الاثنين، 4 مارس 2013

درس في الشموخ


من صناديد قريش الذين كان يُشار إليهم بالبنان رجل كان يدعى عمرو بن ود ، وكان يُعدُّ بألف فارس ، اسمه يرعب الأطفال في مكة ، وأبوه كان يدعى بيضة البلد ، شارك في معركة بدر فأثخنته الجراح ولم يشارك في معركة أحد ، ولما وقعت معركة الأحزاب حمل كفره في يده ، ورغبة الانتقام في صدره ، وراح يتبختر حول الخندق ، وتيمم مكان ضيقا من الخندق  وضرب فرسه فاقتحم الخندق ، وركز عمرو رمحه وأقبل يجول حوله ويصيح : هل من مبارز ؟
 فقال الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : من لهذا الكلب ؟
 فلم يجبه أحد ، فقام عليٌّ وهو مقنّع بالحديد ، فقال : أنا له يا نبي الله .
 فقال : إنه عمرو بن ود ، اجلس .
 ولما لم يجد عمرو من يخرج له جعل يؤنبهم ويسبهم ويقول : ألا من رجل ؟ أين جنتكم التي تزعمون أن من قُتل منكم دخلها ؟
فقام علي ، فقال : أنا له يا رسول الله . فأمره النبي بالجلوس ، فنادى عمرو الثالثة .
فقام علي (رضي الله عنه) فقال: يا رسول الله أنا.
فقال: إنه عمرو!
فقال: وإن كان عمراً فأنا علي بن أبي طالب!!
فاستأذن عليُّ رسولَ الله  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ فأذن له، وألبسه درعه ذات الفضول، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وعممه عمامة السحاب على رأسه تسعة أكوار (أدوار) ثم قال له: تقـدَّم.
فقال لما ولّى: (اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه).ثم قال: (برز الإيمان كله إلى الشرك كله).

فمشى عليٌّ إليه . وما زال رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  آنذاك رافعاً يديه مقحماً رأسه إلى السماء داعياً به قائلاً: (اللهم إنك أخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد، فاحفظ علي اليوم علياً، رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين).
فقال عمرو: من أنت؟
 قال : أنا علي .
 قال : ابن عبد مناف ؟
قال : أنا ابن أبي طالب .
كان عمرو  نديم أبي طالب في الجاهلية، فقال عمرو: أجل، لقد كان أبوك نديماً لي وصديقاً، فارجع فإني لا أحب قتلك!
 فقال علي (رضي الله عنه ): لكنيّ أحب أن أقتلك!
 فقال عمرو: يا ابن أخي إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، فارجع وراءك خير لك، ما آمن ابن عمك حين بعثك إلي أن أختطفك برمحي هذا فأتركك شايلاً بين السماء والأرض لا حي ولا ميت!!
فقال له علي (رضي الله عنه): قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة وأنت في النار، وإن قتلتك فأنت في النار وأنا في الجنة.
فقال عمرو: كلتاهما لك يا علي؟ تلك إذاً قسمة ضيزى!!
فقال علي : إن قريشاً تتحدث عنك أنك قلت: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا أجيب، ولو إلى واحدة منها؟
قال: أجل.
قال: فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
قال: دع هذه!!
قال: فإني أدعوك إلى أن ترجع بمن يتبعك من قريش إلى مكة، فإن يكُ محمد صادقاً فأنتم أعلى به عيناً، وإن يك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره.
قال: إذن تتحدث نساء قريش عني : أن غلاماً خدعني ، وينشد الشعراء فيَّ أشعارها أني جبنت، ورجعت على عقبي من الحرب، وخذلت قوماً رأسوني عليهم.
قال: فإني أدعوك إلى البراز راجلاً، فحمي عمرو وقال: ما كنت أظن أحداً من العرب يرومها مني .
ثم نزل فضرب وجه فرسه ففر ـ ثم قصد نحو علي وضربه بالسيف على رأسه، فأصاب السيف الدرقة فقطعها، ووصل السيف إلى رأس علي .
فضربه علي على رجليه بالسيف فوقع على قفاه، وثار العجاج والغبار، وأقبل عليّ ليقطع رأسه فجلس على صدره، فتفلَ اللعين في وجه الإمام فغضب، وقام عن صدره يتمشى حتى سكن غضبه، ثم عاد إليه فقتله.
وجاء علي برأس عمرو إلى رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ فتهلل وجه رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ) فقام أبو بكر وعمر بن الخطاب وقبلا رأسه.
فقال عمر: هلا سلبته درعه، فإنه ليس في العرب درع مثلها؟
 فقال علي : إني استحييت أن أكشف سوأة ابن عمي.
ولما قتل علي عمراً انهزم المشركون وانكسرت شوكتهم، وكفى الله المؤمنين القتال ،
وفي رواية الحاكم في المستدرك عن النبيـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  :
( لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)
.وسبب ذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهنٌ بقتل عمرو، ولم يبق في المسلمين بيت من بيوت المسلمين إلا ودخله عزٌّ بقتل عمرو .
  

قصة أبي قلابـة الجـرمي

 
جاء في كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي ( ج 4/ص 474 ) : قال عبد الله بن محمد : " خرجت إلى ساحل البحر مرابطا ، فلمّا انتهيت إلى الساحل إذا أنا بخيمة فيها رجل قد ذهب يداه ورجلاه ، وثقُل سمعه وبصره ، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه ، وهو يقول : اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ ، وفضلّتني على كثير ممن خلقت تفضيلا ، فقلت والله لأتين هذا الرجل ولأسألنه أنّى له هذا الكلام ، فأتيت الرجل فسلمت عيه فقلت : سمعتك وأنت تقول اللهم أوزعني أن أحمدك حمدا أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليّ ، وفضلّتني على كثير ممن خلقت تفضيلا ، فأيُّ نِعَمٍ من نِعَمِ الله عليك تحمده عليها ؟ وأي فضيلة تفضَّل بها عليك تشكره عليها ؟! قال : أوما ترى ما صنع ربي !! والله لو أرسل السماء عليّ نارا فأحرقتني ، وأمر الجبال فدمَّرتني ، وأمر البحار فغرّقتني ، وأمر الأرض فبلعتني ، ما ازددت لربي إلا شكرا ، لما أنعم عليّ من لساني هذا ، ولكن يا عبد الله إذ أتيتني فإني لي إليك حاجة ، قد تراني على أي حالة أنا ، أنا لست أقدر لنفسي على ضرٍّ ولا نفع ، ولقد كان معي ابن لي يتعهدني في وقت صلاتي فيوضيني ، وإذا جعت أطعمني ، وإذا عطشت سقاني ، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام ، فتحسسه لي رحمك الله .
فقلت : والله ما مشى خلقٌ في حاجة خلقٍ كان عند الله أعظم أجرا ممن يمشي في حاجة مثلك . فمضيت في طلب الغلام ، فلما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل ، فإذا أنا بغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه ، فاسترجعت وقلت : بأي شيء أخبر صاحبنا ؟ فبينما أنا مقبل نحوه إذ خطر على بالي ذكر أيوب النبي عليه السلام ، فردّ علي السلام فقال : ألست بصاحبي . قلت : بلى . قال : ما فعلت في حاجتي ؟ قلت : أنت أكرم على الله أم أيوب النبي ؟ قال : بل أيوب النبي . قلت : هل علمت ما صنع به ربه ، أليس قد ابتلاه ربه بماله وأهله وولده ؟ . قال :بلى . قلت : فكيف وجده ربه ؟  قال : وجده صابرا شاكرا حامدا ، أوجز رحمك الله . قلت : لم يرض منه بذلك حتى أوحشه من أقربائه وأحبائه؟ قال : نعم . فقلت : فكيف وجده ربه ؟ قال : وجده صابرا شاكرا حامدا . قلت : فلم يرض منه بذلك حتى صيّره عرضا لمارِّ الطريق ، هل علمت ذلك ؟ قال : نعم : فقلت : فكيف وجده ربه ؟ قال : صابرا شاكرا حامدا ، أوجز رحمك الله . قلت له : إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كثبان الرمل ، وقد افترسه سبع فأكل لحمه ، فأعظم الله لك الأجر ، وألهمك الصبر . فقال المُبتلى : الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقا يعصيه فيعذبه بالنار ، ثمّ استرجع وشهق شهقة فمات .
فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، عظمت مصيبتي في رجل مثل هذا ، إن تركته أكلته السباع ، وإن قعدت لم أقدر على ضرٍّ ولا نفع ، فسجيته بشملة كانت عليه ، وقعدت عند رأسه باكيا ، فبينما أنا قاعد إذ جاء أربعة رجال ، فقالوا : يا عبد الله ما حالك ؟ وما قصتك ؟ فقصصت عليهم قصتي وقصته ، فقالوا لي اكشف لنا عن وجهه ، فعسى أن نعرفه . فكشفت عن وجهه ، فانكب القوم عليه يقبلونه ، ويقولون : بأبي عين طالما غضت عن محارم الله ، بأبي جسم طالما سجد لله والناس نيام . فقلت : من هذا يرحمكم الله ؟ فقالوا : هذا أبو قلابة الجرمي صاحب ابن عباس ، لقد كان شديد الحب لله وللرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ . فغسلناه وكفناه بأثواب كانت معنا ، وصلينا عليه ودفناه ، فانصرف القوم وانصرفت إلى رباطي ، فلما جنّ الليل وضعت رأسي ، فرأيت فيما يرى النائم في روضة من رياض وعليه حلتان من حلل الجنة ، وهو يتلو الوحي : ﴿ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾ ( الرعد 24 ) . فقلت : ألست بصاحبي ؟ قال : بلى . قلت : أنى لك هذا ؟" قال : إن لله درجات لا تنال إلا بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، مع خشية الله عز وجل في السر والعلانية .   

العمى والصراط المستقيم


     يكثر في القرآن الكريم وصف الكافر بأنه أعمى ، ووصف المؤمن بأنه بصير ، قال تعالى :
﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (19) .
وفي مواقع أخرى كثيرة منها ﴿وَمَثَلُ الذينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بما لا يَسْمَعُ إلا دُعَاءً وَ نِداءً صُمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يَعْقِلون  ( 117 ) ( البقرة)
﴿ ومن كانَ في هَذهِ أعمى فهوَ في الآخرةِ أعمى وَ أَضلُّ سَبِيلا (72) (الإسراء).
الآن إليك هذه الحقيقة العلمية :
إذا أعصبت عيني شخص لن يستطيع السير في خط مستقيم ، وسوف يسير في خط دائري ، ولو وضعت هدفا أمام الإنسان على بعد خمسة أمتار ثم عصبت عينيه لوجدت أنه لا يستطيع الوصول إليه ،  وذلك لأن الجسم ليس متماثلا تماما في نصفيه الأيمن والأيسر ،  لذلك يضيع الإنسان في الضباب ويعود إلى النقطة التي انطلق منها ، وإذا قاد السيارة شخص معصوب العينيين فسوف يجنح خارج الطريق بعد عشرين ثانية .
معصوب العينيين أو الأعمى ببساطة لا يستطيع الوصول إلى هدف لأنه لا يراه ، وإن رآه في لحظة فهو بحاجة لتوجيه سيره من خلال النظر ، فالرؤية متعلقة بتحديد الهدف والتوجه إليه ، ولأن الكافر  يغفل عن الهدف والغاية من الخلق والوجود فهو أعمى ، والمنافق الذي يسير إلى هدف مخالف لما أراده الله فهو أعمى البصيرة .

عرّف المـــوت ..!


من باب أكثروا ذكر هادم اللذات ، وضعت يوما في محرك البحث في الشبكة العالمية( الانترنت )  سؤال : ما هو الموت ؟ فتلقيت الإجابات التالية ، فتأمل فيها  :
Ô الموت حق .
Ô الموت هو هادم اللذات ومفرِّق الجماعات .
Ô الموت هو النهاية الحتمية لكل كائن حي .
Ô الموت هو أن تخلع الروح ملابس الجسد .
Ô الموت هو الانتقال إلى حياة على موجة أخرى مثل محطات الراديو .
Ô الموت هو أن يأكل الدود الصغير الدود الكبير ، والحياة أن يأكل الدود الكبير   
    الدود الصغير .
Ô الموت بوابة حتمية ينتقل فيها الإنسان من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ .
Ô الموت هو الصمت الأبدي .
Ô الموت هو بداية البداية .
Ô الموت ليس أكثر من ترك النفس الإنسانية لآلاتها التي تستعملها ، أي أعضائها التي  
    يًسمّى مجموعها البدن ، كما يترك الصانع آلات عمله ( ابن سينا ).
Ô الموت هو الغروب في حقيقة الحياة .
Ô الموت حاصد لا يعرف القيلولة .
Ô الموت داء لا دواء له ، إلا التقى والعمل الصالح
Ô الموت هو الوجه الآخر للحياة فكيف نعرفه مادمنا نجهل أسرار الحياة .

الذين يحبون أن يُحمدوا ...

قيل إن من علامات النفاق: أن يحب المرء المدح بما ليس فيه ،  ويكره الذمَّ بما فيه ، ويبغض من يُبَصِّـره بعيوبه، يقول الله تعالى في سورة آل عمران  : ﴿ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 188) .
ذهب المفسرون عند هذه الآية في فريقين : فريق قال أنها تصف اليهود لدلالة السياق ، وفريق قال أنها تصف المنافقين ، فقد جاء عن أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ : أَنَّ رِجَالا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِي عَهْد ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  كَانُوا إِذَا خَرَجَ رَسُول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ إِلَى الْغَزْو تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَاف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قَدِمَ  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ مِنْ الْغَزْو اِعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا.
من الحالات التي نعرفها في عصرنا ما نراه من دعوات ويافطات وأحجار تاريخ ، تقول أن هذا العمل تحت رعاية فلان وليس لفلان فيه فضل غير حبه للظهور بثوب لم يدفع فيه ثمن خيط ، ولا بذل فيه أدنى جهد ، ولكنه ومن حوله يمارسون ما نهى الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  عنه ،  كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيّ ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  " مَنْ اِدَّعَى دَعْوَى كَاذِبَة لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّه إِلَّا قِلَّة " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا " الْمُتَشَبِّع بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُور " .
(صنّف الشيخ  أبو غالب المعروف بابن التياني الأندلسي  (436 هـ ) كتابا جليلا في مدينة مرسية بالأندلس ، ولمّا علم أميرها أبو الجيش مجاهد العامري به أرسل إلى ابن التياني ألف دينار أندلسي مع كسوة فاخرة على أن يزيد في الكتاب عبارة " مما ألفه تمام بن غالب لأبي الجيش  مجاهد " لكن هذا العالم ردّ الدنانير والكسوة ، وقال : كتاب صنفته لله وطلبة العلم أصرفه إلى اسم الملك ! هذا والله ما يكون أبدا " . وبذلك زاد التياني في عين مجاهد ، وعظم في صدور الناس ).

أحبك ولكني غاضب منك

                             
كان أحد بسطاء  المسلمين يكثر من القول :  : الحمد لله الذي جعلني ابنا لوالدين مسلمين ، وحين سئل عن سرّ هذتكرار هذا الحمد ، قال : لأني رجل على الفطرة ، لو لم يكن والدي مسلمين لعبدت العجول أو البقر ، أو ربما قردا من القرود السود .
وتلك حقا نعمة لا يعرف قيمتها إلا من فقدها .
 يقول الداعية التركي محمد فتح الله كولن : في كتابه ( النور الخالد محمد مفخرة  الإنسانية  ص : 194 ):
سكن أحد أصدقائنا الأطهار في أحدى الشقق في ألمانيا ، واستطاع بروحه الطاهرة وسلوكه ،وبعون الله تعالى التأثير في نفوس أصحاب البيت ، وأصبح وسيلة لهدايتهم ، فأسلم الأب أولا ثم تبعته الزوجة ثم الأولاد ، وأصبح ذلك البيت قطعة من الجنة بالجو الذي أصبح سائدا فيه ، وفي أحد الأيام بينما كان صاحب البيت جالسا مع هذا الصديق يتسامران ، إذ قال له صاحب البيت الذي بدأت أحاسيس الهداية ومشاعرها تهب على قلبه فتملأه سعادة :
ـ يا صديقي .. ! إنني أحبك إلى درجة أتمنى لو أفتح قلبي وأضعك فيه ، ذلك لأنك كنت وسيلة لهدايتي ، وأكسبتني أنا وعائلتي حياة أبدية .. ولكني غاضب منك في الوقت نفسه غضبا شديدا  إلى درجة أنني أود لو أقوم فأضربك ضربا مبرحا . وقد تسأل لماذا ؟ سأشرح لك الأمر ، فقبل مجيئك بوقت قصير توفي والدي مع أنه كان لائقا ليكون مسلما أكثر منَّا ، كان يملك روحا صافية وعاش حياة نظيفة ، فلو أتيت هنا قبل وفاته لكنت وسيلة لهدايته ، لذا فإنني غاضب منك غضبا شديدا لتأخرك في المجيء ، فلماذا ... لماذا لم تأتنا قبل وفاته ؟؟ )

أين أنا ، يــا أبي ؟!


جلس الطفل يشاهد شريط حفل زفاف أمه وأبيه ، وشاهد أقاربه جميعا في الحفل  ،  فقال لأبيه : أين أنا ، لماذا لم تأخذني معك إلى العرس ؟؟
فوقع السؤال البريء على الأب حجرا حرّك في نفسه أسئلة أكثر تعقيدا ، وصار يسأل من يلقاه من إخوته  .
أخي ، أين كنت في حرب النكبة عندما سقطت فلسطين بأيدي اليهود ، وهُجِّر الناس من ديارهم ؟!
أخي ، أين كنت في الحرب العالمية الأولى التي حولت مصير العالم ، وسقطت دولة الخلافة ، وحكم الإنجليز فلسطين ! .
أخي ، أين كنت يوم دخل صلاح الدين الأيوبي القدس ، وطرد الصليبين ، ورفعت راية الإسلام على أرض بيت المقدس ؟
وتابع الوالد السؤال : أين كنت في أيام فتح عمر لبيت المقدس ؟
وأين كنت عندما قهر الرومان الفرس في فلسطين ؟
 وأين كنت عندما دمّر نبوخذ نصر بيت المقدس ؟
وأين وأين .. ؟؟!!
كانت الإجابات مشابهة : في علم الغيب ، في بطن أمي ، في ظهر أبي ، لم أكن مولودا بعد ، جواب واحد جعله يتفهم السؤال البريء العميق ، هو قول الله تعالى :
﴿ هَلْ أتَىَ عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُورَاً (1) إِنَّـا خَلَقْنَاهُ مِنْ ُنطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرَا (2) ﴾.

تبديل الأسماء لا يبدل الأحكام


الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  أشار إلى ذلك وحذّر منه :
روى أحمد وأبو داود عن أبي مالك الأشعري : أنه سمع النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  يقول: "ليشربنَّ ناسٌ من أمتي الخمر ، ويُسمونها بغير اسمها" .
يشير الحديث إلى مسألة نفسية هي أن تغيير الاسم يكون لغاية  ، والغاية هي تغيير الواقع الحقيقي أو تبريره  ، فالخمر كلمة ذات دلالة خبيثة ، هكذا تراكمت عبر التاريخ ، وهي حرام في المجتمعات الإسلامية تحط من قيمة شاربها ، لذا حرص شاربوها على أن يغيروا اسمها ، ولكن حقيقتها هي ذاتها ، فكل مسكر حرام .
الدلالة الحقيقية هي ما سمته الآية " سلطان " في قوله تعالى :
﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وآباؤكم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( يوسف : 40 )
الدكتور عبد الوهاب المسيري مؤلف موسوعة الصهيونية يقول أن وزارة الخارجية الأمريكية لديها جهاز متخصص في تحديد المصطلحات وإطلاق التسميات ، تلك التسميات التي يتبناها المسلمون جهلا ، وبعد التبني تأتي مرحلة قبول الناس بالواقع الذي يعبِّر عنه المصطلح الماكر ، والأمثلة كثيرة .

