الجمعة، 27 يوليو 2012

من عجائب برّ الأب ..!!

من عجائب برّ الأب ..!!    

وكان لأمية الكناني ولــد يقال له كُلاب ، كبر بين يديه حتى أصبح شاباً فتياً يافعاً ، وكان كُلاب هـــذا عابداً زاهداً باراً بوالديه ، فأحبه أمية أشد ما يحب الأب ابنه ، فتعلقت به نفسه. وذات يوم نادى الخليفة عمر  بن الخطاب للخروج إلى الجهاد ، فجاءه أمية ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إني والله أحب الجهاد في سبيل الله ، وما يمنعني اليوم من الخروج إليه إلا ضعف جسدي وكبر سني ، فلما أحسّ الابن برغبة والده قام ابنه الوحيد كٌلاب فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أبيع الله نفسـي ، وأبيع دنياي بآخرتي ، فتعلق به أبوه، وقــال : لا تدع أبويك شيخين كبيرين ضعيفين ربياك صغيراً ؛ فمــا زال كلاب بأبيه يحاول فيه ويرضيه حتى أذن له بالخروج إلى الجهاد.
وخرج كلاب إلى الجهاد فغاب عن أبويه ، وكان أمية كلما تذكر ولده كلاب بكى وبكت زوجتــه ، وذات يوم جلس أمية خــارج بيته فـرأى حمامة تُطعم فراخها ، فتذكر ابنه كلاب وأخذ يبكي ، ثم أنشد قائلاً :
لمـن شيخـان قـد نشدا كلابا
فإنك والتماس الأجـــــــــــــر بعــدي

كـتاب الله لــو قبل الكتابا
كباغي المـــــــــاء يتبع الســـــــــــــــرابا
وازدادَ بكاء أمية على ولده حتى ضعف بصـره - ويقال عمي بصـره - فقال سأذهب إلى عمر وأقسم عليه أن يرد عليَّ ابني ، فردته زوجته ، فنهرها وذهب ، فلما دخل على الفاروق رضي الله عنه ، أنشد فتأثر عمر تأثراً بالغاً ، وأرسل إلى أمير الجيش في العراق أن يردَّ كلاباً ، فأمر أمير الجند كُلاب أن يرجع إلى المدينة ، فرجع كُلاب لا يدري ما الأمر ، ولا يدري لمـاذا خُص بهذا الخطــاب ، ولما وصــل المدينة ذهب إلى عمــر بن الخطاب قبل أبويه ، فقال له عمر : يا بني ما بلغ من برك بأبيك ؟ فقال كـلاب : كنت أؤثره على نفسـي وأكفيه أمره ، وكنت إذا أردت أن أحلب لــه لبناً أجيء إلى أغزر ناقة في إبلي فأريحها ، وأتركها حتى تستقر، ثم اغسل ضروعها حتى تبرد، ثم أحلب له فيخرج الحليب بارداً، ثم أسقيه إياه، فأرسل عمر إلى أمية أن يحضـر إليه ، فجاء أمية يتهادى قـد انحنى ظهــره ، فلما جلس قال له عمر : يا أمية ، كيف تجدك ؟ فقال:كما ترى يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : يا أبا كلاب ، ما أحب الأشياء إليك ؟ قــال أمية : ما أحب اليوم شيء ، ما أفرح بخير ولا يسوءني شر ، فقال عمر: ومع ذلك يا أمية ما  تتمنى ؟ فقال أمية : بلى ، أتمنى كلاب ، أحب أنه عندي فأضمه ضمه ، وأشمه شمة ، فرق له عمر وقال : ستبلغ ما تحب إن شاء الله.  
وأمر عمر كلاب أن يحلب الناقة كما كان يحلبها لأبيه ، ثم أخذ عمر الإناء الذي فيه الحليب وأعطاه لأمية وقــال : اشرب يا أبا كـلاب ، فلما قــرب أمية الإناء من فمه ، توقف برهة وقال : يا أمير المؤمنين ، والله إني لأشم رائحة يديّ كلاب ، فجاء عمر بكلاب لأمية وقال :هذا كلاب يا أبا كلاب ، فوثب أمية من مكانه وضم ابنه وهو يبكي ، فبكى كلاب لبكاء أبيه ، وبكى عمر لبكائهما ، وبكى الجميع حتى ضج المجلس بالبكاء.
وقال عمر لكلاب:يا كلاب،ألزم أبويك وجاهد فيهما ما بقيا ، ثم شأنك بنفسك بعدهما ، وأمر بعطائه وصرفه مع أبيه .

ليست هناك تعليقات: