الأحد، 24 فبراير 2013

في حبِّ الرســول

في حبِّ الرســول

   قد يمرُّ الرجل على شخص يعرفه أدنى المعرفة ، وليس بينهما خصام فيُلقي عليه السلام . وقد يمرّ الرجل على شخص يعرفه أشد المعرفة ، وبينهما عداوة فلا يُلقي عليه السلام . فهل إلقاء السلام دليل على المعرفة أم على المحبة ؟!
وتمرّ على رجل فاضل ذي مكانة تعرفه ولا يعرفك ، فتحييه ، فيرد التحية ، فهل السلام هنا دليل معرفة أم دليل تعظيم وتقدير  ؟!
وتصادف شخصا فتسأله عن بلده ، فتقول أعرف فيها فلان ، له علي أفضال ،كيف هو ؟  فيقول لك خير الناس ، فترسل له تحية وسلاما ، فهل سلامك دليل معرفة أم برهان عرفان لصاحب فضل ؟!
وكذا كان حال المحبين والعشاق في الأشعار ،  فإذا مرّ بهم نسيم رقيق العطر ، ذكَّرهم بالمحبوب ،  فيُحملون النسيم السلام :
نسيم الصَّبا إن زرت أرض أحبتي          فخُصّـــم منّـي بكلِّ سـلامِ
فالسلام بين الناس رسالة حب ، واحترام ، وتقدير ، واعتراف بالجميل ، فكيف تقول أنك مسلم تحبُّ رسول الله r، ويُذكر بين يديك فلا تسلّم عليه ؟!!
لكي نعتاد  السلام على الرسول r  كلما ذُكر ، علينا أن نحب الرسول ، والمحبة كما يقول الغزالي ثمرة المعرفة ، فتنعدم بانعدامها وتضعف بضعفها وتقوى بقوتها .

ومن قصص حبهم للرسولr   :
بعث الرسول r جيشا فيه ابن رواحة وخالد ، فلما صافُّوا المشركين ، أقبل رجل من المشركين يسبُّ رسول الله r فقال رجل من المسلمين : أنا فلان ابن فلانة ، فسبَّني وسُبَّ أمي وكفَّ عن سَبِّ رسول الله . فلم يزده ذلك إلا إغراء ، فأعاد مثل ذلك ، وأعاد الرجل مثل ذلك ، فقال المسلم : لأن قلتَ ذلك لأرحِّلنَّك بسيفي ، فعاد يسبُّ،  فحمل المسلم عليه فولّى الرجل مُدبرا ، فأتبعه حتى خرق صف المشركين وضربه بسيفه ، فأحاط به المشركون فقتلوه .    

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفضل أسامة بن زيد في فرض العطاء على ولده عبد الله بن عمر ، فلم يزلْ الناس بعبد الله حتى كلّم عمر ، فقال : أتفضلُّ عليَّ مَنْ ليس بأفضلَ منِّي ، ففرضت له ألفين وفرضت لي ألفاً وخمسمائة ولم يسبقني إلى شيء ؟ فقال عمر : فعلت ذلك لأن زيد بن حارثة كان أحبَّ إلى الرسول من عمر بن الخطاب ، ولأن أسامة بن زيد كان أحبّ للرسول من عبد الله بن عمر .

وجاء في البداية والنهاية لابن كثير : حينما رُفع خُبيب بن عديٍّ رضي الله عنه على الخشبة ليُصْلب ناداه نفرٌ من قريش يناشدونه : أتحبُّ أن محمدا مكانك ؟ فقال : لا والله العظيم ، ما أحبُّ أن يفديني بشوكة يُشاكها في قدمه ، فضحكوا منه .
وكان الإمام مالك إذا أراد أن يُحدِّث عن رسول الله r توضأ وجلس على صدر فراشه ، وسرَّح لحيته ، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة ، ثمّ حدّث ، فقيل له في ذلك ، فقال : أحبُّ أن أعظّم حديث رسول الله . وكان لا يركب في المدينة مع كِبر سنه وضعفه ، ويقول : لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله r مدفونة .

وفي بداية الألفية الثالثة أجرت إحدى الشركات المرتبطة بشركة مايكروسوفت العالمية على الشبكة العالمية استبيانا حول الشخصيات القيادية التي أثرت في مجرى الألفية الثانية تحت عنوان " شخصيات صنعت الألفية الثانية " ، وكان عدد المصوتين أكثر من 140 ألف شخص  ، فحصل على المرتبة الأولى : محمد r ( صناعة القائد : ص 184 ) .

أويــس القـــرني

أويــس القـــرني

مات الأب ، فجاء الحكيم معزِّيـاً  :
ـ يا بني ، لقد مات مَنْ كان يُكرمك الناس مِن أجله ، فأصلح أمرك مع الناس  ليكرمك الناس  .
وماتت الأم ، فجاء الحكيم ناصحـاً :
ـ  يا بني ، لقد ماتت مَنْ كانت تُكرمكَ الملائكة من أجلها ، فأصلح أمرك مع الله لتكرمك الملائكة .
ومات لأحد الصالحين ولد له ، فشوهد قليل الحزن عليه ، وبعد حين ماتت أمه فشوهد شديد الحزن كثير الجزع عليها ، فقيل له في ذلك فقال :
ـ حزني على ابني من أجله ، وحزني على أمي من  أجلي ، فقد انقطع بموتها أيسر سُبُلي إلى الجنة .
وهذا أويس القرني ، أدرك حياة النبي r و أسلم دون أن يراه .
 يبرُّ أمه ، فيرفع الله تعالى درجته فيصير مُستجاب الدعوة ، ويعرف بخبره عمر بن الخطاب المُبَشر بالجنة ، الذي عزّ الإسلام به ، والذي كان ينظر بنور الله ، مقيم العدل في الأرض ، قاهر الفرس والروم ، فينتظره عاما بعد عام ، ليطلب منه أن يستغفر له ،  لأنه رفيع الدرجة عند الله ، كما رفع درجة أكرم خلقه النبي r  أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، وهذا عمر يطلب من أويس أن يستغفر له .
الأبرار يعرفون الأبرار فيطلبونهم ، ويعرفون لهم قدرهم ، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا صاحب فضل .
تحدث الرسول r عن أويس القرني دون أن يراه ، فقال : إنه من أهل اليمن ، وإنه من بلدة قرن ، ومن قبيلة مراد ، مات أبوه وهو يعيش مع أمه وهو بارٌّ بها ، مرض بالبرص فدعا الله تعالى فشفاه ، وبقي من آثاره مثل الدرهم في ذراعيه ، وإنه لسيد التابعين ، ثم قال لعمر بن الخطاب : " إن استطعت أن يستغفر لك فافعل " . فكان عمر حين أصبح أميرا للمؤمنين يسأل حجاج بيت الله الحرام في مواسم الحج : أمنكم أويس القرني؟ فيقولون : لا . فيقول : كيف تركتموه ؟ فيقولون ـ دون أن يعرفوه ـ : تركناه قليل المتاع ، رثَّ الثياب . فيقول لهم : ويحكم لقد حدّث عنه رسول الله : إن استطعتم أن يستغفر لكم فافعلوا . وكان عمر في كل عام ينتظر أويسا .
وتصادف مرّة أن جاء مع حجاج اليمن ، فلقيه عمر ، فأراد أن يستوثق منه . فسأله : ما اسمك؟ قال : أويس . قال : من أي بلاد اليمن ؟ قال : من قرن . قال : من أي قبيلة منها ؟ قال : من مراد . قال : كيف أبوك ؟ قال : أما أبي فقد مات ولي أم تعيش معي ، قال : وكيف حال أمك ؟ قال أويس : أرجو أن أكون بها بارّا . قال عمر : هل مرضتَ قبل ذلك ؟ قال : نعم ، مرضت بالبرص فدعوت الله فشفاني . قال : هل بقي من أثره من شيء ؟ قال : نعم ، في ذراعي مثل الدرهم . وكشف له عن ذراعه ، فلما رأى عمر ذلك اعتنقه ، وقال : أنت الذي حدّث عنك رسول الله r فاستغفر لي . فقال : أنا أستغفر لك يا أمير المؤمنين ؟! قال : نعم . وما زال عمر يلح عليه حتى استغفر له . ثم سأل عمر اويسا عن وجهته بعد موسم الحج ، فقال : إني ذاهب إلى أهل من مراد في العراق . قال عمر : أكتب إلى والي العراق عنك . قال : أقسمت عليك يا أمير المؤمنين ، ألا تفعل ، دعني أسير في غبراء الناس لا يؤبه لي . ( حكايات الصالحين : 219)
وروى أبو نعيم في الحلية ، عن الرسول r : " يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومُضر " .

ورقـة أم جـــذع

ورقـة أم جـــذع
أم هبــــاء منثـــور !     

  في ليلة مباركة من ليالي هذا الشهر الكريم نزل الوحي الكريم على الرسول الكريم  r في غار حراء ، فأخذه وغطّه ، وعلَّمه :] اقْرَأْ باسْمِ َربِّكَ الَّذيْ خَلَق[ ، فعاد الرسول إلى مكة يرتعد خوفا من هول ما رأى ، فبث خوفه لخديجة رضي الله عنها ، فأخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل أعلم أهل مكة ، ولما قصَّ الرسول  rعليه الخبر ، قال له ورقة:
"  هذا الناموس الذي نزَّله الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك " . سبحان الله ، اسمه ورقة ، ويتمنى أن يكون جذعاً في شجرة الإسلام المباركة !!  وتمرُّ أيام قلائل ويموت ورقة بن نوفل ، وتمرًّ السنون ويهاجر محمد r إلى المدينة المنورة ، ويبني مسجدا ، ويجعل منبره جذع نخلة يقف عليه ، وللجذع خبر يرويه الثقات يذكرنا بأمنية ورقة بن نوفل . فقال جابر بن عبد الله : "كان المسجد مسقوفا
على جذوع النخل، فكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صُنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العِشار " . وفي رواية أنس : "حتى ارتجَّ المسجد لخواره " . وفي رواية سهل: " وكَثُر بكاء الناس لمِـا رأوه به". وفي رواية أخرى " وانشق حتى جاء النبي ـ
 rـ فوضع يده عليه فسكت، فقال عليه الصلاة والسلام : إن هذا بكى لما فقد من الذكر" .وزاد غيره : والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة ، تحزُّنـًا على رسول الله، فأمر به فدُفن تحت المنبر، وهذا الحديث أخرجه أهل الصحة ورواه من الصحابة الكثيرون .
جذع النخلة يبكي لفراق الحبيب المصطفى له ، لأنه ليس قطعة من خشب ، بل أُمنية عالِم مكة وحكيمها ، وحظي الجذع بما لم يحظ به ورقة ، فحق للورقة التمني وحقّ للجذع البكاء.
ويُقبر الجذع تحت المنبر الجديد الذي جُعِلت له ثلاث عتبات ، وذات يوم صعد الرسول
r المنبر ، وسمعه الصحابة يقول عند كلّ عتبة : آمين . وجاء خبر ذلك في حديث رواه ابن حبان في صحيحه ، وصححه الشيخ الألباني ، عن  أبي هريرة  :
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رقي المنبر ، فقال : آمِينَ ، آمين ، آمين ، فقيل له : يا رسول الله ، ما كُنْتَ تَصنع هذا ؟ ! فقال : قال لي جبريل : أرغم الله أنف عبد أو بَعُدَ دخل رمضان فلم يُغفر له ، فقلت : آمين . ثم قال : رَغِمَ أنفُ عبد أو بعد أدرك  والديه أو أحدَهما ولم يدخله الجنة ، فقلت : آمين . ثم قال : رغم أنف عبد أو بعد ، ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليك . فقلت : آمين .
ثلاثُ عتبات مباركات ينتظرن ثلاثَ خطوات ، أمام بوابة هذا الشهر الفضيل تُفضي كلُّ عتبة منها إلى خير دار .
خطوة صبر يجتاز المسلم بها عتبة رمضان ليدخل باب الريان  .
وخطوة صدقٍ يعبر بها المسلم عتبة برِّ الوالدين ليدخل باب الرحمة .
وخطوة محبة يمشيها المسلم ليعبر بها عتبة الصلاة على الرسول الكريم  ليدخل باب المحبة.
وهذا رمضان قد حطّ رحاله في الديار ، جاء يحملنا إلى روضة ربِّ غفّار ،  فتزودوا منه قبل رحيله ، فقد جمع الشهر الكريم أدواء القلب الخمسة ، تلك الأدواء التي جمعها الشيخ زين الدين المليباري في قوله شعرا :
دواء القلب خمسة : قراءة القرآن بتدبر المعنى وللبطن الخلا
 وقيام ليل ، وتضرع بالسحر ، ومجالسة الصالحين الفُضلا
.

الاثنين، 27 أغسطس 2012

الإمام يتعلم درسا من لص

  
إنه لأمر عجيب أن ترى بعض أهل الضلال يثبتون على ضلالتهم ويدافعون عن ضلالتهم بكل حزم وإصرار ، ويتحملون في سبيل ضلالتهم المشقات والصعاب ، وينشغلون في تنميتها وتمكينها ، ولا أمل في الجنة ، وفي ذات الوقت ترى أهل الحقّ يتخلون عنه عند أول صدمة ، ويتنصلون منه عند أول ابتلاء ، وهم يطلبون الجنّة ، لاحظ ذلك الخليفة الفاروق عمر ، فكان يستعيذ منه :
اللهم إني أعوذ بك من جَلد الفاجر ، وعجز الثقة .
ولله درّ تلك النفس الأبية التي وجدت في تلك الظاهرة زلزالا يزلزلها :
يكادُ يزلزلُ في همتي    سدورُ الأمينِ وعزم المريب
والله إنها لإحدى الكبر أن ترى طالب الدنيا الفانية يجد ويجتهد ، ويواظب ويواصل ، ويستدرك ويصبر ، وترى طالب الآخرة الباقية متكاسلا متماوتا ، لا يتم عملا ، ولا يصبر على عنائه ، ينام على فراش الأمل الكاذب ، يتوسد التسويف ويتدثر بالآمال الكاذبة ، فيحتفل بأضغاث الأحلام ، حتى إذا استيقظ على كارثة أو هزيمة راح يتمغط كسلا ، وجلس يتثاءب بملء شدقيه ، ويدعو بالنصر والتمكين ، ويسأل الله تعالى جنة عرضها السموات والأرض .
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : كنت كثيرا أسمع والدي يقول : رحم الله أبا الهيثم . غفر الله لأبي الهيثم . عفا الله عن أبي الهيثم .
فقلت : يا أبتِ من أبو الهيثم ؟ فقال : لما أخرجت للسياط ومدت يداي ، إذا أنا بشاب يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي : تعرفني ؟ قلت : لا . قال : أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار ! مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق ، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا ، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدِّين .

الجمعة، 24 أغسطس 2012

كن راحلة في الإسلام .. ننتصر بك !!

عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّمَا النَّاسُ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً " . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ  ".
راحلة أي : ناقة شابة ، قوية ، مرتاضة ، تصلح للركوب ، فكذلك لا تجد في مائة من الناس من يصلح للصحبة ، وحمل المودة وركوب المحبة ، فيعاون صاحبه ويلين له جانبه .
نقرأ في التعليق على هذا الحديث عند عموم الشارحين ..
" .. هذا الحديث مشتمل على خبر صادق ، وإرشاد نافع. أما الخبر، فإنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر أن النقص شامل لأكثر الناس، وأن الكامل – أو مقارب الكمال – فيهم قليل، كالإبل المئة، تستكثرها. فإذا أردت منها راحلة تصلح للحمل والركوب، والذهاب والإياب، لم تكد تجدها. وهكذا الناس كثير ، فإذا أردت أن تنتخب منهم من يصلح للتعليم أو الفتوى أو الإمامة، أو الولايات الكبار أو الصغار، أو للوظائف المهمة، لم تكد تجد من يقوم بتلك الوظيفة قياماً صالحاً .. "
ويمكن النظر في الحديث من الوجه المتفائل المبشّر ، فيمكن القول أن الناس لكي يصلح حالهم يكفي أن يكون فيهم واحد بالمئة من الأفراد يتمتعون بسمات الرواحل ، ففي قرية عدد سكانها ثلاثة آلاف نسمة يتغير حالها ويصلح أمرها إذا توفر فيها ثلاثون فردا يتصفون بصفات الراحلة القدرة على حمل هم من هموم الدعوة ، وصفات وخصائص الراحلة المسلمة هي صفات حزب الله الخمس الأساسية المذكورة في قوله تعالى :
{  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{54} إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ{55} وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } { المائدة : 56 }  

الخميس، 23 أغسطس 2012

على طريق الربانية ..

نقرأ في معاني  الربانيين في قوله تعالى :
{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } [آل عمران:79]
قال سعيد بن جبير: العالم الذي يعمل بعلمه، 
وعن ابن عباس: فقهاء معلمون.
وقيل: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره،
وقال المبرد: هم أرباب العلم سُموا به لأنهم يربون العلم، ويقومون به ويربون المتعلمين بصغار العلوم. 
 وجاء في كنز العمال 4/70 : أن رجلا ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: صف لي الجنة، فقال النبي: فيها فاكهة ونخل ورمان. وجاء رجل آخر إلى النبي يسأله: صف لي الجنة يا رسول الله، فقال له: سدر مخضود وطلع منضود وفرش مرفوعة ونمارق مصفوفة. وجاء رجل ثالث: صف لنا الجنة يا رسول الله، فقال: فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. وجاءه رجل رابع: صف لنا الجنة يا نبي الله فقال: فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.فقالت له السيدة عائشة: ما هذا يا رسول الله؟ فقال لها صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم!

في مقدمة صحيح مسلم عن ابن مسعود، قال: ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة .
وعن ثمامة بن أشرس قال : شهدت رجلا وقد جاء خصما إلى بعض الولاة ، فقال الرجل : أصلحك الله ، أنا رافضي ناصبي ، وخصمي جهمّي مشبّه ، مجسِّم قدري ، ويشتم الحجاج بم الزبير ، الذي هدم الكعبة على علي بن أبي سفيان، ويلعن معاوية بن أبي طالب .
فقال له الوالي : ما أدري مما أتعجب ، من علمك بالأنساب ، أم من معرفتك بالألقاب ؟!
فقال الرجل : أصلحك الله ، ما خرجت من الكتاب ، حتى تعلمت هذا كلّه .
وقل لأحدهم : أيهما أفضل أبو بكر أم علي ؟ قال : علي أفضل . قيل : وكيف عرفت ذلك : قال : لأن أبا بكر لما مات مشى علي في جنازته ، ولما مات عليّ لم يمشِ أبو بكر في جنازته .
فأين الربانيون الذين يأخذون بأيدينا في الدين برفق ، حتى تستوعب عقولنا أسس الدين ، وتطمئن قلوبنا بحقائقه ، وتنشط أجسادنا في الطاعات ، قبل أن يدخلونا في أودية المتشابهات، وزراديب الخلافات ، ومتاهات الفرق ، ومزالق السياسات  ؟؟  

الأربعاء، 22 أغسطس 2012

حطب جهنم وسؤال مشروع ..!!

نقرأ في القرآن الكريم :( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )
ونقرأ : ( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)
  ونقرأ :( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ )
ونقرأ : ( إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ )
ونقرأ: (وَإِنْ تُطَع أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)
ونقرأ في الحديث الشريف :  عن ابن عباس –رضي الله عنه- قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: ( عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان والنبي ومعه الرهط والنبي وليس معه أحد ...) [ متفق عليه ]
وهذا يوصلنا إلى أن أغلب الناس يدخلون النار ، فكيف ذلك ؟  
روي أن عجوزا سألت عالما :
أين رحمة الله بعباده ، وأغلب أهل الأرض يدخلون النار والعياذ بالله ؟!
فقال العالم : ألك نخل ؟ قالت : نعم ؟
قال : أتحبينه ؟ قالت : نعم .
قال : أيهما أكثر خشبه أم ثمره ؟ قالت : خشبه .
قال : فأين يذهب خشبه الكثير ؟ قالت : إلى النار .
قال : فأين حبك للنخلة ؟! فسكتت .
ولكي تصير المسألة أكثر وضوحا نتعرف إلى حقيقتين متفق عليهما :
الأولى : الكون في معظمه مظلم حالك الظلمة ، فالظلام هو الأصل والنور هو الاستثناء ، والقرآن يذكِّرنا أن الإيمان نور والكفر ظلام .
الثانية : الكون في معظمه ميت لا حياة فيه ، والحياة على الأرض استثناء ، والقرآن الكريم يذكرنا أن الكفر موت والإيمان حياة .
فكيف تعجب عندما تعلم أن معظم الناس في النار ؟!!
ويوجهنا الفضيل بن العياض  لترك الجدل :
' اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين'.

الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

التافهون للتافهات

قال الجاحظ : وذ ُكر لي عن أبي بكر الهذلي قال :كنا عند الحسن البصري إذ أقبل وكيع بن أبي سود فجلس، فقال يا أبا سعيد : ما تقول في دم البراغيث يُصيب الثوب: أيصلي فيه ؟ فقال : يا عجبا ً ممن يلغ في دماء المسلمين كأنه كلب ، ثم يسـأل عن دم البراغيث !! فقام وكيع يتخلج في مشيته كتخلج المجنون ، فقـال الحسن :إن لله في كل عضو منه نعمة فيستعين بها على المعصية، اللهم لا تجعلنا ممن يتقوى بنعمتك على معصيتك .
في حرب عام 1948 التي ضاعت فيها فلسطين وشرد أهلها في بقاع الأرض ، تلك الحرب التي انهارت فيها جيوش العرب أمام عصابات الصهاينة ، تلك الحرب التي قال فيها محمد فوزي أحد وزراء الخربية في مصر : لو أطلق كل جندي مصري رصاصة واحدة لهزمت إسرائيل ، في تلك الحرب أرسل الملك فاروق إلى ملك الأردن أن شكاوي كثيرة تأتيه من الجبهة لأن علم الأردن مرفوع على بعض المواقع أعلى بعشر سنتميترات من علم مصر .
ووفي عام 1999 اجتمع الرئيس الأمريكي بل كلينتون مع زعماء الهنود الحمر لأول مرة في التاريخ الأمريكي في البيت الأبيض، ومن المعروف أن الرجل الأبيض دخل أمريكيا بالحديد والنار ، وأباد الهنود الحمر ولم يبق منه اليوم إلا ما يقارب من المليون ونصف يعيشون في محميات تنتشر بينهم الأمراض الجنسية ، ويقضون الوقت في لعب القمار وشرب الخمور .
كان أهم مطلب لزعماء الهنود الحمر من الرئيس الأمريكي أن يوفر لهم كميات من ريش النسور ليزنوا به رؤوسهم في الاحتفالات ، لأنهم يجدون صعوبة في الحصول عليه .
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ , وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلاقِ , وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا " .

جهاز لكشف بضاعة السلطان .. !!

تعلمنا كتب التاريخ كيف نكشف ما يدور في كواليس الحكام والسلاطين ، وتمدنا بمنظار سحري يمكننا أن نعرف ما تخفي ابتسامتهم وخطاباتهم أمام الناس ، منظار يكشف لنا ما يدور في قصورهم وأنديتهم ، ويريحنا من عناء التحري والبحث .
وروي أن سليمان بن عبد الملك قال لأبي حازم الفقيه : عظني وأوجز .
فقال : إنما أنت سوق من الأسواق ، فما نفقَ عنكم حُمل إليكم ، فاختر لنفسك ما أحببت ، إن أردت الحق أتاك أهله ، وإن أردت الباطل أتاك أهله ، والناس على دين السلطان إلا قليل ، فيكن للبر والمروءة عندك نُفاق ، فيكسد بذلك الفجور والدناءة في الأرض .
وذُكر عن الطبري في تاريخه أنه قال :
( كان الناس إذا أصبحوا في زمن الحجاج يتساءلون إذا تلاقوا: من قُتل البارحة ، ومن صُلب ، ومن جُلد ؟؟  وكان الوليد بن عبد الملك صاحب بناء ، واتخاذ المصانع والضياع ، وكان الناس يلتقون في زمانه،  فيسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانع والضياع،  فولى سليمان بن عبد الملك،  فكان صاحب نكاح وطعام،  فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن التزويج والجواري،  فلما ولى عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون، فيقول الرجل للرجل : ما وراءك الليلة،  وكم تحفظ من القرآن  ومتى تختم وما تصوم من الشهر).
فإذا أردت أن تعرف بضاعة السلطان أو الحاكم السريّة في بلد ، فاسمع ما يتحدث به الناس علانية في الأسواق ..  
و عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ عَمِلَ فِي صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لا بَابَ لَهَا وَلا كُوَّةَ لأَخْرَجَ اللَّهُ , عَزَّ وَجَلَّ , عَمَلَهُ كَائِنًا مَا كَانَ " .

كم يساوي الإنسان بلا روح ؟؟

إذا جئنا بإنسان زنته 70 كغم ، وجدنا أن جسمه يتكون من  :
كمية  من الدهن تكفي لصنع سبعة قطع من الصابون ، وكمية من الكربون تكفي لصناعة  سبعة أقلام رصاص ، و كمية  من الفوسفور تكفي لصنع رؤوس 120 عود كبريت ، وكمية من الحديد تكفي لعمل مسمار متوسط الحجم ، وكمية من الشيد تكفي لطراشة غرفة صغيرة ، كمية  من الماء تملأ برميلا سعته 45 لتر ، فيكون سعر الإنسان مواد  مصنعة أقل من خمسة دنانير .
فما الذي يجعل الإنسان لا يبيع أصغر أصابعه بآلاف الدنانير ؟
إنها الروح ، تلك النفخة الربانية المباركة  في هذا الجسد المادي ، فالإنسان جسد وروح ،  قال تعالى :   
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍJ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍJثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ

فقد نفخ الله تعالى من روحه النورانية الباقية في هذا الجسد الطيني الزائل ، فصار الجسد سجنا للروح  ، فكان الصراع بين روح تسمو إلى سماء الفضائل وجسد يهفو إلى أرض الرذائل ، روح تشد الإنسان إلى المعالي ، وجسد يشد الروح إلى شهواته .
الجسد هو الصدفة ، والروح هي اللؤلؤة الثمينة  .
الجسد هو القفص ،  والروح هي الطائر الغرِّيد .

وكان رمضان ، وكان الصيام فريضة من الله لتزكو به النفوس وتطهر وترتقي ، قمع لشهوات الجسد لإضعاف أسوار سجن الروح لعلها تشرق بنور ربها ، وتتحر من قيود الجسد وشهواته .
هذه قصة طريفة وغريبة عن فقير بنى مسجدا لله في منطقة " فاتح " في اسطنبول ، واسم ذلك الجامع بالتركية " صانكي يدم " أي " كأنني أكلت " !! .
ولهذا الاسم الغريب قصة اغرب وأعجب ، كان يعيش في منطقة " فاتح " شخص فقير وورع اسمه " خير الدين كججي أفندي " ، كان هذا الرجل عندما يمشي في السوق وتتوق نفسه لشراء فاكهة أو لحم أو حلوى ، يقول في نفسه : " صانكي يدم " أي " كأنني أكلت " ، ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له،  ومضت الأشهر والسنوات ، وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل ، ويكتفي بما يقيم أوده فقط ، وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا ، حتى استطاع بهذا المبلغ الموفور أن يبني مسجدا صغيرا في محلته ، ولما كان أهل المحلة يعرفون قصة هذا الشخص الورع الفقير ، وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد ، فقد أطلقوا على الجامع اسم "جامع صانكي يدم" .
وجاء في ترجمة الإمام الغزالي :
لما أحس أبا حامد الغزالي دنو أجله ، قال لبعض أصحابه : ائتني بثوب جديد ، فقال له : ما تريد به ؟ قال أبوحا مد سألقى به الملك . فجاءوه بثوب، فطلع به إلى بيته ، وأبطأ على أصحابه فلم يعُد . فذهب إليه أصحابه يستطلعون نبأه، فإذا هو ميت، وعند رأسه ورقة كتبت فيها هذه الأبيات:
قل لأخوانٍ رأوني ميتا
أتظنوني بأني ميتكم
أنا في الصّور وهذا جسدي
أنا عصفور وهذا قفصي
لا تزعجكم هجمة الموت فما


فرثوني وبكوا لي حزنا
ليس هذا الميت والله أنا
كان بيتي وقميصي زمنا
طرتُ عنه وبقي مرتهنا
فما هي إلا نقلةٌ من هاهنا