عصر داحس والغبراء وعصر العصباء


نقرأ الآية التالية من سورة الروم ، ونتدبَّـر ما فيها من عِظة :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
تقرر الآية الأولى قانونا ربانيا يتمثّل في الانتقال من مرحلة إلى أخرى ، بترتيب لا استثناء فيه ، فهو ينتقل من مرحلة  الضعف إلى القوة حتى يصل قمتها ، ثم يبدأ بالانحدار من قمة القوة  ، ويبدأ بالعد التنازلي حتى يصل إلى مرحلة الضعف وهكذا تدور الدائرة  ، ولكن الإنسان يحاول إنكار هذا القانون وتزيفيه ، فتراه يكره الضعف وينكره ، ويرفض الاعتراف بالهزيمة ويبررها ويسميها بغير أسمائها ، أنظروا كيف سمينا هزيمة حزيران الفظيعة بالنكسة والوكسة ، وكيف قلنا أننا لم نهزم مادام الرئيس حيا ولم ينجحوا في القضاء عليه، وقد سقطت بيت المقدس وتشرد الناس !!!
وضع الله تعالى في هذه الدنيا قوانين من عاندها وأنكرها  أوهى قرنه وهو يناطح الصخر ، ولا يغيِّـر من الأمر شيئا ، ومن هذه القوانين قانون القوة والضعف ، في الأشياء والناس والحركات والدول ، والقانون هو ضعف ثم قوة ثم ضعف ، فالقوي لا يظل قويا إلى الأبد ، والضعيف لن يبقى ضعيفا إلى الأبد ، وكذلك الفقراء والأغنياء ، والحكام والمحكومين ،  وإلى ذلك تشير الآية الكريمة ، وهكذا فهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  وفهم الصالحون الآية  ، فتراهم يرددون معناها بطرق شتى ، ويقبلون الضعف ويستعدون له كما يستعدون للموت .
 أما الجاهليون قديما وحديثا فهم وإن كانوا يعرفون هذا القانون فهم غير مستعدين للاعتراف به سلوكيا  ، ويرفضون قبوله واقعا في حياتهم ،  ويحاربون مظاهر الضعف التي قد تبدو في صورهم  ، فتراهم يصبغون الشعر ويشدون جلد الوجه ، ويزيفون نتائج الانتخابات ، وهاتان قصتان لسباقين ، الأول في العصر الجاهلي عصر العمى والظلام والثاني في عصر الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  عصر الهداية والنور .  
كان داحس فرسا لقيس بن زهير سيد بني عبس ، والغبراء فرسا لحمل بن بدر سيد بني فزارة من ذبيان  فتراهنا عليهما بمئة بعير . وكان يوم السباق في موضع يسمى (ذات الأصاد وأُرسل الفرسان فبرز داحس عن الغبراء حتى شارف على النهاية ، ولكن صاحب الغبراء وضع عبيدا له في كمين ، ليعيقوا داحس إذا سبق ، ودنا من الكمين فوثب العبيد عليه ، ولطموه على رأسه ، وردوه فسبقت الغبراء ، وبعث حذيفة بن بدر اخو حمل ابنه مالكاً إلى قيس بن زهير يطلب منه حق السباق ، فأبى قيس دفعها ، وقتل مالكاً فوقعت الحرب بين القبيلتين ، تلك الحرب التي أكلت رؤوس الكثير من الناس .
وحدث سباق آخر في عصر الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ، ولكن بنزاهة وصدق ، فما الموقف ؟
عن أنس : كان للرسول صلى ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ناقة تسمى الغصباء ، وكانت مشهورة بين العرب بسرعتها ، ولا تسبقها ناقة ، غير أن أعرابيا أشعث أغبر ، رثَّ الثياب ، جاء من البادية وهو يسوق قعودا كي ينافس ناقة الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  الغصباء ، وجرى السباق ، وفاز قعود الأعرابي على ناقة الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ، فأراد الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ   أن يعلِّم المسلمين درسا عظيما في سنة الله في خلقه ، فقال  : " حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " .