الاثنين، 4 مارس 2013

أحبك ولكني غاضب منك

                             
كان أحد بسطاء  المسلمين يكثر من القول :  : الحمد لله الذي جعلني ابنا لوالدين مسلمين ، وحين سئل عن سرّ هذتكرار هذا الحمد ، قال : لأني رجل على الفطرة ، لو لم يكن والدي مسلمين لعبدت العجول أو البقر ، أو ربما قردا من القرود السود .
وتلك حقا نعمة لا يعرف قيمتها إلا من فقدها .
 يقول الداعية التركي محمد فتح الله كولن : في كتابه ( النور الخالد محمد مفخرة  الإنسانية  ص : 194 ):
سكن أحد أصدقائنا الأطهار في أحدى الشقق في ألمانيا ، واستطاع بروحه الطاهرة وسلوكه ،وبعون الله تعالى التأثير في نفوس أصحاب البيت ، وأصبح وسيلة لهدايتهم ، فأسلم الأب أولا ثم تبعته الزوجة ثم الأولاد ، وأصبح ذلك البيت قطعة من الجنة بالجو الذي أصبح سائدا فيه ، وفي أحد الأيام بينما كان صاحب البيت جالسا مع هذا الصديق يتسامران ، إذ قال له صاحب البيت الذي بدأت أحاسيس الهداية ومشاعرها تهب على قلبه فتملأه سعادة :
ـ يا صديقي .. ! إنني أحبك إلى درجة أتمنى لو أفتح قلبي وأضعك فيه ، ذلك لأنك كنت وسيلة لهدايتي ، وأكسبتني أنا وعائلتي حياة أبدية .. ولكني غاضب منك في الوقت نفسه غضبا شديدا  إلى درجة أنني أود لو أقوم فأضربك ضربا مبرحا . وقد تسأل لماذا ؟ سأشرح لك الأمر ، فقبل مجيئك بوقت قصير توفي والدي مع أنه كان لائقا ليكون مسلما أكثر منَّا ، كان يملك روحا صافية وعاش حياة نظيفة ، فلو أتيت هنا قبل وفاته لكنت وسيلة لهدايته ، لذا فإنني غاضب منك غضبا شديدا لتأخرك في المجيء ، فلماذا ... لماذا لم تأتنا قبل وفاته ؟؟ )

أين أنا ، يــا أبي ؟!


جلس الطفل يشاهد شريط حفل زفاف أمه وأبيه ، وشاهد أقاربه جميعا في الحفل  ،  فقال لأبيه : أين أنا ، لماذا لم تأخذني معك إلى العرس ؟؟
فوقع السؤال البريء على الأب حجرا حرّك في نفسه أسئلة أكثر تعقيدا ، وصار يسأل من يلقاه من إخوته  .
أخي ، أين كنت في حرب النكبة عندما سقطت فلسطين بأيدي اليهود ، وهُجِّر الناس من ديارهم ؟!
أخي ، أين كنت في الحرب العالمية الأولى التي حولت مصير العالم ، وسقطت دولة الخلافة ، وحكم الإنجليز فلسطين ! .
أخي ، أين كنت يوم دخل صلاح الدين الأيوبي القدس ، وطرد الصليبين ، ورفعت راية الإسلام على أرض بيت المقدس ؟
وتابع الوالد السؤال : أين كنت في أيام فتح عمر لبيت المقدس ؟
وأين كنت عندما قهر الرومان الفرس في فلسطين ؟
 وأين كنت عندما دمّر نبوخذ نصر بيت المقدس ؟
وأين وأين .. ؟؟!!
كانت الإجابات مشابهة : في علم الغيب ، في بطن أمي ، في ظهر أبي ، لم أكن مولودا بعد ، جواب واحد جعله يتفهم السؤال البريء العميق ، هو قول الله تعالى :
﴿ هَلْ أتَىَ عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُورَاً (1) إِنَّـا خَلَقْنَاهُ مِنْ ُنطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرَا (2) ﴾.

تبديل الأسماء لا يبدل الأحكام


الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  أشار إلى ذلك وحذّر منه :
روى أحمد وأبو داود عن أبي مالك الأشعري : أنه سمع النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  يقول: "ليشربنَّ ناسٌ من أمتي الخمر ، ويُسمونها بغير اسمها" .
يشير الحديث إلى مسألة نفسية هي أن تغيير الاسم يكون لغاية  ، والغاية هي تغيير الواقع الحقيقي أو تبريره  ، فالخمر كلمة ذات دلالة خبيثة ، هكذا تراكمت عبر التاريخ ، وهي حرام في المجتمعات الإسلامية تحط من قيمة شاربها ، لذا حرص شاربوها على أن يغيروا اسمها ، ولكن حقيقتها هي ذاتها ، فكل مسكر حرام .
الدلالة الحقيقية هي ما سمته الآية " سلطان " في قوله تعالى :
﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وآباؤكم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( يوسف : 40 )
الدكتور عبد الوهاب المسيري مؤلف موسوعة الصهيونية يقول أن وزارة الخارجية الأمريكية لديها جهاز متخصص في تحديد المصطلحات وإطلاق التسميات ، تلك التسميات التي يتبناها المسلمون جهلا ، وبعد التبني تأتي مرحلة قبول الناس بالواقع الذي يعبِّر عنه المصطلح الماكر ، والأمثلة كثيرة .

عصر داحس والغبراء وعصر العصباء


نقرأ الآية التالية من سورة الروم ، ونتدبَّـر ما فيها من عِظة :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
تقرر الآية الأولى قانونا ربانيا يتمثّل في الانتقال من مرحلة إلى أخرى ، بترتيب لا استثناء فيه ، فهو ينتقل من مرحلة  الضعف إلى القوة حتى يصل قمتها ، ثم يبدأ بالانحدار من قمة القوة  ، ويبدأ بالعد التنازلي حتى يصل إلى مرحلة الضعف وهكذا تدور الدائرة  ، ولكن الإنسان يحاول إنكار هذا القانون وتزيفيه ، فتراه يكره الضعف وينكره ، ويرفض الاعتراف بالهزيمة ويبررها ويسميها بغير أسمائها ، أنظروا كيف سمينا هزيمة حزيران الفظيعة بالنكسة والوكسة ، وكيف قلنا أننا لم نهزم مادام الرئيس حيا ولم ينجحوا في القضاء عليه، وقد سقطت بيت المقدس وتشرد الناس !!!
وضع الله تعالى في هذه الدنيا قوانين من عاندها وأنكرها  أوهى قرنه وهو يناطح الصخر ، ولا يغيِّـر من الأمر شيئا ، ومن هذه القوانين قانون القوة والضعف ، في الأشياء والناس والحركات والدول ، والقانون هو ضعف ثم قوة ثم ضعف ، فالقوي لا يظل قويا إلى الأبد ، والضعيف لن يبقى ضعيفا إلى الأبد ، وكذلك الفقراء والأغنياء ، والحكام والمحكومين ،  وإلى ذلك تشير الآية الكريمة ، وهكذا فهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  وفهم الصالحون الآية  ، فتراهم يرددون معناها بطرق شتى ، ويقبلون الضعف ويستعدون له كما يستعدون للموت .
 أما الجاهليون قديما وحديثا فهم وإن كانوا يعرفون هذا القانون فهم غير مستعدين للاعتراف به سلوكيا  ، ويرفضون قبوله واقعا في حياتهم ،  ويحاربون مظاهر الضعف التي قد تبدو في صورهم  ، فتراهم يصبغون الشعر ويشدون جلد الوجه ، ويزيفون نتائج الانتخابات ، وهاتان قصتان لسباقين ، الأول في العصر الجاهلي عصر العمى والظلام والثاني في عصر الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  عصر الهداية والنور .  
كان داحس فرسا لقيس بن زهير سيد بني عبس ، والغبراء فرسا لحمل بن بدر سيد بني فزارة من ذبيان  فتراهنا عليهما بمئة بعير . وكان يوم السباق في موضع يسمى (ذات الأصاد وأُرسل الفرسان فبرز داحس عن الغبراء حتى شارف على النهاية ، ولكن صاحب الغبراء وضع عبيدا له في كمين ، ليعيقوا داحس إذا سبق ، ودنا من الكمين فوثب العبيد عليه ، ولطموه على رأسه ، وردوه فسبقت الغبراء ، وبعث حذيفة بن بدر اخو حمل ابنه مالكاً إلى قيس بن زهير يطلب منه حق السباق ، فأبى قيس دفعها ، وقتل مالكاً فوقعت الحرب بين القبيلتين ، تلك الحرب التي أكلت رؤوس الكثير من الناس .
وحدث سباق آخر في عصر الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ، ولكن بنزاهة وصدق ، فما الموقف ؟
عن أنس : كان للرسول صلى ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ناقة تسمى الغصباء ، وكانت مشهورة بين العرب بسرعتها ، ولا تسبقها ناقة ، غير أن أعرابيا أشعث أغبر ، رثَّ الثياب ، جاء من البادية وهو يسوق قعودا كي ينافس ناقة الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  الغصباء ، وجرى السباق ، وفاز قعود الأعرابي على ناقة الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ، فأراد الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ   أن يعلِّم المسلمين درسا عظيما في سنة الله في خلقه ، فقال  : " حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " .

أسئلة غبيّـة جوابها صفعة قوية


قيل لبعض الأعراب ، وقد أسلم لما عرف دعوة الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  :
عن أي شيء أسلمت ؟ وما دلَّك منه على أنه رسول الله ؟
قال الأعرابي : ما أمر بشيء فقال العقل ليته نهى عنه ، ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته أمر به ، ولا أحلَّ شيئاً ، فقال العقل ليته حرَّمه ، ولا حرّم شيئا ،  فقال العقل ليته أباحه .
ذهب الشاب المسلم ليدرس في إحدى الدول الاشتراكية قبل نكوصها على عقبيها ، وكان من أهل الصلاة والدين ، وعاد إلى بيته بعد غيبة طالت وقلوب صدأت ، فرح أهله برجوعه فرحة الأهل برجوع الغياب ، ومرت أيام ، ولاحظ الأهل أن الابن تارك للصلاة ،  فاجأ الأمر الوالدين ، وسأل الأب ابنه :
ـ أراك تتكاسل عن الصلاة يا بني  ؟
أجاب الابن : أنا لا أتكاسل عنها ، أنا تركتها يا أبي .
الأب : كيف تتركها ، وقد تعلمتُها منك ؟
الابن : الصراحة يا أبي ، الدين لم يعد يقنعني بعدما تعلمت ، وفهمت الحياة .
الأب : ما الذي لا يقنعك في الدين ؟
الابن : أسئلة كثيرة لا أراك تعرف إجابتها ، أرح نفسك .
ومن لحظته ذهب الأب وأحضر معه شيخ البلد ليرى حال الولد ، ولما حضر الشيخ ، قال له الابن بعناد : أريد أن تجيبني عن ثلاثة أسئلة ؟
قال الشيخ : هاتها يا بني .
فقال الولد : السؤال الأول: ما هو القضاء والقدر؟
والسؤال الثاني: كيف للجن أن يتعذبوا في النار
وقد خلقوا من نار؟
والسؤال الثالث: كيف نعبد الله ونحن لا نراه؟
بعد أن انتهى من أسئلته الثلاثة
، قام الشيخ وصفعه على وجهه بقوه .
 قال له الشاب : لماذا صفعتني ؟
قال له الشيخ
: هذه الصفعة تجيب عن أسئلتك الثلاثة :
جواب السؤال الأول: هل  كنت تعلم أنني سوف أصفعك على وجهك؟
قال الابن : لا لم أكن اعلم .
وقال  الشيخ : هذا هو القضاء والقدر ..
وجواب السؤال الثاني: هل تألمت من اثر الصفعة التي صفعتك إياها
؟
قال
الابن : نعم تألمت .
 قال الشيخ :  هكذا يتعذَّب الجن في النار مثلما أنت تألمت بالصفعة ، وأنا وأنت مخلوقان من طين ..
وجواب السؤال الثالث
: هل أنت ترى الألم الذي تشعر به داخل جسمك ؟
قال الشاب
:  لا أراه, قال هكذا نعبد الله دون أن نراه..
وبعد أن أجابه الشيخ على أسألته قام الشاب يبكي بشد
ة ، ثم تعوذ من الشيطان ، وقام لأداء الصلوات ..

سبحان الذي قدّر فهدى


سأل فرعون بلسان المتحدي :  ﴿قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾ ؟
فأجاب موسى بوحي من ربه ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ .
ومن عجائب تقدير الله وهدايته ما يدرسه علماء هجرة الطيور ، بداية درسوها بملاحظة العين ثم بوضع حلقات لمراقبة طرق هجرتها واليوم يدرسونها بالأقمار الصناعية وشبكات الرادار .

فهل تعلم ، وهل لك أن تقول سبحان الله الذي قدَّر فهدى ؟

·   هل تعلم أن عدد أنواع الطيور في العالم يصل إلى عشرة آلاف ، ثلث هذه الطيور يهاجر في كل عام في أرجاء الكرة الأرضية في مختلف الاتجاهات والمسافات ومن قارة إلى قارّة ثم تعود إلى موطنها بلا خريطة أو بوصلة  .

·   هل تعلم أن هذه الهجرة فطرة ربانية على شكل غريزة وراثية فالطيور الصغيرة تهاجر بنجاح ودون مساعدة الطيور الكبيرة وكأن خريطة تولد معها .

·    هل تعلم أن هذه الطيور في هجرتها من قارة إلى قارة لا تخطئ طريقها وتستهدي إلى غايتها بالشمس والبحار والأهم من ذلك بالمجال المغناطيسي للأرض .

·    هل تعلم أن الكثير من الطيور تعلم وقت هجرتها وتعد العُدَّة بزيادة وزنها استعدادا للرحلة الطويلة ، وتتجمع في مكان واحد  لتهاجر معا على شكل أسراب .

·   هل تعلم أن هناك طائراً يسمى ( الطنّان ) لا يزيد وزنه على مليغرامين يطير مسافات طويلة لو أراد الإنسان قطعها فعليه أن يستهلك  ما يوازي 13كغم من اللحم المصّنع يوميا وعليه أن يخرج ما مقداره 45 لترا من الماء في الساعة .

·       هل تعلم أن طائر (السنونو ) المعروف يهاجر في نهاية الصيف إلى القطب الجنوبي ويقطع في رحلته مسافة مقدارها 14,500  كم .

·       هل تعلم أن طائرا يسمى ( الدخلة ) وهو من الطيور المغرِّدة يستطيع أن يطير ثلاثة أيام ونصف متواصلة دون أن يلامس الأرض .

·       هل تعلم أن طائر ( الفرقاط ) يستطيع أن يطير بسرعة 200 كم في الساعة .

·   هل تعلم أن معظم الطيور تطير على ارتفاع يقارب 600 م غير أن طائر الإوز الأقرع قد يطير إلى ارتفاع 32 ألف قدم وهو أخطر الطيور على الطائرات .

هل تملك عند قراءة  مثل هذه المعلومات إلا أن تقول سبحان الله فيما خلق ، وسبحان الله فيما قدّر وهدى ، وسبحان الله الذي أحسن كلّ شيء خلقه !!!!

ماذا تعلمت مني ..؟


نقول في اللغة عَلٍِمَ فهو عالم ، وعلَّم فهو معلِّم ، وشتان ما بين الحالين .
لأنا نسأل عن عَلٍم ماذا ، ونسأل عن تعلّم كيف ، فنقول :  علم المسلم أن الصلاة فرض ، وتعلّم المسلم كيف يصلي ، ونقول : علم الرجل أن العسل شفاء ، ونقول تعلّم الرجل كيف يداوي بالعسل ، وكأن عَلِم فعل معرفي ، وعلّم فعل سلوكي ، فلا يكون المعلّم معلما حتى يؤثر في سلوك من يُعلّم ، فالتعليم هو تغيير الأفكار وتغيير السلوك في آن واحد ، لذا كان من سياسة  المعلمين أن يختبروا طلابهم سلوكيا ليقيسوا مدى الفائدة التي تحققت ، وهذا مثال :
روي عن شفيق البلخي ـ رحمه الله ـ أنه قال لحاتم الأصم :
ـ قد صحبتني مدّة ، فماذا تعلّمت منّي ؟
قال تعلمت منك ثماني مسائل :

أما الأولـى : فإني نظرت إلى الخلق ، فإذا كلّ شخص له محبوب ، فإذا وصل إلى القبر فارق محبوبه ، فجعلت حسناتي محبوبي لتكون معي في القبر .

وأما الثانيـة : فإني نظرت إلى قول الله تعالى : ﴿ ونهى النفس عن الهوىفأجهدتها في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى .

وأما الثالثـة : فإني رأيت كل من معه شيء له قيمة عنده يحفظه ، ثم نظرت في قول الله سبحانه وتعالى : ﴿ ما عندكم ينفذ وما عند الله باق فكلما وقع معي شيء له قيمة ، وجهته إليه ليبقى لي عنده .
وأما الرابعـة : فإني رأيت الناس يرجعون إلى المال والحسب والشرف ، وليست بشيء فنظرت قول الله تعالى : ﴿ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، فعملت في التقوى لأكون عنده كريما .

