الأربعاء، 1 أغسطس 2012

عندما زلَّ أبو بكر ..!!

يقول الله تعالى في حق الأنصار والمهاجرين :
﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]
الأمة الإسلامية الأولى التي تكونت من الأنصار والمهاجرين هي خير أمة عرفتها البشرية، تلك الأمة التي حولت يثرب إلى المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة عبر التاريخ ، ومن مظاهر خيريتها وكمالها تلك الأخلاق السامية التي كان يحملها أفرادها ، ومن تلك الأخلاق التي نحن بأشد الحاجة إليها اليوم هي معرفة الفضل لأهل الفضل ، وقد روى  أنس ـ رضي اللّه ـ  عنه عن الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  قوله : "إِنَّمَا يَعْرِفُ الْفَضْلَ لأَهْلِ الْفَضْلِ أَهْلُ الْفَضْلِ"  ، وتلك مسألة بالغة الأهمية .
فلا يعرف قدر العالم إلا عالم مثله.
ولا يعرف قدر الطبيب البارع غير طبيب مثله.
ولا يحترم الكريم إلا كريم مثله .
ولا يعرف قدر أبي بكر غير صحابي مثل ربيعة .
وهذه قصة عن معرفة الفضل لأهله حفظتها لنا كتب السنة، أما أطراف القصة فصحابيين فاضلين أولهما : الصديق أبو بكر رضي الله عنه ، أفضل رجل بعد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، الخليفة الراشد الأول رضي الله عنه ، والثاني خادم رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ   الذي سأله مرافقته في الجنة فقال له النبي : (فأعني على نفسك بكثرة السجود ) ، فقال إذن أفعل ، إنه الصحابي  ريبعة بن كعب الأسلمية ـ رضي الله عنه ـ  .
 روى الإمام الحاكم في مستدركه، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه: عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه، قوله:
" أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضاً، وأعطى أبا بكر أرضاً، فاختلفنا في عذق نخلة، ـ قال وجاءت الدنيا ـ فقال أبو بكر : هذه في حدي . فقلت:  لا بل هي في حدي: قال فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها،  وندم عليها . قال فقال لي :  يا ربيعة،  قل لي مثل ما قلت لك حتى تكون قصاصا . قال  فقلت :  لا والله ، ما أنا بقائل لك إلا خيرا . قال: والله لتقولن لي كما قلت لك حتى تكون قصاصا ، وإلا استعديت عليك برسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  .  قال، فقلت: لا، والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا.  قال: فرفض أبو بكر الأرض، وأتى النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وجعلت أتلوه، فقال أناس من أسلم: يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال،  ويستعدي عليك . قال فقلت: أتدرون من هذا ؟! هذا أبو بكر، هذا ثاني اثنين،  هذا ذو شيبة المسلمين ، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب،  فيأتي رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  فيغضب لغضبه ، فيغضب الله لغضبهما ، فيهلك ربيعة .
قال : فرجعوا عني، وانطلقت أتلوه ، حتى أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقص عليه الذي كان ، قال فقال  رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :  يا ربيعة ما لك والصديق ؟ قال فقلت مثل ما قال كان كذا وكذا،  فقال لي :  قل مثل ما قال لك .  فأبيت أن أقول له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجل ،  فلا تقل له مثل ما قال لك ،  ولكن قل يغفر الله لك يا أبا بكر ،  قال فولَّى أبو بكر الصديق  ـ رضي الله عنه  ـ وهو يبكي "  .

من بين فرث ودم

هل تعلم أن (الكلور) غاز سام كاوي وأن (الصوديوم) عنصر سام حارق قاتل ، ومنها يخرج كلوريد الصوديوم ( ملح الطعام ) المادة الغذائية الأساسية للكائنات الحية !!
هل تعلم أن العرب كانت تتشاءم من الأرض السبخة التي يظهر فيها القطران ( البترول ) ويحسبونها أرض ملعونة بدلت القطران بمائها ، فصار القطران مادة يستخرج منها الناس قوام حياتهم !!
هل تعلم أن الفرث هو ما تجمع في الأمعاء نتن الرائحة سبب في النجاسة، وأن الدم مما حرّم الله تعالى أكله، ومن بينهما يخرج لبنا خالصا مصفّى ومستساغ الطعم، مصداقا لقوله تعالى : ﴿ وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين [سورة النحل  آية 66 ]!!
هل تعلم أن أشد الناس إيذاء للمسلمين في بداية الدعوة رجلان، عمرو أبو جهل ، وعمر بن الخطاب ، فلم يكن دعاء الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  اللهم اهلك الرجلين ، بل : اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ، وخرج من بينهما عمر الفاروق الذي أقام دولة الإسلام وفتح الفتوحات !!
هل تعلم أن الناصر أبو يوسف صلاح الدين الأيوبي كان في شبابه المبكر شابا فيه ميل للمجون  قبل التحاقه بجيش عمه شيركوه ، ثم تحول إلى قاهر الصليبين في معركة حطين ومحرر القدس !!
ونقرأ قول الله تعالى: ﴿ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ [ آل عمران: 27]
أي يخرج المؤمن من الكافر ويخرج المنافق من المؤمن .
فإذا كانت وظيفة المربي هي الارتقاء بالناس من درجة إلى درجة على طريق تزكية النفوس ، فإن وظيفة الداعية هي استخلاص القائد الفاعل من عتاة العصاة والمعاندين لدين الله تعالى .



لا صدقة ولا جهاد

طبع الإنسان على حب الأجر العاجل والنتيجة الفورية ، وذلك مصداقا لقول الله تعالى ﴿ خُلِقَ الإنسانُ مِنْ عَجَلٍ، كما طبع الإنسان على حب المال ﴿ وَتحبُونَ المالَ حًبَّاً جَمَّاً وجاء الدين ليهذب هذه الطبائع ويوجهها إلى غاية سامية ، ألا ترى أن الطفل الصغير يحب المكافأة الفورية المباشرة ، وكلما تقدم به العمر والنضوج العقلي صار يبحث عن الأجر العظيم وإن تأخر ؟! ويبلغ الإنسان قمة نضوجه عندما يوقن أن الأجر الحقيقي يأتي متأخرا في اليوم الآخر ، عن يحيى بن معاذ ـ رحمه اللَّه تعالى ـ  أنه قال: الدنيا مزرعة رب العالمين، والناس فيها زرعه، والموت منجله ، وملك الموت حاصده، والقبر مداسه ، والقيامة بيدره ، والجنة والنار بيت أهوائه: فريق في الجنة وفريق في السعير" .
ولكن مزرعة الدنيا فيها أنواع شتى من الغراس ، ولا ريب أن ثمار الأشجار مختلفة القيمة ، فأي الأشجار أكثر إثمارا للحسنات المؤدية  إلى الجنة ؟
قال تعالى في سورة التوبة :
﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ   [التوبة :111]
تتحدث هذه الآية عن ثلاث أشجار باسقات في السماء ضاربات جذورها في أعماق النفس البشرية ، ثمارها في الجنّة من أشرف الثمار :
الشجرة الأولى : البيعة لجماعة المسلمين .
الشجرة الثانية : النفقة في سبيل الله .
الشجرة الثالثة : الجهاد  في سبيل الله .  
وهذا ما يتضح أكثر من حديث ابن الخصاصية ، فقد روى الحاكم في المستدرك  من حديث بشير بن الخصاصية رضي الله عنه ، قال :
 ( أتيت رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  لأبايعه على الإسلام فأشترط عليَّ :
تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وتصلي الخمس ، وتصوم رمضان ، وتؤدي الزكاة ، وتحج البيت، وتجاهد في سبيل الله.
قال : قلت: يا رسول الله, أما اثنتان فلا أطيقهما، أما الزكاة فما لي إلا عشر ذود - أي إبل -  هن رسلُ أهلي وحمولتهم، وأما الجهاد فيزعمون أنه من ولّى - أي هرب من المعركة- فقد باء بغضب من الله ، فأخاف إذا حضرني كرهت الموت وخشعت نفسي ، قال : فقبض رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  يده ثم حركها . ثم قال: لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة ؟ قال بشير ، ثم قلت : يا رسول الله ، أبايعك .  فبايعني عليهن كلهن (. [قال الحاكم حديث صحيح ووافقه الذهبي] .
هذا الحديث العظيم يؤكد المعنى الحقيقي للانضمام إلى جماعة المسلمين المعبر عنها بالمبايعة والتي تقتضي التجرد التام من أوساخ الدنيا وحطامها . وبذل النفس والنفيس في مرضاة الخالق العظيم.
إن بشيراً- رضي الله عنه- كان بحاجة إلى وقفة تربوية ومراجعة نبوية تبّين له حقيقة المبايعة على الإسلام, وأن الإسلام لا يقبل من المسلم إلا أغلى ما يملك لينال شرف الانضمام إلى أهله, ويفوز بلقب الانتماء إلى شريعته .
فحين اشترط بشير ، أن يُبقي على نفسه وماله, باذلاً ما سواها بكل رحابة صدر؛ قبض رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  يده الشريفة ، واعتذر عن المبايعة ؛لأنً سلعة الله غالية الثمن, باهظة التكاليف !

