الأربعاء، 1 أغسطس 2012

درس في تدبر القرآن !!

 
في سلسلة الحرب النفسية التي اخترعها الجيش اليهودي في تدمير غزة ، وتدمير معنويات أهلها في العدوان الأخير ، صار يتصل هاتفيا بصاحب البيت وينذره أن البيت سيقصف قريبا، لو فرضنا أن لحظة الاتصال كانت على البث المباشر ، وحضرها أهل البيت، وضيف، وصحفي ، ومصور ، ومشاهد من الضفة ، فكيف يتصرف كل واحد تلقى هذا البلاغ ؟
سينفعل الأب ويحتج ويصرخ ، ثم سيخرج أهله وما خف حمله من البيت على وجه السرعة .
سيعتذر الضيف، ويعود إلى بيته خفيفا مسرعا، وقد يعرض على صديقه المأوى .
سينشغل الصحفي بتدوين ردات الفعل، ويحاول تسجيل حوار مع الأب والأولاد .
سيلتقط المصور صورة الهلع التي دبت في البيت ، ويخرج إلى مرتفع ليلتقط لحظة التدمير .
سيواصل المشاهد الجلوس أمام التلفاز ليتابع الحدث. 
 أترك لخيالك أخي القارئ بقية التفاصيل ، لأعود بك إلى كيفية التعامل مع القرآن الكريم ، وهو بلاغ للناس لينذروا به من خلال مثالين ، الأول مع الشاعر محمد إقبال والثاني مع أبي حنيفة النعمان .   
محمد إقبال (1877 ـ 1938) ـ رحمه الله ـ شاعروفيلسوف وسياسي مسلم هندي ، يوم كانت الباكستان جزءا من الهند ، ولد في البنجاب و هو صاحب الأبيات الرائعة :   
إذا الإيــمان ضاع فلا أمان
ومن رضي الحياة بغير دين
تـساندت الكواكب فاستقرت
وفـــي التـوحيد للـهمِّ اتحاد

و لا دنيا لــمن لم يحي دينا
فقد جعــــل الفناء لها قرينـا
ولولا الجـــــاذبيــة ما بقينا
ولن تــــبنـوا العلا متفرقينا
طاف العالم يدعو إلى الإسلام ، وحضر المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس عام 1930 وممن أقواله في كلمة الافتتاح :
 " على كل مسلم عندما يولد ، ويسمع كلمة لا إله إلا الله ، أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ الأقصى".
كان أبوه رجلا صالحا علمه القرآن صغيرا ، ذات يوم رأى الأب ابنه يقرأ القرآن كما يقرأ الرجل الجريدة ، وحرص أبوه أن تكون قراءة ابنه للقرآن قراءة وعي وتدبر وفهم تؤدي إلى العمل به والاهتداء بهدية،  فقال له : "يا بني اقرأ القرآن كأنه نزل عليك"، ويقول إقبال تعقيبًا علي هذه الوصية العظيمة بقوله" : ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن، وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست ومن بحره ما نظمت " .
وعرف عن إقبال أنه كان طوال أيام عمره له جلسة مع القرآن قلما يتركها ، فكان  يقرأ القرآن بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس ،  ولا يختم المصحف ـ كما قالوا عنه ـ حتى يبله بالدموع .
يروى أن الإمام أحمد بن حنبل.. بلغه أن أحد تلامذته يقوم الليل كل ليلة ويختم القرآن الكريم كاملا حتى الفجر... ثم بعدها يصلى الفجر فأراد الإمام أن يعلمه كيفية تدبر القرآن فأتى إليه وقال: بلغني عنك أنك تفعل كذا وكذا ..
فقال: نعم يا إمام .  
قال له : إذن اذهب اليوم وقم الليل كما كنت تفعل ولكن اقرأ القرآن وكأنك تقرأه عليًّ .. أي كأنني أراقب قراءتك... ثم أبلغني غدا فأتى إليه التلميذ في اليوم التالي وسأله الإمام فأجاب: لم أقرأ سوى عشرة أجزاء فقال له الإمام: إذن اذهب اليوم واقرأ القرآن وكأنك تقرأه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ثم جاء إلى الإمام في اليوم التالي وقال: يا إمام.. لم أكمل حتى جزء عم كاملا فقال له الإمام: إذن اذهب اليوم.. وكأنك تقرأ القرآن الكريم على الله عز وجل فدهش التلميذ... ثم ذهب في اليوم التالي... جاء التلميذ دامعا عليه آثار السهد الشديد فسأله الإمام: كيف فعلت يا ولدى ؟
فأجاب التلميذ باكيا: يا إمام... والله لم أكمل الفاتحة طوال الليل .

معي في قبري ..!!

 
عندما طلب بنو إسرائيل من نبيهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون تحت لوائه، فبعث الله لهم طالوت، ولكن نفوسهم لم تطمئن له، فقد رأوا أن فيهم من هو أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال، فأراد الله أن يثبت قلوب المقاتلين وهم يواجهون الموت، فأراد الله أن يؤيد ملك طالوت بعلامة :
﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 248]
ذهب المفسرون لتعيين مكونات التابوت المادية ،  فقالوا السكينة طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء، وقالوا: السكينة مثل الريح الخجوح، صوتها مثل الهرة إذا صرخت في حال الحرب أيقن بنو إسرائيل بالنصر .
وقالوا  عن ﴿ وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون كان فيه رضاض الألوح وشيء من المن الذي كان نزل عليهم بالتيه ، وقيل : فيه عصا موسى وثيابه ودرعه . وكان بنو إسرائيل ينصرون على أعدائهم ما دام التابوت معهم ، ولما سلب منهم صاروا  يهزمون فأعاده الله لهم لكي يربط على قلوبهم .
إذا تدبرنا هذه القصة وسياق الآيات نجد أن هناك عناصر توافرت في هذا الآية: التابوت والسكينة والبقية من آثار الصالحين وتحمله الملائكة في مواجهة القتل أو الموت المتوقع من الحرب .
التابوت وهو آلة النقل إلى القبر تحمله الملائكة كما تحمل الروح إلى ربها، وهناك السكينة وهي أغلى مطلب لمن يواجه هذه الرحلة الصعبة التي تجف لها الحلوق وترتعد لها الفرائص، وهناك البقية من آثار الصالحين؛ السلاح الأمضى في نحر الخوف وتحقيق السكينة، وهناك الملائكة التي تحمل هذا التابوت .
وتروي لنا كتب التراث الكثير من المواقف التي عمد فيها بعض السابقين لتحقيق السكينة في مواجهة الموت من خلال البقية من آثار الصالحين ومنها:
تقول كتب السير أنه لما حضر معاوية الموت أوصى بأن يدفن في قميص رسول الله وإزاره وردائه وشيء من شعره .
وحينما حضرت عمر بن العزيز الوفاة، دعا بشعر من شعر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  وأظفار من أظفاره وقال: إذا مت فخذوا الشعر والأظفار ثم اجعلوه في كفني .
المسلمون فيما بعد فعلوا شيئا مشابها ، فهذا الخليفة العثماني السلطان بايزيد خان الثاني ابن السلطان محمد الفاتح ، كان من عادته أن يجمع في قارورة ما علق بثيابه من غبار ، وهو راجع من أية غزوة من غزوات جهاده في سبيل الله. وفي إحدى المرات عندما كان السلطان يقوم بجمع هذا الغبار من على ملابسه لوضعه في القارورة ، قالت له زوجته (كولبهار): أرجو أن تسمح لي يا مولاي بسؤال. لم تفعل هذا مولاي ؟ وما فائدة هذا الغبار الذي تجمعه في هذه القارورة ؟
- إنني سأوصي يا (كولبهار) بعمل طابوقة ( طوبة )  من هذا الغبار ، وأن توضع تحت رأسي في قبري عند وفاتي ، ألا تعلمين يا (كولبهار) أن الله سيصون من النار يوم القيامة جسد من جاهد في سبيله ؟
ونفذت فعلاً وصيته ، إذ عمل من هذا الغبار المتجمع في تلك القارورة … غبار الجهاد في سبيل الله ، عمل منه طابوقة ، وضعت تحت رأس هذا السلطان الورع عندما توفي سنة 1512م ، وقبره موجود حتى الآن بجانب الجامع الذي بناه (جامع بايزيد) ، رحمه الله تعالى
 وهذا الإمام ابن الجوزي كان يجمع براية الأقلام التي يكتب بها، ويحتفظ بها في مكان خاص . ولمّا حضرته الوفاة أوصى أن يُسخن الماء الذي سيغسل به ببراية تلك الأقلام . ولمّا مات نفذوا وصيته، فكفَت براية أقلامه لتسخين مائه، وزاد منها شيء كثير بعد ذلك .
ولكن من أين لنا في لحظة الوفاة بوصية كتلك ؟؟

جماليات لفظ الجلالة

 
ماذا تعرف عن لفظ اسم الله جلّ جلاله ؟؟
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) هو الاسم الأعظم لله ـ عز وجل ـ  على قول طائفة من أهل العلم . 
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) ذكر في القرآن الكريم  ألفين وستمائة وتسع وتسعون مرّة. واستفتح الله تعالى ثلاثا وثلاثين أية باسمه الأعظم ( الله ) . 
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) مشتق ، وأن أصله الإله ،كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ ، وهو الجامع لمعاني الأسماء الحسنى والصفات العليا . والذين قالوا بالاشتقاق، إنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى ، وهي الإلهية ،كسائر أسمائه الحسنى ، كالعليم والقدير ونحو ذلك ، فإنها من مصادرها بلا ريب ، والمقصود بالاشتقاق أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى ، لا أنها متولدة منه تولد الفرع من أصله  ، فنقول الله القدير ، والله السميع ، ولا نقول السميع الله ، والقدير الله .  
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) هو اسم ليس به حرف معجم (منقوط ) ، بل كل حروفه مجردة من النقاط ، إشارة إلى أنها كلمة إخلاص تتضمن التجرد عن كل معبود سوى الله تعالى . إلى جانب أن حروفه جوفية حفظت من التغيير، ووردت بدون نقاط ، ونحن نعلم بأن النقاط أضيفت في فترة لاحقة إلى الرسم القرآني ، وعليه يكون الإتيان بذكر الله من خالص الجوف ، لا من الشفتين ، وفي كلام بعضهم لا تنطق بها الشفاه فلا يشعر بها جليس الذاكر فالإخلاص بها سهل عليه. 
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) لم يُسمَّى به غيره جلّ جلاله ﴿ رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا  [ مريم: 56] ، وغيره من الأسماء قد يُسمّى بها غيره كالقادر والعليم ، ولم يتجرأ شخص على هذه البسيطة ، من خلق سيدنا آدم عليه السلام إلى يومنا هذا أن سَمَّى به ، أو سُمِّيَ به . 
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) من خواصه أنه في ذاته اسم كامل في حروفه ، وتام في معناه ،خاص بأسراره ، مفرد في صفته ، و مهما نقص من حروفه لا يتغير معناه : 
* إذا حذفنا الحرف الأول صار ( لله ) فلا يزال مدلول الملك بها ، وفي الآية ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . 
* وإذا ما حذفنا الألف واللام الأولى بقيت( له) فلا يزال مدلول الملك بها وفي الآية ﴿له ما في السموات والأرض .
* وإن حذفت الألف واللام الأولى والثانية بقيت الهاء بالضم( هـُ) فلا تزال الإشارة إليه وفي الآية ﴿ هو الذي لا اله إلا هو .
* وإذا ما حذفت اللام الأولى بقيت " إله" كما قال تعالى في الآية ﴿الله لا إله إلا هو .
نهتف من شغاف القلب وحنايا الصدور بمن له الاسم الأعظم  .. الله .. 
من هو  الخالق البارئ المصور وله الأسماء الحسنى ؟! يردد القلب واللسان .. الله 
من له كل كمال؟  من له الجلال ؟  من الكبير المتعال ؟
من صاحب الفضل والجود والإحسان ؟  
من إذا ذكر اسمه في القليل كثره ؟  وإذا ذكر عند الكرب كشفه ؟ وإذا ذكر اسمه عند الخوف أزاله ؟ 
من يكشف الكروب ؟ من يغفر الذنوب ؟ من ينصر المغلوب ؟ 
من ملهم الصبر .؟ من الغني عن الفقر ؟  من الأنيس في القبر ؟ 
من باعث الأموات من القبور ؟ من صاحب الأمر يوم البعث والنشور ؟
من ناصر المؤمنين ؟ من مذل الكافرين ؟  
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بها ندخل الدنيا ، وبها نخرج من الدنيا ، عليها نحيا ، وتحت ظلها نجاهد ، وبها ندخل القبور ، وعليها نبعث يوم النشور ، إن شاء الله .

خطيب الجمعة يجمع الأحذية ..!!

 
كانت السنة الماضية من السنوات القليلة التي وحدت المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، على اختلاف طوائفهم إثر نشر الرسوم الملعونة في الصحف الدنمركية والأوربية استهزاء بالرسول الكريم ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ فأظهرت مدى حب الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ في قلوب المسلمين ، وكان لوقفة المسلمين المدافعة عن نبيهم أكبر الأثر في ردع حملة كان يخطط لها أن تتواصل وتتدرج بالإساءة ، في هذه الحادثة دليل على صدق القرآن الكريم كما قال سبحانه: ﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾.ومن المفيد أن نذكر أن الاستهزاء يأخذ شكلين أساسين ، الأول صريح كما فعلت الرسوم الدنمركية، والثاني غير الصريح ويكون بالتعريض بالحركات أو الكلمات ، وقد تكفل الله سبحانه بكفاية الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من النوعين ، ومن طريف ما قرأت عن النوع الثاني هذه القصة الحقيقية التي يرويها الشيخ أحمد شاكر .  
يُعد الشيخ أحمد شاكر المتوفى عام 1958  - رحمه الله - من أبرز علماء هذا العصر الثقات ؛ ممن  وفقهم الله تعالى للجمع بين العلم الشرعي ونشره لاسيما علم الحديث ، مع المشاركة النافعة النابهة في قضايا المسلمين الحادثة . ومثل هذا الجمع لا نكاد نجده إلا في القليل من العلماء ، وهو ما تحتاجه أمة الإسلام في كل زمان ؛ لكي لا ينحرف مسيرها بين عالم أو طالب علم منزوٍ عن هموم الأمة ، أو متصدر جهول بشرع الله ، وكان والده الشيخ محمد شاكر من علماء الأزهر ويحكي عن والده قصة فيها عبرة .
ذكر الشيخ أحمد شاكر أن والده الشيخ محمد شاكر ـ وكيل الأزهر سابقاً ـ كفّر أحد خطباء مصر ، وكان فصيحاً متكلماً مقتدراً ، وأراد هذا الخطيب أن يمدح أحد أمراء مصر عندما أكرم طه حسين ، فقال في خطبته : جاءه الأعمى  فما عبس بوجهه وما تولى ! .
وهو يريد بذلك التعريض برسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ   , حيث أن القرآن ذكر قصته مع الأعمى فقال تعالى : ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى(2)
فبعد الخطبة أعلن الشيخ محمد شاكر للناس أن صلاتهم باطلة, وأمرهم أن يعيدوا صلاتـهم لأن الخطيب كفر بهذه الكلمة التي تعتبر شتم لرسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  تعريضاً لا تصريحاً .
هذا ولم يكن الشيخ محمد شاكر رحمه الله ممن يطلقون الأحكام جزافاً ولم يكن يفعل ذلك لمطلب دنيوي أو لمرضاة ذي سلطان ، إذ لم تكن حالة الأزهر في زمانه مثل ما هي عليه في زماننا هذا .
ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الآخرة .
قال الشيخ أحمد شاكر : ( ولكن الله لم يدعْ لهذا المجرم جرمه في الدنيا ، قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى ، فأقسمُ بالله لقد رأيته بعيني رأسي - بعد بضع سنين ، وبعد أن كان عالياً منتفخاً ، مستعزّاً بمَن لاذ بهم من العظماء والكبراء - رأيته مهيناً ذليلاً ، خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة ، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار ، حتى لقد خجلت أن يراني ، وأنا أعرفه وهو يعرفني ، لا شفقة عليه ، فما كان موضعاً للشفقة ، ولا شماتة فيه ؛ فالرجل النبيل يسمو على الشماتة ، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة ) .

لماذا أحرق طالب العلم أصابعه ...؟!

 
في سورة آل عمران يذكر الله شهوات الدنيا بترتيبها :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14}
فقد بدأت الآيات بذكر شهوة النساء ، تلك الشهوة الجامحة القوية ، لذلك حرص الصالحون كل الحرص عن الوقوع فيها ، وهم يدرسون قصة (ابريصيص ) العابد  من بني إسرائيل ، الذي أزله الشيطان وهو شيخ كبير فقاده إلى الكفر بواسطة امرأة وضعها إخوتها في حمايته لزهده ، تلك الخدعة التي ما زالت تستخدم في إسقاط الشرفاء ، فيقول مؤلف كتاب ( عن طريق الخداع ) إن الوسيلة الأكثر فعالية  في إسقاط العملاء هي النساء ، ويسرد قصص عن إسقاط العالم النووي العراقي الذي سهل قصف قلب المفاعل النووي العراقي .
النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ يوضح خطورة الخلو بالمرأة الأجنبية بقوله :
(ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) ويحذر أمته من  فتنة النساء على الرجال ، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت على أمتي فتنة أشد على الرجال من النساء) .
وروي أن ثابت البناني ، وهو من أعبد خلق الله، الذي صلى أربعين سنة الفجر بوضوء العشاء، لا يعرف أبداً النوم في الليل، وليس له فراش، أنه كان  يقول: والله لو أمنتوني على ملء الأرض ذهباً لوجدتموني أميناً، ووالله ما آمن نفسي على أَمَةٍ سوداء رأسها كأنه زبيبة. وقال الشاعر من وحي هذا القول  :
 لا تخلو بامرأة لديك بريبةٍ         لو كنت في النساك مثل بنانِ
 إن الرجال الناظرين إلى النسا       مثل الكلاب تطوف باللحمان
وقد أدرك تلك المعاني رجال آمنوا بربهم، فصانوا أنفسهم من الفتن فأكرمهم الله من فضله ما يتمناه، ومنهم قصة هذا الشاب :  

ُنقل أنّ بنت الأمير  في إحدى مدن إيران ـ كانت عائدة إلى بيتها في وقت متأخّر من ليلة شاتية، إذ صادفت في طريقها مدرسة دينية، ففكّرت أن تلجأ إليها حتى الصباح، طلباً للأمان، ولم يكن في المدرسة في تلك الليلة إلا طالب علم أعزب ينام في إحدى الغرف وحيداً فريداً. فلما طرقت الباب ، فوجئ الطالب بشابّة تطلب اللجوء و المبيت عنده حتى الصباح؛ فأدخلها الطالب حينئذ حجرته على وجل! ونامت آمنة مطمئنة حتى الصباح، ثمّ غادرت إلى بيت أبيها الأمير.
عندما سألها أبوها الأمير عن مكان مبيتها ليلة أمس حكت له القصّة. فشكّ الأمير وأرسل خلف طالب العلم ليستوضح الأمر، فتبيّن له بعد ذلك أنّ هذا الطالب منعه تقواه من أن يتكلّم معها فضلاً عن أن يدنو منها أو غير ذلك!
وعندما أراد الأمير أن يشكر الطالب اكتشف أنّ إحدى أصابعه قد أُحرقت حديثاً، فسأله عن السبب فقال: تعلم أنّي شابّ وأعزب، واتّفق أن نامت في غرفتي ابنتك وهي امرأة شابّة ولم يكن معنا أحد غيرنا، فأخذ الشيطان يوسوس لي، فخفت أن أفشل في مقاومته، فكانت في غرفتي شعلة نفطية، فبدأتُ أقرّب إصبعي من النار كلّما وسوس لي الشيطان ـ وقديماً قيل: والجرح يُسكنه الذي هو آلم ـ فصرتُ أسكّن ألم الشهوة بألم الاحتراق، وبقيت هكذا إلى الصباح حتى نجّاني الله من الوقوع في فخّ الشيطان وما توسوس به النفس الأمّارة بالسوء.
وعندما سمعت الفتاة ذلك قالت: هو كذلك، لأنّي كنت أشمّ رائحة شواء، ولم أكن أعلم أنّ هذا المسكين إنّما كان يشوي إصبعه!
وهذا الشابّ هو أحد علماء إيران الأعلام الذي  عُرف فيما بعد بـ «ميردامار» أي صهر الأمير.

مراغمة شيطان الفجر .....!!

 
 
أفرد الإمام الغزالي في كتاب الإحياء بابا سماه ( في معاقبة النفس على تقصيرها) جاء فيه :
" إن أهمل المسلم نفسه سهل عليه مقارفة المعاصي، وأنست بها نفسه، وعسر عليه فطامها ، وكان ذلك سبب هلاكها ، بل ينبغي أن يعاقبها ، فإذا أكل لقمة شبهة بشهوة نفسٍ ينبغي أن يعاقب البطن بالجوع ..."
ومن أكثر المعاصي بل الكبائر وأخطرها التي تشيع بين المسلمين، وخاصة بعد انقضاء شهر رمضان هي الغفلة عن صلاة الفجر، وكأن الأكل هو الذي يوقظنا لا صلاة الفجر ؟ وإن لم يكن كذلك فلماذا نتركها بعد رمضان رغم ما في إقامتها من ترغيب وفي تركها من ترهيب، وهي كذلك علامة على صدق الدين وقوة اليقين؟!
صلاة الفجر في عصرنا فيها مجاهدة للنفس، وقد تعود الناس طول السهر ،  ، ومن طرائف ما سمعت أن عجوزا يهوديا عراقيا قال لأحد العمال العرب العاملين عنده : أتعرف متى تزول إسرائيل ؟ قال العامل: متى ؟ فقال اليهودي: عندما يصير عدد المصلين في الفجر مثل عدد المصلين يوم الجمعة في بلدكم .
الشيطان كما أخبر الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ يبول في أذن النائم عن صلاة الفجر، فكيف تجعل هذا الشيطان يوقظك على صلاة الفجر، إليكم هذه النصيحة من أحد الأخوة جزاه الله خيرا .
أولا: الاستعانة بالله: فالله سبحانه هو الهادي لكل خير ، وهو المعين على إتمامه .
ثانيا:تخاطب الشيطان، وتقول له جازما حازما: إذا ضاعت مني صلاة الفجر في يوم غد فسأعاقب نفسي، وأعاقبك بأشياء حلال من صدقة وصيام وقراءة قران واستغفار وتوبة وذكر وصلة رحم.. حتى تندم يا إبليس أني لم أصلِّ فجر هذا اليوم، وسأفعل ذلك في كل يوم تضيع عني فيه صلاة الفجر...
ثالثا: إن الشيطان يا أخوتي همه فوات الثواب الأكبر علينا فلو وجد أن بضياعك لصلاة الفجر ستفعل كل هذه الحسنات فسيكون أول من يوقظك للصلاة.
رابعا: يجب أن تعلم أن الشيطان سيختبر مدى جديتك ، أستفعل هذا مرة واحدة أم أنك على العهد؟! فإن وجد منك العزم والقوة والجدية فسيكون أول من يقوم بإيقاظك للصلاة...
خامسا:من الممكن أن تجعل هذه الطريقة مع أي ذنب يستصعب عليك تركه.

وذكر أن رجلا جاء إلى الإمام أبي حنيفة وقال له: لقد دفنت مالي كله في حفرة، ونسيت مكانها ، فهل تستطيع مساعدتي للعثور عليها ؟؟ قال الإمام :اذهب وصلِّ الليل كله , وستذكر مكان مالك ـ إن شاء الله ـ فذهب الرجل و فعل ما طلب  الإمام منه ،  وبينما كان يصلي تذكر مكان الحفرة ، فتعجب من ذلك وراح للإمام ليسأله عن سبب ذلك .
تبسم الإمام وقال : علمت أن الشيطان لن يدعك تصلي الليل كله, وسيقطع صلاتك بأن يذكرك بما نسيت من أمر مالك .
وذكر الشيخ أحمد الكبيسي دعاء يفيد في القيام لصلاة الفجر على أن ينام الشخص على وضوء، ويقول قبل أن يغلبه النوم :
"  اللهم لا تؤمّني مكرك، ولا تكشف عني سترك، ولا تُنسني ذكرك، ولا تولّني غيرك، ولا تجعلني من الظالمين " .
 يُقرأ ثلاث مرّات وفي المرّة الرابعة يضاف إليه:
" أيها الملك الموكّل أيقظني في الساعة كذا" .

القدوة الحسنة

يقول الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: " الفرق بين الشك والحقيقة أربع أصابع هي المسافة بين السمع والمشاهدة " ويقصد بذلك المسافة بين الأذن والعين في رأس الإنسان . فالإنسان السوي يصدق ما يرى لا ما يسمع ، والإنسان السوي  من طبعه أن يتأثر بما يشاهد لا بما يقال له  .
وأخطر المسلمين على الإسلام أولئك الذين يدعون الناس إلى الله تعالى بأقوالهم، ويدعون إلى الشيطان الرجيم بأفعالهم ، لأن السلوك هو دليل الفكرة ، والإيمان يستدعي العمل الصالح ، وليس للذي يخالف ما يدعو إليه عند الله إلا المقت وهو أشد ألوان البغض . وأغلب المسلمين دخلوا في الإسلام من باب القدوة الحسنة، ألا ترى أن أكبر دولة إسلامية في العالم هي اندونيسيا تلك البلد التي يزيد سكانها عن مائتي مليون نسمة ، دخل أهلها في الإسلام على يد التجار المسلمين من هنود وعرب وغيرهم في القرن العاشر الهجري .
لذا على الداعية أن يحذر من مخالفة أفعاله لأقواله، فإن النفس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه، ولا يوافق فعله قوله، ولهذا قال الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام :

 ﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ   .[هود:88]

فالقدوة ذات أهمية وأثر كبير في الاعتقاد والسلوك والأخلاق، وقد يكون أثرها هذا إيجابياً أو سلبياً، لذلك فالقدوة الحسنة أساس رفيع في تزكية النفوس وتهذيبها، وذلك لأن تحلي الداعية بما يدعو إليه الناس من الاعتقاد والسلوك والأخلاق يجعل هذه الدعوة صورة حية ماثلة للعيان، مما يمكّن في نفوس أتباعه القناعة التامة بما يقول، وأن ما يدعوا إليه أمر ممكن تحقيقه وتطبيقه، وهم يرون بأعينهم ذلك التطبيق، ويلمسون آثاره الطيبة على الداعي نفسه، فيتأثرون به أعظم التأثر، ويؤمنون به أصدق الإيمان، هذا بالإضافة إلى أنه عندما يجعل نفسه في مواقف الفداء والتضحية أول المضحين، وفي مواقف البذل أول الباذلين، فإن ذلك يجعل أتباعه يتبعون هذه المواقف في رضا واطمئنان تامين، فضلاً عن تعلقهم به يزداد، ويقينهم بصدقه، وحرصهم عليه.

منذ سنوات طويلة ، انتقل إمام أحد  المساجد إلى مدينة لندن في بريطانيا، و كان يركب الباص دائماً من منزله إلى المسجد .
بعد انتقاله بأسابيع، وخلال تنقله بالباص، كان أحياناً كثيرة يستقل نفس الباص بنفس السائق.
وذات مرة دفع أجرة الباص و جلس، فاكتشف أن السائق أعاد له 20 بنساً زيادة عن المفترض من الأجرة.
فكر الإمام وقال لنفسه أن عليه إرجاع المبلغ الزائد لأنه ليس من حقه. ثم فكر مرة أخرى وقال في نفسه: "إنسَ الأمر، فالمبلغ زهيد وضئيل، و لن يهتم به أحد، كما أن شركة الباصات تحصل على الكثير من المال من أجرة الباصات ، ولن ينقص عليهم شيئاً بسبب هذا المبلغ التافه ، إذن سأحتفظ بالمال وأعتبره هدية من الله وأسكت.
توقف الباص عند المحطة التي يريدها الإمام ، ولكنه قبل أن يخرج من الباب ، توقف لحظة ومد يده ، وأعطى السائق العشرين بنساً ، وقال له: تفضل، أعطيتني أكثر مما أستحق من المال!!!
فأخذها السائق وابتسم، وسأله: ألست الإمام الجديد في هذه المنطقة؟ إني أفكر منذ مدة في الذهاب إلى مسجدكم للتعرف على الإسلام، ولقد أ عطيتك المبلغ الزائد عمداً لأرى كيف سيكون تصرفك"!
وعندما نزل الإمام من الباص، شعر بضعف في ساقيه وكاد أن يقع أرضاً من رهبة الموقف!!! فتمسك بأقرب عامود ليستند عليه،و نظر إلى السماء و دعا باكيا:
يا الله ، كنت سأبيع الإسلام بعشرين بنساً!!!