الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

رهبان الليل فرسان النهار ...

رهبان الليل فرسـان النهار

يبين الله سنته في تداول الأيام بين الناس :
[..وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ] { آل عمران: 140} .
أول معركة بين المسلمين والروم في أرض فلسطين كانت معركة أجنادين عام 13 هـ في عهد أبي بكر، والتي وقعت جنوب شرق بيت المقدس قرب بلدة بيت جبرين، هذه المعركة أذهلت قادة الروم حتى أن قائد جيشهم الملقب   ( القبقلار) طلب من حراسه أن يلفوه بثوب كي لا يرى سيوف المسلمين تصله، ولم ينفعه .
ومعركة اليرموك الحاسمة وقعت بعد معركة أجنادين بثلاث سنين في عهد عمر بن الخطاب عام 15 هـ ، وبين المعركتين تبادل الطرفان العيون كل طرف يحاول استكشاف ما عند خصمه .
بُعيد معركة  أجنادين دعا  أحد قادة الروم ويدعى ( ماهان ) رجلاً من نصارى العرب، فقال له:
ـ  ادخل في معسكر هذا القوم، فانظر ما هديهم، وما حالهم، وما أعمالهم، وما يصنعون، ثم ائتني فأخبرني بما رأيت.
وخرج الرجل من معسكر الروم حتى دخل معسكر المسلمين فلم يستنكروه؛ لأنه كان رجلا من العرب، لسانه عربي ووجهه عربي، فمكث في معسكرهم أياما ينظر أحوال المسلمين .
وعندما عاد ليخبر (ماهان) ما رأى ، وجد أحد الأعيان يخطب في جمع يترأسه ماهان ،  ومما قال الخطيب " إنهم ( أي الروم ) وصلوا من المعاصي مبلغاً لا يطاق وشربوا الخمر وانتشر الزنا ، حتى حُكي أن احدهم قال انه عاش دهراً طويل فلم يرَ مثل ما يحصل الآن.  فقال له القائد ماهان كيف ذلك ؟ , قال أنا رجل لي مئة  شاة ولي ابن يرعاها فلما رآها رجالك سرقوها ونهبوها، حتى أتت زوجتي مع ابنتي تشتكي لقائدهم،  فـادخلها لبيته والغلام ينتظر في الخارج،  فلما قلق على أمه وأخته دخل فإذا بالرجل يعمل الفاحشة مع آمه وهي تبكي،  فـلم يستطع السكوت وأراد أن يقتل القائد فقتله الجنود ، ولما أردت أنا الدفاع عن شرفي قطعوا يدي، فـثار من كان يستمع . وقالوا له : من هذا القائد فـأشار إلى احد العظماء لديهم فـقاموا وقتلوه وسط الصيحات.  
وبعد حين هدأ الجمع ، وطلب القائد( ماهان) من جاسوسه العائد  أن يقصَّ عليه ما رأى من أحوال المسلمين، فقال  :
جئتك من عند قوم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد ، ويأمرون بالمعروف ،وينهون عن المنكر، رهبان بالليل فرسان بالنهار، يريِّشون النبل ويبرونها ويثقفون القنا ، ولو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه عنك لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن ، ولا يدخلون إلا بسلام ، يقضون على من حاربوا حتى يأتوا عليه ويتناصفون بينهم لو سرق مَلِكُهم لقطعوا يده، ولو زنا لرجموه؛ لإيثارهم الحق على الهوى، وإتباعهم إياه.
فلما انتهى الرجل العربي من كلامه قال القائد الرومي: لئن كان هؤلاء القوم كما تزعم،وكما ذكرت لبطنُ الأرض خير من ظهرها لمن يريد قتالهم.
وهي النظرية التي لخصها الفاروق (رضي الله عنه) في كتاب وجهه إلى سعد بن أبي وقاص أحد قادته الكبار، وهو بطل القادسية فكان مما قاله " أما بعد فإني آمرك ومن معك بتقوى الله على كل حال،  فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم،  فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصـر المسلمون بمعصية عدوهم، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإذا تساوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا نُنصر عليهم بفضلنا، لم نغلبهم بقوتنا " .

ليست هناك تعليقات: