنفسي على ضرٍّ ولا نفع ، ولقد كان معي ابن لي يتعهدني في وقت صلاتي فيوضيني ، وإذا جعت أطعمني ، وإذا عطشت سقاني ، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام ، فتحسسه لي رحمك الله .
فقلت : والله ما مشى خلقٌ في حاجة خلقٍ كان عند الله أعظم أجرا ممن يمشي في حاجة مثلك . فمضيت في طلب الغلام ، فلما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل ، فإذا أنا بغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه ، فاسترجعت وقلت : بأي شيء أخبر صاحبنا ؟ فبينما أنا مقبل نحوه إذ خطر على بالي ذكر أيوب النبي عليه السلام ، فردّ علي السلام فقال : ألست بصاحبي . قلت : بلى . قال : ما فعلت في حاجتي ؟ قلت : أنت أكرم على الله أم أيوب النبي ؟ قال : بل أيوب النبي . قلت : هل علمت ما صنع به ربه ، أليس قد ابتلاه ربه بماله وأهله وولده ؟ . قال :بلى . قلت : فكيف وجده ربه ؟  قال : وجده صابرا شاكرا حامدا ، أوجز رحمك الله . قلت : لم يرض منه بذلك حتى أوحشه من أقربائه وأحبائه؟ قال : نعم . فقلت : فكيف وجده ربه ؟ قال : وجده صابرا شاكرا حامدا . قلت : فلم يرض منه بذلك حتى صيّره عرضا لمارِّ الطريق ، هل علمت ذلك ؟ قال : نعم : فقلت : فكيف وجده ربه ؟ قال : صابرا شاكرا حامدا ، أوجز رحمك الله . قلت له : إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كثبان الرمل ، وقد افترسه سبع فأكل لحمه ، فأعظم الله لك الأجر ، وألهمك الصبر . فقال المُبتلى : الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقا يعصيه فيعذبه بالنار ، ثمّ استرجع وشهق شهقة فمات .
فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، عظمت مصيبتي في رجل مثل هذا ، إن تركته أكلته السباع ، وإن قعدت لم أقدر على ضرٍّ ولا نفع ، فسجيته بشملة كانت عليه ، وقعدت عند رأسه باكيا ، فبينما أنا قاعد إذ جاء أربعة رجال ، فقالوا : يا عبد الله ما حالك ؟ وما قصتك ؟ فقصصت عليهم قصتي وقصته ، فقالوا لي اكشف لنا عن وجهه ، فعسى أن نعرفه . فكشفت عن وجهه ، فانكب القوم عليه يقبلونه ، ويقولون : بأبي عين طالما غضت عن محارم الله ، بأبي جسم طالما سجد لله والناس نيام . فقلت : من هذا يرحمكم الله ؟ فقالوا : هذا أبو قلابة الجرمي صاحب ابن عباس ، لقد كان شديد الحب لله وللرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ . فغسلناه وكفناه بأثواب كانت معنا ، وصلينا عليه ودفناه ، فانصرف القوم وانصرفت إلى رباطي ، فلما جنّ الليل وضعت رأسي ، فرأيت فيما يرى النائم في روضة من رياض وعليه حلتان من حلل الجنة ، وهو يتلو الوحي : ﴿ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾ ( الرعد 24 ) . فقلت : ألست بصاحبي ؟ قال : بلى . قلت : أنى لك هذا ؟" قال : إن لله درجات لا تنال إلا بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، مع خشية الله عز وجل في السر والعلانية .   

ماذا تعلمت مني ..؟


نقول في اللغة عَلٍِمَ فهو عالم ، وعلَّم فهو معلِّم ، وشتان ما بين الحالين .
لأنا نسأل عن عَلٍم ماذا ، ونسأل عن تعلّم كيف ، فنقول :  علم المسلم أن الصلاة فرض ، وتعلّم المسلم كيف يصلي ، ونقول : علم الرجل أن العسل شفاء ، ونقول تعلّم الرجل كيف يداوي بالعسل ، وكأن عَلِم فعل معرفي ، وعلّم فعل سلوكي ، فلا يكون المعلّم معلما حتى يؤثر في سلوك من يُعلّم ، فالتعليم هو تغيير الأفكار وتغيير السلوك في آن واحد ، لذا كان من سياسة  المعلمين أن يختبروا طلابهم سلوكيا ليقيسوا مدى الفائدة التي تحققت ، وهذا مثال :
روي عن شفيق البلخي ـ رحمه الله ـ أنه قال لحاتم الأصم :
ـ قد صحبتني مدّة ، فماذا تعلّمت منّي ؟
قال تعلمت منك ثماني مسائل :

أما الأولـى : فإني نظرت إلى الخلق ، فإذا كلّ شخص له محبوب ، فإذا وصل إلى القبر فارق محبوبه ، فجعلت حسناتي محبوبي لتكون معي في القبر .

وأما الثانيـة : فإني نظرت إلى قول الله تعالى : ﴿ ونهى النفس عن الهوىفأجهدتها في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى .

وأما الثالثـة : فإني رأيت كل من معه شيء له قيمة عنده يحفظه ، ثم نظرت في قول الله سبحانه وتعالى : ﴿ ما عندكم ينفذ وما عند الله باق فكلما وقع معي شيء له قيمة ، وجهته إليه ليبقى لي عنده .
وأما الرابعـة : فإني رأيت الناس يرجعون إلى المال والحسب والشرف ، وليست بشيء فنظرت قول الله تعالى : ﴿ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، فعملت في التقوى لأكون عنده كريما .

وأما الخامسـة : فإني رأيت الناس يتحاسدون ، فنظرت في قوله تعالى : ﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم فتركت الحسد _ لأنه اعتراض على قسمة الله _.
 
وأما السادسـة : رأيتهم يتعادون ، فنظرت في قول الله تعالى : ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا فتركت عداوتهم واتخذت الشيطان وحده عدوا .

وأما السابعـة : رأيتهم يذلُّون أنفسهم في طلب الرزق ، فنظرت في قوله تعالى : ﴿ وما من دابَّـة في الأرض إلا على الله رزقها فاشتغلت بما له علي ، وتركت مالي عنده ،  ثقة بوعده .

وأما الثامنـة : رأيتهم متوكلين على تجاراتهم وصنائعهم وصحة أبدانهم ، فتوكلت على الله رب العالمين .

حتى يضع قدمه في الجنة ...!!


إذا عدنا إلى مناهل الفضائل عند الأنبياء والرسل والصالحين لوجدنا أن أهم ما يميزهم في الدعوة إلى الله هو الدعوة في كل المناسبات وفي كل الأوقات ، في اليسر والعسر في الصحة والمرض ، انظر هذه الوقائع وقارن وتحقق :
يقول الله تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام : ﴿  قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) .
 وهذا نبي الله تعالى يوسف عليه السلام حينما زُج به في السجن ظلماً ، واجتمع بالسجناء في السجن، فلم يجلس ليندُّب حظه يأسا ، ولم تشغله هذه الحياة المظلمة عن دعوة التوحيد وتبليغها للناس ومحاربة الشرك وعبادة غير الله والخضوع لأي مخلوق قال تعالى:﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39).
والرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  يخرج مهاجرا خفية إلى المدينة ، وتطارده قريش ولكن ذلك لم يمنعه من دعوة حتى اللصوص إلى الإسلام ، فقد لقي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  في طريقه رجلاً يقال له بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه ، فدعاهم إلى الإسلام فآمنوا وأسلموا ، كان في طريقه ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  بالقرب من المدينة لصان من أسلم يقال لهما المهانان ، فقصدهم ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ، وعرض عليهما الإسلام فأسلما ، ثم سألهما عن أسمائهما فقالا: نحن المهانان ، فقال : بل المكرمان ، وأمرهما أن يقدما عليه المدينة .وفي العصر الحديث هدد المندوب الفرنسي في الجزائر ـ أيام جهادها ـ الشيخ عبد الحميد الجزائري بإغلاق المسجد إذا لم ينقطع عن التدريس ، فأجابه : لا تستطيع ! قال : وكيف ؟  فقال : إذا كنت في عرس علّمت المحتفلين ، وإذا كنت في مأتم وعظت المعزِّين ، وإن جلست في قطار علّمت المسافرين ، وإن دخلت السجن أثرت المسجونين ، وإن قتلتموني ألهبت مشاعر المواطنين ، وخير لكم أن لا تتعرضوا للأمة في دينها ولغتها .
في  8 آب 2005 توفي الداعية الإسلامي الكبير أحمد ديدات ـ رحمه الله ـ ، بعد إصابته بالشلل التام منذ عام 1996 سوى عينيه ودماغه ، خلال سنوات مرضه واصل دعوته ، وكان يتلقى في كل يوم حوالي 500 رسالة تقريبا ، يرد عليها وعلى محاوريه من الزوار ، من خلال تحريك عينييه إلى لوحة كُتبت عليه الأحرف ورتبت بطريقة معينة ، يستطيع ابنه يوسف ترجمتها للناس ، وحين زاره مراسل الشبكة الإسلامية ، علَّق قائلا :  دخلنا عليه غرفته وبعد استقبال ابنه يوسف لنا -وهو ملازمه ومترجم تعليقاته وردوده لزواره عبر قراءة عينيه- أشار لنا يوسف أنه ربما يكون جسد الشيخ لا يتحرك، ولا يستطيع التفوه بكلمة، لكن عقله وذهنه حاضران. وعن طريق لغته الخاصة طلب منا الشيخ أن نجلس وأن نفتح الإنجيل على صفحة حددها ونقل لنا يوسف رسالته: إن هذه السطور إنما هي وصف لحالة زنى المحارم، وأن في الإنجيل وصفا لعشر حالات تتعلق بهذا الأمر، يوسف أكد لنا أن كثيرًا من المبشرين و المتنصرين يزورون الشيخ، وكان من بينهم، سيدة جاءت لتقول له إن ما أصابه كان بسبب تطاوله على الإنجيل، وإنها تدعوه لأن يؤمن به ليبرأ،ولكنه طلب إليها الجلوس وقام (وهو في حالته) بمناظرتها حول ما يحمله الإنجيل من مغالطات وما جعلها تقرُّ بأنه ليس كلمة الله.
لله درّ تلك الهمة العالية التي تردد مع القائل :
كسروا الأقلام هل تكسيرها
قطعوا
الأيدي هل تقطيعها
أطفئوا الأعين ، هل
إطفاؤها
 
