مواعظ
رمضانية ـ 1 ـ
شهر
رمضان .. شهر الربيع
سيقول قائل كيف تقول أن شهر رمضان شهر الربيع ، ونحن في أوج الصيف
ودرجة الحرارة هذه الأيام أعلى بثماني درجات من معدلها العام .. ؟؟
نعم
إخوتي الصائمين ، شهر رمضان هو شهر الربيع ..
فشهر رمضان هو شهر القرآن ، والقرآن الكريم ربيع قلب المؤمن وفي
الدعاء : اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا،
وذهاب همومنا وغمومنا ..
ورمضان
هو شهر الصبر ، والصبر شطر الإيمان ، قال الحكماء : الصبر ربيع القلب . ونصف أعمال
الإيمان من الصبر ونصفها من الشكر .
والريبع أجود فصول السنة ، وشهر رمضان شهر البذل والصدقات وإطعام
الطعام . كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في
رمضان .
والربيع
شهر الفرح والحبور والسرور ، وللصائم في رمضان فرحتان : "للصائم فرحتان: فرحه
حين يفطر، و فرحة حين يلقى ربه". وإذا كانت فرحة بل العروق بقطرات الماء فرحة
لا تعادلها قرحة فكيف بقرحة لقاء الله .
ربيع الدنيا بثماره وأزهاره يذكرك بالجنة ، وشهر رمضان شهر تفتح
فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران ، فطوبى لمن طلب جنة الرحمن من باب
الريان ، وتعسا لمن حرم ربيع رمضان وجنان الرحمن ...
صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمِنْبَرَ ، فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً ، قَالَ : " آمِينَ " ثُمَّ
رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى ، فقَالَ : " آمِينَ " ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً
ثَالِثَةً ، فقَالَ : " آمِينَ " ثُمَّ ، قَالَ : " أَتَانِي
جِبْرِيلُ ، فقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ
لَهُ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْتُ : آمِينَ ، قَالَ : وَمَنْ أَدْرَكَ
وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا ، فَدَخَلَ النَّارَ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ،
قُلْتُ : آمِينَ ، فقَالَ : وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ،
فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ : آمِينَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ "
أيها
الأحبة : لنستقبل شهر رمضان كما نستقبل الربيع ، ولنعش رمضان بانشراح صدر وسرور
نفس كما نحيا أيام الربيع .. ونسأله أن ينقلنا من جنة رمضان لجنة الخلد عند مليك
مفتدر
مواعظ رمضانية ـ 2 ـ
لا تقتلوا صلاتكم
خشوع القلب هو روح الصلاة ، إذا غاب صارت حركات رياضية ،
ومن الناس هذه الأيام من يعمل على قتل روح الصلاة بروحه الرياضية التي ليست في
محلها.
وأنت تدخل معه المسجد يحدثك عن آخر أخبار المونديال ..
وأنت تخلع نعليك يغتاب الإمام ويذكر إطالته في القراءة ،
فيؤخره عن متابعة مباراة الليلة ..
بعد ركعتي تحية المسجد يحدثك عن حرارة الطقس ، وعن سوء
التكييف في المسجد وعن توقيف بعض المباريات لشدة الحرارة وارتفاع درجة الرطوبة
..
ويستمع لموعظة عن تحريم الغيبة التي تشبه أكل لحم الميت ، فيشرح
لك عن لاعب الأروغواي الذي عض زميله ..
عاشق كرة القدم هذا يقتل فيك روح الصلاة في رمضان وهو لا
يدري ..
روي أن القاضي أبا يوسف تلميذ أبي حنيفة سال الإمام الزاهد
حاتم الأصم الذي كان يلقب لقمان الأمة لحكمته عن كيفية الصلاة ، فقال حاتم :
ـ تجعل الكعبة بين حاجبيك ، والميزان نصب عينيك ، و الصراط
تحت قدميك ، والجنة عن يمينك و النار عن شمالك ، وملك الموت خلفك يطلبك ، و ﻻ تدري
بعد ذلك أقبلت صلاتك أم رُدت عليك !!
قال تعالى : (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ
وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ )
وقال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ
خَاشِعُونَ )
وقال رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ : (صلِّ صلاة َمودعٍ ، كأنك تراه ، فإن كنت لا
تراه ، فإنه يراك )
وفي السنن عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: إن العبد لينصرف من
صلاته، ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها،
إلا سبعها، إلا ثمنها، إلا تسعها، إلا عشرها.
فكم هدفا حققت بصلاتك ؟
مواعظ رمضانية ـ 3 ـ
الفرق بين الصيام والصوم
وردت كلمة صيام في القرآن
الكريم سبع مرات ، منها قوله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [ البقرة : 183 ] وفي المواقع السبع يقصد
بها القرآن الكريم اﻻمتناع عن الطعـام و الشراب و باقي المفطرات من الفجر حتّى
المغرب .
فالصيام يخص المعدة بشكل رئيس .
وردت كلمة صوم في القرآن الكريم مرة
واخدة في قوله تعالى : ( كُلِي
وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا )
[ مريم : 26 ]
فالصوم هنا يخص اللسان
وليس المعدة ، أي أنّ مريم عليها السلام قـد نذرت [
صـوماً ] و هي تأكل و تشـرب .
الصوم هنا أحذ معنى قول الحق .
ويسترشد في فهم هذا المعنى من قول
الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : ( مَـنْ لمْ يدعْ قول الزور و العمـل بـه فليس
للـه حاجـة في أنْ يدع طعامـه و شـرابـه )
هنا يصير الصوم دورة تدربية للوصول إلى
مرتبة الصوم فمن السهل على اﻹنسان الجوع و العطش من الفجر للمغرب
، لكنّ من أشـدّ الصعوبات عليه قول الحقّ خاصّة إذا كان على نفسـه ، ﻷنّ [
الصبْر ] الحقيقي هو في مُعاملة اﻵخرين :
( و جعلْنا بعْضكُم لبعْضٍ فتنةً
، أتَصْبرون ) [ الفرقان : 20 ] .
و اﻷهمّ ما في الموضوع هـو فهـم
الحديث القدسـيّ جـيّداً و اﻻنتباه لكلماته بدقّة أيضاً :
( كلّ عمل ابن آدم له إﻻً الصوم
فإنّـه لي و أنا أجـزي به ) ،
نلاحظ أنّه ذكر [ الصـوم ] و لم يقل [
الصـيام ] ، ﻷنـه ب [ الصـوم ] تنتهي المشاكل و يخفّ الضـغط على المحـاكم ،
أمّا الصيام مع سـوء الخلق فإنّـه
يزيد عمل المحاكم ، فصوموا [ صـوماً ] و [ صـياماً ] لتعمّ الفائدة .
ويصير من الواضح معنى الآية في سورة الأحزاب : (
إِنَّ
الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ
وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ
وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ
اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) [ الأحزاب : 35 ]
فهنا
تتحدث الآية عن تدرج في التقوى فالأيمان أرقى من الإسلام حتى نصل للمرتبة الثامنة
عند الصائمين والصائمات .
والله
تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل .
مواعظ رمضانية ـ 4 ـ
الصوم والمقاصة
المقاصة في
الفقه " اقتطاع دين من دين "
والمقاصة في الاقتصاد المعاصر
عمليّة مصرفيّة قوامها أن تُسَدَّد جميع المدفوعات والمقبوضات
بواسطة حوالات متبادلة .
ولكن المقاصة الكبرى تكون يوم
القيامة قبل عبور القنطرة وهي عامة تشمل البهائم والناس . فيأخذ من حسنات الظالم إلى المظلوم .
فأما الدليل على المقاصة بين
البهائم ، فقد نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى شاتين ينتطحان فقال لـ أبي ذر: هل
تعرف لم ينتطحان؟ فقال: لا يا رسول الله، قال: الله يدري فيقضي بينهما فإن الله جل
وعلا سيقتص من الشاة القرناء للشاة الجلحاء .
وأما الدليل على المقاصة بين
البشر فقد ورد
أيضاً عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن رجلاً قال: ( لي عبيد -يعني: عمال-
يسرقونني ويخونونني، قال: وإني أسبهم، أو أضربهم، أو أشتمهم فما لي أو علي؟ فبين
له النبي صلى الله عليه وسلم: أنك ستأتي يوم القيامة فيعرض جرم هؤلاء العبيد -من
الخيانة والسرقة التي تحدث معك- ثم يقاس فعلك معهم، فإن كان هذا أشد من هذا أخذوا
منك حسناتك، وإن كان فعلهم أكبر من فعلك أخذت أنت منهم الحسنات مقاصة عند الله جل
وعلا {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس:44]
ولكن هل هناك حسنات
تستثنى من المقاصة وتبقى للمؤمن ولا يقاص منها ؟
في حديث قدسي رواه النبي صلى الله عليه وسلم
عن ربه قال الله فيه : ( كل عمل
ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )
فقال بعضهم : إن معناها
تشريف الصوم وبيان فضله وأنه ليس فيه مقاصة أي أن الإنسان إذا كان قد ظلم أحداً
فإن هذا المظلوم يأخذ من حسناته يوم القيامة إلا الصوم فإن الله تعالى قد اختص به
لنفسه فيتحمل الله عنه أي عن الظالم ما بقي من مظلمته ويبقى ثواب الصوم خالصاً له
.
وتذكروا ما جاء في
الفرق بين الصيام والصوم في الموعظة السابقة ، وتذكروا قول علي ـ رضي الله عنه ـ :
لوْ
أراد الله أن يُعذِّبَ أُمَّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم مَا أَعْطاهُمْ رمضانَ .
والله تعالى أعلى وأعلم
.
مواعظ رمضانية ـ 5 ـ
تزييت مفاصل الإنسان بالطاعات
ذكر الرسول عليه السلام قبل
1400 سنة أن في الإنسان 360 مفصلا ، فقد جاء في الحديث الشريف : "
فِي
الْإِنْسَانِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ مَفْصِلًا " ، وحتى عام 1976 كان أهل
الطب يقولون أن في الإنسان 340 مفصلا فقط ، ثم جاء عالم ألأماني يدعى ( شنين )
وكشف أن هناك مفصلا صغيرا بالأذن مركب من 10 مفاصل أي أن مجموع عدد مفاصل جسم
الإنسان هو 360 مفصلا .
معلومة بسيطة تزيد الذين
آمنوا بأن الرسول عليه السلام لا ينطق عن الهوى ، وتزيد الذين في قلوبهم مرض
والكفار رجسا على رجسهم ، ويقولون صدفة لا تثبت شيئا .
والقضية ليست هنا فقط بل إن
الرسول عليه السلام حدد للمؤمنين واجب شكر الله تعالى على نعمة المفاصل التي تتم
بها كل حركة من حركات الإنسان ، ففرض على كل مفصل صدقة ، فقد جاء في تكملة الحديث
: " .. فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ
عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهُ بِصَدَقَةٍ قَالُوا : وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ يَا
نَبِيَّ اللَّهِ ؟ قَالَ : النُّخَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ تَدْفِنُهَا ،
وَالشَّيْءُ تُنَحِّيهِ عَنِ الطَّرِيقِ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ، فَرَكَعَتَا
الضُّحَى تُجْزِئُكَ .
وفي أحاديث أخرى هناك ذكر
لأنواع كثيرة من الصدقات منها الصدقات القولية مثل : " فَكُلّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ
تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ
بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ.
ومنها صدقات فعلية منها : " .. وَعَزَلَ
حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ
، أَوْ عَزَلَ شَوْكَةً ، أَوْ عَزَلَ عَظْمًا .. " و " .. وَالْحَمْلُ
عَلَى الضَّعِيفِ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ
صَدَقَةٌ " و " تبسمك في وجه
أخيك صدقة " .
ومنها صدقات غير متعدية مثل :
" .. قَالُوا : فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ
؟ قَالَ : فَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ صَدَقَةٌ
"
.
فكما يزيت ويشحم الإنسان كل
مفصل في الآلة عليه أن يتصدق عن كل مفصل في جسده ، شكرا لنعمة الله تعالى على
المسلم وهذه الصدقة هي خير مانع من الإصابة بأمراض المفاصل من روماتزم وغيره
فبالشكر تدوم النعم ، وداووا مرضاكم بالصدقة .
مواعظ رمضانية ـ 6 ـ
صيام القلب
الصيام
ثلاثة مراتب :
صيام
عامة المسلمين وهو صيام الفم عن الشراب و الطعام
صيام
المؤمنين وهو صيام الجوارح عن الخطايا والآثام .
صيام
المتقين وهو صيام القلب عن الغش والحقد
والغل والبغضاء ..
أخرج
الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:
"كنا
جلوسًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل
الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، وقد تعلَّق نعليه في يديه
الشمال، فلما كان الغد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل
مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مثل
مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حالة الأولى، فلما قام النبي - صلى الله
عليه وسلم -؛ تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، فقال: إني لاحيت
أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني اليك حتى تمضي فعلت، قال:
نعم. قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من
الليل شيئًا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله - عز وجل - حتى يقوم
لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث
ليال، وكدت أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر،
ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لك ثلاث مرارٍ: يطلع عليكم الآن
رجل من أهل الجنة؛ فطلعتَ أنت الثلاث مرارٍ، فأردتُ أن آوي إليك لأنظر ما عملك
فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -، فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما
رأيت، غير إني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه
الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق".
في
رحلة العمرة قابلت أخا عند الكعبة بعد منتصف الليل ، فقال لي : لقد جئت هذه العمرة
لكي أدعو عند الحجر الأسود على رجل آذاني أشد الإيذاء ، ولكني لم أستطع أن أدعو
عليه ، فدعوت له الله تعالى أن يهديه .
ما رأيكم إخوة الإسلام في هذا الشهر الفضيل أن نجمع بين
أنواع الصيام ، وأن لا نبيت الليل إلا وقد صامت قلوبنا عن الغش والحسد والحقد على
إخواننا المسلمين ؟!
مواعظ رمضانية ـ 7 ـ
بوليصة تأمين ربانية لسلامة الأولاد
بحرص الإنسان على
سلامة أولاده من الأمراض والأخطار وغوائل الدهر ، ويبذل في سبيل ذلك النفس والنفيس
، ولكنه يتغافل عن وصفة ربانية لسلامة الأولاد فلذات الأكباد . نستمع أولا لهذه
القصة :
جاء في كتاب
" نشوار المحاضرة وأخبار
المذاكرة " للتنوخى الجزء الثالث
صفحة 237 :
قال الوزير
" ابو الحسن بن الفرات" لـ " ابى جعفر بن بسطام " رحمه الله –
و كان الوزير يكرهه و ينوى حبسه و قتله : ويحك يا أبا جعفر ، ان لك قصة فى رغيف ، فما هي
؟ فقال : وأي قصة فى رغيف !! فلم يزل به
الوزير إلى أن قال له : إن اخبرتنى
بذلك كان خير لك يا أبا جعفر ، فقال "أبو جعفر": نعم ، سأخبرك بكل شيء . ثم قال : إن أمي كانت عجوزا صالحة ، و قد عودتنى
ـ منذ ولدت ـ أن تجعل تحت مخدتى التي انام
عليها فى كل ليلة رغيفا من الخبز ، فإذا اصبحت تصدقت به عني ، فلما ماتت صرت أفعل كما
كانت تفعل ، و مازلت على ذلك الى يومى هذا
.
فقال الوزير "ابن الفرات": ما سمعت بأعجب
من هذا ، اعلم يا "ابا جعفر" أنني من أشد الناس كراهية لك لأمور صدرت
منك ، و انا منذ أيام أفكر فى القبض عليك وقتلك ، فأرى فى المنام منذ ثلاث ليال ،
كأني قد استدعيتك لأقبض عليك ، فتحاربنى ، وتتمنع على ، فاهجم عليك لأقتلك ، فتبرز
لى لتحاربنى ، و بيدك رغيف خبز كأنه الترس الحصين، فتتقى به السهام ، و تنجو به من
الطعنات ، فلا يصل اليك منها شيء ، فعلمت أن لهذا الرغيف قصة و شأنها .
ثم قال " الوزير": هنيئا لك يا "ابا
جعفر" فقد انقذتك صدقتك من القتل، وإني
أشهد الله عز و جل ، أنني قد وهبت لله تعالى ، ما فى نفسى عليك ، و قد سامحتك و عفوت
عنك .
كما يروى أن أما جاءت لأبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ
وقالت له : يا صاحب رسول الله ، خرج ابني في البحر ، وأنت ترى ما قضى الله هذه
الليلة من العواصف ، وأحشى عليه أن يهلك في البحر الهائح ، فادعو لابني لعل الله
يحفظه ، كما حفظت احاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . فقال أبو هريرة : يا
أمة الله ، هل أدلك على ما هو خير من دعائي ؟ اذهبي من ساعتك وتصدقي عن ابنك صدقة
خفية ، واسألي له السلامة . وفعلت ونجا الولد بفضل الله .
أبو هريرة رضي الله عنه ، أخذ هذه الوصفة في سلامة
ابن المرأة من قوله تعالى :
( وَلْيَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ
فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) [ النساء : 9
]
والصدقة الخفية من اشرف أعمال التقوى ، ودعاء الأم
لولدها من محاسن القول السديد .
وحفظ الله أولاد المسلمين من شر الشياطين وأولاد
الحرام والمستوطنين ..