الاثنين، 4 مارس 2013

إخـــــلاص النيّــــــة


يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :
أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث : ( الأعمال بالنيَّات ) و ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ) و ( الحلال بيّن والحرام بيّن ) .
   ما الذي جعل الإمام أحمد يضع حديث النيات كأحد ثلاثة محاور يدور حولها الإسلام وقد روي عن الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ   عشرات  آلاف الأحاديث  ؟
3أولا لأن النيّة هي معيار قبول العمل عند الله تعالى ، ومن لا نيّة له لا عمل له .
3ثانيا لأن النيّة هي التي تعطي القيمة للعمل فهي التي تزيد الأجر أو تقلله .
3ثالثا لأن النية حسنة بلا عمل ، فمن همّ بحسنة ولم يعملها كُتبت له حسنة . 
3رابعا لأن النية تقلب عادات الإنسان وحركاته الاعتيادية إلى عبادة خالصة ،  
     فالشخص الذي ينام ناوبا قيام الليل تكون أنفاسه وهو يغط في نومه ذكرا لله .

لكل ذلك وغيره اهتم السلف الصالح بالنية أيما اهتمام، فلا يكاد يخلو منها كلامهم. يقول مطرف بن عبد الله :"صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية " وقال ابن عجلان :" لا يصلح العمل إلا بثلاث: التقوى، والنية والسداد " .

الآن تدبر هذا الحديث الذي يرويه  عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " سمعت رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  يقول : "إنما الأعمال بالنيِّات، ولكلِّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
هنا سؤالان مهمان :  ماذا تريد أن تفعل ؟ ولماذا تريد فعل ذلك ؟
ماذا تريد أن تفعل ا؟ سؤال متعلق بصحة العمل، ولماذا ، يراد به الثواب على العمل.  
فعـلى كل مسلم مكلف أن يحدد الأعمال التي يريد ثوابها من الله تحديداً واضحاً وأن يقصد بذلك العمل وجه الله تعالى، إما خوفاً من عقابه وإما طمعاً في جنته أو طلباً لمرضاته .
ترى لو عملت عند رجل في حقله ، وذهبت تطلب الأجرة من جاره  هل يعطيك شيئا ؟  ترى لو أرسلك رئيسك في العمل لتحضر ورقا وأحضرت له فواكه هل يقبل منك ؟
جاء في الحديث : ( من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك )
كيف يعرف المسلم أن عمله خالصا لوجه الله تعالى ؟؟ إليك علامات الإخلاص عند المؤمن  :أن يكون  عمل السر عنده أكبر من عمل العلانية  ، أن يتقن  العمل في السر  ، أن يداوم  على العمل في السراء والضراء ،أن يحرص  على إخفاء العمل ، أن يبادر إلى للعمل ويحتسب الأجر ، أن يصبر ويتحمل ولا يتشكي .
وقف جيش (مسلمة بن عبد الملك )عاجزا أمام أحد الحصون ، ونظر فوجدا في سوره نقبا ، فندب الجنود للدخول منه ، فخرج رجل من الجيش ودخل النقب ، ففتح الله على يديه الحصن ، فأراد مسلمة أن يكافئ صاحب النقب ، فنادى المنادي : إن الأمير يعزم على صاحب النقب أن يدخل عليه ليكافئه على حسن فعله .
فخرج من عرض الجيش رجل ملثم غير معروف ، وأراد الدخول على الأمير ، فقال له الحاجب : أنت صاحب النقب . فقال : أما أخبركم به . ولما مثل بين يدي الأمير قال له  : أيها الأمير ، إن صاحب النقب يشترط عليكم ثلاثة شروط ، حتى يعرفكم بنفسه ، قال مسلمة : له ذلك ، فقال : أن لا تسألوا عن اسمه أو اسم أبيه ، وأن لا ترسلوا اسمه للخليفة ، وأن لا تأمروا له بعطاء . ثم كشف الرجل عن وجهه وقال أنا صاحب النقب . فبكى مسلمة ، وكان يدعو في صلاته : اللهم احشرني مع صاحب النقب .

احـــذروا القــــرآن ..!


جاء في كتاب قبسات من حياة الصحابة :
 أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لقد عشت برهة من دهري ، وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على محمد ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  فيتعلم حلالها وحرامها ، وما ينبغي أن يقف عنده منها ، كما تعلمون أنتم القرآن ، ثمّ لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرا ما بين الفاتحة إلى خاتمته ، ما يدري ما آمره ولا زاجره ، وما ينبغي أن يقف عنده . 
فالإيمان هو الأساس ، والإيمان طاقة قلبية يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ، تلك مسألة اتفق عليها العلماء ، ويصدقها واقع الحال ، وإذا حل النفاق محل الإيمان تبدلت القاعدة ،  قال تعالى :
﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ( 124 ) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ( التوبة ) .
وقال جل ثناؤه : ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (يونس:101).
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (82)
والآن صار بالإمكان أن نفهم دور القرآن في زيادة الإيمان أو نقصانه عند من يسمعه ، وصار من الواجب أن يعرض المرء قلبه على ميزان القرآن ليعلم في أي حال هو قلبه ، ويسأل نفسه أسئلة لا يجيب عنها إلا هو ذاته .
عندما تقرأ أو تسمع آيات تحدثك عن نعيم الجنة ، عن أنهارها وأشجارها وظلالها ، وعن أزواجها ودرجاتها ، هل تزيدك تلك الآيات رغبة في دخولها ، وتشذ همتك  ؟
عندما تقرأ أو تسمع عن عذاب جهنم وأهوالها، وعن دركاتها وسعيرها وخزنتها، هل تزيدك تلك الآيات رهبة منها ، وتشحذ همتك  ؟
ذات يوم قبل بضعة أعوام ، تجمع الناس حول مسجد البيرة الكبير للمشاركة في جنازة أحد قادة الأحزاب اليسارية ، ولم أرغب في الصلاة عليه كما فعل الكثيرون ، وخرجت أنظر مع الناظرين ، وتصادف أن وقفت بجوار عدد من مراسلي وكالات الإعلام ، الذين لا يزورون المساجد إلا للتصوير من الخارج ، وكانت آيات تتلى من على مئذنة المسجد ، لا أدري أهي المصادفة أم أن واضع الشريط في المسجل قصدها ، وكانت الآيات :
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) (الحاقة ) .
وهي آيات تقرع القلوب وتقشعر منها جلود المؤمنين ، لما فيها من ترهيب وسوء عقاب ، خاصة لمن يعلم معنى واسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ، وسمعت بعض الناس يقولون : اللهم عافنا واعف عنا ، وسمعت بعض الصحافيين يتبادلون النكات حول الآيات ، ويستهزئون بمعانيها ، فهل يعلمون بما يهزؤون ؟؟
الله إنا نبرأ إليك مما يأفكون ..

تـرك الخشـــوع مقدمة لترك الصلاة


 
يقول حذيفة بن اليمان :
"أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ، ورُبَّ مصلٍّ لا خير فيه ، ويوشك أن تدخل مسجدَ الجماعة فلا ترى فيهم خاشعا ".
فالصلاة بلا خشوع كالجسد بلا روح ، القبر أفضل مكان له ،  كالشجر بلا ماء لا ينفع له إلا القطع  ، كالجهاز بلا كهرباء إخراجه من البيت مطلب ، وهكذا ترى الناس يتخلون عن الصلاة  لأنها كبيرة إلا على الخاشعين . 
ودرجة الخشوع هي درجة الصلاة ، يقول الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ   : { إن العبد لينصرف من صلاته، ولم يكتب له منها إلا نصفُها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها، إلا سبعها، إلا ثمنها، إلا تسعها، إلا عشرها } .
فما الذي يجعل درجتك  في عبادة  الصلاة عشرا من عشرٍ ، أو واحدة من عشرٍ ؟!
إنه الخشوع ، والخشوع في اللغة : الذُل و السكون . وفي الاصطلاح يعرّفه  الإمام ابن القيم بأنه: (خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوَجل والخجل والحب والحياء، وشهود نِعم الله، وجناياته هو، فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح) .
ولكي يتحقق الخشوع يقترح العلماء والصالحين أمورا كثيرة منها ما هو قبل الصلاة ، ومنها ما هو أثناء الصلاة :
يقول الغزالي : فينبغي للإنسان إذا أقبل على الصلاة أن يحضر قلبه ، ويفرغه من الوسواس ، وخبائث الشهوات ، ويعلم أن الله مطَّلع على سريرته ، ناظر إلى قلبه ، وإنما يُقبل من صلاته بقدر خشوعه ، وتضرعه ، وتذلـله ، فإن لم يحضر قلبه هكذا فهو لقصور معرفته بجلال الله تعالى ، فيقدِّر أن رجلا صالحا من وجوه الناس ينظر إليه ، ليعرف كيف صلاته ، فعند ذلك يحضر قلبه وتسكن جوارحه ، فإذا قدَّر إطلاع عبد ذليل لا ينفع ولا يضر يخشع له ، ولا يخشع لخالقه ، فما أشد طغيانه وجهله !
وكان حاتم الأصمّ يُسأل: كيف حالك إذا دخلتَ الصلاة ؟ فيقول: إذا دخلت الصلاة جعلت كأنّ الكعبة أمامي ، والموت ورائي ، والجنة عن يميني ، والنار عن شمالي ، والصراط تحت قدميَّ ، والله مطّلع عليّ، فإذا سلّمت لا أدري أقبِلها الله أم ردّها عليّ.
وعند القيام بحركات الصلاة :
سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن تأويل حركات الصلاة ، فأجاب :
 رفع اليدين بالتكبير معناه : الله أكبر الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء ، لا يلمس بالأخماس ولا يدرك بالحواس .
مدُّ العنق في الركوع تأويله :  آمنت بوحدانيتك ، ولو ضربت عنقي .
رفع الرأس بعد الركوع والقول سمع الله لمن حمده أو ربنا لك الحمد : تأويله الحمد لله رب العالمين الذي أخرجني من العدم إلى الوجود .
أما السجدة الأولى فتأويلها اللهم من الأرض خلقتنا ، ورفع الرأس منها أخرجتنا ، والسجدة الثانية إليها تعيدنا ، ورفع الرأس مرة أخرى ومنها تخرجنا مرة أخرى .
وقال تأويل قعودك على جانبك الأيسر ورفع رجلك اليمنى وطرحك اليسرى : اللهم إني أقمت الحق ، وأمتّ الباطل ، أما التشهد فهو تجديد الإيمان ومعاودة الإسلام والإقرار بالبعث بعد الموت .   
عن عبادة بن الصامت ، قال  رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : { إذا أحسن الرجل الصلاة فأتم ركوعها وسجودها ،قالت الصلاة : حفظك الله كم حفظتني ، فتُرفع ، وإذا أساء الصلاة فلم يُتمَّ ركوعها وسجودها ،قالت الصلاة : ضيَّعك الله كما ضيعتني ، فتُلفُّ كما الثوب الخَلِق ، فيُضرب بها وجهه } .

الخميس، 28 فبراير 2013

ريــــاضة النفــــــوس

ريــــاضة النفــــــوس

  أذكر يوما أني صحبت أخا يدرّب الكاراتيه في سفر طويل شاق،وعدنا إلى بيته في ساعة متأخرة ، وكنّا في غاية الإرهاق ، أما أنا فألقيت نفسي على الأريكة كالقتيل ، أما هو فتخفف من ثيابه ، وبدأ يقفز ويضرب في الهواء ، حتى تصبب جسده بالعرق ، قلت له : سبحان الله ، بعد كل هذا السفر والتعب عندك طاقة لكي تتدرب !! فقال : شعرت بأن جسمي يؤلمني فأرحته بالتدريب .  فتذكرت ذات يوم التحقت به بدورة كاراتيه لأيام معدودات كانت أشقُّ عليَّ من حمل الجبال وأكل الحصى ، فما الذي جعل التعب عند أخي راحة ؟