أخمدوا الأنفاس هذا جهدكم
 

يمنع الأيدي أن تنقش صخرا ؟
يمنع الأعين أن تنظر شزرا ؟

يمنع الأنفاس أن تصعد زفرا ؟
 وبه منجاتنا منكم ..فشكرا !

لا توحشـــوا الملائكـــــة ..!!


أن تسمع بالآية أو الحديث شيء ، وأن تعيش مع الحديث أو الآية شيئا آخر  ..
أن تطرق الموعظة طبلة الأذن شيء ، وأن تطرق سويداء القلب شيء آخر ..
أن تحمل القرآن في جيبك شيء ، وأن تصير قرآنا يمشي على الأرض شيء آخر ..

تمر بالواحد منا  مواقف لا ينساها ، لأنها تلامس في شغاف القلب المفارقات السابقة، عندما تثير في النفس هذا الحس المرهف بحقائق الدين ، حقائق  تسري في التفاصيل اليومية البسيطة  ، مواقف مع قلوب رجال  تعيش في ملكوت الله تعالى في  سكونها وحركتها ، تلك النفوس التي ارتبطت بالغيب ارتباطها بالواقع تحس به وترعاه ، وتتفاعل معه في كل خافقة وساكنة ، من تلك الأرواح أخ عرفته في سجن النقب يدعى (إبراهيم ) كان له موقف ما زلت أذكره ، وقبل ذكر الموقف لا بدّ من التذكير بحديثٍ للرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ . 
في الحديث الصحيح يذكر النبي  " ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  :
 إن لله تبارك وتعالى ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر،  فإذا وجدوا قوما يذكرون الله ، تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم .
 قال: فيحفوهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم عز وجل ـ وهو أعلم منهم : ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال :يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً. قال: يقول : فما يسألوني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة، قال: فيقول: هل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، فيقول: فكيف لو رأوها، فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: فيقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: فكيف لو رأوها ؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد منها مخافة. قال: فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسُهم . رواه البخاري .
كنّا في بداية الانتفاضة الأولى في سجن النقب في بداية تأسيسه ، وكان لنا جلسة مع القرآن بعد العصر في خيمة اتخذناها مسجدا ، ذات يوم وصل البريد ، ولحظة وصول البريد في السجن لحظة مهمة لا يعرفها إلا من جرّبها ، فالأخوة كلهم في شوق لمعرفة أخبار الأهل بعد طول انقطاع ، فتشاغل أهل القرآن عن القرآن ، وتحلقوا عند بوابة القسم يستمعون للمنادى ينادى أسماء من وصلتهم الرسائل ، وسمعت الشيخ أبو عمرو يقول : وبقيت مثل السيف فردا ، كان بين الأخوة ( إبراهيم ) ، جلس لحظة ثم قام غاضبا ، وانقضى الوقت ولم نجلس للقرآن ، فرأيته غاضبا متوترا على غير عادته ، وعرفت أن سبب غضبه ضياع جلسة القرآن ، فقلت له : يا أخي هون عليك ، فالأمر بسيط والأخوة معذورون ، وإن ضاعت جلسة فالوقت أمامنا طويل . فقال : أتظن الأمر بهذه البساطة ، حسبتك أذكى من ذلك . قلت له : كيف ؟ قال : لأنك لا تعير اهتمامك لخيبة أمل  ملائكة السماء . قلت : لا أفهم . قال :  لله ملائكة تطوف في الأرض ، فإذا ما صادفت حلقة ذكر أو قرآن حفتها بالرحمة واستأنست بها ، وقد اعتادت أن تمر على خيمتنا في مثل هذا الوقت ، فتسمع كلام الله ، واليوم أتت ولكنا أوحشنا ها وخيّبنا أملها ، لأنها لم تجد غايتها .    

تجري تحتها أم من تحتها الأنهار ...!!

ورد وصف الجنة في آيات القرآن ( تجري مِنْ تحتها الأنهار ) إلا في آية واحدة جاءت ( تجري تحتها الأنهار ) وحين يقرأها قارئ القرآن بلا ( مِنْ)  يشكُّ الناس في صحة قراءته ، ولكنها القراءة الصحيحة ، وذلك في سورة التوبة :
﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 100) ﴾ .
محمد بن كعب قال: مر عمر برجل وهو يقرأ هذه الآية: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، قال: من أقرأك هذه الآية؟ قال: أقرأنيها أبي بن كعب. قال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه! فأتاه فقال: أنت أقرأت هذا هذه الآية؟ قال: نعم! قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: نعم!. قال: لقد كنت أرانا رفعنا رفعةً لا يبلغها أحد بعدنا!
فما هو الفرق بين من تحتها وتحتها بدون من ؟
(مِنْ ) هنا تفيد معنى الظرفية ، و(تحت )تدل على ظرف مكان ، وكل منهما يدل على بعد أو مسافة معينة ، وكأن الأنهار هنا بعيدة شيئا ما عن ساكن الجنة ، أما في قوله تجري تحتها ، فالبعد أقل والمسافة أقرب ، وكأن ساكن الجنة يلامس النهر أو يكاد ، فهو في مرتبة أعلى بفضل الله .
من هم أهل هذه المرتبة الكريمة في الجنة ؟
قال المفسرون هم الذين صلّوا إلى القبلتين ، وتوسع البعض ليجعلهم أهل بيعة الرضوان ، وخصصهم البعض بأهل بدر ، وما أدراك ما أهل بدر !!
 أولئك الذين كانوا من  السابقين  الأولين ، أولئك الذين هبت ملائكة السماء لنجدتهم والقتال معهم ، وكان مجرد وصف رجل بأنه من أهل بدر يكفي لأن يكون من الثلة الأولى ، ومن خير القرون ، صفة تكفي لأن تغفر لصاحبها ما أِثم به من خطايا ، حتى لو كانت كخطيئة حاطب ، أم تريد أن تكون مثل ذي الجوشن !!!
 قابل النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ذا الجوشن الكلابي بعد غزوة بدر، وكان شاباً كافراً، فقال له النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : يا ذا الجوشن! ألا تسلم فتكون من أول أهل هذا الأمر؟ (أي تكون من الأوائل، والنبي كان يحاول أن يرغب ذا الجوشن بالإسلام ، واختار كلمة "أول أهل هذا الأمر" لكي يشعل فيه الحماسة، لكن ذا الجوشن كان مثل نماذج كثيرة في هذه الأيام ) ، فقال لا ، قال النبي: فما يمنعك منه؟ قال: رأيت قومك كذبوك وأخرجوك وقاتلوك. ثم قال: أنظر إن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك، فقال رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : "لعلك إن عشت ترى ذلك" . ودارت الأيام والسنون، وفتح رسول الله مكة، وأظهره الله على قريش، وبلغ الأمر ذا الجوشن وهو في ضَريَّة (من أرض نجد) فقال: هَبِلَتْني أمي (أي ثكلتني) ولو أُسْلِم يومئذ ثم أسأله الحيرة لأقطعنيها. فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه إليه رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  . (مسند الإمام أحمد ) .
 لقد فاته أن يكون من الأوائل.... وأراد أن يتبع ما يفعله الناس، لذا حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نكون إمَّعة، إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن أساؤوا أسأنا، وقال: بل وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا.
فماذا تختار لنفسك؟ أن تكون من الأوائل؟ أم أن تكون إمَّعة؟

كيف صار شيطان مكة بألف رجل مسلم ..!!


