الاثنين، 17 أكتوبر 2011

الابتسامة المحرّمة

الابتسـامة المحرَّمـة    

يقول الله تعالى قي سورة الروم :
[لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ۞  بِنَصْـرِ اللَّهِ يَنصُـرُ مَن يَشاءُ وَهُوَ العَزيزُ الرَحيمُ ] { الروم : 5 }
 وعلمنا رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " تبسمك في وجه أخيك صدقـة .. "
الابتسامة صدقة كما الدرهم صدقة واللقيمة صدقة،  وكلاهما يفتح قلوب الناس بالمحبة وألسنتهم بالخير . ولكن لو أنك يوما ذهبت إلى عملك ولم تبتسم لأحد عند تحية الصباح، ولم تبتسم لأحد سائر اليوم، وبقيت عبوستا قمطريرا، فما سيحدث ؟
سيعرف أصحابك وزملاؤك أنك واقع في مصيبة تمنعك من الابتسام كعادتك ، وهكذا من يحمل همّ الأمة مثل نور الدين زنكي الملقب بالشهيد ،ولقِّب بالشهيد  رغم أنه مات على فراشه ، لكثرة ما كان يطلب الشهادة ، وكان من دعائه : اللهم خذني شهيدا وافتح على المسلمين . 
أرسل الخليفةُ من مِصرَ إلى نور الدين محمود الشهيد يستنجده ويستغيثُه لحماية مصر وأعراض المسلمات فيها، وأرسل مع وفد البريد خصلات من شعر نسائه يستثير بها نخوة نور الدين ، فأرسل نور الدين ثلاث حملاتٍ متتابعات، وكان في الحملات الثلاث المجاهد صلاح الدين الأيوبي .
وفي الحملة الأخيرة استقرّ الأمر لنور الدين في مصر، وأصبح صلاح الدين نائبه في حكمها، فقام الصليبيون بإنزال جنودهم على سواحل مصر، وتقدمت جيوشهم فحاصرت مدينة دمياط شمالي القاهرة، وطال الحصار واشتدَّ على المسلمين فيها، وكانت أخبار الحصار تصل تباعا لنور الدين في دمشق، فيتمزق قلبه خوفا وألماً على المسلمين المحاصرين .
وجاء رمضان ، وكان من عادة نور الدين ـ رحمه الله ـ أن يذهب إلى المسجد الأموي عصر كل يوم : يؤدي الصلاة ، ويستمع إلى بعض العلماء يرْوون أحاديث الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َـ  بعد الصلاة، وحدث أن قرأ أحد العلماء أحاديث مسلسلة الإسناد في فضل التبسُّم، وهي أحاديث قالها الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  مبتسما ، فتلقاها عنه المسلمون مبتسمين ، وكان كلما قرأها قارئ لهم يبتسم ويبتسمون، أما السلطان نور الدين فبقي مكتئبا حزينا؛ فقال له الشيخ : يا مولاي ، أقرأ أحاديث رسول الله مسلسلة بالتبسم ، ويبتسم الناس ، وتبقى أنت مكتئبا لا تبتسم ؟
فأجاب رحمه الله: إني لأستحي من الله أن يراني مبتسما، والمسلمون يحاصرهم عبّاد الصليب !
وكان من عادته أيضا أن يذهب مبكّرا إلى  الجامع الأموي قبيل أذان الفجر يقرأ القرآن ، ويصلي ما تيسر له إلى أن يشقَّ الفجر ، وذات يوم وجد الشيخ الذي كان يدرِّس عن الابتسام يعترضه في طريقه ، فسأله : ما شأنك؟
فقال له الشيخ: رأيت سيدي رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في المنام فقال لي: بشّر نور الدين بأن الله فرّج عن المسلمين في دمياط، ورفع عنهم الحصار.
فقلت له: يا سيدي يا رسول الله، اذكر لي علامة أقولها لنور الدين يصدقني إذا بشّرته؛ فقال لي:
قل له : بعلامة ما سجدتَ على (تل حارم .
وكان لتلك السجدة قصة عند نور الدين .
فنزل نور الدين عن فرسه، وسجد مرّغ وجهه بالتراب، وقال:
 اللهم انصر دينك، ولا تنصر نور الدين، ومن نور الدين حتى تنصره!!  

ليست هناك تعليقات: