الاثنين، 4 مارس 2013

لا توحشـــوا الملائكـــــة ..!!


أن تسمع بالآية أو الحديث شيء ، وأن تعيش مع الحديث أو الآية شيئا آخر  ..
أن تطرق الموعظة طبلة الأذن شيء ، وأن تطرق سويداء القلب شيء آخر ..
أن تحمل القرآن في جيبك شيء ، وأن تصير قرآنا يمشي على الأرض شيء آخر ..

تمر بالواحد منا  مواقف لا ينساها ، لأنها تلامس في شغاف القلب المفارقات السابقة، عندما تثير في النفس هذا الحس المرهف بحقائق الدين ، حقائق  تسري في التفاصيل اليومية البسيطة  ، مواقف مع قلوب رجال  تعيش في ملكوت الله تعالى في  سكونها وحركتها ، تلك النفوس التي ارتبطت بالغيب ارتباطها بالواقع تحس به وترعاه ، وتتفاعل معه في كل خافقة وساكنة ، من تلك الأرواح أخ عرفته في سجن النقب يدعى (إبراهيم ) كان له موقف ما زلت أذكره ، وقبل ذكر الموقف لا بدّ من التذكير بحديثٍ للرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ . 
في الحديث الصحيح يذكر النبي  " ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  :
 إن لله تبارك وتعالى ملائكة يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر،  فإذا وجدوا قوما يذكرون الله ، تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم .
 قال: فيحفوهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم عز وجل ـ وهو أعلم منهم : ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال :يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً. قال: يقول : فما يسألوني؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة، قال: فيقول: هل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، فيقول: فكيف لو رأوها، فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: فيقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: فكيف لو رأوها ؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد منها مخافة. قال: فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسُهم . رواه البخاري .
كنّا في بداية الانتفاضة الأولى في سجن النقب في بداية تأسيسه ، وكان لنا جلسة مع القرآن بعد العصر في خيمة اتخذناها مسجدا ، ذات يوم وصل البريد ، ولحظة وصول البريد في السجن لحظة مهمة لا يعرفها إلا من جرّبها ، فالأخوة كلهم في شوق لمعرفة أخبار الأهل بعد طول انقطاع ، فتشاغل أهل القرآن عن القرآن ، وتحلقوا عند بوابة القسم يستمعون للمنادى ينادى أسماء من وصلتهم الرسائل ، وسمعت الشيخ أبو عمرو يقول : وبقيت مثل السيف فردا ، كان بين الأخوة ( إبراهيم ) ، جلس لحظة ثم قام غاضبا ، وانقضى الوقت ولم نجلس للقرآن ، فرأيته غاضبا متوترا على غير عادته ، وعرفت أن سبب غضبه ضياع جلسة القرآن ، فقلت له : يا أخي هون عليك ، فالأمر بسيط والأخوة معذورون ، وإن ضاعت جلسة فالوقت أمامنا طويل . فقال : أتظن الأمر بهذه البساطة ، حسبتك أذكى من ذلك . قلت له : كيف ؟ قال : لأنك لا تعير اهتمامك لخيبة أمل  ملائكة السماء . قلت : لا أفهم . قال :  لله ملائكة تطوف في الأرض ، فإذا ما صادفت حلقة ذكر أو قرآن حفتها بالرحمة واستأنست بها ، وقد اعتادت أن تمر على خيمتنا في مثل هذا الوقت ، فتسمع كلام الله ، واليوم أتت ولكنا أوحشنا ها وخيّبنا أملها ، لأنها لم تجد غايتها .    

تجري تحتها أم من تحتها الأنهار ...!!

