‏إظهار الرسائل ذات التسميات معادلات إسلامية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات معادلات إسلامية. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 5 مارس 2013

الشـــحنة الإيمانية ....

الشـــحنة الإيمانية ....

هذا أخ يمرًّ بجوار المسجد والمؤذن ينادي للصلاة، فيواصل الأخ سيره ويصلي في بيته، أو مكتبه، أو متجره ، أو معمله ، وإذا ما لقيته شكا لك قسوة القلب ، وغياب طمأنينة الإيمان عنده !!!
وهذا أخ ، يفضّل أن يقضي وقت فراغه أمام التلفاز، أو في السهر مع الخلان ، ثم يشكو جفوة القلب وذهاب حلاوة الإيمان منه !!!
شتان شتان بين مثل هؤلاء ، وبين رجل قلبه معلّق في المساجد ، مصباح هدى ويقين ينير بنور المسجد، ويشحن القلب بشحنات إيمان ربانية تهديه خارج المسجد، رجل ممن شهد الله تعالى له بالإيمان، لأنه ممن يعمرون مساجد الله تعالى الذي ملأ بنوره السموات والأرض . 
إن العلاقة بين عمارة المساجد والإيمان علاقة ثابتة إلا أنها تغيب عن كثير من المسلمين، فقد أسقط البعض  من حساباته ومن مهماته الاعتكاف في المسجد أو قضاء بعض الوقت فيه، أو المشاركة في نشاطاته، وتلك من مصائد الشيطان، والعياذ بالله.

 ضرب الله لنا مثلا لنوره آية المشكاة من سورة النور، وفي الآية التي تليها أوضح لنا أين يكون نوره :
 { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ 37} [ سورة النور ]

 فأصل الاقتباس من نور الله تعالى يكون في بيوت الله تعالى وهي المساجد ، فالمسجد هو مكان شحن القلوب بطاقة الإيمان وبنور هداية القرآن، فإذا طال مكوثنا في المساجد واعتكافنا فيها قوية شحنة الإيمان في القلب .
روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مرّ بسوق المدينة فوقف عليها ،  فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم؟
قالوا : وما ذاك يا أبا هريرة؟
قال: ذاك ميراث محمد _ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ يقسم وأنتم ها هنا، ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: أين هو؟ قال : في المسجد.
فخرجوا سراعا، ووقف أبو هريرة ـ رضي الله عنه  ـ لهم حتى رجعوا. فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة، لقد أتينا المسجد، فلم نر شيئا يقسَّم. فقال لهم : وما رأيتم في المسجد؟
قالوا: رأينا قوما يصلون ،وقوما يقرأ ون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة ـ رضي الله عنه  ـ : ويحكم فذاك ميراث محمد ـ صَلَّى الله ُعَلَيِّهِ وَسَلَّمَ ـ. (رواه الطبراني في الكبير)  

عن عمير بن المأمون، قال: سمعت الحسن بن علي يقول:
" من أدام الاختلاف إلى المساجد أصاب ثماني خصال: آية محكمة، وأخا مستفادا، وعلما مستطرفا، ورحمة منتظرة، وكلمة تدله على هدى، وترك الذنوب رجاء أو خشية "  . 

وعن محمد بن المنكدر قال :
  " خلفت زياد بن أبي زياد مولى أبن عياش يخاصم نفسه في المسجد فيقول :
أجلسي أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى من أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟
قال : وكان يقول لنفسه: ومالك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت، ومالك من الثياب إلا هذان الثوبان، ومالك من النساء إلا هذه العجوز، أتحبين أن تموتي؟ فقالت: أنا اصبر على هذا العيش. ( محاسبة النفس لابن أبي الدنيا93 ـ 94 ) .

الحماية الشــــاملة .. من الحرب الشـــاملة ..

الحماية الشــــاملة .. من الحرب الشـــاملة ..   

منذ البداية أعلن الشيطان على عباد الرحمن حربا شاملة ،
 في معركة متواصلة ، يستبيح فيها كل الأسلحة..
 وصرّح دون مواربة أو تورية ما أبلغه الله تعالى لعباده في كتابه العزيز :
{ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)  ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)  } [ الأعراف ]

هذه الحرب الشاملة استوجبت عند أهل الإيمان حماية شاملة دائمة ، فنقرأ في مأثور الدعاء عن الرسول_ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  _ أدعية التأمين الشامل والحماية الشاملة والوقاية العامة، أو الهداية الشاملة في مواجهة جحافل شياطين الإنس والجن ، مثل قوله :
 ( اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، واجعل لي نورا ).
ومن دعائه عليه الصلاة والسلام :
(اللهم احفظني من بين يدي و من خلفي, و عن يميني و عن شمالي و من فوقى , وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ) .
وورد عنه صلوات الله عليه :
( اللهم احفظني بالإسلام قائما, واحفظني بالإسلام قاعدا, واحفظني بالإسلام راقدا , ولا تشمت بي عدوا حاسدا ) .

تلك وغيرها أدعية نستطيع أن نطلق عليها أدعية الحماية الشاملة والوقاية الدائمة .
ولكن كيف مارسها الصالحون من قبلنا ، وكيف فهموها عمليا ؟؟  
الأحنف بن قيس هو أحد التابعين الصالحين، أعمل قانون الحماية الشاملة في النزاع أو الصراع مع الإخوان ، فوضع قاعدة :  
" ما نازعني أحد إلا أخذت أمري بأمور:
 إن كان فوقي عرفتُ له قدره،
وإن كان دوني رفعت قدري عنه،
وإن كان مثلي تفضلت عليه " .

ومن النماذج الفريدة في تطبيق هذه الحماية الشاملة ، ما جاء في التواضع :
قال رجل لبكر بن عبد الله: علمني التواضع.
قال : إذا رأيت من هو اكبر منك فقل: هذا سبقني إلى الإسلام والعمل الصالح فهو خير مني، وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل: سبقته إلى الذنوب والمعاصي فهو خير مني،
وإذا رأيت إخوانك يكرمونك ويعظمونك فقل: هذا فضل أخذوا به،
وإذا رأيت منهم تقصيرا فقل هذا ذنب أحدثته " .

وآخرون طبقوها على العلم : 
قال ابن مهدي ـ رحمه الله ـ: كان الرجل من أهل العلم إذا لقي من هو فوقه في فهو في يوم غنيمته؛ سأله وتعلم منه،
وإذا لقي من هو دونه في العلم، علّمه وتواضع له،
وإذا لقي من هو مثله في العلم ذاكره ودارسه “.

الفهم العميق ، هو حسن التطبيق ..
فما فائدة النور إذا لم يهد حامله إلى الطريق ..
ربنا أتمم لنا نورنا وأدخلنا برحتك في الصالحين .

الحصـــون الخمســــة ....

 

عندما يريد لصا أن يسرق شجرة ، يسرق ثمارها ، فإن لم يكن لها ثمار سرق أغصانها ، فإن لم يكن لها أغصان ، سرق فروعها ، فإن لم يكن لها فروع سرق جذوعها ، فإن لم يجد قلع جذورها ..
ومثله الشيطان عندما يهاجم قلاع الإيمان في النفوس والمجتمعات ..

قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(   تنقض عرى الإسلام عروة عروة، فكلما نقضت عروة تشبث النَّاس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم بما أنزل الله وآخرهن الصلاة  )  
 وفي الحديث الآخر:
 ( أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخره الصلاة ) .
وأول ما يرفع من الصلاة الخشوع ..

نفهم من هذا أن الثمار أول ما يرفع ، فإذا ما سقط حصن هجم الشيطان على الحصن التالي ، ومن جميل ما قال الإمام  الحجاوي ـ رحمه الله ـ :
"  مثل الإيمان كمثل بلدة لها خمس حصون : الأول من ذهب ، والثاني من فضة ، والثالث من حديد ، والرابع من آجر، والخامس من لَبِن  . 
فما زال أهل الحصن متعاهدين حصن اللَّبِن لا يطمع العدو في الثاني ، فإذا أهملوا ذلك طمعوا في الحصن الثاني ثمَّ الثالث، حتى تخرب الحصون كلها .
فكذلك الإيمان في خمس حصون: اليقين، ثم الإخلاص ، ثمّ أداء الفرائض ، ثم السنن، ثم حفظ الآداب ، فما دام المؤمن يحفظ الآداب ويتعاهدها فالشيطان لا يطمع فيه، وإذا ترك الآداب طمع الشيطان في السنن ، ثمّ في الفرائض ، ثم في الإخلاص ثم في اليقين .     

الاثنين، 4 مارس 2013

العمى والصراط المستقيم


     يكثر في القرآن الكريم وصف الكافر بأنه أعمى ، ووصف المؤمن بأنه بصير ، قال تعالى :
﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (19) .
وفي مواقع أخرى كثيرة منها ﴿وَمَثَلُ الذينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بما لا يَسْمَعُ إلا دُعَاءً وَ نِداءً صُمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يَعْقِلون  ( 117 ) ( البقرة)
﴿ ومن كانَ في هَذهِ أعمى فهوَ في الآخرةِ أعمى وَ أَضلُّ سَبِيلا (72) (الإسراء).
الآن إليك هذه الحقيقة العلمية :
إذا أعصبت عيني شخص لن يستطيع السير في خط مستقيم ، وسوف يسير في خط دائري ، ولو وضعت هدفا أمام الإنسان على بعد خمسة أمتار ثم عصبت عينيه لوجدت أنه لا يستطيع الوصول إليه ،  وذلك لأن الجسم ليس متماثلا تماما في نصفيه الأيمن والأيسر ،  لذلك يضيع الإنسان في الضباب ويعود إلى النقطة التي انطلق منها ، وإذا قاد السيارة شخص معصوب العينيين فسوف يجنح خارج الطريق بعد عشرين ثانية .
معصوب العينيين أو الأعمى ببساطة لا يستطيع الوصول إلى هدف لأنه لا يراه ، وإن رآه في لحظة فهو بحاجة لتوجيه سيره من خلال النظر ، فالرؤية متعلقة بتحديد الهدف والتوجه إليه ، ولأن الكافر  يغفل عن الهدف والغاية من الخلق والوجود فهو أعمى ، والمنافق الذي يسير إلى هدف مخالف لما أراده الله فهو أعمى البصيرة .

عرّف المـــوت ..!


من باب أكثروا ذكر هادم اللذات ، وضعت يوما في محرك البحث في الشبكة العالمية( الانترنت )  سؤال : ما هو الموت ؟ فتلقيت الإجابات التالية ، فتأمل فيها  :
Ô الموت حق .
Ô الموت هو هادم اللذات ومفرِّق الجماعات .
Ô الموت هو النهاية الحتمية لكل كائن حي .
Ô الموت هو أن تخلع الروح ملابس الجسد .
Ô الموت هو الانتقال إلى حياة على موجة أخرى مثل محطات الراديو .
Ô الموت هو أن يأكل الدود الصغير الدود الكبير ، والحياة أن يأكل الدود الكبير   
    الدود الصغير .
Ô الموت بوابة حتمية ينتقل فيها الإنسان من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ .
Ô الموت هو الصمت الأبدي .
Ô الموت هو بداية البداية .
Ô الموت ليس أكثر من ترك النفس الإنسانية لآلاتها التي تستعملها ، أي أعضائها التي  
    يًسمّى مجموعها البدن ، كما يترك الصانع آلات عمله ( ابن سينا ).
Ô الموت هو الغروب في حقيقة الحياة .
Ô الموت حاصد لا يعرف القيلولة .
Ô الموت داء لا دواء له ، إلا التقى والعمل الصالح
Ô الموت هو الوجه الآخر للحياة فكيف نعرفه مادمنا نجهل أسرار الحياة .

تبديل الأسماء لا يبدل الأحكام


الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  أشار إلى ذلك وحذّر منه :
روى أحمد وأبو داود عن أبي مالك الأشعري : أنه سمع النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  يقول: "ليشربنَّ ناسٌ من أمتي الخمر ، ويُسمونها بغير اسمها" .
يشير الحديث إلى مسألة نفسية هي أن تغيير الاسم يكون لغاية  ، والغاية هي تغيير الواقع الحقيقي أو تبريره  ، فالخمر كلمة ذات دلالة خبيثة ، هكذا تراكمت عبر التاريخ ، وهي حرام في المجتمعات الإسلامية تحط من قيمة شاربها ، لذا حرص شاربوها على أن يغيروا اسمها ، ولكن حقيقتها هي ذاتها ، فكل مسكر حرام .
الدلالة الحقيقية هي ما سمته الآية " سلطان " في قوله تعالى :
﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وآباؤكم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( يوسف : 40 )
الدكتور عبد الوهاب المسيري مؤلف موسوعة الصهيونية يقول أن وزارة الخارجية الأمريكية لديها جهاز متخصص في تحديد المصطلحات وإطلاق التسميات ، تلك التسميات التي يتبناها المسلمون جهلا ، وبعد التبني تأتي مرحلة قبول الناس بالواقع الذي يعبِّر عنه المصطلح الماكر ، والأمثلة كثيرة .

عصر داحس والغبراء وعصر العصباء


نقرأ الآية التالية من سورة الروم ، ونتدبَّـر ما فيها من عِظة :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
تقرر الآية الأولى قانونا ربانيا يتمثّل في الانتقال من مرحلة إلى أخرى ، بترتيب لا استثناء فيه ، فهو ينتقل من مرحلة  الضعف إلى القوة حتى يصل قمتها ، ثم يبدأ بالانحدار من قمة القوة  ، ويبدأ بالعد التنازلي حتى يصل إلى مرحلة الضعف وهكذا تدور الدائرة  ، ولكن الإنسان يحاول إنكار هذا القانون وتزيفيه ، فتراه يكره الضعف وينكره ، ويرفض الاعتراف بالهزيمة ويبررها ويسميها بغير أسمائها ، أنظروا كيف سمينا هزيمة حزيران الفظيعة بالنكسة والوكسة ، وكيف قلنا أننا لم نهزم مادام الرئيس حيا ولم ينجحوا في القضاء عليه، وقد سقطت بيت المقدس وتشرد الناس !!!
وضع الله تعالى في هذه الدنيا قوانين من عاندها وأنكرها  أوهى قرنه وهو يناطح الصخر ، ولا يغيِّـر من الأمر شيئا ، ومن هذه القوانين قانون القوة والضعف ، في الأشياء والناس والحركات والدول ، والقانون هو ضعف ثم قوة ثم ضعف ، فالقوي لا يظل قويا إلى الأبد ، والضعيف لن يبقى ضعيفا إلى الأبد ، وكذلك الفقراء والأغنياء ، والحكام والمحكومين ،  وإلى ذلك تشير الآية الكريمة ، وهكذا فهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ  وفهم الصالحون الآية  ، فتراهم يرددون معناها بطرق شتى ، ويقبلون الضعف ويستعدون له كما يستعدون للموت .
 أما الجاهليون قديما وحديثا فهم وإن كانوا يعرفون هذا القانون فهم غير مستعدين للاعتراف به سلوكيا  ، ويرفضون قبوله واقعا في حياتهم ،  ويحاربون مظاهر الضعف التي قد تبدو في صورهم  ، فتراهم يصبغون الشعر ويشدون جلد الوجه ، ويزيفون نتائج الانتخابات ، وهاتان قصتان لسباقين ، الأول في العصر الجاهلي عصر العمى والظلام والثاني في عصر الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  عصر الهداية والنور .  
كان داحس فرسا لقيس بن زهير سيد بني عبس ، والغبراء فرسا لحمل بن بدر سيد بني فزارة من ذبيان  فتراهنا عليهما بمئة بعير . وكان يوم السباق في موضع يسمى (ذات الأصاد وأُرسل الفرسان فبرز داحس عن الغبراء حتى شارف على النهاية ، ولكن صاحب الغبراء وضع عبيدا له في كمين ، ليعيقوا داحس إذا سبق ، ودنا من الكمين فوثب العبيد عليه ، ولطموه على رأسه ، وردوه فسبقت الغبراء ، وبعث حذيفة بن بدر اخو حمل ابنه مالكاً إلى قيس بن زهير يطلب منه حق السباق ، فأبى قيس دفعها ، وقتل مالكاً فوقعت الحرب بين القبيلتين ، تلك الحرب التي أكلت رؤوس الكثير من الناس .
وحدث سباق آخر في عصر الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ، ولكن بنزاهة وصدق ، فما الموقف ؟
عن أنس : كان للرسول صلى ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ناقة تسمى الغصباء ، وكانت مشهورة بين العرب بسرعتها ، ولا تسبقها ناقة ، غير أن أعرابيا أشعث أغبر ، رثَّ الثياب ، جاء من البادية وهو يسوق قعودا كي ينافس ناقة الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  الغصباء ، وجرى السباق ، وفاز قعود الأعرابي على ناقة الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ، فأراد الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ   أن يعلِّم المسلمين درسا عظيما في سنة الله في خلقه ، فقال  : " حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه " .

الرشــــوة والهـــــدية...!!

بعث الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ عبد الله بن رواحة إلى خيبر يخرص النخل ( يقدر التمر على النخل ) بينه وبين يهود خيبر ، فجمعوا له حليّـًا من حليِّ نسائهم ، فقالوا له : هذا لك ، وخفف عنّا وتجاوز في القسمة. فقال عبد الله : يا معشر يهود ، والله إنكم أبغض خلق الله إليّ ، وما ذلك بحاملي على أن أحيف عليكم ، فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها السحت وإنا لن نأكلها ، فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض !!
بين الحلال والحرام شعرة دقيقة ، لذلك جاء الدين ليبين هذه الشعرة ، فالقرآن مبين ، والرسول مبين ، ونحن بأمس الحاجة لهذا التبيين ، ولولاه لهمنا مع الهائمين في الكفر والضلال ، فالذي يفرق بين الزواج الحلال والزنا الحرام هو العقد ، أو الورقة أما العملية بحد ذاتها فهي متشابهة ، وما يفرق بين الربا والبيع هو وجود السلعة أما زيادة رأس المال فواحدة ، لذا حذرنا الله بقوله ﴿ وقالوا إنما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا ، هنا يجب الانتباه لنعرف الفرق بين الرشوة والهدية ، وإن كان كلاهما في المظهر واحد .
في قصة سيدنا سليمان مع ملكة سبأ عبرة يجدر التوقف عندها ، فبعد معرفة سليمان أن أهل سبأ يعبدون الشمس من دون الله ، أرسل إليها بكتاب جاء فيه ﴿ ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين رسالة واضحة أن اتركوا عبادة الشمس وأسلموا لله رب العالمين ، فكان رأي الملكة أن تستميل رأيه بهدية : ﴿ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون * فلما جاء سليمان قال أتمدوننِ بمال فما آتاني الله خيرا مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ونسب الهدية لهم لأنها لم تكن هدية بل كانت رشوة ليعود عن مهاجمة بلادها . الهدية مستحبة والمسلم مدعو لأدائها وقبولها ، والرشوة من الكبائر مطلوب من المسلم اجتنابها وتركها ،   فما الفرق بين الهدية والرشوة ؟؟
نجمع الفروق بينهما من حيث الطريقة والغاية :
·       فالهدية مقصدها استمالة القلوب وتعميق المحبة ، والرشوة غايتها تغير المواقف والآراء .
·        الهدية نتيجة علاقة أو لترسيخ علاقة ، الرشوة وراءها مصلحة ، وغالبا ما تكون مخالفة للحق .
·        الهدية تقدم بعد الطلب ، والرشوة تقدم قبل الطلب تلميحا أو تصريحا .
·        الهدية لها مناسبة تخص المُهدى إليه ، والرشوة لها مناسبة تخص المَهدي .
·       الرشوة يسبقها أو يليها شرط ، أما الهدية فلا شرط فيها .
وعلامة قبول الرشوة هي قبول الكذب ، لقوله تعالى : ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ . وسمي المال الحرام سحتا لأنه يسحت ( يستأصل ) الطاعات ، وقيل لأنه يسحت المروءة ، ومن لا دين له لا مروءة له ، وعن النبي  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ أَنَّهُ قَالَ : ( كُلّ لَحْم نَبَتَ بِالسُّحْتِ فَالنَّار أَوْلَى بِهِ ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه ; وَمَا السُّحْت ؟ قَالَ : ( الرِّشْوَة فِي الْحُكْم ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِذَا اِرْتَشَى الْحَاكِم اِنْعَزَلَ فِي الْوَقْت وَإِنْ لَمْ يُعْزَل , بَطَلَ كُلّ حُكْم حَكَمَ بِهِ بَعْد ذَلِكَ .
قال الركن محمود شيت خطاب : " إن الذي أعلمه علم اليقين ولا أشك فيه أبدا أن الملوّث جنسيا أو جيبيا لا يمكن أن يقاتل في الحرب كما يقاتل الرجال ، وأريد بالملوّث جنسيا الذي تردى في مهاوي الرذيلة ، وأقصد بالملوّث جيبيّـًا الذي دخل جيبه المال الحرام رشوة وغشا .. "
لذا شدد الإسلام في مسألة الرشوة لأنها تفسد النفوس وتضيع الحقوق وتهدم المجتمعات ، وحثّ على الهدية لأنها تربط القلوب وتبني المجتمعات . 
وقديما قالوا : إذا دخلت الرشوة من الشباك ، خرجت الأمانة من الباب .