وأما الخامسـة : فإني رأيت الناس يتحاسدون ، فنظرت في قوله تعالى : ﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم فتركت الحسد _ لأنه اعتراض على قسمة الله _.
 
وأما السادسـة : رأيتهم يتعادون ، فنظرت في قول الله تعالى : ﴿إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا فتركت عداوتهم واتخذت الشيطان وحده عدوا .

وأما السابعـة : رأيتهم يذلُّون أنفسهم في طلب الرزق ، فنظرت في قوله تعالى : ﴿ وما من دابَّـة في الأرض إلا على الله رزقها فاشتغلت بما له علي ، وتركت مالي عنده ،  ثقة بوعده .

وأما الثامنـة : رأيتهم متوكلين على تجاراتهم وصنائعهم وصحة أبدانهم ، فتوكلت على الله رب العالمين .

من فقه الأولويات ....!!


عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال  :
 ( قال رسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ : إن الله عزّ و جلَّ قال : من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب ، و ما تقرب إلي عبدي بشىء أحب إلي مما افترضت عليه ، و ما يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بها ، و رجله التي يمشي بها ، و لئن سألني عبدي أعطيته ، و لئن استعاذني لأعيذنه ، و ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت و أكره مساءته ). (رواه البخاري )
هذا حديث جامع نأخذ منه مسألة غاية في الأهمية هي أن الطريق إلى رضا الله ومحبته تبدأ بأداء الفروض ثم النوافل ، وهذا خبر في ذات المعنى :
ذكر الغزالي في الإحياء  :
 جاء رجل يودع بشر بن الحارث ، وقد أراد الحج مرة بعد مرة  ، وقال : عزمت على الحج فتأمرني بشيء ؟
 فقال بشر : كم أعددت للنفقة ؟
فقال الرجل : ألفي درهم .
قال بشر : فأي شيء تبغي بحجك ، تزهدا أو اشتياقا إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله؟؟  قال الرجل : ابتغاء مرضاة الله .
قال بشر : فما قولك لو بلغت مرادك وأنت في منـزلك وتنفق ألفي درهم ، وتكون على يقين من مرضاة الله ، أتفعل ذلك ؟
قال الرجل : نعم !
قال بشر : اذهب فأعطها عشرة أنفس : مديون يقضي دينه ، وفقير يلم تشعثه ، ومُعيل يغني عياله ، ومربي يتيم يُفرحه ، وإن قوي قلبك تعطيها واحدا فافعل ، فإن إدخالك السرور على قلب مسلم ، وإغاثة اللهفان ، وكشف الضر ، وإغاثة الضعيف أفضل من مئة حجة بعد حجة الإسلام ! قم فأخرجها كما أمرناك ، وإلا فقل لنا ما في قلبك ؟
 قال الرجل : يا أبا نصر ، سفري أقوى في قلبي !
 فتبسم بشر ـ رحمه الله ـ وأقبل عليه ،  وقال له : المال إذا جُمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس أن تقضي به وطرا فأظهرت الأعمال الصالحات ، وقد آل الله على نفسه ألا يقبل إلا عمل المتقين . 
تقول داعية من الجزائر في رسالة على الشبكة العالمية عن كتاب الداعية زينب الغزالي ( أيام من حياتي )  :
" .. لقد تأثرت بكتابها كثيرا لما قرأته أول مرة و كنت حينها في المرحلة المتوسطة. و قد كان ممنوعا حينها في الجزائر و حينما طلبته من أحد أقربائي ردَّ قائلا: أتصلِّين الفجر في وقته؟ فأجبت بالنّفي ، فقال: لن أسلّمك الكتاب، فهو ليس للخاملين. حزّ ذلك في نفيسي كثيرا، و استصغرت نفسي و قد كنت حينها في مرحلة بداية الالتزام و عمري 14 سنة، و كان الحجاب نادرا، و قررت أن لا أقرأ الكتاب حتى أحافظ على صلاتي في وقتها، و كان ذلك. و قرأت الكتاب بدموعي و أشجاني و كل مشاعري،  و قررت أن أسير إلى الأمام ، و أن أخرج من الخجل الذي كان يتملكني و يمنعني من المشاركة في الحلقات، لقد غيَّرت كلماتها شخصيتي الصامتة إلى شخصية فاعلة تنظم الحلقات والدروس ،  فجزاها الله خيرا و جمعنا و إياها تحت ظلِّ عرشه.