ورد وصف الجنة في آيات القرآن ( تجري مِنْ تحتها الأنهار ) إلا في آية واحدة جاءت ( تجري تحتها الأنهار ) وحين يقرأها قارئ القرآن بلا ( مِنْ)  يشكُّ الناس في صحة قراءته ، ولكنها القراءة الصحيحة ، وذلك في سورة التوبة :
﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 100) ﴾ .
محمد بن كعب قال: مر عمر برجل وهو يقرأ هذه الآية: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، قال: من أقرأك هذه الآية؟ قال: أقرأنيها أبي بن كعب. قال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه! فأتاه فقال: أنت أقرأت هذا هذه الآية؟ قال: نعم! قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: نعم!. قال: لقد كنت أرانا رفعنا رفعةً لا يبلغها أحد بعدنا!
فما هو الفرق بين من تحتها وتحتها بدون من ؟
(مِنْ ) هنا تفيد معنى الظرفية ، و(تحت )تدل على ظرف مكان ، وكل منهما يدل على بعد أو مسافة معينة ، وكأن الأنهار هنا بعيدة شيئا ما عن ساكن الجنة ، أما في قوله تجري تحتها ، فالبعد أقل والمسافة أقرب ، وكأن ساكن الجنة يلامس النهر أو يكاد ، فهو في مرتبة أعلى بفضل الله .
من هم أهل هذه المرتبة الكريمة في الجنة ؟
قال المفسرون هم الذين صلّوا إلى القبلتين ، وتوسع البعض ليجعلهم أهل بيعة الرضوان ، وخصصهم البعض بأهل بدر ، وما أدراك ما أهل بدر !!
 أولئك الذين كانوا من  السابقين  الأولين ، أولئك الذين هبت ملائكة السماء لنجدتهم والقتال معهم ، وكان مجرد وصف رجل بأنه من أهل بدر يكفي لأن يكون من الثلة الأولى ، ومن خير القرون ، صفة تكفي لأن تغفر لصاحبها ما أِثم به من خطايا ، حتى لو كانت كخطيئة حاطب ، أم تريد أن تكون مثل ذي الجوشن !!!
 قابل النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  ذا الجوشن الكلابي بعد غزوة بدر، وكان شاباً كافراً، فقال له النبي ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : يا ذا الجوشن! ألا تسلم فتكون من أول أهل هذا الأمر؟ (أي تكون من الأوائل، والنبي كان يحاول أن يرغب ذا الجوشن بالإسلام ، واختار كلمة "أول أهل هذا الأمر" لكي يشعل فيه الحماسة، لكن ذا الجوشن كان مثل نماذج كثيرة في هذه الأيام ) ، فقال لا ، قال النبي: فما يمنعك منه؟ قال: رأيت قومك كذبوك وأخرجوك وقاتلوك. ثم قال: أنظر إن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك، فقال رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : "لعلك إن عشت ترى ذلك" . ودارت الأيام والسنون، وفتح رسول الله مكة، وأظهره الله على قريش، وبلغ الأمر ذا الجوشن وهو في ضَريَّة (من أرض نجد) فقال: هَبِلَتْني أمي (أي ثكلتني) ولو أُسْلِم يومئذ ثم أسأله الحيرة لأقطعنيها. فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه إليه رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  . (مسند الإمام أحمد ) .
 لقد فاته أن يكون من الأوائل.... وأراد أن يتبع ما يفعله الناس، لذا حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نكون إمَّعة، إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن أساؤوا أسأنا، وقال: بل وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا.
فماذا تختار لنفسك؟ أن تكون من الأوائل؟ أم أن تكون إمَّعة؟

عندما يقاتل الحمام ...!!


جاء في كتاب " هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس " :
" ..ومن صور تقاعس الخلفاء والسلاطين أمام الفظائع التي ارتكبها غزاة الصليبين في القدس وسواحل سوريا ولبنان ، فقد جمع أحد الوفود المُستنجِدة كيسا كبيرا مليئاًَ بقحف الجماجم وشعر النساء والأطفال ، ونثرها بين يدي المسئولين ، فكان جواب الخليفة لوزيره :
ـ  دعني أنا في شيء أهم من هذا ! حمامتي البلقاء لي ثلاثة أيام لم أرها .
 فقد كان للخليفة حمامة بلقاء اللون مدربة على الغلبة ونقر الحمام ، وهذه كانت لعبة شائعة بين الناس ، وكان الخليفة مولعا بها ويماثله الأغنياء والطبقات العالية .
وفي نفس العام الذي نزلت فيه الكارثة بالمدينة المقدسة كان سلاطين السلاجقة الثلاثة أبناء ملك شاه : محمد وسنجر وبركياروق يتحاربون من أجل النفوذ والسلطة ، ففي العام نفسه سار محمد على الري حيث وجد السيدة زبيدة والدة أخيه بركياروق فأمر بخنقها ، وحارب أخاه في خمس معارك هائلة .
من يهن يسهل الهوان عليه        ما لجرح بميت إيلامُ

أين ذهبت حمامة السلطان ؟!
قرأت خبرها بعد ألف عام ويزيد فقد ظهرت في ميناء العقبة ، وإليكم الخبر ...
بتاريخ 17 / 11/ 2004 نشرت الصحف مع أخبار قتل الجنود الأمريكان لجندي جريح في أحد مساجد الفلوجة خبرا مفاده :
نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية عن مصدر أردني رسمي قوله إن إسرائيل تشكو من أن الحمام الأردني يهدد سياحتها من خلال تعمد إلقاء فضلاته على مدينة إيلات الإسرائيلية ، وقال التقرير إن الحمام الأردني الذي يعيش على التقاط حبوب القمح الذي يرد ميناء العقبة المجاور دأب على التخلص من فضلاته عندما يريد ذلك فوق مدينة إيلات المجاورة والتي تعتبر منتجعا سياحيا مهماً . وأضاف التقرير أنه لم يصدر ردَّ فعل من جانب السلطات الأردنية . ويمثِّل الحمام الذي يأتي إلى ميناء العقبة قضية بيئية لإسرائيل التي كانت قد سعت سابقا مع السلطات الأردنية لتسوية القضية ولا يفصل بين إيلات والعقبة سوى بضعة أمتار على الخليج الضيق الواقع على البحر الأحمر . هل عرفتم الآن لماذا يقاتل الحمام وهو رمز السلام ؟!
لأن حكامنا وأمراءنا مشغولون عن المسجد الأقصى الذي تستباح فيه الحرمات وتنتهك فيه الأعراض بالبحث في الأسواق الغربية عن أحدث ربطات العنق ، ليقولوا لصانعيها قودونا حيثما شئتم ..
ولأن  الجيوش العربية من المحيط إلى الخليج تحولت إلى أحجار شطرنج جعلت شوارع العواصم العربية رقعة اللعب واتخذت من الشعوب المغلوبة على أمرها الخصم الأوحد !! 
ولأن طائرات العرب الحربية تحولت إلى طائرات لا تصلح إلا لرش مسيل الدموع والقنابل الدخانية  وقصف المواطنين الآمنين لأنهم يرفعون سبابة التوحيد مدفعا مضادا للذل والهوان !!
إنه قانون الاستبدال الذي حذرنا الله تعالى منه بقوله في سورة التوبة :

كيف صار شيطان مكة بألف رجل مسلم ..!!


مما جاء في سيرة ابن هشام عما تلا غزوة بدر  :
عمير بن وهب الجمحي ـ رضي الله عنه ـ كان قبل عزوة بدر شيطانا من شياطين قريش ، ومن الذين يؤذون رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  وأصحابه في مكة ، وكان أن وقع ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر بيد المسلمين ، فجلس يوما  مع عصبة من أهل قريش في الحجر ، ومعهم صفوان بن أمية ، فذكروا أصحاب القليب والأسرى فقال صفوان : والله ما في العيش بعدهم خير . فقال له عمير : صدقت والله ، أما والله لولا دَينٌ عليّ ليس له عندي قضاء ، وعيال أخشى عليهم الضيعة لركبت إلى محمد حتى أقتله ، فإن لي قبلهم علّة ابني أسير بين أيديهم . فاغتنمها صفوان وقال : عليّ دينك أنا أقضيه عنك ، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا ، لا يسعني شيء وأعجز عنهم . فقال له عمير : اكتم عني شأني وشأنك . قال : أفعل .
ثم أمر عمير بسيفه فشُحِذَ له وسُمَّ ، ثم انطلق حتى أتى المدينة ، فبينما عمر بن الخطاب مع الصحابة في المسجد إذ نظر إلى عمير بن وهب وقد أناخ على باب المسجد متوشحا السيف ، فقال : هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب والله ما جاء إلا لشر ، وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر ، ثم دخل عمر على الرسولـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  وقال : يا رسول الله ، هذا عمير بن وهب ، قد جاء متوشحا سيفه . قال : فأدخله عليّ ، فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه وجمع ثياب عمير عند نحره ، فلما رآه رسول الله : أرسله يا عمر ، أدنُ يا عمير ، فدنا ثم قال : أنعموا صباحا . فقال رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  : قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير ، بالسلام تحية أهل الجنة . فقال : أما والله ، يا محمد ، إن كنت بها لحديث عهد . قال : فما جاء بك يا عمير ؟ قال : جئت لهذا الأسير الذي بين أيديكم فأحسنوا فيه . قال : فما بال السيف في عنقك ؟ قال : قبحها الله من سيوف ، هل أغنت عنا شيئا ؟ قال : أصدقني ما الذي جئت له ؟ قال : والله ما جئت إلا لذلك . قال : بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر ، فذكرتما أصحاب الكليب من قريش ، ثم قلت : لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا ، فتحمّل لك بدينك وعيالك على أن تقتلني له ، والله حائل بيني وبينك . قال عمير : أشهد أنك رسول الله ، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا من خبر السماء ، وما ينزل عليك من الوحي ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذي هداني إلى الإسلام . ثم شهد شهادة الحق ، فقال رسول الله : ( فقهوا أخاكم في دينه ، وأقرئوه القرآن ، وأطلقوا له أسيره ) ففعلوا .
ثم استأذن عمير الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  بالعودة على مكة ليدعو الناس فيها إلى الإسلام لعل الله يهديهم ، في تلك الأثناء وبينما كان عمير يتعلم الإسلام كان صفوان بن أمية يبشر قريش بخبر عظيم : أبشروا بواقعة تأتيكم الآن في أيان تنسيكم وقعة بدر ، فلما عاد عمير مسلما حلف صفوان أن لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع .
بقي أن نذكّر بأن عمير بن وهب رضي الله عنه ، هو الواحد من الأربعة الذين بعثهم عمر بن الخطاب مدد لعمرو بن العاص في مصر عندما طلب منه أربعة آلاف رجل  ، وحسبهم على عمرو أربعة آلاف كل رجل بألف .  

هكذا يُعلِّم الصغارُ الكبارَ ..!


الكبير يُعلم الصغير بالوعظ المباشر ، أو بالأمر الصريح والنهي الواضح ، لأن لسنوات العمر تقديرا يسمح بذلك ، ولأن قَدْر الكبير يعطيه الأهلية للأمر والنهي ، ولكن عندما يريد الصغير أن يعلِّم الكبير فعليه أن يتلطف ويتواضع ، فلا يجيز له واقع الاحترام أن يأمر وينهى ..
 هكذا فعل إبراهيم عليه السلام عندما علّق الفأس في رقبة الصنم ليعلّم أباه بطلان ما يعبد ..
 وهكذا فعل الحسن والحسين مع الأعرابي الذي لا يحسن الوضوء فادعيا التخاصم فيمن يحسن الوضوء ..
 وهكذا فعل الصبي معاذ مع والده عمرو بن الجموح في قصة يرويها ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق :
كان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة ، وشريفا من أشرافهم ، وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب ، يقال له : مناة . فلمّا أسلم فتيان بني سلمة : معاذ بن جبل ، ومعاذ بن عمرو ، وغيرهم ممن أسلم وشهد العقبة ، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك ، فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة ، وفيها عذرات الناس ، منكَّسا على رأسه ، فإذا أصبح عمرو ، قال : ويلكم ، من عدا على إلهنا هذه الليلة ؟ ثم يغدو يلتمسه ، حتى إذا وجده غسله وطهره ، وطيبه ، ثم قال : والله لو أعلم من فعل بك ذلك لأخزينه ، فإذا أمسى ونام غدوا ففعلوا بصنمه مثل ذلك ، فيغدوا فيلتمسه ، فيجده مثل ما كان فيه من الأذى ، فيغسله ويطيبه ويطهره ، فيغدون عليه إذا أمسى فيفعلون به ذلك ، فلما طال عليه ذلك استخرجه من حيث ألقوه يوما ، فغسله وطهره ، ثم جاء بسيف فعلَّقه عليه ، ثم قال له : والله إني لا أعلم من يصنع بك ما ترى ، فإن كان فيك خيرا فامتنع ، فهذا السيف معك ، فلما أمسى ونام غدوا عليه ، فأخذوا السيف من عنقه ، ثم أخذوا كلبا ميتا فقرونه فيه بحبل ، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عُذر من عُذر الناس ، وعاد عمرو فلم يجد الصنم في مكانه الذي كان فيه فخرج يتبعه ، حتى وجده في تلك البئر منكسا ، مقرونا بكلب ميت ، فلما رآه أبصر شأنه ، وكلَّمه من أسلم من قومه ، فأسلم وحسن إسلامه ، فقال يوما وهو يذكر قصة إسلامه :
والله لـو كنتَ إلهـًا لم تكـنِ        أنت وكلبٌ وسـط البئر في قرنِ
الحمـد لله العـليِّ ذي المنـن        الواهـب الـرزاق ديَّـان الدّينِ
هـو الذي أنقـذني من قبل أن       أكـون في ظلمـة قـبرٍ مُـرتهنِ
ولما جاءت غزوة أحد ذهب عمرو بن الجموح إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل إليه أن يأذن له ، وقال له : يا رسول الله إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد ، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة . واستشهد في معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة .
سأل الرسولـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ   جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو : من سيدكم يا بني سلمة ؟
 قالوا : الجد بن قيس .
 قال : بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح .

ســـــجدة الشّــــــكر

ماذا يفعل الناس اليوم إذا بُشِّر أحدهم بقدوم نعمة أو زوال نقمة ؟
منهم من يرفع رجليه قافزا في الهواء ، أو يرفع يديه مصفقا بخيلاء ، ومنهم من يرفع عقيرته بالهتاف والصراخ ، ومنهم من يرفع سرعة سيارته ويطلق  زعيق أبواقها يدور في الشوارع ، ومنهم من يرفع سلاحه ويبدأ بإطلاق النار في الهواء ، وفي الآونة الأخيرة رأيت خريجي الجامعات يقذفون بطواقيهم في السماء ـ عرفت فيما بعد أن تلك ممارسة مأخذوة عن طلاب الجامعات الأمريكية تقليدا لرعاة البقر ساعة الوصول إلى الهدف ـ  ولو بحثنا في أصول الممارسات الأخرى مثل القفز والزعيق ولربما وجدناها مأخوذة من القرود في الغابة !!
ولكن ماذا فعل الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  عندما بشر بنعمة ؟
 هناك مسجد يقع  في الجهة الشمالية للمسجد النبوي على بعد 900 متر منه،يسمى اليوم مسجد أبي ذر ، ويطلق عليه أيضا مسجد السجدة ومسجد الشكر لسجود الرسول  ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  في موضعه  " سجدة الشكر " وذلك  حين بشره جبريل عليه السلام بأن من صلّى عليه صلى الله عليه ، ومن سلَّم عليه سلم الله عليه في حديث ورد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:
" خرج رسول الله ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ، فتوجه نحو صدقته، فدخل فاستقبل القبلة، فخر ساجداً، فأطال السجود، حتى ظننت أن الله قبض نفسه فيها، فدنوت منه، فرفع رأسه قال : من هذا ؟ قلت عبد الرحمن، قال ما شأنك ؟ قلت : يا رسول الله سجدت سجدة حتى ظننت أن يكون الله قد قبض نفسك فيها، فقال : " إن جبريل أتاني فبشرني فقال : إن الله عزَّ وجلَّ يقول : من صلَّى عليك صليت عليه، ومن سلَّم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكراً . أرأيتم الفرق ، الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  يخر ساجدا ، ويخفض جبهته لتلامس التراب ، ونحن نرفع عقيرتنا بالرصاص أو الصراخ أو قذف القبعات  في الهواء ، والفرق أن الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ  كان يرى النصر لحظة شكر لله تعالى عليه أن يشكره بسجدة الشكر .
ويقول العلماء :   سجدة الشكر تستحب عند هجوم نعمة كحدوث ولد أو مال أو قدوم غائب أو نصر على عدو، وعند اندفاع نِقمة كنجاة من غرق أو حريق . وهي كسجدة التلاوة المفعولة خارج الصلاة شروطًا وكيَّفيَّة.
وفي دراسة أجراها الدكتور (محمد ضياء الدين حامد) أستاذ العلوم البيولوجية ورئيس قسم تشعيع الأغذية بمركز تكنولوجيا الإشعاع المصري أوضح قائلا  : " معروف أن الإنسان يتعرض لجرعات زائدة من الإشعاع ، ويعيش في معظم الأحوال وسط مجالات كهرومغناطيسية،فلا بد من وصلة أرضية لتفريغ الشحنات الزائدة والمتوالدة بها ، وذلك عن طريق السجود للواحد الأحد كما امرنا ،حيث تبدأ عملية التفريغ بوصل الجبهة بالأرض ، ففي السجود تنتقل الشحنات الموجبة من جسم الإنسان إلى الأرض السالبة الشحنة ، وبالتالي تتم عملية التفريغ خاصة عند السجود على الأعضاء السبعة ( الجبهة والأنف والكفان والركبتان والقدمان) وبالتالي هناك سهولة في عملية التفريغ ، وتبين من خلال الدراسات أنه لكي تتم عملية التفريغ للشحنات لابد من الاتجاه نحو مكة في السجود وهو ما نفعله في صلاتنا ( القبلة ) لأن مكة هي مركز اليابسة في العالم، وأوضحت الدراسات أن الاتجاه إلى مكة في السجود هو أفضل الأوضاع لتفريغ الشحنات بفعل الاتجاه إلى مركز الأرض الأمر الذي يخلص الإنسان من همومه وانفعالاته ليشعر بعدها بالراحة النفسية .
"فليكس أبواجي"  لاعب من غانا لعب في صفوف النادي الأهلي المصري ، هداه الله تعالى ودخل في دين الإسلام ، وغيَّر اسمه إلى محمد كويني ، يقول عمّا أثر فيه ليتجه نحو الإسلام : أثار انتباهي صيام اللاعبين في شهر رمضان ، وأداؤهم للمباريات بنفس الجديّة ودون حجج نقص العناصر الغذائية في الجسم ، ولكن أشد ما أثار اهتمامي بالإسلام هي " سجدة الشكر "  التي كان يؤديها بعض اللاعبين عند تسجيلهم للأهداف.

الصَّحَـفيَّة البريطانية والطالبان


هذا عمر بن الخطاب يذهب إلى بيت أخته ليردها عن الإسلام فيعود مسلما ، ويصير من المبشرين بالجنة ومن صنّاع التاريخ الإسلامي ..
 وهذا عمير بن وهب الجمحي يذهب إلى المدينة ليقتل الرسول ـ صلّى اللهُ عليه وسلّم ـ ، فيعود إلى مكة داعيا للإسلام ، ويصير من قادة المسلمين العظام ...
وهذه  الصحفية البريطانية ( إيفون رايدلي ) التي تسللت إلى أفغانستان لتنقل صور ظلم الطالبان للمرأة فعادت تلبس لباس  المرأة الأفغانية وتدعو إلى الإسلام ..
 سبحان الذي يخرج الحي من الميت ...!!!
في شهر أيار  من عام 2005م ألقت  الصحفية البريطانية ( رايدلي ) محاضرة في مدينة الكويت بدعوة من ( مركز الوعي للعلاقات العربية الغربية ) تشرح فيها قصة دخولها إلى أفغانستان قبيل الحرب الأمريكية الصليبية على تلك البلد .
وجاء في محاضرتها : أن  مدير الصحيفة التي تعمل فيها طلب منها القيام بتحقيق صحفي فيه مخاطرة كبيرة ، يتمثل في  البحث عن طريقة لدخول أفغانستان ، فالحرب واقعة لا محالة ، والجريدة تبحث عن سبق صحفي لنقل الأحداث والصور من هناك ، وافقت (إيفون ) على القيام بالمهمة الخطرة ، وسافرت إلى باكستان ، ومن هناك دخلت عبر الحدود إلى أفغانستان متنكرة بزي امرأة أفغانية تلبس الشادور على جميع جسمها ، وفي الطريق ركبت على بغلة ، وحمّلت أغراضها عليها  ، وحدث أن سقطت الكاميرا من على ظهر الدابة ، فافتضح الطالبان أمرها ، وساقوها إلى السجن ، تقول الصحفية : " حتى عندما اكتشفوا أني إنكليزية ومتنكرة بعد أن سقطت مني الكاميرا وفضحتني على الحدود لم يفتشوني شخصيا بل استدعوا امرأة قامت بتفتيشي بعيدا عن أعين الرجال " كما تحدثت عن جرأتها عليهم وشتمها لهم ، ولكن ذلك لم يكن له أثر على رجال طالبان واستمروا في معاملتها بالحسنى .
وتواصل الحديث : "  ثم أحضر الطالبان امرأتين للإشراف على أمري وحراستي ، وكانتا في غاية اللطف وحسن الخلق ، وفَّـرتا لي كل ما أحتاج ، وبعد عشرة أيام في السجن  جاءني القاضي بلباسه الأبيض ، واستمع إلى إفادتي ، بأني صحفية من صحيفة إنجليزية وجئت للتغطية الإعلامية ولا دور أمني لي ، وبعد سماعه الإفادة  ، سألني ما إن كنت أرغب في اعتناق الإسلام، فكرت في أنني لو أجبت بنعم، فانه سيقول إنني امرأة متلِّونة، وإذا قلت لا، فربما تكون الإجابة تقليلاً كبيراً من شأن الإسلام،تركني وعاد ليصدر الحكم ، وكم كانت دهشتي كبيرة حين صدر الحكم : يطلق سراح السجينة ، بشرط أن تقرأ هذه الترجمة الإنجليزية من القرآن الكريم ، وخرجت .
لذلك وعدته بأنهم إذا أطلقوا سراحي فسوف أقوم بدراسة الإسلام عند عودتي إلى لندن، الأمر الذي بدأ كدراسة أكاديمية تحوَّل الآن إلى شيء أكثر روحانية، لقد تأثرت جدا بما اكتشفت .
وكشفت في محاضرتها عن سبب تحولها إلى الإسلام ، وهي تلبس ذات الزيّ الذي قدمه لها رجال طالبان في السجن ، فقد ختمت محاضرتها قائلة : " إنني ألقي عليكم محاضرتي باللباس الشرعي الإسلامي الذي أعطاني إياه نظام طالبان في السجن هناك ، وأحمد الله أنني سجنت في سجون نظام طالبان الذي يصفونه بالشرير ، ولم أسجن في معتقل ( غوانتانامو) أو ( أبو غريب ) التابعين للنظام الديمقراطي الأمريكي كي لا يغطوا رأسي بكيس ، ويلبسوني مريولا برتقاليا ، ويربطوا رقبتي بحزام ،  ويجروني على الأرض عارية .

اغضب لله مرّة

اغضب لله مرّة
           ترقَ فوق المجرّة ...!!

لمّا سمعت أن الجنود الأمريكان في (جوانتانامو ) يركلون المصاحف بأرجلهم ، ويلقون بها في المراحيض ، هل غضبت ؟ وكيف غضبت ؟ هل شاركت في نشاط احتجاجي يقول إنك غاضب ورافض ؟ عندما سمعت أن حراس سجن ( مجدو)  اليهود يدنسون المصحف الشريف ويهينونه أمام الأسرى المسلمين ، هل غضبت ؟ هل صرخت ؟ هل عبرت عن غضبك بكلمة أو بحركة أو بخفقة قلب ؟! عندما رأيت الجنود الأمريكان يقتلون شيوخا وجرحى في مسجد في الفالوجة  ، هل غضبت ؟ هل حرَّكت ساكنا تعلن عن غضبك ؟!
 ذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي عمران قال : بعث الله عزَّ وجلَّ ملكين إلى قرية أن
 دمراها بمن فيها، فوجدا فيها رجلا قائما يصلى في مسجده ،فقالا: يا رب ،إن فيها عبدك فلان يصلي .فقال الله عز وجل: دمِّراها ودمِّراه معهم فإنه ما تمعَّـر ( غضب) وجهه فيَّ قط .

وعندما سئلت الصحافية البريطانية ( إيفون رايدلي ) والتي وقعت في أيدي الطالبان قبيل غزو أفغانستان ، عن السبب الذي جعلها تتحول من النصرانية إلى الإسلام  أجابت الصحفية البريطانية قائلة: « لا يمكنني تحديد نقطة واحدة بعينها، لكن يمكنني تحديد اللحظة التي فقدت فيها الإيمان بالمسيحية، كان ذلك خلال حصار ساحة كنيسة المهد ، عندما كان الإسرائيليون يقومون بقصف الكنيسة أكثر الأماكن قدسية في نظر النصرانية، دون أن ينتقد مسؤول كنسي واحد في هذا البلد (بريطانيا) ما يحدث، إذ لم يتوفر لديهم الإيمان الكافي للوقوف والإعلان بصوت عالٍ ضدَّ ما يحدث من تعسُّف، وإذا لم يكونوا حريصين على ذلك، فلماذا أحرص أنا عليه؟

اليوم ينتصر الرجل لنفسه أيما انتصار وشعاره في ذلك : (من رشّك بالماء رشه بالدم ) أما عندما يتعلَّق الأمر باعتداء على الدين وحرمة المسلمين فشعارنا :( للبيت ربّ يحميه ). فرحم الله الصحابة والسابقين كان الواحد ينتصر لدينه ولا ينتصر لنفسه وهو يقدر .
جاء في حياة الصحابة أن سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه لَحِق مشركاُ في معركة جهادية صابرة ، تمكَّن منه فلمَّا هوى بسيفه عليه ،وإذ بذاك الرجل المشرك المقاتل يبصق في وجه الإمام علي ، والإمام علي كان قد تمكن منه ولم يبق بين سيف الإمام وبين رقبة هذا إلا اليسير ، وبمجرد أن بصق في وجهه تركه الإمام علي ، فقيل له : يا إمام : لم تركته ؟ قال لهم : أرأيتم ! لمّا لحقته كنت أسعى من أجل أن أنتقم لله ، أن أجاهد في سبيل الله ، فلما بصق في وجهي خشيت أن يخالط انتقامي لنفسي انتقامي لربي فتركته .
أُحْضِر بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل سكران ، فأمر عمر أن يُحدَّ ، فشتمه ذلك السكران ، فرجع عمر عن ضربه ، فقيل له : لم تركته يا أمير المؤمنين حين شتمك ؟ فقال : إنه لما شتمني غضبت ، فلو ضربته لكان ذلك لغضبي ، لا لربي .
نحن ساعدنا الأعادي
لو رأوا صفا قويا
لأنابوا واستجابوا
غير أن الضعف يغري


بالتواني والرقادِ
مستعداً للجهادِ
ثمَّ ثابوا للرشادِ
كلَّ عادٍ بالتمادي