هل يستطيع المسلم أن يصل إلى مرحلة لو تأخر عن قيام الليل لاضطربت نفسه ، وقلقت فلا دواء لها إلا في القيام بين يدي الله تعالى ؟

هل يستطيع المسلم أن يصل إلى درجة لو فاتته قراءة القرآن لأصيب بالغمِّ والهمِّ حتى يقوم إلى ورده يقرأه ؟

هل يستطيع المسلم أن يصل إلى حالة من حب الخير لدرجة أنه إن نسي أن يغيث ملهوفا ، أو يتصدق بصدقة ، قام من ليله وبحث عن باب خير يدخل فيه ؟

واختصارا هل يستطيع المسلم أن يصل إلى مرحلة يستلذ فيها بالطاعات ، وَتَتَكدر نفسه إذا قصَّر عنها أو أَغْفَلها ؟؟ 

نعم يستطيع ، فانظر لنفسك أخي مقيم الصلاة كيف تثور نفسك إذا جاء موعد الصلاة ، وكيف ترتاح نفسك إذا أديت الفريضة ، ولو نظرت في السبب لوجدت اليقين وطول المجاهدة ، ومن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل .

قال محمد بن المنكدر من التابعين : كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت .

قال أبو يزيد البسطامي : ما زلت أشوّق نفسي إلى الله وهي تبكي ، حتى حملتني إليه وهي تضحك .

  وجاء في كتاب ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) :" ولا يزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه وتعالى عليه برحمته الملائكة تؤزه عليها أزّا وتحرّضه عليها ، وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها ، ولا يزال يألف المعاصي ويؤثرها ويحبها حتى يرسل الله إليه الشياطين فتؤزه إليها أزّاً ، فالأول قوّى جند الطاعة بالمدد ، فكانوا من أعوانه ، والآخر قوّى جند المعصية بالمدد فكانوا أعوانا عليه".

ولله در الشاعر يوم قال :

هـي الأخـلاق تنبـت كالنبـات    إذا سُـقيت بمـاء المكرمـات

وجاء في الحديث الشريف عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودا ،فأيُّ قلب أُشربها نُكِت[ نُقطت] فيه نكتة سوداء  ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير القلوب على قلبين ، على أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مرباداً [ شديد السواد ] كالكوز مجخيّاً[ مكبوباً] لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه ) .

ومن الشعر :

لا تحسب المجد تمرا أنت آكله

وقال آخر :

لا يؤيسنّك من مجد تباعده
إن القناة التي شاهدت رفعتها


 

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصخرا

فإن للمجد تدريجا وترتيبا
تنمو أنبوبا فأنبوبا

الثلاثاء، 26 فبراير 2013

أتريد رؤية الله ..!!


 
أتريد رؤية الله سبحانه وتعالى  ؟!
إذا كنت تطلب ذلك الدنيا فاعلم أنك تطلب ما طلبه قوم موسى عليه السلام ،  وانتظر بعدها صاعقة تأخذك فورا :﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تنْظُرون ، فلو كانت رؤية الله سبحانه وتعالى ممكنة في الدنيا لكان أولى الناس بها الأنبياء والرسل عليهم السلام ، واسمع لهذا الحوار الرباني في طور سيناء وقد تم ميقات الله تعالى لموسى عليه السلام :
﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
لماذا ينقلب السائل مصعوقا ؟! لأن الله سبحانه : ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ . فالله تعالى أعظم وأجل من أن يُرى في هذه الدنيا الدنية التي لا تعدل عنده جناح بعوضة ، لذلك قال موسى عليه السلام لمّا أفاق :"سبحانك " تنزيها لله عن كل نقص.
ولكن الشوق يقتلك لرؤية وجهه الكريم !
لأنك إن سمعت عن رجل كثير الكرم جواد لأحببت أن تراه وتكلمه ، فوا شوقاه  لرؤية أكرم الأكرمين  وأجود الأجودين ، الله جلّ في علاه !!
ولو حدثوك عن رجل قوي ، ويأتي بالعجائب لبذلت مالا لكي تذهب وتشاهده ، فوا شوقاه لرؤية خالق الأقوياء  ،  قاصم الجبابرة ، الله جل في علاه !!
فمتى نراه جلّ في علاه !!
( واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ) هكذا أخبرنا الصادق الأمين ..
فهذا الغطاء الأول ، الذي يُكشف عن البصر :
﴿ لَقَدْ كُنْتَ ِفي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاَءَك فَبَصَرُكَ اليَوْمِ حَدِيدٌ
 وفي الحديث الذي يرويه البخاري :
[ ‏قال أناس يا رسول الله : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال :‏ ‏هل ‏ ‏تضَّارون ‏ ‏في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا ، يا رسول الله .  قال : هل ‏ ‏تضَّارون ‏ ‏في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا ، يا رسول الله . قال :  فإنكم ترونه يوم القيامة .. ]
الجسر الأول هو الموت ، والجسر الثاني هو اجتياز الصراط ودخول الجنة ..
أما الكفار المكذبين بيوم الدين ، فهم ﴿ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فهم لا يستحقون هذه النعمة العظيمة ، فقد غفلوا عن آيات الله في الدنيا ولم يروها فلا حظ لهم في تلك الهبة التي لا وصف لعظمها :
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
وشتان بين الفريقين يوم القيامة كما توضح سورة القيامة  :
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22 )  إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23 ) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24 ) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ  ( 25)  

يا أرحم الراحمين ، نسألك بفضلك حسن الخاتمة ، ونسألك بعفوك جواز الصراط ، ونسألك أن تجعل كتابنا بيميننا مع الأبرار والصديقين ، ونسألك شربة من يد نبيك لا نظمأ بعدها أبدا ، وحياة لا نموت بعدها أبدا ، وسعادة لا نشقى بعدها أبدا ، ونظرة إلى وجهك الكريم لا نسأل بعدها شيئا .

من يتقِ الله يجعل له مخرجا ..


متى يبحث الإنسان عن مخرج ؟
أصحاب المغارة لما سدَّت صخرة بابها ، وعلموا أن لا حيلة لهم بحثوا عن مخرج ، صاحب الدَّين الثقيل الذي أغلقت عليه أبواب الرزق يبحث عن مخرج ، وكل من يقع في ضيق يبحث عن مخرج ، فهل يجرِّب طريق التقوى أم طريق المعصية ؟؟   
هذا تاجر تجمعت عليه الديون من كل جانب ، وكسدت بضاعته على كل حال ، وضاقت عليه الدنيا حتى لا يكاد يجد مخرجا ، فماذا يفعل بالعادة ؟
يبدأ بالكذب في أقواله ، وبإخلاف مواعيده ، ويأخذ يغش في بيعه ، ظنَّا منه أن في ذلك منجاته ، فيكون قد خسر الدنيا والآخرة .
وأعرف طالبا في امتحان التوجيهي استعصت عليه الإجابة ، وعقد الشيطان على عقله ، فبدأ بالسباب والشتائم ، ونطق بكلمة الكفر . وربما تعرفون أمثلة كثيرة من واقع الحال ، عند الحواجز ، وعند اختناقات السير ، فالمخرج عند أشباه هؤلاء هو الكفر والعصيان ، وشعار أمثال هؤلاء " مسبة الدين في وقتها تسبيح " والعياذ بالله .
الله  جلّ وعلا في سورة الطلاق يقول :
﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا( 2)  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ( 3 )
وجاء في نفس السورة :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا  ( 4 )
ذكر الأستاذ عمر خالد في أحد دروسه القصة التالية  : 
كان لي صديق يعمل في إحدى الفنادق الكبيرة بالقاهرة،وكان من ضمن مهام مهنته أن يُعدَّ لحفلات تُرتكب فيها محرمات،وبينما هو يعد قائمة بالمطلوب لإحدى هذه الحفلات،نظر أمامه فإذا بالشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- يتناول الطعام أمامه في المطعم، فتيقظ ضميره وشعر أنه يأتي مُحرَّماً ،فما كان منه إلا أن ترك ما بيده وذهب إليه يسأله،هل ما أفعله بوظيفتي حلال أم حرام؟ فقال له:" إنه حرام"،فقال له "فماذا أفعل ؟" فقال له:" اتركها"،فرد الشاب "إن لي زوجة وأولادا،فمن أين سنجد قوتنا؟"،فردَّ عليه الشيخ الجليل:" بابني إنه (من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب)"،فقال له:" إذن أظل بوظيفتي حتى أجد غيرها ثم أتركها"،فرد الشيخ الشعراوي بحزم:" يا بني إنه يقول:من يتقِ الله (أولاً) يجعل له مخرجاً (بعد ذلك)...فكيف تريده أن يجعل لك مخرجاً وأنت لم تتقه؟"
فظل الشاب يفك
ِّر حتى هداه الله تعالى إلى كتابة الاستقالة والتوكل عليه سبحانه،ولكنه قبل أن يتمَّ كتابتها إذا بمدير سلسلة الفنادق التي ينتمي إليها هذا الفندق يتصل به ويقول:"أريد أن أخبرك بشيء،فردَّ الشاب وأنا أيضاً أريد أن أخبرك بشيء-يعني الاستقالة- ولكن المدير قال له: "سأقول لك أنا أولاً: لدينا وظيفة شاغرة لمدير فرعنا بالمدينة المنورة وقد اخترتك لها،فما رأيك؟!!!"

ويقول الدكتور "عبد الله الخاطر" الذي كان يعيش في انجلترا لدراسة الدكتوراه:
"التقيت بشاب إنجليزي يعيش في جنوب لندن،وقد أسلم حديثاً،وبعد إسلامه بثلاثة أسابيع عثر على وظيفة ، فحاول غيره من الشباب المسلمين أن يحذروه من أن يقول أنه قد أسلم حين يذهب للمقابلة الشخصية،حتى لا يكون ذلك سبباً في عدم قبوله،فيتأثر نفسياً فيرتد عن دينه،إلا أن هذا الشاب توكل على ربه ولم يخشهم،فذكر لأصحاب العمل أنه قد أسلم وكان اسمه"رود"، فأصبح "عمر"، وقال لهم أيضاً بفخر:"لقد غيرت ديني واسمي وأريد وظيفة تتيح لي وقتاً للصلاة، فما كان منهم إلا أن قبلوه في تلك الوظيفة!!! وكان الأمر أعجب عندما قالوا له:" إننا نريد في هذه الوظيفة رجلاً عنده القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة وأنت عندك قدرة عظيمة جداً في اتخاذها،فقد غيرت اسمك ودينك وهذا إنجاز كبير!!!

لكل شيء حقيقة ....!!


لكل شيء حقيقة ....!!

لكل شيء حقيقة تدلُّ عليه وتثبته، قضية فطرية يدركها الصغار والكبار ، لأن لكلِّ شيء دليل يدل عليه ، ويتفاوت الناس في إدراك الدليل ، تفاوتهم في النضج والمعرفة .الصغار في بلادنا لديهم طرق لطيفة في إثبات دليل الصيام  ، فعندما يقول الصغير : أنا صائم يقولون له أخرج لسانك ، فإذا كان اللسان أحمر ورديَّا ، فيقولون له لا أنت مفطر ، أما إذا كان ورديا مائلا للبياض فيقولون نعم أنت صائم ، وبعضهم تعلّم أن يكشف عن الصوم من خلال جلد ظاهر اليد ، فيمسك الجلد بين الأصابع فإذا كان رخوا كان الصغير صائما ، وإذا كان مشدودا كان الصغير مفطرا ، وعند الكشف وظهور الإفطار يتهكمون عليه منشدين  :" يا مفطر رمضان الله يا قليل دينك          كلبتنا السمرا تشـحوط مصارينك "في هذه الكلمات البسيطة البريئة معانٍ عميقة توافق ما جاء عن الصيام ، أولها أن رمضان لله ، ويوافق ذلك ما جاء في الحديث القدسي : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به )  ، وثانيها أن الإفطار دليل على قلّة الدين ، و المفطر شخص دينه ضعيف وقليل ، وثالثها أن المفطر في رمضان هو شخص غلبت عليه شهوة بطنه ، وقدمها على دينه ، لذلك يستحق العقاب بأن ( تشحوط)  الكلبة السمراء ـ رمز الشراهة والسوء وقرينة الشياطين ـ  أمعاءه التي قدَّم طلبها على أوامر الله تعالى ، ورابعها أن عاجل العقاب والثواب هو ما يُفضِّله الأطفال  .   يفعل الصغار ذلك لأنهم يعرفون بالفطرة أن الشيء يحتاج إلى دليل أو لكل شيء حقيقة تدل عليه ، فالدليل السلوكي هو الذي يثبت ما في القلب أو ينفيه  ، وكذلك تعارف العلماء أن الإيمان في جوهره ما وقر في القلب ونطق به اللسان وصدقت به الجوارح .جاء في كتاب ( قبسات من حياة الصحابة ) أخرج ( ابن عساكر ) عن ( أنس ) رضي الله عنه قال :( إن الرسول دخل المسجد ، والحارث بن مالك راقد ، فحرَّكه برجله ، وقال : ارفع رأسك ، فرفع رأسه ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فقال النبي : كيف أصبحت يا حارث بن مالك ؟ قال : أصبحت مؤمنا حقا . قال : إن لكل شيء حقيقة ، فما حقيقة ما تقول ؟ قال : عزفت عن الدنيا ، وأظمأت نهاري ،و أسهرت ليلي ، وكأنّي أنظر إلى عرش ربي ، وكأني انظر إلى أهل الجنة فيها يتزاورون ، وإلى أهل النار يتعاوون ، فقال النبي : أنت امرؤ نوّر الله قلبك ، عرفت فالزم . وفي رواية : قال : يا رسول الله ، ادعُ لي بالشهادة ، فدعا له ، فقال : فنودي يوما : يا خيل الله اركبي ، فكان أول فارس ركب ، وأول فارس استُشهد )
الحديث يشير إلى فضل الزهد في الدنيا وصيام النهار وقيام الليل ، تلك الطاعات التي تجعل زجاجة القلب دُريَّة شفافة يكاد المرء منها يرى ملكوت الله وجنته وناره .ومن حديث سويد بن الحارث قال: وفدت سابع سبعة من قومي على رسول الله ـ صلّى الله عليهِ وسلَّم ـ  ، فلما دخلنا عليه وكلمناه ، أعجبه ما رأى من سمتنا وزينّا فقال : ( ما أنتم ؟) قلنا : مؤمنون فتبسم رسول الله ـ صلّى الله عليهِ وسلَّم ـ  وقال : ( إن لكل قول حقيقة ، فما حقيقة قولكم إيمانكم ؟ ) قلنا : خمس عشرة خصلة ، خمس منها أمرتْنَا بها رسلك أن نؤمن بها ، وخمس أمرتنا أن نعمل بها ، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية ، فنحن عليها الآن ، إلا أن تكره منها شيئاً ، فقال رسول الله ـ صلّى الله عليهِ وسلَّم ـ : ( وما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها )؟ قلنا : أمرتنا أن نؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، والبعث بعد الموت . قال ( وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها)؟ قلنا: أمرتنا أن نقول : لا إله إلا الله ، ونقيم الصلاة ، ونؤتي الزكاة ، ونصوم رمضان ، ونحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً، فقال ـ صلّى الله عليهِ وسلَّم ـ : (وما الخمس التي تخلقتم بها في الجاهلية ؟) قالوا : الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء ، والرضاء بمر القضاء ، والصدق في مواطن اللقاء ، وترك الشماتة بالأعداء . فقال رسول الله ـ صلّى الله عليهِ وسلَّم ـ   : ( حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ) ثم قال : وأنا أزيدكم خمساً ، فتتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون ، فلا تجمعوا ما لا تأكلون ، ولا تبنوا ما لا تسكنون ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غداً تزولون ، واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون ، وارغبوا  فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون )).