الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

مهر الكذابة من الكذاب ...!

مهور النساء عبر العصور تعبير عن روح العصر وظروفه ، وهي معيار لقيم المجتمع وطموحاته ، مهر أم سليم من أبي طلحة كان الإسلام ، وكان صداق علي لفاطمة درع من حديد ، ونقرأ عن صحابي دان صداقه آية من كتاب الله ، ونعجب عندما نقرأ أن مهر المرأة في جزيرة جاوة الغربية هو 25 فأرا ، وحاكم جاوة فرض هذا المهر في سبيل القضاء على الفئران التي أصبحت خطرا يهدد محصول الجزيرة .
ولكن أخطر مهر هو ما قدمه مسليمة الكذاب صداقا لسجاح الكذابة ، فما كان ؟
مسيلمة الكذاب ادعى النبوة في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويروى أن عمرو بن العاص زاره في الجاهلية ، فقال له مسيلمة : ماذا أنزل على صاحبكم في هذا الحين ؟ فقال له عمرو : لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة ( والعصر إن الإنسان لفي خسر .. ) .
فكر مسليمة ساعة ثم قال : لقد أنزل عليّ مثلها .
فقال عمرو وما هي ؟ قال: يا وبر يا وبر ، إنما انت إيراد وصدر ، وساترك حفر نقر .. ! ثم قال : كيف ترى يا عمرو ؟ فقال عمرو : والله إنك تعلم ، أني أعلم أنك كذاب ، وأعلم أن محمدا صادق ، ولكن كذاب ربيعة أحب إليًّ من صادق مضر .
وفي عهد أبي بكر كثرت الردة وظهور أدعياء النبوة ، وأشهرهم سجاح بنت الحارث من بني تميم ، وزحفت بمن معها من أتباع لتقاتل مسليمة .  
ولما سمع مسيلمة عن قدوم سجاح لمحاربته بدأ يعد المكر لأنه لا يستطيع محاربة هذا الجيش الكبير فقال لخدمه : انصبو خيمة كبيرة قريبة من سجاح وبخروها بالبخور وأغلقوها, وقدمت سجاح  , ثم تزوجها وأقامت عنده ثلاثة أيام ثم رجعت إلى قومها. فقالوا: ما أصدقك فقالت: لم يصدقني شيئا. فقالوا: إنه قبيح على مثلك أن تتزوج بغير صداق، فبعثت إليه تسأله صداقا فقال: أرسلي إلي مؤذنك. فبعثته إليه وهو شبت بن ربعي. فقال: ناد في قومك إن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد يعني صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة فكان هذا صداقها عليه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ , وَصَلاةُ الْفَجْرِ , وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهَا , لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا " .
وقال تعالى في سورة الإسراء :
{ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا * وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }

السبت، 11 أغسطس 2012

الشاعر الذي لم يتعب ربه

شعراء فلسطين المخضرمين ليسوا على وفاق مع رمضان ، ومع الدين بشكل عام ، فهذا سميح القاسم يجاهر :

رمضان كريم جدا

والعبد سميح القاسم

ليس يدبصائم

وهنا الشاعر يقول ما يفعل لأنه لا يخشى درة عمر ولا سيف الحجاج فهو في دولة تصف نفسها بأنها واحة الديمقراطية وحرية التعبير وليس العبور ..

ولما وضع الاحتلال في الخمسنيات  قانون أملاك الغائبين ، وقام حارس أملاك الغائبين بوضع اليد على بعض المساجد ، قال الشاعر راشد حسين :

الله صار غائبا يا سيدي          صادر إذن حتى بساط المسجدِ

ولراشد حسين قصة فيها عبرة ..

فقد كان يكرر في قصائده عبارات خارجة عن المقبول شرعا ، ومن تلك العبارات :

أنا تعبانُ من الربِّ الذي حوله جدي بياع جنان وجواري

والذي من أجل حرقي

سوف أقضي العمر في جمع الحطب ..

ومن العجيب أن الشاعر سافر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وهناك عمل في البعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة ، وأصيب في غربته بغم ثقيل ، وتعذبت نفسه ، فأدمن الخمر والتدخين لكي يخرج من بؤس غربته وشقائه بعيدا عن وطنه الذي أحب ، وغادره طوعا ، والخمر وإن كانت عند أهل الدين أم الخبائث ، فهي عند الشعراء " للشعر لا للسكر تنعصرُ " .

وذات يوم عاد إلى غرفته في الفندق في نيويورك ، متعبا مثقل الرأس ، اضجع على فراشه ، والسيجارة مشتعلة في بين أصابعه ،فسقط من نارها على الفراش ، واحترق ، واحترق الشاعر ومات  ..

وأعيد جثمانه ، ودفن في فلسطين ، ورثاه شعراء ونقاد وأدباء ، وكان أبلغ ما قيل يومها :

ـ هذا رجل ، لم يتعب الله في جمع الحطب .




الجمعة، 10 أغسطس 2012

مراحل المحبة عند الغزالي

من روائع  حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في تفسير  الآية 20 من سورة الحديد

 {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}

 قال : المحبة تمرّ مع الإنسان خلال عمره في خمس مراحل :

المرحلة الأولى : تبدأ مع الإنسان في سن التمييز ، فالصبي في أول حركته وتمييزه يظهر فيه غريزة بها يستلذ اللعب واللهو ، حتى يكون عنده ألذ من سائر الأشياء ، واللعب ما يتعب فيه الإنسان دون فائدة ، ويتلهى به ثم يذهب .

 المرحلة الثانية : تبدأ مع الإنسان في فترة الفتوة ، وهي لذة الزينة ، ولبس الثياب ، وركوب الخيل ، فيستحقر معها لذة اللعب .

المرحلة الثالثة : وتظهر بعد المرحلة الثانية ، فتظهر في الشاب لذة الوقاع ، وشهوة النساء ، فيترك بها جميع ما قبلها في سبيل الوصول إليها .

 المرحلة الرابعة : ثم يظهر بعدها لذة الرئاسة ، والعلو ، والتكاثر ، وهي آخر لذات الدنيا وأعلاها .

 المرحلة الخامسة : وتظهر بقرب الأربعين ، إذ تظهر غريزة أخرى ، يدرك بها معرفة الله تعالى ومعرفة أفعاله ، فيستحقر جميع ما قبلها ، فكل متأخر فهو أقوى مما قبله من المراحل .

 كان عمر بن عبد العزيز يقول :

" .. لي نفس توّاقة ، يوم كنت في المدينة تاقت نفسي إلى الإمارة ، ويوم صرت أمير المدينة تاقت لما هو اعلى منها للخلافة ، ولما صرت في الخلافة تاقت نفسي إلى الجنة .. " .

المذيع الذي قتله لسانه


المذيع اللبناني أميغو ولد عام 1951  لعائلة درزية. في مطلع السبعينيّات  مثل  على خشبة كازينو لبنان  حيث قام بتقليد عدد من كبار الفنانين ( سخرية واستهزاء ) ، وفي عام  1976  عُرض عليه العمل في إذاعة مونتى كارلو  ، وتميّز حينها بإدخال اللهجة العامية إلى الأثير، بعدما كانت الفصحى هي السائدة.

شارك بالتمثيل في فيلم حسناء والعمالقة ( شبه الإباحي )  وغنّى « تمارا» في فيلم آخر الصيف ( أو آخر الحياء )  .

عمل اميغو  في مونتكارلو لمدة 17 عاما تميز خلالها ببرنامج مرسال الهوى وكان المذيع الالمع فيها وساعد ذلك على الغيرة الشديدة لبعض زملائه منه وتدبير المكائد له فاختلف مع الإدارة واثر على تقديم استقالته من عمله وقبلت الاستقالة نتيجة اصراره الشديد عليها وترك الاذاعة متوجها إلى اذاعة الشرق من باريس التي لم يستمر فيها غير فترة بسيطة وفاجئه مرض السرطان .

تقول موسوعة الويكيبديا  أن أميغو  أصيب بسرطان بالمخ وهو على الهواء مباشرة ففقد الذاكرة أثناء حديثه على الهواء ، وتوجه إلى المشفى وفوجئ الكل باصابته بسرطان في المخ ترك العمل باذاعة الشرق وعاد إلى بلده ليموت بين اهله ..

كنت شاهد على خبر نعيه حوالي عام 1992 ، وجاء في الخبر " أن الأميغو  ح. و  توفي بسبب سرطان نادر أصاب لسانه " ، يومها قلت سبحان الله مذيع لا يحتاج من الدنيا غير لسانه ، فيكون المرض فيه ، ويقتله ..

يقول المغني البريطاني المسلم يوسف إسلام :

" في الفن يصارع الفنان ، ويكافح ليل نهار لكي يصل إلى القمة ، وعندما يصل يكتشف أنه قد أضاع نفسه ، لذا قررت البحث عن نفسي فوجدتها في الإسلام " .

 

سبب عجيب للبكاء

بكاء لسبب عجيب ، هو بكاء صاحب سليمان بن يسار

هو أبو أيوب سليمان بن يسار، مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث .  

أحد فقهاء المدينة  السبعة، كان عالما ثقة عابدا ورعا حجة، كثير الصيام، فقيها كبيرا لذا كان سعيد بن المسيب  سيد الفقهاء في عصره إذا سأله أحد في معضلة، يقول له: اذهب إلى سليمان بن يسار فإنه أعلم من بقي اليوم، ويقول الإمام مالك عنه: كان سليمان من علماء الناس بعد  سعيد بن المسيب ، وكان كثيرا ما يوافقه. 

وكان حسن الهيئة جميل الوجه، وقد جر عليه جمال وجهه بعض المتاعب وعرضه لبعض الفتن التي عصمه الله منها لخشيته وتقواه فقد قام برحلة من المدينة إلي مكة هو ورفيق له، ولما وصلا إلي الأبواء ضربا خيمة أقاما بها، وذهب رفيقه إلي السوق يشتري بعض ما يحتاجون إليه، وبصرت به أعرابية كانت تقيم بالجبل المطل على الخيمة، فأخذ حسنه وجمال وجهه بلبها، فانحدرت إليه في الخيمة، وجلست بين يديه، وأسفرت عن وجهها، يقول راوي الخبر فبدا كأنه فلقة قمر، وتحدثت إليه، فظن أنها تريد طعاما، فقام إلي ما عنده من طعام ليعطيها إياه. فقالت: لست أريد هذا إنما أريد ما يكون من الرجل إلي أهله.
فقال: جهزك إلي إبليس، ثم وضع رأسه بين كفيه وأخذ يبكي وينتحب، فلما رأت منه ذلك، أسدلت برقعها على وجهها، وانصرفت عائدة إلي خيمتها. ولما عاد صاحبه، وقد ابتاع ما يحتاجان إليه، ورآه وقد انتفخت عيناه من البكاء، وانقطع حلقه.
فقال له: ما يبكيك؟
قال: خير .. ذكرت صبيتي.
قال: لا، إن لك قصة، إنما عهدك بصبيتك منذ ثلاث أو نحوها، ولم يزل به حتى أخبره بشأن الإعرابية فوضع ما جاء به وانخرط في بكاء حار، ودهش سليمان من بكاء صاحبه.
وسأله: ما يبكيك؟
قال: أنا أحق بالبكاء منك.
قال: فلم؟
قال: لأني أخشى أن لو كنت مكانك لما صبرت عنها.
وقال راوي الخبر: فمازالا يبكيان.
فلما انتهى سليمان إلي مكة، وطاف وسعى، أتى الحجر، واحتبي بثوبه، فنعس، فإذا به يرى في النوم: رجلا وسيما جميلا طوالا، له شارة حسنة، ورائحة طيبة. فسأله سليمان: من أنت رحمك الله؟
قال: أنا يوسف بن يعقوب.
قال: يوسف الصديق؟
قال: نعم.
قلت: إن في شأنك وشأن امرأة العزيز لشأنا عجيبا.
فقال له يوسف: شأنك وشأن صاحبة، الأبواء أعجب. وهذا الخبر يدل على ما كان يتمتع به سليمان بن يسار من عفة وأمانة وتقوى لله ومراعاة لحرماته وخشية منه. وكان شأن سليمان شأن الفقهاء في عصره يبدو نظيف الثياب، حسن المظهر. وقد عاش سليمان ثلاثا وسبعين سنة وتوفى على أرجح الأقوال عام سبعة ومائة للهجرة. فرحمه الله وأجزل مثوبته

الخميس، 9 أغسطس 2012

أبو عتاب الزاهد عدو الكلالة ..

من أخطر ما يواجه شباب الإسلام اليوم ما يعرف بالعوم : قانون القصور الذاتي ، الذي نصه " الجسم الساكن يبقى ساكنا ما لم تؤثر به قوة تحركه ، ومثله في القرآن الكريم ـ ولله المثل الأعلى ـ :

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}. النحل : 76 .

والسيف الكليل هو السيف الذي لا يقطع ، فليس له في السيوف إلا الجراب والاعجواج ..

المسلم الكليل تقول له لم لا تحفِّظ القران في مسجد حيك ؟

فيقول : لم يطلب مني أحد ذلك .
وإذا قيل له : لماذا لا ترسل أولادك ليتعلموا القرآن وتحثهم على ذلك .

قال أمهم لم تشجعني على ذلك !!

وإذا قيل له مسجد حيكم يحتاج لصيانة .

قال تلك مهمة المؤذن أو الإمام ولم يطلبوا مني صيانته !!

فهو ساكن لا يتحرك إلا بأوامر بشرية ، وكأن الله تعالى لم يكلفه بالواجبات ، ولم يجعل له نورا يمشي به في الناس ، إذا رأيت مثل ذلك الشاب المتماوت ، فاسترجع وقل : إنا لله وإنا إليه راجعون .

يحكى أن أبا عتاب الزاهد : كان يسكن (مقابر بخارى )
دخل المدينة يوماً ليزور أخاً له في الله فوجد غلمان أميرها نصر بن أحمد خارجين من داره بالملاهي والمعازف , فأخذت أبا عتاب شدةٌ وغيرةٌ لله , فرفع رأسه إلى السماء باكيًا وداعياً واستعان بالله على قمع هذا المنكر ....!
وحمل عليهم بعصاه فولوا الأدبار منهزمين إلى دار الأمير وأخبروه خبره ,فدعاه الأمير إلى مجلسه معاتباً ومؤنباً قائلاً :
أما علمت أن من يخرج على السلطان يتغدى في السجن ؟؟
أبو عتاب : أما علمت أن من يخرج على الرحمن يتعشى في النيران ؟
الأمير: من ولاك الحسبة؟
أبو عتاب : من ولاك أنت الإمارة ؟
الأمير: ولانيها الخليفة !
أبو عتاب: ولاني الحسبة رب الخليفة..!
الأمير : أذهب قفد وليتك الحسبة ...!
أبو عتاب : عزلت نفسي عنها ....!
الأمير : العجب ..!من أمرك تحتسب حين لا تؤمر وتمتنع حين تؤمر!!!
أبو عتاب : لأنك إذا وليتني عزلتني وإذا ولاني ربك لن يعزلني أحد !!!
الأمير : سل حاجتك تعطَ !!
أبو عتاب : حاجتي أن ترد علي شبابي !
الأمير : ليس ذلك ألي ولا استطيعه !!
أبو عتاب : حاجتي أن تكتب إلى مالك خازن النار أن لا يعذبني !
الأمير : سبحان الله ليس ذلك أليَّ أيضا !!
أبو عتاب : أن تكتب إلى رضوان خازن الجنة أن يدخلنيها !
الأمير : ليس ذلك أليَّ ولا أملكه لنفسي فكيف لغيري !!!
أبو عتاب : أنا أذاً مع الرب جل وعلا مالك الحوائج كلها , فقد عودني أن لا أسأله حاجة غلا أجابني إليها من غير منَّة ولا أذى ....!!!
فخلَّى الأمير سبيله وذهب مرفوع الرأس منصوراً .....
رحم الله تعالى أبا عتاب لقد أعطانا حقاً درساً علمياً في معرفة الله تعالى وأن من عرف الله تعالى صغر في عينه ما سواه فهذة ذكريات الخلود التي سجلها التاريخ بقلم من نور تفنى الدنيا وما عليها واحاديث هؤلاء الكرام باقية لا تزول , ورحم الله الفضيل بن عياض حيث قال :
من خاف الله تعالى لم يضره أحد ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد

الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

سكينة بنت الحسين تصنف الأجيال

سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب سليلة بيت علم وتقوى ، لقيت من الدنيا ، وتقلبت بها الأحوال حتى صارت خبيرة بأخلاق الرجال ، وكانت مع ذلك أديبة ناقدة يجتمع عندها الشعراء وتحكم بينهم ، أنشدها شاعر يوما قول لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم     وبقيت في خلفٍ كجلد الأجربِ
فقالت : لله أبوه ، ما كان أشعره !
فقالوا : وكيف ذلك يا أم المؤمنين ؟
قالت : كان القوم إذا عرف أحدهم عن أخيه خًلّة ( حاجة ) سدها من حيث لا يعلم ، وجاء قوم كان أحدهم إذا عرف عن أخيه خلة سدها من حيث يعلم ، ثم ذهب هؤلاء ، وجاء قوم ، كان أحدهم إذا عرف عن أخيه خلة أحب أن يسأله ، فإذا سأله أعطاه ، ثم ذهب هؤلاء وجاء قوم ، كان أحدهم إذا عرف عن أخيه خلّة ، أحب أن يسأله ، فإذا سأله منعه ، ثم فضحه .
رحمتك يا رب ، هذا في القرون الأولى فكيف بنا اليوم ، كان ذلك في زمن السابقين بالخيرات ، فكيف بنا اليوم ..

الشاعر و حفار القبور

تشيع اليوم على ألسنة الناس أدعية مثل :
أطال الله في عمرك .. فرّحك الله بأولاد أولادك .. وينساك الموت .
وإذا خاطبنا ذا مكانة قلنا :
يا طويل العمر .. أدامك الله   .. مدّ الله في ظلك ..
ونقرأ في دعاء من سبقونا من الصالحين :
تربت يداك ... ثكلتك أمّك .. أحسن الله ختامك ومثلها ..
والسنة تعلمنا أن نقرن الدعاء بطول العمر بحسن الخاتنة وزيادة الصالحات
باختصار هناك أقوام تبني وتنشط لكي تنسى الموت ، وهناك أقوام إذا دعا الرجل لأخيه قال : جعل الله الموت مني ومنكم على بال .
يروى أن الشاعر العراقي الشهير بدر شاكر السياب عندما أصيب بمرض السل ، وتيقن من قرب الأجل ، وكان المرض قد انتشر في المدينة ، وأهلك أهلها ، أراد أن يحجز لنفسه قبرا ويريح أهله من البحث عن قبر ، وفعلا ذهب لإلى المقبرة العامة ، وقابل حفار القبور ، المسؤول عن المقبرة ، وقال له أريد أن أشتري قبرا لي ، فما كان من حفر القبور إلا أن تجهله وقال : لا يوجد عندنا قبور ، فقال السياب سأدفع لك ضعف الثمن ، فرد عليه الحفار : يا أخي لا يوجد ف يمقبرتي قبورا للبيع فالموت في البلد كثير ، وجميع القبور محجوزة .
فقال السياب : يا رجل ، أنا شخص غريب في المدينة ، وأخاف إن مت أن لا أجد قبرا يحويني .
فقال الحفار : قلت لك القبور جميعها محجوزة ، وأنا كما ترى رجل مريض ، وكبير في السن ، فلا تثقل عليّ .
هنا خطرت للشاعر فكرة ، وقال : ما رأيك لو تكرمت عليّ ، وبعتني القبر الذي حجزته لنفسك !
فسكت الحفار هنيهة ، وكأن مفاجأة أخرسته ، وقال : يا الله ، أتدري أني أدفن في كل يوم أناسا كثيرين ، وأرتزق من هذا العمل سنوات ، ولكني نسيت أن أحجز لنفسي قبرا ، وكأني لا اموت ..

ســـرّ هيبـــــة الرجال



الهيبة كما يعرفها الغزالي خوف منشؤه التعظيم ومصدره الإجلال، لذا لا نسمي الخوف من العقرب مهابة ويصح أن نسمي الخوف من السلطان العظيم مهابة، وأكثر ما تكون مع المحبة والمعرفة، كما قالت العرب:
أهـابُكَ إجـلالاً ومـا بـكَ قدرةٌ          علـيَّ ولكنْ مـلءُ عينٍ حبيبــها
 والهيبة مطلب خاص لكل من يطلب التأثير في الناس، لذا نجد صاحب الحكم و سلطان،يحرص عليها كل الحرص ، فإذا ظهر للناس لبس فاخر الثياب ، وأحاط  نفسه بالجنود أو الحراس أو الأتباع، وإذا تحرك ترافقه المركبات الفخمة، وحتى في التسمية نراه يسمي " الركن المهيب "، فهو يصنع الهيبة بمظاهر خارجية، ونسمي هذه الهيبة المصطنعة ؛ لأنها تزول بزوال عارضها ، أما الهيبة التي تبقى وتلازم صاحبها فهي الهيبة الذاتية، النابعة من ذات الرجل لا مما حوله، وهي مطلبنا في هذه المعادلة ، فما هو مصدر الهيبة الذاتية التي تحيط ببعض الناس دون غيرهم ؟؟
 للسلطان هيبة كما يقال، ولكن هل يهاب الناس من وزير مرتشي ؟ للفخامة هيبة ، ولكن هل يهاب الناس من غني بخيل ؟ للشيب وقار، ولكن هل يهاب الناس من شيخ كثير المزاح والضحك؟
 الرسول صلى الله عليه وسلّم كان ذا هيبة عظيمة، حتى لا يستطيع الصحابي إطالة النظر إليه .
الفاروق عمر بن الخطاب كان مهاب الجانب فقد هابه الكثير من الصحابة حيا وميتا.
وكان الإمام مالك تهابه السلاطين، وإذا كان الناس عنده لا يلتفت أحد إلى أحد هيبة له .
وكان الإمام أحمد بن حنبل ذا هيبة ووقار تقع الرعْدة على من يكلمه .
فما سر هيبة هؤلاء وأمثالهم من الرجال؟
يقول الإمام يحيى بن معاذ الرازي‏:‏ ( على قدر حبك الله يحبك الخلق، وعلى قدر خوفك من الله يهابك الخلق، وعلى قدر شغلك بأمر الله يَشغُلُ في أمرك الخلق ) . وجماع ذلك هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
والمطلع على سير أهل الهيبة من الرجال، يجد أن مصدر هيبتهم الأول كان أمرهم بالمعروف ونهيهم عن
المنكر، ونلخص ذلك بالمعادلة التالية :
درجة الهيبة عند الرجل = مقدار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنده . 

موعظة إبراهيم بن الأدهم الخماسية

روي أن رجلا جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له: "يا أبا إسحاق إني مسرف على نفسي فاعرض علي ما يكون لها زاجرا
ومستنقذا لقلبي".
قال: "إن قبلت خمس خصال  وقدرت عليها ن لم تضرك معصية  ولم توبقك لذة".
قال: "هات يا أبا إسحاق".
قال: "أما الأولى فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل من رزقه".
قال: "فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟!".
قال له: "يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟!".
قال: "لا، هات الثانية".
قال: "وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده".
قال الرجل: "هذه أعظم من الأولى يا هذا، إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين أسكن؟!".
قال: "يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟!".
قال: "لا، هات الثالثة".
قال: "إذا أردت أن تعصيه ن وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له فاعصه فيه".
قال: "يا إبراهيم، كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟!".
قال: "يا هذا ، أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟!".
قال: "لا، هات الرابعة".
قال: "إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له أخرني حتى أتوب توبة نصوحا، وأعمل لله عملا صالحا".
قال: "لا يقبل مني".
قال: "يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير فكيف ترجو وجه الخلاص؟!".
قال: "هات الخامسة".
قال: "إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذونك إلى النار فلا تذهب معهم".
قال: "لا يدعونني ولا يقبلون مني".
قال: "فكيف ترجو النجاة إذًا؟!".
قال له: "يا إبراهيم ، حسبي حسبي، أنا أستغفر الله وأتوب إليه".
ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

عن صدقة الرسول ..!!

 
جاء في كتاب كنز العمال للمتقي الهندي في باب شمائل الأخلاق : زهده صلى الله عليه وسلّم : حديث رقم 18615:
  حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ـ يعني بن سلام ـ  عن زيد أنه سمع أبا سلام قال حدثني عبد الله الهوزني قال :
( لقيت بلالا مؤذن رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ بحلب ، فقلت : يا بلال، حدثني كيف كانت نفقة رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ.
 قال : ما كان له شيء ، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي ، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني به ، فأنطلق ، فاستقرض ، فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه ، حتى اعترضني رجل من المشركين ،  فقال : يا بلال، إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني.  ففعلت ، فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة ، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار،  فلما أن رآني ،  قال : يا حبشي .  قلت : لبيك .  فتجهمني ، وقال لي قولا غليظا ، وقال لي : أتدري كم بينك وبين الشهر؟!  قلت : قريب . قال : إنما بينك وبينه أربع، فآخذك بالذي لي عليك ، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك، ولا كرامة صاحبك علي، ولكن أعطيتك لأتخذك لي عبدا، فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك .  فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس ، حتى إذا صليت العتمة ، رجع رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ إلى أهله ، فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فقلت : يا رسول الله، بأبي أنت وأمي ، إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا ، وليس عندك ما تقضي عني ولا عندي ، وهو فاضحي ، فأْذَن لي أن آبق ( أهرب)إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا ، حتى يرزق الله رسوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ ما يقضي عني ، فخرجت ،حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني عند رأسي ، واستقبلت بوجهي الأفق، فكلما نمت ساعة انتبهت، فإذا رأيت عليَّ ليلا نمت ، حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق ، فإذا إنسان يسعى يدعو : يا بلال ، أجب رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ  . فانطلقت حتى أتيته،  فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن ، فاستأذنت ، فقال لي رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ:  أبشر فقد جاءك الله بقضائك .  ثم قال : ألم تر الركائب المناخات الأربع فقلت: بلى . فقال: إن لك رقابهن ،  وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاما أهداهن إلي عظيم فَدَكٍ ،  فأقبضهن ، واقض دينك .  فحططت عنهن أحمالهن ثم علفتهن، ثم قمت إلى تأذيني صلاة الصبح ،  فإذا رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ  قاعد في المسجد ،  فسلّمت عليه ، ، حتى إذا صلى رسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ  خرجت إلى البقيع فجعلت أصبعي في أذني فناديت، فقلت: من كان يطلب رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ بدين فليحضر، فما زلت أبيع وأقضي حتى لم يبق على رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ دين في الأرض، حتى فضل في يدي أوقيتان أو أوقية ونصف، ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامة النهار، وإذا رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ  قاعد في المسجد وحده فسلمت عليه فقال لي: ما فعل ما قبلك؟ قلت قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ فلم يبق شيء، فقال: أفضل شيء؟ فقلت: نعم، قال: انظر أن تريحني منها، فإني لست داخلا على أحد من أهلي حتى تريحني منه، فلم يأتنا أحد حتى أمسينا، فلما صلى رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ العتمة دعاني فقال لي: ما فعل الذي قبلك؟ قلت: هو معي لم يأتنا أحد فبات في المسجد حتى أصبح فظل اليوم الثاني ،حتى كان في آخر النهار جاء راكبان، فانطلقت بهما فأطعمتهما وكسوتهما حتى إذا صلى العتمة دعاني فقال لي: ما فعل الذي قبلك؟ فقلت قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك ثم اتبعته حتى جاء أزواجه، فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته فهو الذي سألتني عنه.
هذا رسول الله إمامنا ، وهذا بلال مؤذنه، فانظروا من نجيب إذا نادى ، وبمن 
نقتدي في أفعالنا...!!

ما ذنب البخاري !!

يقول الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في حديث يرويه حذيفة:
( والذي نفسي بيده لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنَّه فلا يستجيب لكم).
ويوضح في حديث آخر يرويه نعيم بن حماد في الفتن عن الحسن مرسلا:
( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم العجم فليضربن رقابكم، وليكونن أشداء لا يفرون).
وإليكم هذه القصة من القرن الماضي ..
لما وقعت الحرب بين مصر والحبشة في زمن الخديوي إسماعيل، وتوالت الهزائم على مصر في تلك الحرب، ضاق صدر الخديوي لذلك، فركب الخديوي يوما مع شريف باشا، وهو محرج الصدر، فأراد أن يفرج عن نفسه، فقال لشريف باشا: ماذا تصنع حينما تلمّ بك ملمّة تريد أن تدفعها ؟
فقال شريف باشا: يا أفندينا، إن الله عوّدني إذا حاق بي شيء من هذا أن الجأ إلى صحيح البخاري يقرؤه لي علماء أطهار الأنفاس فيفرِّج الله عني.
فكلم الخديوي شيخ الجامع الأزهر ـ وكان الشيخ ألعروسي ـ في ذلك، فجمع له جمعا من صلحاء العلماء، و أخذوا يقرؤون في البخاري أمام القبلة القديمة في الأزهر، فيما ظلت أخبار الهزائم تتوالى، فذهب الخديوي ومعه شريف باشا إلى العلماء،  وقال لهم غاضبا يتطاير الشرر من عينيه:
ـ إما أن هذا الذي تقرؤونه ليس صحيح البخاري، أو أنكم لستم العلماء الذين نعهدهم من رجال السلف الصالح، فان الله لم يدفع بكم ولا بتلاوتكم شيئا.
فوجم العلماء لذلك التهجم الغاضب، إلا أن شيخا من آخر الصف ابتدره قائلا:
 ـ هذا منك يا إسماعيل، فإنا روينا عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  انه قال: ( لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم )  فزاد وجوم المشايخ، وانصرف الخديوي وشريف باشا ، ولم ينبسا بكلمة.
وأخذ المشايخ يلومون الشيخ الذي قال ذلك للخديوي، ويؤنّبونه، فبينما هم كذلك إذا شريف باشا قد عاد، وسألهم قائلا:
ـ أين الشيخ الذي قال للخديوي ما قال ؟
فقال الشيخ: أنا..
 فأخذه وقام ذاهبا إلى القصر والعلماء يودعون الشيخ وداع من لا يرجو لقاء.
و دخل الشيخ مع شريف باشا إلى الخديوي، وهو جالس في البهو وأمامه كرسي، فطلب من الشيخ أن يجلس أمامه، ثم قال له:
ـ أعد يا أستاذ ما قلته في الأزهر.
 فأعاد الشيخ كلمته كما هي، وشرح الحديث النبوي الشريف للخديوي أتم شرح.
فقال له الخديوي : وماذا صنعنا حتى ينزل بنا هذا البلاء ؟
فقال له الشيخ : يا أفندينا أليس الزنا مباحا ؟! ألستم تحكمون بغير ما انزل الله ؟! أليس أليس !! وعدّد له كثيرا من المنكرات ، ثم قال له:
 فكيف تنتظرون النصر من السماء ؟
فقال الخديوي:  وماذا نفعل، وقد اضطررنا إلى ذلك ؟
فقال الشيخ للخديوي: إذا فما ذنب البخاري، وما حيلة العلماء ؟
ففكّر الخديوي مليّا، واطرق طويلا، ثم رفع رأسه ساهما وقال للشيخ :
ـ صدقت .. صدقت .