درس في تدبر القرآن !!

 
في سلسلة الحرب النفسية التي اخترعها الجيش اليهودي في تدمير غزة ، وتدمير معنويات أهلها في العدوان الأخير ، صار يتصل هاتفيا بصاحب البيت وينذره أن البيت سيقصف قريبا، لو فرضنا أن لحظة الاتصال كانت على البث المباشر ، وحضرها أهل البيت، وضيف، وصحفي ، ومصور ، ومشاهد من الضفة ، فكيف يتصرف كل واحد تلقى هذا البلاغ ؟
سينفعل الأب ويحتج ويصرخ ، ثم سيخرج أهله وما خف حمله من البيت على وجه السرعة .
سيعتذر الضيف، ويعود إلى بيته خفيفا مسرعا، وقد يعرض على صديقه المأوى .
سينشغل الصحفي بتدوين ردات الفعل، ويحاول تسجيل حوار مع الأب والأولاد .
سيلتقط المصور صورة الهلع التي دبت في البيت ، ويخرج إلى مرتفع ليلتقط لحظة التدمير .
سيواصل المشاهد الجلوس أمام التلفاز ليتابع الحدث. 
 أترك لخيالك أخي القارئ بقية التفاصيل ، لأعود بك إلى كيفية التعامل مع القرآن الكريم ، وهو بلاغ للناس لينذروا به من خلال مثالين ، الأول مع الشاعر محمد إقبال والثاني مع أبي حنيفة النعمان .   
محمد إقبال (1877 ـ 1938) ـ رحمه الله ـ شاعروفيلسوف وسياسي مسلم هندي ، يوم كانت الباكستان جزءا من الهند ، ولد في البنجاب و هو صاحب الأبيات الرائعة :   
إذا الإيــمان ضاع فلا أمان
ومن رضي الحياة بغير دين
تـساندت الكواكب فاستقرت
وفـــي التـوحيد للـهمِّ اتحاد

و لا دنيا لــمن لم يحي دينا
فقد جعــــل الفناء لها قرينـا
ولولا الجـــــاذبيــة ما بقينا
ولن تــــبنـوا العلا متفرقينا
طاف العالم يدعو إلى الإسلام ، وحضر المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس عام 1930 وممن أقواله في كلمة الافتتاح :
 " على كل مسلم عندما يولد ، ويسمع كلمة لا إله إلا الله ، أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ الأقصى".
كان أبوه رجلا صالحا علمه القرآن صغيرا ، ذات يوم رأى الأب ابنه يقرأ القرآن كما يقرأ الرجل الجريدة ، وحرص أبوه أن تكون قراءة ابنه للقرآن قراءة وعي وتدبر وفهم تؤدي إلى العمل به والاهتداء بهدية،  فقال له : "يا بني اقرأ القرآن كأنه نزل عليك"، ويقول إقبال تعقيبًا علي هذه الوصية العظيمة بقوله" : ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن، وأقبل عليه، فكان من أنواره ما اقتبست ومن بحره ما نظمت " .
وعرف عن إقبال أنه كان طوال أيام عمره له جلسة مع القرآن قلما يتركها ، فكان  يقرأ القرآن بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس ،  ولا يختم المصحف ـ كما قالوا عنه ـ حتى يبله بالدموع .
يروى أن الإمام أحمد بن حنبل.. بلغه أن أحد تلامذته يقوم الليل كل ليلة ويختم القرآن الكريم كاملا حتى الفجر... ثم بعدها يصلى الفجر فأراد الإمام أن يعلمه كيفية تدبر القرآن فأتى إليه وقال: بلغني عنك أنك تفعل كذا وكذا ..
فقال: نعم يا إمام .  
قال له : إذن اذهب اليوم وقم الليل كما كنت تفعل ولكن اقرأ القرآن وكأنك تقرأه عليًّ .. أي كأنني أراقب قراءتك... ثم أبلغني غدا فأتى إليه التلميذ في اليوم التالي وسأله الإمام فأجاب: لم أقرأ سوى عشرة أجزاء فقال له الإمام: إذن اذهب اليوم واقرأ القرآن وكأنك تقرأه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ثم جاء إلى الإمام في اليوم التالي وقال: يا إمام.. لم أكمل حتى جزء عم كاملا فقال له الإمام: إذن اذهب اليوم.. وكأنك تقرأ القرآن الكريم على الله عز وجل فدهش التلميذ... ثم ذهب في اليوم التالي... جاء التلميذ دامعا عليه آثار السهد الشديد فسأله الإمام: كيف فعلت يا ولدى ؟
فأجاب التلميذ باكيا: يا إمام... والله لم أكمل الفاتحة طوال الليل .

معي في قبري ..!!

 
عندما طلب بنو إسرائيل من نبيهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون تحت لوائه، فبعث الله لهم طالوت، ولكن نفوسهم لم تطمئن له، فقد رأوا أن فيهم من هو أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال، فأراد الله أن يثبت قلوب المقاتلين وهم يواجهون الموت، فأراد الله أن يؤيد ملك طالوت بعلامة :
﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 248]
ذهب المفسرون لتعيين مكونات التابوت المادية ،  فقالوا السكينة طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء، وقالوا: السكينة مثل الريح الخجوح، صوتها مثل الهرة إذا صرخت في حال الحرب أيقن بنو إسرائيل بالنصر .
وقالوا  عن ﴿ وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون كان فيه رضاض الألوح وشيء من المن الذي كان نزل عليهم بالتيه ، وقيل : فيه عصا موسى وثيابه ودرعه . وكان بنو إسرائيل ينصرون على أعدائهم ما دام التابوت معهم ، ولما سلب منهم صاروا  يهزمون فأعاده الله لهم لكي يربط على قلوبهم .
إذا تدبرنا هذه القصة وسياق الآيات نجد أن هناك عناصر توافرت في هذا الآية: التابوت والسكينة والبقية من آثار الصالحين وتحمله الملائكة في مواجهة القتل أو الموت المتوقع من الحرب .
التابوت وهو آلة النقل إلى القبر تحمله الملائكة كما تحمل الروح إلى ربها، وهناك السكينة وهي أغلى مطلب لمن يواجه هذه الرحلة الصعبة التي تجف لها الحلوق وترتعد لها الفرائص، وهناك البقية من آثار الصالحين؛ السلاح الأمضى في نحر الخوف وتحقيق السكينة، وهناك الملائكة التي تحمل هذا التابوت .
وتروي لنا كتب التراث الكثير من المواقف التي عمد فيها بعض السابقين لتحقيق السكينة في مواجهة الموت من خلال البقية من آثار الصالحين ومنها:
تقول كتب السير أنه لما حضر معاوية الموت أوصى بأن يدفن في قميص رسول الله وإزاره وردائه وشيء من شعره .
وحينما حضرت عمر بن العزيز الوفاة، دعا بشعر من شعر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  وأظفار من أظفاره وقال: إذا مت فخذوا الشعر والأظفار ثم اجعلوه في كفني .
المسلمون فيما بعد فعلوا شيئا مشابها ، فهذا الخليفة العثماني السلطان بايزيد خان الثاني ابن السلطان محمد الفاتح ، كان من عادته أن يجمع في قارورة ما علق بثيابه من غبار ، وهو راجع من أية غزوة من غزوات جهاده في سبيل الله. وفي إحدى المرات عندما كان السلطان يقوم بجمع هذا الغبار من على ملابسه لوضعه في القارورة ، قالت له زوجته (كولبهار): أرجو أن تسمح لي يا مولاي بسؤال. لم تفعل هذا مولاي ؟ وما فائدة هذا الغبار الذي تجمعه في هذه القارورة ؟
- إنني سأوصي يا (كولبهار) بعمل طابوقة ( طوبة )  من هذا الغبار ، وأن توضع تحت رأسي في قبري عند وفاتي ، ألا تعلمين يا (كولبهار) أن الله سيصون من النار يوم القيامة جسد من جاهد في سبيله ؟
ونفذت فعلاً وصيته ، إذ عمل من هذا الغبار المتجمع في تلك القارورة … غبار الجهاد في سبيل الله ، عمل منه طابوقة ، وضعت تحت رأس هذا السلطان الورع عندما توفي سنة 1512م ، وقبره موجود حتى الآن بجانب الجامع الذي بناه (جامع بايزيد) ، رحمه الله تعالى
 وهذا الإمام ابن الجوزي كان يجمع براية الأقلام التي يكتب بها، ويحتفظ بها في مكان خاص . ولمّا حضرته الوفاة أوصى أن يُسخن الماء الذي سيغسل به ببراية تلك الأقلام . ولمّا مات نفذوا وصيته، فكفَت براية أقلامه لتسخين مائه، وزاد منها شيء كثير بعد ذلك .
ولكن من أين لنا في لحظة الوفاة بوصية كتلك ؟؟

جماليات لفظ الجلالة

 
ماذا تعرف عن لفظ اسم الله جلّ جلاله ؟؟
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) هو الاسم الأعظم لله ـ عز وجل ـ  على قول طائفة من أهل العلم . 
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) ذكر في القرآن الكريم  ألفين وستمائة وتسع وتسعون مرّة. واستفتح الله تعالى ثلاثا وثلاثين أية باسمه الأعظم ( الله ) . 
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) مشتق ، وأن أصله الإله ،كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ ، وهو الجامع لمعاني الأسماء الحسنى والصفات العليا . والذين قالوا بالاشتقاق، إنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى ، وهي الإلهية ،كسائر أسمائه الحسنى ، كالعليم والقدير ونحو ذلك ، فإنها من مصادرها بلا ريب ، والمقصود بالاشتقاق أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى ، لا أنها متولدة منه تولد الفرع من أصله  ، فنقول الله القدير ، والله السميع ، ولا نقول السميع الله ، والقدير الله .  
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) هو اسم ليس به حرف معجم (منقوط ) ، بل كل حروفه مجردة من النقاط ، إشارة إلى أنها كلمة إخلاص تتضمن التجرد عن كل معبود سوى الله تعالى . إلى جانب أن حروفه جوفية حفظت من التغيير، ووردت بدون نقاط ، ونحن نعلم بأن النقاط أضيفت في فترة لاحقة إلى الرسم القرآني ، وعليه يكون الإتيان بذكر الله من خالص الجوف ، لا من الشفتين ، وفي كلام بعضهم لا تنطق بها الشفاه فلا يشعر بها جليس الذاكر فالإخلاص بها سهل عليه. 
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) لم يُسمَّى به غيره جلّ جلاله ﴿ رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا  [ مريم: 56] ، وغيره من الأسماء قد يُسمّى بها غيره كالقادر والعليم ، ولم يتجرأ شخص على هذه البسيطة ، من خلق سيدنا آدم عليه السلام إلى يومنا هذا أن سَمَّى به ، أو سُمِّيَ به . 
ـ هل تعلم أن لفظ الجلالة ( الله ) من خواصه أنه في ذاته اسم كامل في حروفه ، وتام في معناه ،خاص بأسراره ، مفرد في صفته ، و مهما نقص من حروفه لا يتغير معناه : 
* إذا حذفنا الحرف الأول صار ( لله ) فلا يزال مدلول الملك بها ، وفي الآية ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . 
* وإذا ما حذفنا الألف واللام الأولى بقيت( له) فلا يزال مدلول الملك بها وفي الآية ﴿له ما في السموات والأرض .
* وإن حذفت الألف واللام الأولى والثانية بقيت الهاء بالضم( هـُ) فلا تزال الإشارة إليه وفي الآية ﴿ هو الذي لا اله إلا هو .
* وإذا ما حذفت اللام الأولى بقيت " إله" كما قال تعالى في الآية ﴿الله لا إله إلا هو .
نهتف من شغاف القلب وحنايا الصدور بمن له الاسم الأعظم  .. الله .. 
من هو  الخالق البارئ المصور وله الأسماء الحسنى ؟! يردد القلب واللسان .. الله 
من له كل كمال؟  من له الجلال ؟  من الكبير المتعال ؟
من صاحب الفضل والجود والإحسان ؟  
من إذا ذكر اسمه في القليل كثره ؟  وإذا ذكر عند الكرب كشفه ؟ وإذا ذكر اسمه عند الخوف أزاله ؟ 
من يكشف الكروب ؟ من يغفر الذنوب ؟ من ينصر المغلوب ؟ 
من ملهم الصبر .؟ من الغني عن الفقر ؟  من الأنيس في القبر ؟ 
من باعث الأموات من القبور ؟ من صاحب الأمر يوم البعث والنشور ؟
من ناصر المؤمنين ؟ من مذل الكافرين ؟  
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بها ندخل الدنيا ، وبها نخرج من الدنيا ، عليها نحيا ، وتحت ظلها نجاهد ، وبها ندخل القبور ، وعليها نبعث يوم النشور ، إن شاء الله .

خطيب الجمعة يجمع الأحذية ..!!

 
كانت السنة الماضية من السنوات القليلة التي وحدت المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، على اختلاف طوائفهم إثر نشر الرسوم الملعونة في الصحف الدنمركية والأوربية استهزاء بالرسول الكريم ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ فأظهرت مدى حب الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ في قلوب المسلمين ، وكان لوقفة المسلمين المدافعة عن نبيهم أكبر الأثر في ردع حملة كان يخطط لها أن تتواصل وتتدرج بالإساءة ، في هذه الحادثة دليل على صدق القرآن الكريم كما قال سبحانه: ﴿ إنا كفيناك المستهزئين ﴾.ومن المفيد أن نذكر أن الاستهزاء يأخذ شكلين أساسين ، الأول صريح كما فعلت الرسوم الدنمركية، والثاني غير الصريح ويكون بالتعريض بالحركات أو الكلمات ، وقد تكفل الله سبحانه بكفاية الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من النوعين ، ومن طريف ما قرأت عن النوع الثاني هذه القصة الحقيقية التي يرويها الشيخ أحمد شاكر .  
يُعد الشيخ أحمد شاكر المتوفى عام 1958  - رحمه الله - من أبرز علماء هذا العصر الثقات ؛ ممن  وفقهم الله تعالى للجمع بين العلم الشرعي ونشره لاسيما علم الحديث ، مع المشاركة النافعة النابهة في قضايا المسلمين الحادثة . ومثل هذا الجمع لا نكاد نجده إلا في القليل من العلماء ، وهو ما تحتاجه أمة الإسلام في كل زمان ؛ لكي لا ينحرف مسيرها بين عالم أو طالب علم منزوٍ عن هموم الأمة ، أو متصدر جهول بشرع الله ، وكان والده الشيخ محمد شاكر من علماء الأزهر ويحكي عن والده قصة فيها عبرة .
ذكر الشيخ أحمد شاكر أن والده الشيخ محمد شاكر ـ وكيل الأزهر سابقاً ـ كفّر أحد خطباء مصر ، وكان فصيحاً متكلماً مقتدراً ، وأراد هذا الخطيب أن يمدح أحد أمراء مصر عندما أكرم طه حسين ، فقال في خطبته : جاءه الأعمى  فما عبس بوجهه وما تولى ! .
وهو يريد بذلك التعريض برسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ   , حيث أن القرآن ذكر قصته مع الأعمى فقال تعالى : ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى(2)
فبعد الخطبة أعلن الشيخ محمد شاكر للناس أن صلاتهم باطلة, وأمرهم أن يعيدوا صلاتـهم لأن الخطيب كفر بهذه الكلمة التي تعتبر شتم لرسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  تعريضاً لا تصريحاً .
هذا ولم يكن الشيخ محمد شاكر رحمه الله ممن يطلقون الأحكام جزافاً ولم يكن يفعل ذلك لمطلب دنيوي أو لمرضاة ذي سلطان ، إذ لم تكن حالة الأزهر في زمانه مثل ما هي عليه في زماننا هذا .
ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الآخرة .
قال الشيخ أحمد شاكر : ( ولكن الله لم يدعْ لهذا المجرم جرمه في الدنيا ، قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى ، فأقسمُ بالله لقد رأيته بعيني رأسي - بعد بضع سنين ، وبعد أن كان عالياً منتفخاً ، مستعزّاً بمَن لاذ بهم من العظماء والكبراء - رأيته مهيناً ذليلاً ، خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة ، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار ، حتى لقد خجلت أن يراني ، وأنا أعرفه وهو يعرفني ، لا شفقة عليه ، فما كان موضعاً للشفقة ، ولا شماتة فيه ؛ فالرجل النبيل يسمو على الشماتة ، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة ) .