الاثنين، 17 أكتوبر 2011

خاتم الشهداء

خاتم الشــهداء  ..!!    
جاء في القرآن الكريم إشارة إلى علامات الساعة الكبرى ، منها قوله سبحانه  في سورة الأنعام :
﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَـا خَيْـرًا قُلِ انْتَظِـرُوا إِنَّا مُنْتَظِـرُونَ  [ الأنعام : 158]
وفي الحديث الشريف المروي عن حذيفة بن أسيد الغفاري تفصيلا لهذه العلامات، قال:
اطلع النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ علينا ونحن نتذاكر. فقال :ما تذاكرون ؟ قالوا: نذكر الساعة. قال : إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها،ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم،ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب. وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرِهم " [صحيح مسلم]
ويحذر الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  من أخطر هذه العلامات ألا وهو الدجال ، وكان يعوذ في صلاته من فتنة الأعور الدّجال . فلم كان أخطر هذه الفتن ولم تكن فتنة في الأرض ، منذ ذرأ الله ذرية آدم ، أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال؟
والسبب بسيط لأنه يملك جميع وسائل الفتنة النفسية والعقلية والمادية ..  .
فهو يأتي بعد سنوات من القحط والمحل فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت وتجري بين يديه كنوز الأرض وخيراتها ، فيراه الناس مسبب الرزق والرفاهية .
وهو حاكم متسلط معه الجنة والنار ، الجنّة لأتباعه والنار لأعدائه .
ومعه دابة تسمى الجسَّـاسة ، وسميت كذلك لأنها تجسٌّ الأخبار كما جاء في الحديث الشريف . ثم هو يخدع الناس فيريهم أنه قادر على بعث آبائهم وأجدادهم حيث تتمثل الشياطين بصورهم  يتبعه كل كافر ومنافق و يتبعه اليهود من بلاد فارس .
جاء في الحديث الشريف (.... إن معه نهرا من ماء ونهرا من نار، فأما الذي ترون أنه نار(فهو ) ماء. وأما الذي ترون أنه ماء( فهو) نار؛ فمن أدرك ذلك منكم،فأراد الماء فليشرب من الذي يراه أنه نار. فإنه سيجده ماء )  [ صحيح مسلم ]
ثم يخرج رجل مؤمن شاباً ممتلئاً شباباً من المسلمين متوجها نحو الدجال فيتلقاه جيش الدجال فيأخذونه إلى الدجال ‏فإذا رآه المؤمن  ، قال : ( يا أيها الناس هذا الدجال ‏الذي ذكر رسول الله ‏ ‏ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  فيأمر‏ الدجال‏ ‏به‏ ‏فيُشبح، ‏ ‏فيقول: ( خذوه ‏ ‏وشجوه)‏ ‏فيوسع ‏ ‏ظهره وبطنه ضربا .قال: ويقول له : ‏( ‏أوما تؤمن بي ؟) فيرد المؤمن : ( أنت ‏ ‏المسيح الكذاب )
فيأمر الدجال به ‏فينشر‏ ‏بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي‏ الدجال ‏ ‏بين القطعتين ثم يقول له : ( قم )‏ وفي رواية يقول : (يقول انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن ثم يزعم أن له ربا غيري ) فيبعثه الله ‏فيستوي قائما فيقول له الدجال : (أتؤمن بي ؟ )فيقول: ( ما ازددت فيك إلا بصيرة ) ثم يقول المؤمن : ( يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس ) فيأخذه الدجال‏ ‏ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا ،فلا يستطيع إليه سبيلا قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة و‏ ‏هذا الرجل أعظم الناس شهادة عند رب العالمين .
أعظم الناس شهادة هو ذلك المؤمن الصادق القوي الذي يغلق بدمه فتنة الكافرين للمؤمنين، فيكون دمه الشمع الأحمر الذي أغلق ذلك الباب، مثل قتيل الأعور الدجال . 

الابتسامة المحرّمة

الابتسـامة المحرَّمـة    

يقول الله تعالى قي سورة الروم :
[لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ۞  بِنَصْـرِ اللَّهِ يَنصُـرُ مَن يَشاءُ وَهُوَ العَزيزُ الرَحيمُ ] { الروم : 5 }
 وعلمنا رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " تبسمك في وجه أخيك صدقـة .. "
الابتسامة صدقة كما الدرهم صدقة واللقيمة صدقة،  وكلاهما يفتح قلوب الناس بالمحبة وألسنتهم بالخير . ولكن لو أنك يوما ذهبت إلى عملك ولم تبتسم لأحد عند تحية الصباح، ولم تبتسم لأحد سائر اليوم، وبقيت عبوستا قمطريرا، فما سيحدث ؟
سيعرف أصحابك وزملاؤك أنك واقع في مصيبة تمنعك من الابتسام كعادتك ، وهكذا من يحمل همّ الأمة مثل نور الدين زنكي الملقب بالشهيد ،ولقِّب بالشهيد  رغم أنه مات على فراشه ، لكثرة ما كان يطلب الشهادة ، وكان من دعائه : اللهم خذني شهيدا وافتح على المسلمين . 
أرسل الخليفةُ من مِصرَ إلى نور الدين محمود الشهيد يستنجده ويستغيثُه لحماية مصر وأعراض المسلمات فيها، وأرسل مع وفد البريد خصلات من شعر نسائه يستثير بها نخوة نور الدين ، فأرسل نور الدين ثلاث حملاتٍ متتابعات، وكان في الحملات الثلاث المجاهد صلاح الدين الأيوبي .
وفي الحملة الأخيرة استقرّ الأمر لنور الدين في مصر، وأصبح صلاح الدين نائبه في حكمها، فقام الصليبيون بإنزال جنودهم على سواحل مصر، وتقدمت جيوشهم فحاصرت مدينة دمياط شمالي القاهرة، وطال الحصار واشتدَّ على المسلمين فيها، وكانت أخبار الحصار تصل تباعا لنور الدين في دمشق، فيتمزق قلبه خوفا وألماً على المسلمين المحاصرين .
وجاء رمضان ، وكان من عادة نور الدين ـ رحمه الله ـ أن يذهب إلى المسجد الأموي عصر كل يوم : يؤدي الصلاة ، ويستمع إلى بعض العلماء يرْوون أحاديث الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َـ  بعد الصلاة، وحدث أن قرأ أحد العلماء أحاديث مسلسلة الإسناد في فضل التبسُّم، وهي أحاديث قالها الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  مبتسما ، فتلقاها عنه المسلمون مبتسمين ، وكان كلما قرأها قارئ لهم يبتسم ويبتسمون، أما السلطان نور الدين فبقي مكتئبا حزينا؛ فقال له الشيخ : يا مولاي ، أقرأ أحاديث رسول الله مسلسلة بالتبسم ، ويبتسم الناس ، وتبقى أنت مكتئبا لا تبتسم ؟
فأجاب رحمه الله: إني لأستحي من الله أن يراني مبتسما، والمسلمون يحاصرهم عبّاد الصليب !
وكان من عادته أيضا أن يذهب مبكّرا إلى  الجامع الأموي قبيل أذان الفجر يقرأ القرآن ، ويصلي ما تيسر له إلى أن يشقَّ الفجر ، وذات يوم وجد الشيخ الذي كان يدرِّس عن الابتسام يعترضه في طريقه ، فسأله : ما شأنك؟
فقال له الشيخ: رأيت سيدي رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في المنام فقال لي: بشّر نور الدين بأن الله فرّج عن المسلمين في دمياط، ورفع عنهم الحصار.
فقلت له: يا سيدي يا رسول الله، اذكر لي علامة أقولها لنور الدين يصدقني إذا بشّرته؛ فقال لي:
قل له : بعلامة ما سجدتَ على (تل حارم .
وكان لتلك السجدة قصة عند نور الدين .
فنزل نور الدين عن فرسه، وسجد مرّغ وجهه بالتراب، وقال:
 اللهم انصر دينك، ولا تنصر نور الدين، ومن نور الدين حتى تنصره!!  