مما جاء في سيرة ابن هشام عما تلا غزوة بدر  :
عمير بن وهب الجمحي ـ رضي الله عنه ـ كان قبل عزوة بدر شيطانا من شياطين قريش ، ومن الذين يؤذون رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  وأصحابه في مكة ، وكان أن وقع ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر بيد المسلمين ، فجلس يوما  مع عصبة من أهل قريش في الحجر ، ومعهم صفوان بن أمية ، فذكروا أصحاب القليب والأسرى فقال صفوان : والله ما في العيش بعدهم خير . فقال له عمير : صدقت والله ، أما والله لولا دَينٌ عليّ ليس له عندي قضاء ، وعيال أخشى عليهم الضيعة لركبت إلى محمد حتى أقتله ، فإن لي قبلهم علّة ابني أسير بين أيديهم . فاغتنمها صفوان وقال : عليّ دينك أنا أقضيه عنك ، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا ، لا يسعني شيء وأعجز عنهم . فقال له عمير : اكتم عني شأني وشأنك . قال : أفعل .
ثم أمر عمير بسيفه فشُحِذَ له وسُمَّ ، ثم انطلق حتى أتى المدينة ، فبينما عمر بن الخطاب مع الصحابة في المسجد إذ نظر إلى عمير بن وهب وقد أناخ على باب المسجد متوشحا السيف ، فقال : هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب والله ما جاء إلا لشر ، وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر ، ثم دخل عمر على الرسولـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  وقال : يا رسول الله ، هذا عمير بن وهب ، قد جاء متوشحا سيفه . قال : فأدخله عليّ ، فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه وجمع ثياب عمير عند نحره ، فلما رآه رسول الله : أرسله يا عمر ، أدنُ يا عمير ، فدنا ثم قال : أنعموا صباحا . فقال رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير ، بالسلام تحية أهل الجنة . فقال : أما والله ، يا محمد ، إن كنت بها لحديث عهد . قال : فما جاء بك يا عمير ؟ قال : جئت لهذا الأسير الذي بين أيديكم فأحسنوا فيه . قال : فما بال السيف في عنقك ؟ قال : قبحها الله من سيوف ، هل أغنت عنا شيئا ؟ قال : أصدقني ما الذي جئت له ؟ قال : والله ما جئت إلا لذلك . قال : بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر ، فذكرتما أصحاب الكليب من قريش ، ثم قلت : لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا ، فتحمّل لك بدينك وعيالك على أن تقتلني له ، والله حائل بيني وبينك . قال عمير : أشهد أنك رسول الله ، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا من خبر السماء ، وما ينزل عليك من الوحي ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذي هداني إلى الإسلام . ثم شهد شهادة الحق ، فقال رسول الله : ( فقهوا أخاكم في دينه ، وأقرئوه القرآن ، وأطلقوا له أسيره ) ففعلوا .
ثم استأذن عمير الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  بالعودة على مكة ليدعو الناس فيها إلى الإسلام لعل الله يهديهم ، في تلك الأثناء وبينما كان عمير يتعلم الإسلام كان صفوان بن أمية يبشر قريش بخبر عظيم : أبشروا بواقعة تأتيكم الآن في أيان تنسيكم وقعة بدر ، فلما عاد عمير مسلما حلف صفوان أن لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع .
بقي أن نذكّر بأن عمير بن وهب رضي الله عنه ، هو الواحد من الأربعة الذين بعثهم عمر بن الخطاب مدد لعمرو بن العاص في مصر عندما طلب منه أربعة آلاف رجل  ، وحسبهم على عمرو أربعة آلاف كل رجل بألف .  

ســـــجدة الشّــــــكر

ماذا يفعل الناس اليوم إذا بُشِّر أحدهم بقدوم نعمة أو زوال نقمة ؟
منهم من يرفع رجليه قافزا في الهواء ، أو يرفع يديه مصفقا بخيلاء ، ومنهم من يرفع عقيرته بالهتاف والصراخ ، ومنهم من يرفع سرعة سيارته ويطلق  زعيق أبواقها يدور في الشوارع ، ومنهم من يرفع سلاحه ويبدأ بإطلاق النار في الهواء ، وفي الآونة الأخيرة رأيت خريجي الجامعات يقذفون بطواقيهم في السماء ـ عرفت فيما بعد أن تلك ممارسة مأخذوة عن طلاب الجامعات الأمريكية تقليدا لرعاة البقر ساعة الوصول إلى الهدف ـ  ولو بحثنا في أصول الممارسات الأخرى مثل القفز والزعيق ولربما وجدناها مأخوذة من القرود في الغابة !!
ولكن ماذا فعل الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  عندما بشر بنعمة ؟
 هناك مسجد يقع  في الجهة الشمالية للمسجد النبوي على بعد 900 متر منه،يسمى اليوم مسجد أبي ذر ، ويطلق عليه أيضا مسجد السجدة ومسجد الشكر لسجود الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  في موضعه  " سجدة الشكر " وذلك  حين بشره جبريل عليه السلام بأن من صلّى عليه صلى الله عليه ، ومن سلَّم عليه سلم الله عليه في حديث ورد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:
" خرج رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ، فتوجه نحو صدقته، فدخل فاستقبل القبلة، فخر ساجداً، فأطال السجود، حتى ظننت أن الله قبض نفسه فيها، فدنوت منه، فرفع رأسه قال : من هذا ؟ قلت عبد الرحمن، قال ما شأنك ؟ قلت : يا رسول الله سجدت سجدة حتى ظننت أن يكون الله قد قبض نفسك فيها، فقال : " إن جبريل أتاني فبشرني فقال : إن الله عزَّ وجلَّ يقول : من صلَّى عليك صليت عليه، ومن سلَّم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكراً . أرأيتم الفرق ، الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  يخر ساجدا ، ويخفض جبهته لتلامس التراب ، ونحن نرفع عقيرتنا بالرصاص أو الصراخ أو قذف القبعات  في الهواء ، والفرق أن الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  كان يرى النصر لحظة شكر لله تعالى عليه أن يشكره بسجدة الشكر .
ويقول العلماء :   سجدة الشكر تستحب عند هجوم نعمة كحدوث ولد أو مال أو قدوم غائب أو نصر على عدو، وعند اندفاع نِقمة كنجاة من غرق أو حريق . وهي كسجدة التلاوة المفعولة خارج الصلاة شروطًا وكيَّفيَّة.
وفي دراسة أجراها الدكتور (محمد ضياء الدين حامد) أستاذ العلوم البيولوجية ورئيس قسم تشعيع الأغذية بمركز تكنولوجيا الإشعاع المصري أوضح قائلا  : " معروف أن الإنسان يتعرض لجرعات زائدة من الإشعاع ، ويعيش في معظم الأحوال وسط مجالات كهرومغناطيسية،فلا بد من وصلة أرضية لتفريغ الشحنات الزائدة والمتوالدة بها ، وذلك عن طريق السجود للواحد الأحد كما امرنا ،حيث تبدأ عملية التفريغ بوصل الجبهة بالأرض ، ففي السجود تنتقل الشحنات الموجبة من جسم الإنسان إلى الأرض السالبة الشحنة ، وبالتالي تتم عملية التفريغ خاصة عند السجود على الأعضاء السبعة ( الجبهة والأنف والكفان والركبتان والقدمان) وبالتالي هناك سهولة في عملية التفريغ ، وتبين من خلال الدراسات أنه لكي تتم عملية التفريغ للشحنات لابد من الاتجاه نحو مكة في السجود وهو ما نفعله في صلاتنا ( القبلة ) لأن مكة هي مركز اليابسة في العالم، وأوضحت الدراسات أن الاتجاه إلى مكة في السجود هو أفضل الأوضاع لتفريغ الشحنات بفعل الاتجاه إلى مركز الأرض الأمر الذي يخلص الإنسان من همومه وانفعالاته ليشعر بعدها بالراحة النفسية .
"فليكس أبواجي"  لاعب من غانا لعب في صفوف النادي الأهلي المصري ، هداه الله تعالى ودخل في دين الإسلام ، وغيَّر اسمه إلى محمد كويني ، يقول عمّا أثر فيه ليتجه نحو الإسلام : أثار انتباهي صيام اللاعبين في شهر رمضان ، وأداؤهم للمباريات بنفس الجديّة ودون حجج نقص العناصر الغذائية في الجسم ، ولكن أشد ما أثار اهتمامي بالإسلام هي " سجدة الشكر "  التي كان يؤديها بعض اللاعبين عند تسجيلهم للأهداف.