مراتب الإنسان في القرآن

الناس مولعون بالتصنيف ، الطفل يصِّنف ألعابه ، والناس تصنف أغراضها، والقرآن الكريم يصنف الناس ، ومراتب الإنسان كما بين القرآن من الأعلى إلى الأدنى :
1 ـ الإنسان خليفة الله في الأرض:  والدليل قول الله تعالى ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾وهذا مقام لا يعدله مقام على الأرض ، إذ جعل الله تعالى الإنسان خليفته .  
2 ـ  الإنسان أكرم مخلوقات الأرض :كرّم الله تعالى الإنسان بقوله: ﴿  ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا
 الإنسان أذكى مخلوقات الأرض وأقواها:قال تعالى: ﴿علَم الإنسان مالم يعلم﴾ فقد استطاع آدم عليه السلام أن يسمِّي ما عجزت حتى الملائكة عن تسميته، والحضارات البشرية المتنوعة بأرجاء الأرض قديمها وحديثها تشهد على عظمة العقل البشري.
 4 ـ بعض الناس حيوانات عاقلة : ودليل صدقها قوله تعالى: ﴿والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ﴾ والأنعام معروفة وهي الغنم والبقر والإبل. وهذه البهائم لا تعرف كبح شهوات بطونها وفروجها من ذاتها ما لم تجبر على ذلك بمانع خارجي لا يمت لإرادتها بصلة.وكثير من الناس يفعلون فعل الحيوانات فإذا اشتهى احدهم شيئاً فانه يظل يلهث كالكلب وراء بطنه وفرجه حتى يشبع أو يمنعه مانع خارجي، دون أن يكبح نفسه بنفسه.والاختلاف بينه وبين غيره من الحيوانات يكمن في حجم دماغه فقط.فقد خلق الله له دماغاً جباراً لا يجاريه دماغ أي حيوان آخر. إذن فمثل هذا الإنسان هو حيوان ولكن…عاقل.  
5 ـ بعض الناس حيوانات ناطقة أو خرساءعبارة اشد قسوة من سابقتها.وقد تكون صحيحة والله اعلم.فبعضهم ليس فقط حيوان عاقل، بل حيوان.فالإنسان الذي أصبح حيواناً عاقلاً، سيستمتع بعقله ويحرص على نيل شهواته الحيوانية بأقصى قدر من السلامة، أما الحيوان العديم العقل فسيغرق في شهواته التي ستعجّل بهلاكه.وفي الحقيقة أن بعض الناس حيوانات خرساء،قال تعالى: ﴿ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون
6 ـ بعض الناس أضلُّ من الحيوانوينحدر بعض الناس لرتبة هي أقل من الحيوانات ،  قال تعالى: ﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا﴾.وقال تعالى: ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون (الأعراف ).فهذه الآيات توصف بعض البشر بأنهم أضل من الأنعام.وقال تعالى: ﴿ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون(171) ﴾.(البقرة ).
7 ـ  بعض الناس شياطينعبارة صحيحة كذلك.وتثبتها الآيات من سورة الناس ﴿ من شر الوسواس الخناس* الذي يوسوس في صدور الناس *من الجنة والناس ﴾ فالوسواس الخناس لا يكون جنياً فقط،بل ويكون إنسانا أيضا.وهذه ولا شك صفة من صفات الشيطان.ولكن الآية الحاسمة هنا هي:" ﴿وكذلك جعلنا لكل نبيٍ عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غروراً"( 112) (الأنعام وقال تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ وقد تدل (شياطينهم) على شياطين الإنس.
( عن شبكة سلسبيل الإسلامية بتصرف )