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

رهبان الليل فرسان النهار ...

رهبان الليل فرسـان النهار

يبين الله سنته في تداول الأيام بين الناس :
[..وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ] { آل عمران: 140} .
أول معركة بين المسلمين والروم في أرض فلسطين كانت معركة أجنادين عام 13 هـ في عهد أبي بكر، والتي وقعت جنوب شرق بيت المقدس قرب بلدة بيت جبرين، هذه المعركة أذهلت قادة الروم حتى أن قائد جيشهم الملقب   ( القبقلار) طلب من حراسه أن يلفوه بثوب كي لا يرى سيوف المسلمين تصله، ولم ينفعه .
ومعركة اليرموك الحاسمة وقعت بعد معركة أجنادين بثلاث سنين في عهد عمر بن الخطاب عام 15 هـ ، وبين المعركتين تبادل الطرفان العيون كل طرف يحاول استكشاف ما عند خصمه .
بُعيد معركة  أجنادين دعا  أحد قادة الروم ويدعى ( ماهان ) رجلاً من نصارى العرب، فقال له:
ـ  ادخل في معسكر هذا القوم، فانظر ما هديهم، وما حالهم، وما أعمالهم، وما يصنعون، ثم ائتني فأخبرني بما رأيت.
وخرج الرجل من معسكر الروم حتى دخل معسكر المسلمين فلم يستنكروه؛ لأنه كان رجلا من العرب، لسانه عربي ووجهه عربي، فمكث في معسكرهم أياما ينظر أحوال المسلمين .
وعندما عاد ليخبر (ماهان) ما رأى ، وجد أحد الأعيان يخطب في جمع يترأسه ماهان ،  ومما قال الخطيب " إنهم ( أي الروم ) وصلوا من المعاصي مبلغاً لا يطاق وشربوا الخمر وانتشر الزنا ، حتى حُكي أن احدهم قال انه عاش دهراً طويل فلم يرَ مثل ما يحصل الآن.  فقال له القائد ماهان كيف ذلك ؟ , قال أنا رجل لي مئة  شاة ولي ابن يرعاها فلما رآها رجالك سرقوها ونهبوها، حتى أتت زوجتي مع ابنتي تشتكي لقائدهم،  فـادخلها لبيته والغلام ينتظر في الخارج،  فلما قلق على أمه وأخته دخل فإذا بالرجل يعمل الفاحشة مع آمه وهي تبكي،  فـلم يستطع السكوت وأراد أن يقتل القائد فقتله الجنود ، ولما أردت أنا الدفاع عن شرفي قطعوا يدي، فـثار من كان يستمع . وقالوا له : من هذا القائد فـأشار إلى احد العظماء لديهم فـقاموا وقتلوه وسط الصيحات.  
وبعد حين هدأ الجمع ، وطلب القائد( ماهان) من جاسوسه العائد  أن يقصَّ عليه ما رأى من أحوال المسلمين، فقال  :
جئتك من عند قوم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد ، ويأمرون بالمعروف ،وينهون عن المنكر، رهبان بالليل فرسان بالنهار، يريِّشون النبل ويبرونها ويثقفون القنا ، ولو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه عنك لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن ، ولا يدخلون إلا بسلام ، يقضون على من حاربوا حتى يأتوا عليه ويتناصفون بينهم لو سرق مَلِكُهم لقطعوا يده، ولو زنا لرجموه؛ لإيثارهم الحق على الهوى، وإتباعهم إياه.
فلما انتهى الرجل العربي من كلامه قال القائد الرومي: لئن كان هؤلاء القوم كما تزعم،وكما ذكرت لبطنُ الأرض خير من ظهرها لمن يريد قتالهم.
وهي النظرية التي لخصها الفاروق (رضي الله عنه) في كتاب وجهه إلى سعد بن أبي وقاص أحد قادته الكبار، وهو بطل القادسية فكان مما قاله " أما بعد فإني آمرك ومن معك بتقوى الله على كل حال،  فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم،  فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصـر المسلمون بمعصية عدوهم، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإذا تساوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا نُنصر عليهم بفضلنا، لم نغلبهم بقوتنا " .

الأحد، 2 أكتوبر 2011

سيد الشهداء بعد حمزة ...

سـيد الشـهداء   
يقول الله تعالى في كتابه العزيز منذرا القوم الظالمين في الدنيا والآخرة :
 [إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۞ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ]{ آل عمران }
في هذه الآية جمع الله تعالى  بين النبين أشرف الخلق ، واهل الأمر بالقسط والعدل بين الناس ، وفيها تبيان أن الذين يقتلون النبين والآمرين بالقسط خاسرون في الدنيا والآخرة .
ولا يخفى على أحد أن الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر أصل الجهاد في سبيل الله ، وهو درجات أعلاها أمر اهل الحكم والسلطان الظالمين، وذلك لأن قدرتهم على إلحاق الأذى بأعدائهم متوفرة بسبب سلطانهم، وهذا ما عرفه الرسول عليه السلام بأنه افضل الجهاد .
 عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ : أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  قال:
( أفضل الجهـاد كلمة عدل عند سلطان جـائر أو أمير جـائر ) . .
ويظهر جور وظلم الحاكم عندما يقتل من يأمره بالقسط ، ليسكت صوت الحق بين الناس ويؤدب من يخرج عليه .
عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  :
( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطَّلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقتلـه) .
فكل من يقتله أمير ظالم لأنه أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فهو بدرجة حمزة بن أبي طالب، وذلك لمكانة هذا العمل في إقامة العدل بين الناس، وتخليص الناس من شر ذلك الظالم كما بينت الآية ، وفي قصة سعيد بن جبير مع الحجاج ما يدل على ذلك ، ونستمع للحوار بينهما :
الحجاج: اختر لنفسك قتلة أقتلك بها؟
سعيد: أختر أنت يا حجاج.. فو الله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة، خذها مني يا عدو الله حتى تتلاقي يوم الحساب: اللهم اقصم أجله، ولا تسلطه علي أحد يقتله من بعدي'
وصعدت دعوة سعيد إلي السماء، فلقيت قبولا واستجابة من الله والواحد القهار.
فلقد أصيب الحجاج بعد قتله لسعيد بن جبير بمرض عضال أفقده عقله، وصار كالذي يتخبطه الشيطان من المس، وكان كلما أفاق من مرضه قال بذعر: مالي ولسعيد بن جبير .
وبعد فترة قصيرة من قتل سعيد بن جبير مات الحجاج الثقفي شر موته، وتحققت دعوة سعيد فيه، فلم يسلطه الله على أحد يقتله من بعده. 
وصدق رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  إذ يقول:
(  ثلاثة لاترد دعوتهم:الصائم حتي يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين ) .
فهذا مسك دم المجاهد الآمر بالقسط بين الناس سكبه أمام الحجاج فأغلق باب ظلمه للناس ، فاستحق بذلك أن يحمل رتبة حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله،سيد الشهداء .
اللهم ألهمنا صبر المؤمنين، ويقين المرسلين، وتوفنا مع الأبرار الصالحين، واجعل لنا من لدنك وليّا نصيرا .

الخميس، 29 سبتمبر 2011

أغم أنف شيطانك ..

أرغم أنف شـيطانك ..!!    
هناك عبادة خاصة بأهل العزيمة من المؤمنين الأبرار ، عبادة لا يتقنها إلا الأتقياء الأقوياء ، عبادة لا يعرفها إلا القليل من الناس، ومن ذاق طعمها ولذَّتها بكى على أيامه الأُوَل، إنها عبادة المراغمة ،وهي عبادة أشار إليها سبحانه وتعالى في قوله :
 [وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْـمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً] { النساء: 100.
قال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  :
( إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه؛ فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تُسْلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك ؟ فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة ،فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطِّوَل . فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد؛ فهو جهد النفس والمال فتقاتل، فتُقْتل فتُنْكح المرأة ويُقْسم المال؟ فعصاه فجاهد، فقال رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  : من فعل ذلك كان حقاً على الله - عز وجل - أن يدخله الجنة، ومن قُتل كان حقاً على الله - عز وجل - أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، أو وَقَصَته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة »
فما هي عبادة المراغمة ؟
المراغمة هي إغاظة أعداء الله تعالى من شياطين الإنس والجن ، وترغيم أنوفهم بالتراب حسرة وكمدا وذلاً،  وهي غاية محبوبة للرب عزّ وجلّ مطلوبة له، فموافقته فيها من كمال العبودية. وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته له ومعاداته لعدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة.
ومن مراغمة شياطين الإنس كما جاء في الحديث التبختر أمام صف الأعداء وعند الصدقة ..
في سنن أبي داود أَنَّ نَبِيَّ اللَّه ِـ صلى الله عليه وسلم ـ كَانَ يَقُولُ:
(... وَإِنَّ مِنْ الْخُيَلَاءِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يُحِبُّ اللَّهُ؛ فَأَمَّا الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَاخْتِيَالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ. وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ فَاخْتِيَالُهُ فِي الْبَغْيِ ) .
ومراغمة الشيطان لها صور كثيرة منها سجدتي السهو فكان النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  إذا سها في صلاته يسجد سجدتين، وقال فيما رواه مسلم: ( إن كانت صلاته تامة كانتا ترغيماً للشيطان ) يعني: إن كان في صلاته نقص حصل نتيجة السهو فهاتان السجدتان تجبران هذا النقص، وإن لم يكن فيها نقص، وإنما احتاط، ففي هذه الحالة تكون السجدتان ترغيماً للشيطان، وإغاظة لإبليس، وسمى ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  هاتين السجدتين: المرغمتين.
أخا الإيمان، قرب إلى الله تعالى بمراغمة الشيطان ..
فإذا أتاك وأنت تصلي ، فقال لك : إنك ترائي؛ فزدْها طولاً .
وإذا أتاك وأنت تتصدق، وقال لك: أنت تنافق أمام الناس فزد من صدقتك .
وإذا ما عزمت على خير أو طاعة وأتاك من باب التسويف والتأجيل فأرغم أنفه بتعجيلهما .
وإذا حدثتك نفسك بإثم، وجاءك من باب تعجيله فاقهره بالتأجيل، لأن «الْأَنَاةُ مِنْ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ».  
وإذا ما قال لك نم وتكاسل فما زال وقت الصلاة طويلا، فأرغم انفه وقم إلى الصلاة متى سمعت النداء.
أرغم انف الشيطان مرّة بعد مرة ، وتقرب إلى  الله تعالى بمراغمة أعدائه، وسترى كيف سترتقي على مدارج الصديقين !!
الله اجعلنا سلما لأوليائك، حربا على أعدائك يا قوي يا ذا العزّة والجلال .

الرفيع والوضيع ..

الرفيـــع والوضيــع  ...
ضرب الله مثلا لأهل الخسّة من الناس :
[وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ] { الأعراف : 176}  .
المسلم صاحب هم وصاحب همّة ، صاحب إرادة على التغيير نحو الأرقى والأنقى في طريقه إلى جنان الرحمن سلعة الله الغالية؛ قال رسول الله  ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  :
" ..  وأحب الأسـماء إلى الله عبـد الله وعبد الرحمن، وأصدقهـا حـارث وهمـام " .
قال المنذري: وإنما كان حارث وهمام أصدق الأسماء لأن الحارث الكاسب، والهمام الذي يهمّ مرة بعد أخرى ..
ولكن أين يتجه همُّ المسلم ؟
روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رضي الله عنه ـ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ:
 ( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ) .
وعن رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ ـ  رضي الله عنه ـ  قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: ((سَلْ)). فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: ((أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ)). قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: ((فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)). [رواه مسلم].
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وقد أجمع عقلاء كل أمة، على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً، إنما تُخلق اللذة والراحة والنعيم في دار السلام، وأما في هذه الدار فكلا ".
إذا هممت فبادر، وإن عزمت فثابر، واعلم أنه لا يُدرِك المَفَاخِر، من رضي بالصف الآخر.
قال ابن الجوزي -رحمه الله ـ  في صيد الخاطر:
قال الكلب للأسد: يا سيد السباع غيّر اسمي فإنه قبيح، فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم. قال:  جرِّبني.
فأعطاه قطعة لحم، وقال له: احفظ هذه إلى الغد، وأنا أغيّر اسمك.
أخذ الكلب قطعة اللحم وبعد زمن جاع الكلب وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر، فلما غلبته نفسه قال: وأيّ شيء في اسمي؟ وما كلب إلا اسم حسن، فأكل اللحم.
قال ابن الجوزي: "وهكذا خسيس الهمة، القنوع بأقل المنازل، المختار لعاجل الهوى على آجل الفضائل، فالله .. الله في حريق الهوى إذا ثار وانظر كيف تطفئه".
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:  
العامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب .

الأحد، 25 سبتمبر 2011

كلمة بعشرة الآف شرطي ..

كلمة بعشرة آلاف شرطي ..
جاء في سورة الأنفال :
[وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْـرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ۞ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ] { الأنفال: 63 }
عن أنس عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،قَالَ :
( سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ ) وفي رواية (مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ ). رواه البخاري
وعن ابن مسعود قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيَقُولُ : ( اسْتَوُوا , وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ) رواه مسلم
وعن النُّعْمَانَ قال : كان رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ   يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ ، فَرَأَى رَجُلا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ ، فَقَالَ : ( عِبَادَ اللَّهِ ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) . رواه البخاري.
عرضت قناة المجد برنامج باسم " أسرة واحدة" ،حيث استضافت مجموعة شبان الدكتور يحيى اليحيى رئيس لجنة التعريف بالإسلام ، وروى الدكتور يحيى قصة بالغة الدلالة ، فقال إن مجموعة من الدعاة التقوا برجل أمريكي ، وشرحوا له عن الإسلام ، فكان أكبر مأخذ للأمريكي على المسلمين أنهم لا يعرفون النظام في حياتهم، وأينما تجد المسلمين تجد الفوضى والضوضاء ، فرد عليه أحد الدعاة  قائلا :" إنهم إذا اقتنعوا بالنظام يكونون منظمين"
وعرضوا له بثا مباشرا للصلاة في المسجد الحرام في مكة المكرمة وهو يعجُّ بالمصلين قبل إقامة الصلاة ثم سأله أحدهم: باعتقادك،  كم يحتاج هؤلاء المصلين لكي يقفوا في صفوف منتظمة وراء الإمام ؟
فأجاب: ساعتين أو ثلاث ..
فقال الداعية موضحا:وإذا علمت أن الحرم يتكوّن من أربعة أدوار !!
فرد الأمريكي : إذن سيحتاجون إلى اثنتي عشرة ساعة على الأقل .
فأوضح الداعية: وخذ في علمك أنهم من جنسيات مختلفة، ومن بلاد شتى، ومعظمهم لا يفهم العربية لغة الإمام .
فردّ الأمريكي جازما:إذن،  هؤلاء لا يمكن اصطفافهم.
بعد دقائق معدودة حان وقت الصلاة، فتقدم الشيخ عبد الرحمن السديس قائلا: استووا واعتدلوا ، وبخلال ثوان اصطف عشرات الآلاف من المسلمين في صفوف منتظمة لا عوج فيها ولا ضوضاء ، فانبهر الرجل الأمريكي ، وطلب كتبا لكي يتعرف على هذا الدين العظيم .

على حبه ..

على حُبِّــهِ ...!!  
في أسباب نزول  قوله تعالى في سورة الإنسان  :
[ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا {7} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا { 8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا { 9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا {10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا {11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ]  الإنسان
 روى الواحدي ، قال : قال عطاء عن ابن عباس : وذلك أن الحسن والحسين ولدي علي مرضا، فعادهما جدهما  ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  ، في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة ، وجارية لهما تسمى فضّة إن برآ مما بهما ، أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا ، وما عندهما شيء فأجرّ علي بن أبي طالب نفسه يسقي نخلا بشـيء من شعير ليلة ، حتى أصبح ، وقبض الشعير ، وطحن ثلثه ، فجعلوا منه شيئا ليأكلوا يقال له : ( الخزيرة ) ، فلما تم إنضاجه ، أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثم عمل الثلث الباقي ، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه ، وطووا يومهم ذلك ، فأنزلت فيهم هذه الآية .
عن عبيد بن عمير عن عمرو بن عبسة أن رجلاً قال للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  :
ـ ما الإسلام ؟ قال: إطعام الطعام ولين الكلام " قال : فما الإيمان ؟ قال: " السماحة والصبر " قال : فأي الإسلام أفضل ؟ قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده " قال: يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيماناً ؟ قال " أحسنهم خلقاً " قال : يا رسول الله أي القتل أشرف ؟ قال : " من أريق دمه وعقر جواده" قال : فأي الجهاد أفضل ؟ قال " الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله " قال : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : جهد المقل " قال : فأي الصلاة أفضل ؟ قال : طول القنوت" قال : فأي الهجرة أفضل ؟ قال " من يهجر السوء )
فكانت هذه الآيات في بيت علي وآله رضي الله عنهم، وفي بيوت كل المسلمين الذين يقدمون لوجه الله تعالى، ولا ينتظرون جزاء ولا شكورا، لأن شرط العمل لله أن يكون بلا شرط من المعطي .
وهذا ما كان في قصة إبراهيم عليه السلام مع الضيف المجوسي .
كان من عاده سيدنا إبراهيم ـ  عليه السلام ـ أنه لا يأكل طعاما إلا أن يشاركه ضيف في طعامه، وكان لديه عبدان في كل حال ، يقول لهما من أتاني بضيف في هذه الساعة فهو حرّ لوجه الله ، وذات يوم انتظر عابر طريق فلم يجد ، فأرسل العبدين ، فجاء أحدهما برجل كبير السن ،
فلما وضع الطعام، مدّ الضيف يده إلى قصعة الطعام دون أن يذكر اسم الله، فقال له سيدنا إبراهيم: ما بالك لم تسمِّ بالله قبل الطعام ؟
فقال الرجل : أنا مجوسي ولا أعرف بسم الله . فقال له : اذهب فليس لك طعام عندي .
هنا تدخل رب السماء ، وجاء جبريل معاتبا لخليل الرحمن على لسان العلي القدير : يا إبراهيم ، هذا الرجل سبعون عاما يعصيني ويكفر بي،  وأنا أرزقه، أما أنت من اجل لقمة واحدة ترده .
فرد خليل الله الضيف ، وأحسن وفادته ، وقال له يا هذا لقد عاتبني ربي فيك ، دونك الطعام خذ منه ما شئت .

الخطوة الأولى في السير اخلع نعليك ..

الخطوة الأولى في الطريق :
اخـلع نعليـك  ..!!    
في طريق عودة سيدنا موسى،  عليه السلام، من مدين إلى مصر رأى نارا، فذهب إليها لكي يأتي أهله بقبس، أو يجد على النار هدى، وهناك خاطبه رب العزّة:
[ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ] { طه: 12}
موسى ـ عليه السلام ـ  كان يسير في واد وعر صحراوي كثير الشوك ، ولكن عند لحظة تلقِّي كلام الله تعالى  وأخذ الهدى منه فأول ما يجب فعله هو التواضع ، فالله أمره بخلع نعليه ليعلمه التواضع لربه حين ناداه، فإن نداء الله لعبده أمر عظيم، يستوجب من العبد كمال التواضع والخضوع وإظهار المهابة .
وأرشدنا رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  إلى أول آداب العلم فقال : ( تعلموا العلم وتعلموا السكينة والوقار وتواضعوا لمن تتعلمون منه ولا تكونوا جبابرة العلماء )   
قال لقمان الحكيم :  لكل شيء مطيّة ومطيّة العلم التواضع " .
كان أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ  إذا مرَّ بالصبية يتدارسون الحديث في المسجد جلس معهم وأحسن الاستماع، فإذا انتهوا قام،  وقال: والله لقد سمعته حيّاً نديّاً من فم رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  وهم في أصلاب آبائهم، وما أجلسني إلا تواضعي للعلم وحبي لرسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  .
وكان أبو حنيفة يجلس بين يدي مالك كالصبي، مع أنه أكبر منه سنّاً، وكان الشافعي يقول للإمام أحمد: أنتم أعلم مني بالحديث، فإذا صحَّ عندكم الحديث فقولوا لنا حتى نأخذ به، مع أن الشافعي أكبر وأشهر أهل زمانه.
عَهِدَ الخليفة هارون الرشيد للأصمعي بتربية وتعليم وتأديب ولديه الأمين والمأمون، فكان الاصمعي يربي ويعلم ويؤدب، وفي ذات يوم وبينما كان هارون الرشيد يهم بالخروج من المسجد رأى الأمين والمأمون يتسابقان وكل منهما يمسك بفردة حذاء كي ينتعل معلمهما الاصمعي، فوقف هارون الرشيد يسأل الأصمعي : من أعزُّ الناس في عصري يا أصمعي..فقال له : ومن أعزُّ منك يا أمير المؤمنين ! فقال له هارون الرشيد، أعز الناس من يتسابق وليّا عهدي في تقريب نعله إليه ...
فالتواضع هو أول خطوة في التعليم ، وذلك لأن التواضع يجعل المتعلم يخضع للحق وينقاد له، وسُئِلَ الفضيل بن عياض ـ  رحمه الله  ـ عن التواضع فقال:  
" أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته "
وأن لا يستنكف عن أخذ العلم عن غيره، ولو من صبي أو عامي، أو شريف، أو طريف، فإن الحكمة ضالة المؤمن، يلتقطها أين كانت، فالفاضل يستفيد من المفضول ما ليس عنده، فقد روى كثير من الصحابة عن بعض التابعين، ونقل عن سعيد بن جبير ـ رحمه الله تعالى ـ  أنه قال : " لا يزال الرجل عالما ما تعلم، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون  "
وكان يقال: لا تنظر إلى من يقول، ولكن انظر لما يقول، الحكمـة ضالـة المؤمـن، فخـذ الحكمـة ولـو مـن أهـل النفـــاق, فتواضع لمن تتعلم منه لكي يستقرّ العلم في نفسك ولا تتعالى
فالعلم حربٌ للفتى المتعالي                   كالسيّل حربٌ للمكانِ العالي
لو سألتني:  ما هي أول خطوة في إصلاح التربية والتعليم في البلاد العربية ؟
لأجبت: بأن نقلب ترتيب المواد في الشهادة المدرسية، فنجعل العلامة الأولى لاحترام لنظام والنظافة والترتيب